أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية: الفصل الرابع / 2















المزيد.....

الرواية: الفصل الرابع / 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4480 - 2014 / 6 / 12 - 18:08
المحور: الادب والفن
    


ثمّة أشجارٌ من فصائل غابيّة، حَسْبما لاحظ " جانكو "، تزدهرُ أيما ازدهار في البيئة البحريّة. لقد مرّ خِلَل أفياء عدد من أشجار الكاوتشوكة، ذات الهامات العملاقة والأوراق الصقيلة، أثناء تجواله في القصبة عند غروب يوم أمس، عندما كان في طريقه إلى منزل تاجر السلطان. هوَ ذا في صباح اليوم التالي، يتأمّلُ أختاً لتلك الأشجار، تتطاول بعنقٍ أملس حتى سطح مدخل الدار، المرصّع بقطع من القرميد الزاهي الخضرة ـ كأوراقها سواءً بسواء. العصافيرُ، المترنّمة ثمّة برتمٍ مشترك، لم تلبث أن فرّت سرباً واحداً مع صدور أصوات صهيل الخيل عند بوابة البيت. أفكارُ التاجر الدمشقيّ، عليها كان أن تطير أيضاً مع انتباهه للحركة الطارئة، المنبعثة من تلك الناحية. فكم كانت غبطته غامرة، عندما أبصرَ صديقه الرابي يخطو بسيره المعتاد، الوئيد، فوق سجادة المدخل الباذخة، يتبعه رجلٌ غريب ذو هيئةٍ أوروبيّة: " آه، إنه نائب القنصل البريطانيّ.. "، هتفَ تاجرنا في نفسه وقد تذكّر تواً الشخصَ المقصود. وعلى الرغم من الهدوء، المتسم به مظهرُ صاحب البيت، فإنّ الضيفَ الدمشقيّ اكتنه بسهولة ما تبطنه ملامحه من انفعالٍ وقلق.
" أعتقدُ أنكم تعارفتم مع صديقنا، الآغا الدمشقي، في الليلة السالفة..؟ "
خاطبَ الرابي نائبَ القنصل باللغة العربية، مُشيراً بيَده نحو " جانكو ". هذا الأخير، أومأ برأسه موافقاً ومحيياً في آن واحد. فيما أحنى المخاطَبُ بدَوره قامتَهُ المشيقة، وقد بدا أكثر بروداً. إذ ذاك، توجّه المضيفُ نحوَ تاجرنا: " أين هوَ ذلك البربريّ، الأخرق؟ "، استفهمَ منه بصوت أشبه بالهمس. التاجرُ، أشارَ إلى مدخل البهو، المؤدي إلى حجرات المنزل، قائلاً في لهجة متهكّمة " أعتقدُ أنه ذهبَ في أثر جاريتكم، الجديدة ". فتساءل الرابي وقد ارتفع صوته قليلاً: " أيّ جارية لدينا؟ أتقصدُ ربيبة بوعزة؟ "
" نعم. ولكن، أخبرني أولاً عما جرى معك؟ "
" أعتقدُ أننا في سبيل حلّ هذا المأزق، المتعلق باعتقال التيناوي. إذ وافق قائدُ المدينة على إطلاق سراحه مُشترطاً، حَسْب، انسحاب قبائل السيبة إلى بلادها.. "
" وما هيَ قبائل السيبة، هذه؟ "
" إنه تعبيرٌ محليّ، المقصود به القبائل البربرية، السائبة، غير الخاضعة لسلطة السلطان "
" وكيفَ هوَ الوضع خارجاً؟ "
" القوات الخاضعة لشقيق التيناوي تسيطر على القصبة، فيما قوات قائد المدينة تطوّق أسوارها وتحكم الحصار عليهم. إنه وضعٌ يُشبه، إلى هذا الحدّ أو ذاك، تقاسم السيبة والمخزن للسلطة في هذه السلطنة "
" وهل سيكون نائب القنصل شاهداً على هذا الاتفاق، بين المتمردين والمخزن؟ "
" أجل. ولقد رفض نظيراه، الفرنسيّ والاسبانيّ، حضورَ الاتفاق مُتحَججين بأنها مسألة داخليّة "، أجابَ الرابي وهوَ يلوي شفته السفلى مُظهراً عدم الاكتراث. فعادَ التاجرُ للاستفهام: " وأين قائد المدينة، المفترض أنه الطرف الآخر في الاتفاق؟ ". هنا، اتخذ فمُ المُضيف تعبيراً أقرب للاستهزاء، قبل أن يرّد: " إنه اكتفى بالتوقيع على وثيقة الاتفاق. وأظن بأنه لا يرغب في الاجتماع مع التيناوي، كي لا يؤلّب عليه خصومَهُ في القصر بدَعوى أنّ ذلك يعني اعترافاً بالمتمردين على المَولى السلطان "
