أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 23














المزيد.....

سيرَة حارَة 23


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


1
"ديغول "؛ كما مرّ معنا، كان قد استمدّ لقبه من خدمته الطويلة في الجيش الفرنسي. إنّ خال أمي هذا، كان عصبياً وناريّ الطبع. إلا أنّ شخصيته كانت منفتحة على الحياة والفن والجمال، خصوصاً لكونه قد عاش فترة مديدة ببيروت، حيث تزوج هناك بامرأته الأولى، الأرمنية الأصل. وعدا عن اللغة الأرمنية، أجاد الخال الفرنسية مثل أبنائها....!
" ديغول "، من ناحية أخرى، كان جاراً لآل " قربينه ". وقد دأبَ على محضهم شعورَ النفور، ولم يكن يسرّ بزياراتهم لمنزله. وبما أنّ الخال يملك جهاز تلفزيون ( النادر في ذلك الزمن )، فقد كان مجبراً على تحمّل وجود أولئك الأقارب خلال السهرات؛ والتي كانت تكتمل بهجتها بالعبق المتصاعد من جوارب قربينه....!
ذات ليلة، بدأت شقيقة قربينه بالتجشؤ مرة بعد الأخرى، مُطلقةً من فمها رائحة البصل والثوم. الخال، أخذ إذاك يرسل سهام نظراته النارية إلى تلك المرأة، المعروفة بسذاجتها وبساطتها. على الأثر، إذا بشقيق قربينه الكبير يحرّك مؤخرته الكبيرة باتجاه الخال، فيطلق ما تيسّر من حممها السامّة. عند ذلك، نهض الخال صارخاً بآل قربينه في غضب: " انقلعوا من بيتي، يا حَوَش يا نَوَر "....!
ولكن القدَرَ، شاءَ أن يغدوَ آل قربينه جيراناً للخال في الدار الأخرى أيضاً. إذ توفيَ والد قربينه في مستهل عقد الثمانينات. فكم تضايق ديغول حينما تمّ دفن ذلك القريب في نفس البقعة، المُسجى فيها جثمان شقيقه. ثمّ رحلَ الخالُ إثرَ حياة مديدة وحافلة، وكان ذلك في بداية عقد التسعينات. ولكن، حينما توفيَ شقيق قربينه الكبير، فإنّ حفارَ القبور لم يجد له مكاناً للدفن سوى في قبر ديغول بالذات..!

2
الفتّة، أو التسقية، هي من تقاليد يوم الجمعة عند الشوام. الفطور الصباحي، كان يقتصر في هذا اليوم على التسقية وملحقاتها، كالحمّص والفلافل والفول، فضلاً عن المخلل بأنواعه. ولم يكن الفطور ليكتمل، دونما حضور خبز التنّور، الذي اعتدنا شراءه من " فرن أبو حاتم ". هذا الفرن، الكائن على جادة أسد الدين، كان مُعرّفاً بلقب الفرّان الناريّ الخُلُق، المُقيم في منزل بأسفل الزقاق. هناك، اعتاد الرجل أن يسهر كلّ ليلة مع خلانه بصحبة العرَق، الحرّيف الرائحة، المُعبّق أجواءَ حارتنا....!
في ليالي الصيف خصوصاً، كنا نتمشى إلى الصالحية، كي نستمتع بتناول التسقية وملحقاتها عند " بوز الجدي "؛ وهيَ المطاعم الشعبية الثلاثة، المعروفة بكنية أصحابها، والتي تقع في نهاية سوق الجمعة. أشهر هؤلاء كان " أبو أحمد "، الرجل الكهل والطريف الطبع. وإذ كان يُدرك من لهجتنا بأننا من حيّ الأكراد المجاور، فإنه اعتاد أن يسألنا مازحاً: " الآغوات يريدون التسقية بالشمنة ( أيْ بالسمنة ) أو بالزيت؟ "....!
المطعم الآخر، كان صاحبه هوَ الشقيق الأصغر لأبي أحمد. ولم يكن هذا الرجل بأقلّ ظرفاً من أخيه. فإذا كان الزبون جديداً، فلا بدّ أن يتعرّض لمقلبٍ من قبل صاحب المطعم: إذ كان هذا يلتفت إلى الزبون فجأة، ليطلب منه أن يساعده بإملاء قصعة من ماء الصنبور. إلا أنه كان من المحال أن تُملأ القصعة، طالما أنّ الزبون سيكتشف متأخراً أنها عبارة عن مصفاة ذات قعرٍ مثقوب..!

3
" حسّون "؛ تخلّص من أميته متأخراً، فحصل على الابتدائية بشكل حر. وهكذا صار بإمكان صديقنا مشاهدة أفلام السينما الأجنبية، بعدما كان لا يحضر منها سوى الهندية؛ التي لا تحتاج لترجمة في الواقع، بل فقط لعلبة مناديل " كلينيكس "....!
ولأنّ لغة المثقف، كما هو معروف، لا بد أن تكون مغايرة للغة العوام، فإنّ صديقنا حسون دخلَ في متاهة المصطلحات حتى كاد أن يصبح بنفسه مصطلحاً. وبما أنّ حارتنا هيَ أمّ الألقاب، فقد كان أولادها يتصيدون أيّ هفوة لغوية فصيحة لصديقهم. فإذ أخطأ حسون ذات مرة بلفظ كلمة " تفاهة "، فإن لقبه أصبح " مستر هتافة! ". وفي مرة ثانية، قال حسون لصديقه الموسيقي: على أساس أنك فنان، ولديك شعور مرهق ( قصده: مرهف )؟.. فصار معروفاً بلقب " أبو الشعور المرهق "....!
ولكنّ حسّون، من ناحية أخرى، ورّط نفسه بقراءات معقدة في مجال علم النفس، فاتجه فوراً إلى كتب فرويد وروايات دستويفسكي. هذا الأخير، صارَ معبود صديقنا حيث قرأ له مجلدات عديدة وخصوصاً رواية " الجريمة والعقاب ". وقد تأثر كثيراً بهذه الرواية، إلى حد أنني خشيتُ أن يرتكبَ فعلاً جريمة ( كان قد دخل في صراع مع شقيقه الكبير حول الورثة ) وأن ينتهي أمر العقاب إلى سيبيريا أو تدمر....!
ذات يوم، ذهبَ حسون إلى " مكتبة ميسلون " لشراء رواية جديدة لدستويفسكي عنوانها " المراهق "، وكنت قد نصحته بقراءتها. دخل إلى المكتبة، ثمّ راح يبحث عن مطلوبه هنا وهناك. ولكن عبثاً. عند ذلك، اتجه صاحبنا إلى الموظفة المسئولة وكانت جالسة خلف طاولة المكتب. لسوء حظ " أبو الشعور المرهق "، فإنّ الفتاة كانت ذات فتنة وسحرته فوراً بعينيها الخضراوين، فانقلبَ عنوان الرواية على لسانه إلى " العاشق " بدلاً عن " المراهق".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 23