أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول















المزيد.....

تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4424 - 2014 / 4 / 14 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


5
جَفى النومُ جفونه، طوال تلك الليلة الوحيدة، التي قضاها في حصن الجزيرة.
وعليه كان أن يستدلّ على ميقات صلاة الفجر، المعلوم، من خلال حركة الحَرَس خارجاً. بالأمس، حينما تناهى صدىً لإطلاقٍ ناريّ من جهة " موغادور "، فإنّ أحد أولئك الحراس أجابَ على تساؤله بخصوصها " هيَ بمثابة اشارة، من لدن حامية المدينة، تنبأ بإقفال السوق عند غروب الشمس ". وهوَ ذا القرصُ الذهبيّ، السماويّ، يُشرق من جديد على يوم الجمعة، المبارك. أثناء ذلك، كان " جانكو " يراوحُ خطوَهُ بمنأىً عن رفيقه، الرابي اليهوديّ، الغارق في غلالة الحُلم. ثمّ ما عتمَ أن لبثَ مُتسمّراً بمواجهة نافذة الغرفة، التي تكشفُ جانباً من شط الجزيرة: دربٌ مُعبّدٌ بندف الغيم الناصع، كان يخترقُ الزرقة الصافية. الأشجار القليلة، الصنوبرية بمعظمها، كانت تتمايل بخفّة مع مداعبة النسيم لرؤوسها الخضر. النورسُ، المُبكّر في سعيه للرزق، استهلّ الصراخ الثاقب في مسامع منافسيه الصيادين، المُحمّلين على القوارب المختلفة الحجم.
جوّ الحجرة، النقيّ نوعاً بفضل نافذتها المتوحّدة، كان عندئذٍ يعبق برطوبة البحر. شاعراً بالجوع، انحنى تاجرُنا نحوَ القصعة ليتناول زمعةً عنبٍ، زينيّ، متخلّفة عن عشاء البارحة. راحَ يقضمُ الحباتِ الناضجة بتلذذ، فيما كان فكره يَمضي إلى ناحية أخرى. إنّ القلقَ، المتأثّرَ بوَقع المقابلة مع الباشا، كان من شأنه أن يتعاظمَ لولا ما أعقب ذلك من حديثٍ مع الرابي. علاوةً على حقيقةٍ بديهةٍ، شاءت أن تُضافرَ في طمأنته؛ وهيَ أنّ عاملَ المدينة كانت لديه سلطة، ولا مَراء، في اعادته إلى " جبل طارق " لو أنّ الريَب كانت قد راودته في أمر مهمّته. على غرّة، تخايلت أمام عينيه صورةَ رفيق الغرفة، الآخر: " أتكون ثمة صلة لاختفاء الرجل البربريّ، مذ عصر الأمس، مع الغموض المُكتنف ركوبه الباخرة من تلك المستعمرة البريطانية؟ "، دوّم هذا السؤال في فضاء الغرفة.
" إنّ همّتك في التفكير، كما أرى، لم تفتر منذ مساء الأمس؟ "
قالها الرابي في نبرة دعابة، غبّ نهوضه من النوم. ثمّ أعقبَ وهوَ يستوي رشيقاً على قدميه " لا بدّ أنّ الهواجسَ تعتريك، بشأن مسألة استقرارك في موغادور. إنّ الصلاة، في هذه الحالة، تجلبً السكينة للنفس ". وكان على سرِّ الآخر أن يُطلق أسرَ فكرةٍ، أكثر جدّة: " ولكنني أراكَ لا تلتزم سوى بصلاة واحدة في اليوم، مع كونك رجل دين؟ ". عندئذٍ، كان قد أخلى مكانَ الرابي، المفضّل، عند النافذة. همّ بالاجابة، وإذا بالحارس يلجُ من باب الحجرة، دونما حاجةٍ لاستعمال مفتاحها. فأبوابُ الحجرات جميعاً، كانت قد تُرِكت غير موصدة، مثلما لاحظ تاجرنا ليلة أمس مع خروجه أكثر من مرة لقضاء حاجته. ثمّة خارجاً، انتبه كذلك لكون الخلاء مكاناً للتخلّص من الأقذار. حينئذٍ سأل الرابي عن الأمر، فأوضح هذا له: " إنهم هنا في الجزيرة يتبعون العادة القديمة، المتمثلة في ترك الغائط يجفّ بفعل حرارة الشمس. أما الطريقة المستحدثة في موغادور، مذ بعض الوقت، والتي تقضي بجمع الماء والفضلات في أقنية خاصّة للتصريف، فإنها غير مناسبة لمناخ هذه البلاد الحارّة. إذ لا يتمّ التخلّص من قاذورات المصارف سوى مرة واحدة في السنة، مما ينجمُ عنه انتشار الأوبئة ".
