أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 25














المزيد.....

سيرَة حارَة 25


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 14:15
المحور: الادب والفن
    


1
هذه الدار الأثرية، المحروسة بعريشتيّ ياسمينة ومجنونة، هيَ الوحيدة الباقية من بيوت زقاقنا القديمة، التي كانت تعبق بأريج الجنائن وتنطق بمفردات الجمال والأصالة والبساطة....!
في الدار تلك ( المؤسسة قبل حوالي قرنين من الزمن )، تفتحت وأغمضت عبون أجيالٍ تسعة منذ أن حلّ فيها جدّ أجدادنا، الذي بنى بيديه مداميكها الأولى؛ هوَ من كان قد غادر أبداً منزل أسرته، المستلقي في سفح مازي داغ ( جبل أشجار العفص ) بولاية ماردين البعيدة....!
هنا في هذا البيت الدمشقي ما زالت أصوات أصحابه، ممن أقاموا فيه جيلاً إثر آخر، تصدى في أرجاء المكان؛ وما فتأت ضحكات السمّار والضيوف تتردد في جنبات الليوان. هذا الأخير، كان له بابٌ ينفتح على حجرة صغيرة استخدمها جدّي لأبي كمضافة ( أو مكتب بلغة زمننا )، بما أنه كان يشغل منصب زعيم الحارة: الحاج حسن ميقري، ورد اسمه في السجلات الرسمية الفرنسية الخاصّة بحكومة الانتداب وبصفة وظيفته هذه. إلا أنّ الجدّ، علاوة على ذلك، عُرف كعالم دين ورجل خير لم يكن يشغله سوى راحة أهل حيّه. مخطوط ديوان شعره ( المتضمن أيضاً خواطر وحكم )، يحتفظ به أحد أحفاده وكان هذا يفتخر بعرضه، بين حين وآخر، على مرأى من أعين أصدقائه. حينما توفي جدّي لأبي، لم تكن والدتنا قد ولدت بعد. غير أن الأمّ كانت قد سمعت أشياء كثيرة، تخصّ شخصية جدّنا، فاعتادت أن تذكره حينما كان يُعرض مسلسل " باب الحارة " مُشبهةً إياه بالزعيم أبو صالح ( الفنان القدير عبد الرحمن آل رشي )؛ الذي كان هو بنفسه من أقران طفولتها..

2
عقد الثمانينات؛ هو العمر المتأجج بشعلة الشباب والحيوية والآمال الكبيرة. في مستهلّ ذلك العقد، كنا مجموعة من الأصدقاء المتقاربين في السنّ والفكر على حدّ سواء. معاً، كنا نغشى المكتبات والمراكز الثقافية، صالات الفنون والسينما، المطاعم والحانات والملاهي....!
ليلاً، وفي ساعة متأخرة عادةً، كنت أعود مع أولئك الأصدقاء من المدينة وقد ثقل رأسي بالشراب. وغالباً ما كنا نتمشى من قلب الشام النابض نحو حيّنا القريب نوعاً، مجتازين الشارع الواصل بين ساحتيّ السبع بحرات والشهبندر، ومن ثمّ إلى شارع آخر يبدأ بساحة الميسات وينتهي بساحة شمدين. إلى يسار الساحة الأخيرة، كان يعترض طريقنا الظلّ الهائل لمعهد أبي النور الديني ( مجمع كفتارو ) بمئذنتيه الشاهقتيّ العلو واللتين كانتا في طور الانشاء. إذاك، كنت أرفع رأسي نحو المنارتين مخاطباً اياهما وسَط ضحك الآخرين: " وبعد..؟ إلى أين تصعدان..؟ هل صرتما مركبتيّ أبولو وسويوز؟ "....!
في الحارة، كنت كثيراً ما أسهر في شرفة منزل ابن العم المجاور، الذي يقطنه طلبة أغراب من كرد الجزيرة. وكان بعضهم من أولئك الأصدقاء الحميمين، الموصوفين. ذات ليلة وكان الجوّ ربيعاً، قمنا بتهيئة لوازم الشراب والمازة والعشاء. آنذاك، كنا مهووسين بصنف من المرتديلا الصينية، التي اعتدنا على شرائها من دكان أبو خالد متيني، الكائن في أسفل الزقاق على الجادّة. كلّفتُ صديقين بالذهاب الى الدكان لشراء المرتديلا المطلوبة، فيما كنت منشغلاً مع آخرين في مطبخ الدار. هناك، على البلكون، كان كلّ شيء قد أعد على أحسن ما يكون عندما عاد الصديقان من مهمتهما. وكنتُ آنذاك متلهياً بالحديث، حينما فوجئت بنوع غريب من اللحم يندلق في الصحن أمامي: " ما هذا؟ أين المرتديلا ؟! "، خاطبت الصديقين باستنكار. فأجابني كلاهما بصوت واحد: " المرتديلا نفدت عند أبو خالد، فاشترينا عوضاً عنها علبة لانشون ". فقلت لهما بغضب: " اي هه..! "، فيما كنت أقذف الصحن مع محتوياته من الشرفة ليرتطم من ثمّ بأرضية الزقاق العتم، المهجور........!!!

3
" القربينه "؛ هي البندقية القديمة، وكانت مثل القربة ومحدبّة من أسفلها. على ذلك، ندرك ولا شك لماذا لقّبَ قريبنا بإسم هذه البندقية الأثرية: كان مشويّ الوجه بأنف أفطس، ضخم الجثة بقدمين مقوستين ومفلطحتين....!
ذات يوم، قال لي قربينه وهو يهز رأسه بحركة تعبّر عن حيرته: " ابن عمّك، الأستاذ، في كل مرة ألتقي به وجهاً لوجه فإنه يبدأ بالضحك!.. ولا أعرف لماذا..؟ ". فانفجرتُ بضحكةٍ كخرطوشة البندقية القديمة، قبل أن أجيبه: " والله أنا أيضاً لا أعرف "....!
ابن الأستاذ، كان صديقاً مقرباً لقربينه. هذا الشاب، المتميّز بالحيوية والطرافة، ما أن عرف أن قربينه سيحتفل بزواجه للمرة الثانية، حتى أبدى استعداده لوضع سيارة السوزوكي التي يعمل عليها في خدمته. انطلق قريبنا الشاب أولاً إلى بستان العم الكبير، فجلبَ من هناك جرزة فصّة ( باقة برسيم )، ثمّ عاد ليعقدها في مقدمة السوزوكي. كانت ليلة صيف جميلة، شهدت " تلبيسة " عريسنا قربينه وسط عراضة صاخبة. انتهت العراضة من ثمّ، فركب العريس بجانب قريبه الشاب منطلقين نحو المنزل، الذي يجري فيه العرس والكائن في مساكن برزة. كانت السوزوكي تمضي بسرعة كبيرة، حينما قال سائقها لقربينه: " انظر! سرعة السيارة صارت 120..! "
" ولك شوَيْ شوي، ليش طاير؟! "، هتف به قربينه وقد جحظت عيناه من الرعب. إلا أن صديقه لم يرعوِ، بل زاد من سرعة السيارة. هناك في نهاية طريق أسد الدين، المؤدي إلى مساكن برزة، بدأت السيارة تميل إلى جانب: " يا ساتر!.. هوّرنا! "، قال سائقها فجأة. وكانت السوزوكي ما تزال تهتز وترتفع وتنخفض، مثل ريشة في مهب الريح، فيما كان قربينه يصرخ بأعلى صوته: " ولك شوَيْ شوي، وَيْ وي "........!!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 25