" ولِمَ اختاركَ التيناوي، من بين جميع وجهاء القصبة، لتكون واسطة خير؟ "
" لا أدري، في الحقيقة. ربما لأنه سبق وتعرّف إليّ في حجرة الحجز، ثمّة في حصن الجزيرة "
" أجل، لقد تعرّف هناك إليّ أيضاً.. "، قالها التاجرُ بلهجة غامضة. إلا أنّ الرابي الحصيف، وكونه مشغول البال بأمور عديدة على ما يبدو، فإنه لم ينتبه لمغزى قول صاحبه. فها هوَ يُعيد السؤال، عن سرّ اهتمام المتمرّد البربريّ بالخادمة الجديدة. وكونه سؤالاً يحثّ على التوضيح، فلم يرَ الآخر مناصاً من الإجابة الصريحة: " قد تكون الفتاة أعجبته، فما يدريني. وعلى كلّ حال، فهوَ يطلبُ تفسيراً لوجود ما أدّعى أنها جارية مسلمة في دار رجل يهوديّ "
" هذه الدارُ، ستؤولُ غداً مع محتوياتها وخدمها إلى مُلكيّة رجلٍ مسلم.. "، قالها الرابي مُبتسماً في شيء من الخبث. عندئذٍ، استعادَ التاجرُ ما كان من مداعبة مُضيفه بشأن المزاد، والتي تكررت أكثر من مرة: " وإذاً، فإنّ الأمرَ أخذ ينحو إلى الجدّ "، خاطبَ داخله في شيءٍ من الضيق. بيْدَ أنّ الرابي أضافَ، وكأنما يُعقّب على جُملة انزعاج تاجرنا: " إنّ الأمرَ أكثر بساطة مما تتصوّره، يا عزيزي ". التاجرُ، المتضرّجُ الوجه مأخوذاً بالمفاجأة، لم يعقّب بشيء. فبادرَ الآخرُ إلى الاستطراد حالاً " لقد وصل أخيراً الظهيرُ السلطانيّ، الذي يؤكّد حقي في دار الأسرة باعتباري الوارث الشرعيّ، الوحيد. فلم يعُد ثمّة حاجة لمزاد، خصوصاً وأنّ موعده كان اليوم، ثمّ صرف المخزنُ البصرَ عنه نظراً لحركة قبائل السيبة "
" أهنئك بهذا الفوز، صديقي "
" إنه فوزٌ لنا كلانا. فهذه الدار ستكون بتصرفك منذ اليوم، وغداً نبدأ بالإجراءات القانونية ليتمّ تسجيلها من لدن أمناء المخزن "، أوضح الرابي وقد اتسعت ابتسامته ثمّ تابع بسرعة " وكما سبق لي أن أخبرتك فيما مضى، فالمخزن يقبل بنقل ملكية الدار طالما أنها مؤجّرة لصالحه، ويمكن أن يكون ذلك لقاءَ سعرٍ رمزيّ ". عند ذلك، ظهرَ الامتنان على قسمات التاجر الدمشقيّ وعلى الرغم من احمرارها بفعل الحَرَج: " الشكرُ الكبيرُ لكم، يا أخي، على هذه الأعطية الكريمة "، توجّه إليه بهذه الكلمات وأضافَ فوراً " إلا أنّ لدينا مثلاً كردياً: الأخ أخ، ولكن السوقَ شيءٌ منفصل. على ذلك، سأدفع لك ثمن الدار مثلما يقدّرها هؤلاء الأمناء و.. "
" أولاً، الشكر الكبير هو لسعادة نائب القنصل؛ فإنّ له الفضل في صدور الظهير السلطانيّ "، قاطعه مجادله فيما كان يلتفتُ نحوَ الضيف الانكليزيّ، والذي اكتفى بانحناءة مقتضبة. ثمّ استمرّ الرابي بالقول " وثانياً، إنّ رجل الدين يجب أن ينأى بنفسه عن الربح، فكيفَ والأمرُ يتعلّق بصديقه المغترب عن الديار ". عند ذلك، كان على التاجر أن يتذكّر المهمّة الخطيرة، المنوط بها وجوده في هذه البلاد النائية: " لقد كنتُ محظوظاً بلقاء هذا الرجل، الذكيّ والجواد. إنّ تأمين السكن للأمير، هوَ الخطوة الأولى في سبيل استقراره هنا "، تحدّثَ إلى نفسه وقد شعرَ بالرضا أخيراً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الرواية: الفصل الرابع / 2