وضعَ الحارسُ قصعة طعام الفطور على الأرض، ثمّ تناول الأخرى، الفارغة: " عليكما، أيها السيّدان، أن تتجهزا حالاً للرحيل عن الحصن "، قال لهما وهوَ يهمّ بمغادرة الغرفة. هذا الخبر، شاءَ أن يرسمَ خطوط الغبطة على ملامح رفيقيّ الرحلة. وكان على " جانكو "، من ثمّ، أن يُعبّر أولاً عن ردّة فعله: " خبرٌ طيّبٌ، ولا ريب، مثلما أنه خالفَ تقديري. فبما أننا في يوم جمعة، فإنني توقعتُ أن يتمّ اخلاء سبيلنا غداً ". الرابي، كان إذ ذاك يستمتعُ من خلال النافذة بتأمّل برزخ الصوَر، المتجلّي خارجاً تحت أشعة الشمس. قال يُعلّق على كلام رفيقه " يَحقّ لك أن تعجَبَ، فيما لو عَلِمتَ بأنّ سبتَ اليهود هوَ يومُ العطلة في موغادور وليسَ جمعة المسلمين ". كذلك كان؛ فقد نطقت قسماتُ سحنة التاجر بجُملةٍ من الدهشة. واستطردَ الآخرُ مُوضّحاً: " عادةً، فإنّ من يُهيمن على نشاط السوق في المدن، هوَ من يُحدّد يومَ العطلة "
" عجباً!.. أليست هذه سلطنة اسلاميّة؟ "
" بلى بالطبع. وهيَ فوق ذلك سلطنة علويّة؛ أيْ أنّ سلالتها تتصل نسباً بآل بيت النبيّ. ولكن اليهودَ، هنا في موغادور، هم من يمسكون بزمام السوق والحركة التجارية عموماً "، قالها الرابي مُتبسّماً ثمّ أضافَ " سيكون لديك، فيما بعد، مُتسعٌ من الوقت لتلاحظ بنفسك مدى التفاهم بين مسلمي المدينة ويهودها ". إلا أنّ المرَحَ زايل نبرة الرجل، حينما زاد بالقول: " إنّ التدخلات الأجنبية، من ناحية أخرى، ربما تؤثر سلباً على العيش المشترك بين الجماعتين ". ثمّ عادت ملامح الرابي إلى انبساطها: " علينا أن نتعجّل بمغادرة هذه الغرفة، الكئيبة. فالضجة في الخارج، مثلما تسمع، تنبأ بمجيء القوارب لنقلنا إلى المدينة "، استدرك وهوَ يتحرك من مكانه قدّام النافذة.
" تدخلات الكفار، وبالأخص الانكليز، هيَ من قوّض امارتنا الكرديّة "
هكذا قال له " بهزاد "، يوماً، حينما كانا يتمشيان في دروب " سوق الجمعة ". هذا الشابُّ، المماثلُ له في العمر، سبقَ له وقطعَ فراسخَ من الفيافي والفلوات كي يهتدي لأقاربَ أبيه في الشام الشريف. ثمّة، في حيّ الصالحين الأيوبيين، استطاع الشابّ الهاربُ أن يعثرَ بسهولة على عنوان منزل عمّه. كان مفاجئاً، ولا غرو، ظهورَ شخصٍ غريبٍ بمواجهة " جانكو "، ليخاطبه بلغةٍ كرديّة جَزِلة، مُعرِّفاً بنفسه: " أدعى بهزاد؛ وأنا قادمٌ من طرف أقاربكم في جزيرة بوطان ". مَلبسُ الشابّ الغريب، وخصوصاً عمامته القشيبة، كانت غير مألوفة في الشام القديمة. أما في شرق حيّ الصالحين، أين كان يستقرّ الوافدون الجدد من كردستان، فإنّ هذه الملابسَ كانت شائعة.
" إنك ابن عمّي، ولا شك..! "
قالها " جانكو " وهوَ يفتحُ ذراعيه، القويين، على وسعهما. على الأثر، بادرَ كلاهما إلى احتضان صاحبه واعتناقه بحرارة وقوّة. فكم كانت دهشة " بهزاد " كبيرة، حينما عرَفَ أنّ ابن العمّ متوحّدٌ في هذا المنزل المنيف، الأشبه بقصر أحد ولاة بلاده الجبلية، البعيدة. في تلك الأمسيَة الربيعيّة، الرّخية، تحلّق القريبان حول البحرَة الواسعة، المثمنة الشكل، وراحَ كلّ منهما يبثّ الآخرَ ما في خزنته من أخبار وذكرياتٍ. عندئذٍ، عرَفَ المُضيف أنّ عمّه الوحيدَ قد توفيَ عندما كان " بهزاد " حَدَثاً بعدُ؛ وأنه لطالما حدّثَ امرأته عن أمنية زيارة الشام: " أرغبُ في التعرّف على أبي، الذي هجرَ والدتي عندما كانت حاملاً بي، بعدما أعرب عن اشتياقه لزيارة قبر الرسول. ويبدو أنه استقرّ لاحقاً في دمشق، كونها مدينة مقدّسة ومزدهرة وتُحْسِن وفادَة أمثالِهِ من العلماء ". الأبّ، في المقابل، كان يفخرُ بكونه ابن أحد المقربين السابقين من حاكم الامارة؛ " بدرخان باشا ". هذا الأخير، حسبما نمّ إلى علم " بهزاد " عندما كبرَ، مدّ يَد العون لجدّته المَلولة، المَهجورة، إلى أن شبّ ولدها الوحيد وأضحى قادراً على العمل. وإذاً، كان " جانكو " قد علمَ بدَوره أنّ ابن العمّ قد فرّ من " دَرْغول "، تخت الامارة الكرديّة، على اثر اجتياح العثمانيين لها وتمكّنهم من هزيمة وأسر حاكمها: مقدورُ تاجرنا، شاءَ أن يكون هذا القريبُ سببَ رحلته، المغربيّة؛ بعدما سبق وتعرَّفَ عن طريقه على ذلك الأمير الكرديّ المَعزول، المَنفيّ.
*يليه الفصل الثاني من الرواية، وهوَ قيدُ التنضيد..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول