أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - البرج















المزيد.....

البرج


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4296 - 2013 / 12 / 5 - 07:18
المحور: الادب والفن
    


الأخوة الثلاثة ( كما عرفوا في آنٍ آخر من لدن وسائل الإعلام وبإضافة هلالين )، بدوا في ذلك اليوم المشمس من نوفمبر سعداءَ نوعاً ما. مع شيء من الخجل، لو شئنا الدقة. كبراهم، " سارة "، التي لا يتجاوز سنها الخامسة عشرة، كانت تتطلّع باسمةً إلى شقيقيها وهما يدرجان فوق حافة سور البرج، المطلّ على البحر، فيما كاميرا " الكَاوري "{ أي: الأجنبي النصراني } تصوّرهما عن قرب مناسب. أختها الأصغر، وكانت لم تكمل بعد الدزينة من أعوام عمرها، كان منظرها طريفاً وهيَ ممسكة بيد شقيقها ذي الأعوام الثمانية، فيما قسماتها الدقيقة مرسومة بخطوط الرصانة والوقار. المترجم الشاب، القاتم البشرة والربع القامة، كان بَدوره يطبع ابتسامة على شفتيه، وإن كانت متهكمة قليلاً. لم يكن مشغولاً بالتصوير في واقع الحال، بل بتصوّر ردف هذه الفتاة المراهقة، الممتليء والفاتن، عندما سيتعرّى أمامه على السرير مثل صخرة على الشاطيء.
في الأسبوع السابق، عند ظهيرة الجمعة تحديداً، عندما انعطفت " سارة " إلى جهة القلعة البحرية الشمالية وهيَ قادمة من ناحية منزلها في " الملّاح "، فإنها لم تكن بطبيعة الحال لتدرك أن هذه ستكون الانعطافة الخطرة في حياتها. وأنّى لمن في مثل سنها، غير الملتاع بعدُ بتجارب الحياة، أن تستنفض دخيلة ذاك الشاب الأسمر، اللطيف الملامح، الذي تلقاها ثمّة في مدخل البرج ببسمة مشفوعة بإيمائة محيية. حينما انحنت فتاتنا نحوَ إحدى كوى البرج، المنتصب بوسطها قطعة مدفعية أثرية، فإنها لاحظت أنّ الشاب يتأمّل مؤخرتها بنظرة مواربة. وإذ سرّها أن تكون محط اهتمام رجل في مثل وسامة وأناقة هذا الفتى، إلا أنها سرعان ما شعرت بالارتباك لما سارَ نحوها بخطىً مباشرة، سديدة: " يخيّل إليّ أنّ تلك، عند الجزر الثلاث، هيَ جهة الكازا؟ "، قال لها مستفهماً. من لهجته، فهمتْ أنه من " الدار البيضاء ". أجابته إثر وهلة تردد، مصحّحةً معلومته " بل تلك جهة أغادير. هنا، إلى اليمين، الجهة المؤدية إلى الكازا وطنجة ". من ثمّ، كان بوسعهما التعارف على وقع الضحكات المتبادلة. في مغبّة ذلك النهار، عادت " سارة " إلى البيت على جناحيّ نورس الحلم، وكانت من الرضى أنها قصّت على شقيقتها تفاصيلّ وافية من حكاية تعارفها بالشاب، حتى أنها ذكرت لها إسمه ومهنته: " يُدعى لطفي، ويعمل مترجماً لدى شركة انتاج سينمائية اسبانية في فرعها بالكازا ".
" لطفي "، حسبما كشفت التحقيقات الرسمية لاحقاً، كان اسماً مزيفاً كما مهنته سواءً بسواء. في حقيقته، كان هذا الشاب المَوْسوم في الصحافة بالحرفين الأوليين من اسمه م. هـ، بمثابة القوّاد للرجل الاسباني، المنتحل صفة المصوّر والمخرج، الذي لم يكن أيضاً سوى صائد جنسي للأطفال؛ أو " بيدوفيل " بالباء الأعجمية. في ذلك الأصيل المعتدل الهواء، والمعبّق بأنفاس البحر، استطاع إذاً المدعو " لطفي " الايحاءَ للفتاة بكونه رجلاً محترماً، حتى أنها وافقت بسرور في نهاية المطاف على تجديد اللقاء. في اليوم التالي، وفي مقهىً لا يرتاده عادةً سوى السياح الأجانب، التقى الشابُ الخبير بالمراهقة الساذجة، ولم يجد كبير عناء في اقناعها بالاشتراك في فيلم جديد من إنتاج الشركة ـ كذا ـ التي يعمل معها. بل إن الفتاة لم تتردد كثيراً، عندما اقترح عليها أن تجلبَ شقيقيها كي يلعبا دوراً عابراً في الفيلم؛ أي كومبارس. وهاهم الآن جميعاً ثمّة، على سطح حصن القلعة البحرية الشمالية، يتهيئون للذهاب إلى شقة مستأجرة في حيّ " البرج " الحديث، لمتابعة تصوير الفيلم. السيارة الصغيرة والقديمة، التي كانت بانتظارهم في كراج ساحة " مولاي الحسن "، كانت أيضاً مستأجرة، وقد تعهّدَ " الكَاوري " قيادتها بنفسه. وبحسب التحقيقات دائماً، أنّ هذه المجموعة تناولت الغداء معاً في الشقة، وكان مكوناً من الثمار البحرية المتنوعة، المشوية، التي قام " المترجم " بطهيها على منقل الجمر في الشرفة المفتوح بابها على المطبخ. الجيران ( وكانوا عائلة فرنسية مقيمة بالمدينة )، الذين اتصلوا مع البوليس فيما بعد، أفادوا في محضر التحقيق بأن صراخ فتياتٍ صغيرات انبعث فجأةً من الشقة المحاذية، تبعه أصوات رجال يتكلمون العربية والاسبانية.
لم يهتم أحدٌ بأسرة " سارة "، التي ألقتها التجربة في ما يشبه الأتون، لولا فضيحة إطلاق سراح ذلك " البيدوفيل " الاسباني. فكما هو التقليد الساري، يقوم ديوان البلاط بتلقي أسماء عدد محدود من المدانين بأحكام مختلفة لكي يخلى سبيلهم بعفو ساميّ. وقد تبرأ الديوان فيما بعد من تبعة شمول الاسباني بالعفو ( إثر قضائه بضعة أشهر من حكم بالسجن لمدة عشرة أعوام )، ملقياً اللومَ في ذلك على جهة أخرى رسمية. هكذا عرف الرأيُ العام، أنّ والد " الأخوة الثلاثة " قد سبق له وشنق نفسه، بعدما صارت سيرة أسرته تلاك في أفواه الأقارب والجيران وزملاء العمل. كان الرجل المسكين يعول عائلته من شغله في حياكة شبكات الصيد، والذي لم يكن يدر عليه سوى درهيمات قليلة في اليوم. وحتى تكتمل المأساة، جرى دفن الرجل بدون شعائر لرفض إمام جامع الحومة الصلاة عليه بما أنّ الانتحار كفرٌ، حسبما تنصّ الشريعة. هذه الواقعة، استغلتها بعض وسائل الإعلام الموالية للبلاط جيداً في الرد على من أثاروا فضيحة اطلاق سراح الاسباني، فراحت تذكّر بشذوذ هذه الأسرة، لدرجة أن ربّها ألقى بنفسه إلى التهلكة فكان من الخاسرين دنيا وآخرة.
هيَ ذي " سارة "، المتجهة من منزل ذويها إلى جهة القلعة البحرية الشمالية، كانت تبدو أكبر من سنها؛ إن كان بسبب الحجاب السميك على رأسها أو مسحة التعاسة، المسدولة على هيئتها. هذه الدروب، التي تخطو الآن فوقها بما فيها من أسواق وعمارات، بدت غريبة على عينيها وكأنما تريانها لأول مرة. أو ربما، أنها لم تك تبصر شيئاً. هكذا دلفت مدخل القلعة الحجريَ والمقوّس، من جهة " زنقة قصر افرام "، ثمّ ارتقت المرتفع الهيّن المؤدي إلى البرج الرئيس. ثمّة، أطلّت على منظر الصخور السوداء المسنونة، المرتطم بها الموج محدثاً دوياً رهيباً، والذي طالما شدّ مئات السياح إلى رؤيته على مدار اليوم. وضعت يداً على جدار الكوّة ويداً أخرى أسندتها إلى سبطانة المدفعية القديمة، ثمّ ارتفقت برشاقة إلى العتبة العريضة ـ كما اعتادت أن تفعله مذ سني عمرها المبكرة. ما أن سرت القشعريرة في جسدها، حتى بادرت إلى اغماض عينيها. بقيت لثوان منتصبة ثمّة، كأنها تتمثل حركة خفير البرج في زمن أقدم، سبق أن قرأت عنه بالتاريخ المدرسيّ. ولكن، عندما خارت تماماً القوى الكامنة بركبتيها، فإنها فتحت عينيها على وسعهما فآبت قليلاً إلى الخلف. ثمّ نزلت بعدئذٍ إلى أرضية الحصن، فكادت أن تصطدم بأحد الداخلين إلى باحته. المرأة " الكَاوري "، التي كانت شاهداً رئيساً على هذه الواقعة الأخيرة ( وقد تمكنا من قراءة افادتها للتحقيق )، قالت أنها كانت في تلك الظهيرة في سبيلها إلى ولوج قنطرة البرج، حيث الظلال والرطوبة. هناك، كادت أن تصطدم بفتاة يافعة، خارجة للتو من الحصن: " كانت حنطية اللون، ذات ملامح حسنة، وكانت ترتدي جينزاً ضيقاً على الرغم من حجابها الاسلامي. حييتها بالكلمة العربية الوحيدة، التي أجيدها، وهيَ " السلام عليكم ". فأحنت رأسها فيما يشبه الخجل ولم تجبني، بل واصلت سيرها منحدرة إلى الأسفل. ما أن مشيتُ الخطوات السبع أو الثمان، الفاصلة بين مدخل البرج ووسط ساحته، إلا وأفاجأ بالفتاة عينها وقد عادت مهرولة. تسمّرتُ مذهولة، إذ رأيتها تصعد بسرعة عتبة إحدى الكوى المطلة على البحر، فترمي بنفسها من شاهق يسبقها صرخة رعبها ويأسها ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - البرج