أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من أجل عَظمة














المزيد.....

من أجل عَظمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4330 - 2014 / 1 / 9 - 06:33
المحور: الادب والفن
    


مؤذن مسجد الحَوْمة، كان يُعرَف بين ساكنيها بلقب " الشيخ "، مع أنه لم يكن شيخاً. بل إنّ " سي محمد " لا يستطيع حتى تلاوة كتاب الله: فهو ببساطة أمّي. ولو أنه في العلم كان أوفر حظاً، لربما ما اضطر إلى تحمّل حياة الشظف والتقشف. ولكن، لنتعرّف أولاً على شخص هذا الرجل العجوز، الذي يدعونه هنا أيضاً بـ " الحاج "، على الرغم من أنّ الحج كان فيما مضى أمنية عزيزة عليه ثمّ أفقدها الزمنُ البئيسُ البريقَ.
ثمّة، في منتصف الدرب الفسيح، المتصل بمدخل حيّ " باب الخميس "، يقوم ذلك المسجد الصغير، أين كان " سي محمد " يخدم فيه بصفة مؤذن. لقد بقيَ لنحو ثلاثة عقود يرفع الآذان في أوقات الصلاة، الخمسة. أي منذ تلك الفترة، التي ترك فيها قريته الجبلية، النائية، لكي يتدبّر عيشه في المدينة الحمراء. في البدء، كان الأمرُ ميسوراً بفضل رخص وسائل الحياة. ومع مرور الأيام، بقيَ راتبه ثابتاً ( حوالي ثلاثمائة درهم شهرياً ) فيما الأسعار كانت تتواتر صعوداً. ولكن، لماذا سيشكو هو من هذا الراتب الزهيد؛ طالما أنه اعتاد على غمس الخبز بزيت الزيتون مع رشفات من الشاي المنعنع. إلا أن " سي محمد "، من ناحية أخرى، كان أفضل حظاً من آخرين. فحجرته، وبغض الطرف عن مظهرها الحقير، كانت ملحقة بالمسجد، فلم يكن بحاجة لدفع الايجار.
ذات ليلة، كان الليل قد اكمدّ، وفي المقابل، كانت نجومه تتألق كما حبّات الماس. ها هوَ المؤذن يصعد الدرجاتِ الحجرية، وصولاً إلى المنارة. صلاة العشاء، كان وقتها قد مضى مذ سويعات عديدة، فيما أنّ الفجرَ بدا أكثر نأياً. وإذاً، فإنّ " سي محمد " كان يظهرُ سعيداً نوعاً وهوَ يعدّ الدرجات الأربعين ( مثلما اعتاد أن يفعل دوماً )، التي تتناهى إلى تلك الأعالي الربانية. من فرجة المئذنة، المربعة الشكل، ألقى نظرة خاطفة على أسطح منازل الدرب، الغافية. " لم يَحُن بعدُ، ميقاتُ ازعاج النصارى "، فكّر في نفسه مسروراً. نعم. إنه كان يقصد، ولا ريب، أولئك المقيمين الفرنسيين ممن يتملكون الرياضَ القريب، الذين أبلغوا أكثر من مرة عن الضوضاء الصادرة من المسجد خلال صلاة الفجر. بطبيعة الحال، لم يتأتَ لهؤلاء أن يعلموا، بأنّ التمتمة المبتهلة الخارجة من بين شفتيّ المؤذن، والتي يضخمها الجهاز الصوتيّ الكهربائيّ، ما كانت سوى اقتباساً محضاً: إذ ذات يوم أسبق، كان الرجلُ العجوز يتابع بثاً تلفزيونياً حياً ، منقولاً من مسجد العاصمة، فلاحظ كيفية تصنع الإمام الوقارَ والخشوعَ بحضرة أمير المؤمنين، حيث كان يقطع الخطبة بين فينة وأخرى كي يتمتم ابتهالاته الخافتة الجرْس، المغسولة بدمع عينيه.
" غيرَ أنّ ذلك الإمام المتملق، الماكر، لا يتغذى مثلي بالخبز والزيت والشاي، حَسْب "، نفثها نَفَسُ المؤذن بحرقة. ثمّ عاد داخله ليستطرد " وهوَ لا يقفُ على رأس المنارة، الليلة تلو الليلة، مترصّداً قطعة من لحم الضأن تركها الجيران على سطح منزلهم بهدف تجفيفها ". فما أن ألقى بصره إلى الناحية المقصودة، حتى ارتدّ خائباً: " اللعنة.. لم يبقَ من تلك القطعة سوى العظم ". أجل. ليلة إثر الأخرى، كانت ارادته تضعف إزاء اللحم الطازج، الشهيّ، الذي كان معروضاً قدّام عينيه. ولا بدّ أنه تذكّر، في شيء من السخرية، كيف استمع ذات مرة لأحد الفتية ممن طلبوا نصحه: " يا شيخنا.. هل السرقة حرام، إذا كان المرء يتضوّر جوعاً هوَ وأسرته؟ ".
لا، السرقة ليست حراماً؛ بدليل أنّ أولي الأمر يكتفون اليوم بسجن السارق وليسَ بقطع يده ـ حسبما تأمر شريعة الله. بل إنّ السرقة أقرب إلى الحلال، حينما يكون الأمر متواشجاً بعَظمة لا غنى عنها لصنع حساء الفطور. وإنها لعَظمة تافهة، على كلّ حال. ولكن، انظرْ اليها وقد لفها أصحابها بالنايلون وعلّقوها على حبل غسيل في عناية، كما لو أنها الدرّة اليتيمة..
على غرّة، رأى المؤذن خطاه تقاد بصورة تلقائية نحوَ السطح الداني، المكتظ بأطباق الدّش. فردد في نفسه " توكلنا على الله ". أطلّ على السطح الآخر، المطلوب، ليرى أنّ الجدار الواطيء ثمة كان فوق ذلك ينتهي في قاعدته بمجموعة من قطع القرميد. عند ذلك، انحنى في رشاقة وبدأ في النزول ماداً رجله اليمنى أولاً. فما أن همّ باستعمال رجله الأخرى، حتى انفرط فجأةً نظامُ الكتلة القرميدية.. طاااااخ.
" ماذا كنتَ تفعل هناك، بحق السماء؟ "، هذا السؤال الذي طُرِحَ على المؤذن بصيَغ مختلفة في تلك الليلة اللعينة، لم يكن ليجد له جواباً مناسباً ولا غرو. فكان يكتفي بالتأوّه، بعدما سبق وملأ الليل صراخاً إثر تعثره وسقوطه على ظهره بقوّة. وهوَ ذا الآن في المستوصف التابع للحَوْمة، يستمع متعباً لحوار يدور بين الطبيب والشرطيّ. هذا الأخير، كان قد رافق المصاب إلى المشفى، بعدما سبق واستدعيَ إلى ذلك المنزل المشئوم، غبّ ابلاغ أصحابه عن الحادث هاتفياً.
" كما سلفَ وعَلِمتَ، فإنّ حوضكَ فيه كسرٌ ليس بالخطير. ولكن، عليك أن تلزمَ الفراش لمدة شهر بالقليل حتى تبرأ "، خاطبَ الطبيبُ المصابَ. ثمّ أردفَ قبل أن يغادر الحجرة " والأفضل، أن تتغذى خلال هذه الفترة بالحساء؛ سواءً المطبوخ بعظم الدجاج أو الضأن ". عندئذٍ، التقت عينا المؤذن، الملتهبتان الحمراوان، بعينيّ الشرطيّ اللتين لا تعبران عادةً سوى عن الصرامة أو اللامبالاة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس
- القضيّة
- الطوفان
- مسك الليل
- خفير الخلاء
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من أجل عَظمة