قائمة شندلر1993(ستيفن سبيلبرج):تتويج المذبحة

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4532 - 2014 / 8 / 3 - 00:30
المحور: الادب والفن
    

قائمة شندلر1993(ستيفن سبيلبرج):تتويج المذبحة
ربما يكون هو من اشهر افلام ستيفن سبيلبرج واكثرها نجاحا على المستويين النقدي والتجاري،وهذا الامر لاينفي وجود افلام اخرى لهذا المخرج لاقت نجاحا جماهيريا هائلا،فقد يكون المخرج الامريكي الأول تحقيقا للايرادات على شباك التذاكر،ومع اهتمامه بافلام الخيال العلمي مع اضفائه عليها طابعه الفني الخاص،ونحن هنا لسنا ضمن مناقشة او تحليل سينما هذا المخرج أو الفيلموجرافيا الكاملة له..
ستيفن سبيلبرج هو من الجيل السينمائي الثاني مع بريان دي بالما وسيدني بولاك وفرانسيس فورد كابولا ومارتن سكورسيوزي وهو الجيل الذي دعي ذات مرة بجيل(اصحاب اللحى) وان كان الاخير لم يشتهر باللحية الطويلة اطلاقا،وهو الجيل الذي تلقى السينما من ناحية اكاديمية قبل ان تبرز موهبته السينمائية لذا فهو من الجيل الذي جمع بين الموهبة والدراسة...
بالنسبة للنزعة اليهودية عند سبيلبيرج فهي واضحة ولا يمكن انكارها أو التغاضي عنها،وحتى لو كان أمريكيا يعاني الاندماج الكامل في المجتمع الأمريكي من دون اي عقدة اضطهاد على شاكلة زميله(وودي الن) إلا أن ديانته اليهودية ظلت تراوده من فترة الى اخرى وكان قد عبر عن ذلك لأكثر من مرة وربما احيانا بطريقة اثارت العرب والمسلمين.
ونحن ان كنا قد طرحنا ولأكثر من مرة افكار وفنيات عباقرة يهود ولكن الحالة مختلفة هنا،فكيسلوفسكي مثلا اعلن اكثر من مرة الحاده وعدم ارتباطه بالفكر الديني اساسا،بينما ظلت حالة كافكا رائد الكتابة الكابوسية،وربما الكاتب الأبرز في القرن العشرين برمته مشكوكا فيها مثيرة في الوقت نفسه جدلا كبيرا بين النقاد والكتاب،وعلى الغالب فكافكا ان لم يكن بعيدا عن العقدة اليهودية فهو لم يعبر عنها في اي رواية من رواياته ولا حتى في قصته القصيرة (بنات آوى وعرب).
مع التاريخ تبدأ احداث الفيلم،عام 1939 هزم الجيش الألماني الجيش البولندي في غضون اسبوعين والانتصار حمل معه مباشرة اعادة تسجيل جميع العائلات اليهودية وشندلر هو احد اعضاء النازية الذي سيحقق لاحقا ثروة من خلال استغلاله ليس فقط للعمالة اليهودية الرخيصة،بل ايضا رؤوس الأموال اليهودية...
سبيلبيرج ومن خلال فيلمه الطويل هذا،الرائع والناجح بالرغم من كل شيء يحاول أن يؤرخ للمذبحة (الهولوكست) ومن كل النواحي،حيث نراه يستخدم الأبيض والأسود في الفيلم مؤكدا على الصبغة الوثائقية وهو الذي يبرز المنحى القوي والواضح في الفيلم،وكأنه يحاول ان يوثق المذبحة ولولا المنحى الشخصي القوي لشخصية شندلر لقلنا ان الفيلم عبارة عن توثيق سينمائي ليس الا..
الفيلم قوي جدا من هذه الناحية وحافظ على اتزان يميل اكثر نحو السينما والناحية الفنية اكثر من الناحية الوثائقية(الابيض والأسود) وبالتالي لم يكن سبيلبرج مؤرخا سلبيا ابدا فهو غير محايد اتجاه هذه المذبحة ونحن لانقصد منه ان يكون محايدا...
يظهر سبيلبرج عبارات بين فترة واخرى يقصد فيها التأريخ وتأكيد الوثائقية،وهي على العموم عبارات لاتشبه عبارات غودار -غير المحايد اتجاه القضية الفلسطينية- التهكمية ابدا.
في البداية يحاول شندلر الاستثمار من خلال اليهود مستخدما المحاسب اللامع (اسحق شتيرن-بن كينغستلي) للأستثمار من خلال الجيش الألماني وهي الصفقة الرابحة في ذلك الوقت من خلال صناعة الأواني وتوريدها للجيش،وهو سوف يكون الواجهة لكل ذلك...
ولكن ومع انتقال اليهود الى احياء الغيتو عام 1941 يستيقظ الانسان في داخله...
ويطيل سبيلبيرج تصوير هذه الفترة الوحشية التي راح ضحيتها اكثر من عشرة آلاف يهودي،من قتل عشوائي وجماعي وبالجملة(تطهير عرقي)،من قتل على اتغام مودزات وباخ،الى قتل نزلاء المستشفيات،ويؤرخ سبيلبيرج تأريخا دقيقا لفترة حكم( جوث آمون-رالف فينيس) السادي المصاب بالعصاب والذي يستمتع احيانا بالقتل.
لاحقا وعندما تصبح غرف الغاز أمرا محسوما مؤكدا يعد شندلر قائمة مكونة 1100 يهودي بحجة انه بحاجة اليهم للعمل في مصنعه وهو الذي سيعرف لاحقا بقائمة شندلر،وهي قائمة ستكلف شندلر ثروة طائلة...
إذا مع اطالة سبيلبيرج للسرد فهو لايعمل أبدا على تأويل التاريخ،فالفيلم مشهدي لايروى باكثر مما قلناه عنه،وشندلر شخصية حقيقية،أما الهولوكست فهو مأساة بشرية حقيقية...
هناك عدة نقاط تثار حول موضوع المذبحة اليهودية،فان قلنا ان احدها هو الواقع الفلسطيني ربما عندها سيشعر القارئ بملل كبير من شدة تكرار هذا الموضوع،على اننا في خضم تحليل فني وليس في تحليل سياسي،ولكن هل علينا أن نؤمن ايمانا تاما بحدوث هذه المذبحة وإلا سوف ننعت بلقب(ضد السامية) التي تعتبر تهمة عظمى في اوروبا،وعندما يقول شخص مثل غارودي ان عدد اليهود في اوروبا كلها لم يصل الى ستة ملايين يهودي فالارقام مبالغ بها جدا،عند ذلك سيصادر كتابه من السوق وسيطبق عليه قانون غايسو...
اذا المذبحة حتمية تاريخية لايجوز اعادة تأويلها،علما أن هناك الكثير من الحقائق والمعارك التاريخية تم تأويلها والنظر اليها من وجهات نظر اخرى مختلفة،ومن ثم ايضا ما المختلف في هذه المذبحة عن المذابح التي تحدث في كل يوم واحيانا لايعلم بها احد...إذا كان كذلك فالهولوكست حجة واهية للحصول على وطن بديل،وهذا الوطن قائم على مذبحة لاتقل في معطياتها عن مذبحِة غرف الغاز نفسها...

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات