أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - طنجة؛ مدينة محمد شكري 3















المزيد.....

طنجة؛ مدينة محمد شكري 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 09:54
المحور: الادب والفن
    


الزيارة الثالثة:
كان اتفاقاً، ولا شك، أن أحط رحالي في بلدة " بيكاسو "، بجنوب اسبانية؛ أنا من سبق لي الحلول، مرتين، في فندق بمدينة طنجة يحمل اسمَ هذا الفنان العظيم. ذلك، حدثَ في عز صيف عام 2009، عندما رأيتني قادماً إلى المغرب عن طريق مدريد ومنها بالطائرة أيضاً إلى مدينة ملقة في الأندلس السعيد. حقّ لي أن أتذكّر ما تحفل به كتابات محمد شكري من انتقاد لسلوك الاسبان عموماً، العنصريّ، بعدما كنتُ طرفاً في موقف عرَضيّ، طاريء، في تلك الطائرة. إذ كانت تجلس إلى جواري امرأة متقدمة قليلاً في السن، لم تلبث من الوهلة الأولى أن حيّتني بلطف بلغتها القشتالية. فما أن أخرجتُ ورقة فيها كتابة بالعربية، لكي أتأكّد من رقم تليفون ما، حتى انتبهتُ إلى جحوظ عينيّ جارتي ثمّ اشاحتها بوجهها عني بحركة فيها ما فيها من ازدراء وضغينة..
" في اعتقادي أنه من الممكن أن يحاولوا ( أي المغاربة ) دون نجاح اجتياحَ جنوب اسبانية. ولقد فعلوا ذلك على عهد فرانكو، الذي تمكن من أسر حوالي 55 ألف مغربي، استغلهم بعد ذلك كرأس حربة لجيشه. ولقد تمكنوا من تحقيق الكثير من الانتصارات ": هذا ما ينقله محمد شكري على لسان الكاتب الأمريكي بول بولز، في كتابه عنه. على ذلك، نعرف أن ثمة سبباً أساسياً لتلك العداوة التاريخية، الموصوفة، بين المغاربة وأهل الأندلس الحديثة، ترجع إلى زمن الحرب الأهلية الاسبانية. وعطفاً على ذكري لبلدة " بيكاسو "، القريبة من مدينة ملقة، فإنني لم ألحظ أيّ شعور من النفور تجاه شخصي، حتى حينما كنتُ أعرّف بموطني الأصل، السوريّ. الموظف الشاب في مكتب الاستقبال بالفندق، كان شخصاً مهتماً بالثقافة لحسن حظي، وهوَ من نصحني بالتوجه إلى مركز البلدة لرؤية تمثال ابنها؛ الفنان العالمي الشهير. ثمّة، في دروب البلدة، لاحظتُ أن مواطنيها الاسبان لا يختلطون بتاتاً بالمغاربة ولا حتى الشبان منهم. الطقس، كان شديد القيظ في تلك الأمسية من أواخر شهر يوليو / تموز، حيث بدا أن معظم الأهالي قد هربوا إلى الشوارع والميادين تاركين منازلهم المتحوّلة إلى ما يشبه الأفران. إن الناس في جنوب اسبانية، من ناحية أخرى، ما برحوا محافظين على نزعتهم الريفية المتمثلة بالترابط الأسري والاجتماعي. ففي ميدان البلدة تلك، الرئيس، والذي يتوسطه تمثال بالحجم الطبيعي للفنان " بيكاسو "، كان الناسُ يتجالسون على الطاولات المرصوصة بعضها لبعض، يتبادلون أنخابَ النبيذ الحمر وهم يأكلون ويتسامرون. أما في الأزقة الرثة، المسكونة من لدن المغاربة بشكل رئيس، فإن جواً من الضجر والملالة كان مهيمناً على النساء والرجال ممن قعدوا بالقرب من أبواب منازلهم، فيما أولادهم بدوا في المقابل أكثر ميلاً إلى الصخب والمرح.
صباحاً، سرت نحو موقف الحافلات الكبيرة، حتى أحجز لنفسي تذكرة في البولمان المتجه إلى مدينة طريفا الأوروبية ومنها بحراً إلى طنجة الأفريقية. ما أن هممت بالجلوس في المقعد المخصص لي بالحافلة، حتى رأيت أن جاري كان مستغرقاً في النوم. لما أفاق هذا الشاب ( وكان مغربياً )، سرعان ما تعارفت معه بالنظر إلى طبعه المنفتح ودماثة خلقه. إنه من إحدى المدن المتاخمة للصحراء، يدرس ويعمل في مدينة قادش الاسبانية، التي كانت المحطة الأولى لحافلتنا. في منتصف الطريق، توقفنا في احدى الاستراحات، فعزمت رفيق الرحلة على القهوة والكرواسة. ثمّ تابعت الحافلة سيرها على طول الشاطيء الاندلسيّ الساحر، المحفوف على طرفيه بالفيلات الفخمة، المتباهية بأسوارها الأنيقة وحدائقها المزدانة بعرائش المجنونة والياسمين والجوري. حال وصولنا إلى مدينة طريفا، توجهنا مشياً على الأقدام إلى مينائها مؤملين ألا نفوّت المركب المبحر إلى طنجة. ولحسن فألي، أن رفيقي المغربيّ كان يعرف أقصر الطرق إلى ذلك الميناء، فبلغناه بعد نحو العشر دقائق من السير المجهد مع حقائبنا خِلَلَ دروب المدينة الصغيرة. ثمّة، في انتظار الدور للحصول على بطاقة السفر ( ثمنها ثلاثون يورو )، تعارفنا بامرأة مغربية متوسطة السن، من مدينة القنيطرة، تعيش هيَ أيضاً في مدينة قادش الاندلسية. فيما بعد، في القطار المتجه بنا من طنجة إلى الدار البيضاء، راحت هذه المرأة الجميلة الملامح، المطوّقة النحر والمعصم بالعقود والأساور الذهبية، تحدثنا عن نجاحها بتأسيس شركة للتنظيف وعن دراسات أولادها الثلاثة، الجامعية. آنذاك، كنا في عشية اليوم الأول من رمضان. إنّ مغاربة المهجر القريب ( أي المقيمين في اسبانية وفرنسة وايطالية )، معتادون على قضاء الشهر الفضيل بين أهاليهم في الوطن، ومن ثمّ الإياب مع انتهاء عيد الفطر. ما أدهشني عند وصولنا إلى طنجة، أنها كانت معتدلة الحرارة جداً قياساً بمدينة ملقة الاسبانية. فيما بعد، خبرت نفس هذا الطقس المعتدل صيفاً في مدينة الصويرة، التي تشابه طنجة لناحية موقعها المميز على المحيط الاطلسيّ.
تديّن المغاربة، العميق، يلحظه كلّ من قرأ السيرة الذاتية لمحمد شكري، وخاصة جزأها الثاني " الشطّار أو زمن الأخطاء "؛ بما فيه من وصف كائنات العالم السفلي لمدن طنجة والعرائش وتطوان. أما المقيمون الأجانب، وأيضاً السياح، فإنهم في المقابل يغادرون المغرب باتجاه بلدانهم حالما يحلّ شهر صوم المسلمين. وإذاً، يمكن القول بأن بقية شهور السنة بالنسبة لهؤلاء الغربيين ( ونحن نتكلم الآن عن زمن محمد شكري المبكر ) هيَ اقامة مريحة وهانئة إلى درجة أن يشبهها بعض أدبائهم بـ " الفردوس الأرضيّ ". هوَ ذا كاتبنا شكري، في حوار صحفيّ مطوّل، يتكلم عن أولى محاولات احتكاكه بأولئك المقيمين الأوربيين في مدينة طنجة: " كنت أبيع مختلف البضائع للأجانب مدنيين وعسكريين. وأحياناً أبيع للجنود الأمريكيين ( يقصد فترة الحرب العالمية الثانية ) الكيفَ في قنينات صغيرة مختومة سداداتها بالشمع الأحمر ". لاحقاً، مع ابتعاد الفتى محمد شكري عن ذلك العالم المشبوه والموبوء، يقرر أن يتعلم العربية قراءة وكتابة في المدرسة الابتدائية، بعدما حظيَ بإتقان الاسبانية وبعض الفرنسية والانكليزية من خلال تعامله مع الأجانب. وعلى الرغم من تواجد العديد من مشاهير الأدباء الغربيين في طنجة، إلا أنّ تلمّس محمد شكري لطريقه الأدبيّ لم يكن عن طريق هؤلاء، سواءً المقيمين منهم أو العابرين: " سألتُ شاباً كان جالساً جواري، في المقهى، عن ذلك الشخص الذي يهتمون به أكثر من الآخرين، قال إنه الكاتب محمد الصباغ. هنا فكّرت في أنّ الكتابة لها تقدير كبير. وبما أنني أنتمي إلى طبقة مسحوقة ومغمورة، فإذا أنا أصبحت كاتباً مشهوراً فسَيُعطى لي نفس الاعتبار. اشتريت كتبَ محمد الصباغ وقرأتها. كانت كتباً صغيرة الحجم. تأكّد لي بعدما قرأتها أنني أنا أيضاً أستطيع أن أصبح كاتباً "، هكذا يصف أديبُ المستقبل، في ذلك الحوار الصحفي، بداية تآلفه مع الكتب. بيْدَ أنّ تعارفه مع أهم أولئك الأدباء الغربيين، المقيمين في مدينته، لم يتأخر كثيراً على كل حال.
" كنت أرى، من بعيد، بول بولز الرائد وجماعته، لكني لم أكن قد تعرفت بعد إلى أحدهم شخصياً أو قرأت له. كانوا كتاباً ولم أكن أنا قد نشرت بعد قصتي الأولى. كنت غارقاً بعد في قراءاتي الكلاسيكية والرومنطيقية العربية والأجنبية. لم أكن قد زرعت بذرتي الأولى في حقل الأدب، وما كان عندي ميل لإغواء مثليتهم الجنسية "، يكتب محمد شكري في مذكراته عن بول بولز. هذا الأخير، الذي وُسِمَ بـ " الرائد " آنفاً، لم يلبث أن استقبل الشاب محمد شكري في منزله، حيث تعارف معه عن طريق مواطنه ادوار روديتي، الكاتب الأمريكي، الذي كان من أوائل الأدباء الأجانب المقيمين في طنجة. في الزيارة الثانية، جاء شكري برفقة قصتين قصيرتين له، هما " العنف على الشاطيء " و " بقول الأموات "، ليستهل منذئذٍ رحلة ترجمة نصوصه إلى الانكليزية، التي تكفلها له بولز، ومن ثمّ طبعها وتسويقها في نيويورك عن طريق ناشره بيتر أوين. بعد ذلك، لما زار أدباء غربيون عالميون مدينة طنجة، كجان جينيه وتينسي وليامز، فإن محمد شكري قد قدِّمَ إليهما بوصفه واحداً من الكتاب المغاربة المهمّين. ولكن علاقة شكري بالعديد من أولئك الأدباء، بما فيهم بولز نفسه، لم تكن خالصة الود. ها هوَ يكتب بمرارة عن امتيازات الأجانب في طنجة، بوصفها مدينة ذات وضع دولي خاص: " هذا هو المغرب الذي يفتقده اليوم وليم بروز وبول بولز ومجايليهما، الذين عاشوا في طنجة ". ثم ينقل من رسالة بروز لأحد أصدقائه في أمريكة قوله متهكماً: " ماذا يعني هذا الخراء من الثقافة الاسلامية؟ ".
من ناحيتي، فإنني وإن لم أزر طنجة سوى سائحاً أوعابراً، إلا أنّ معرفتي الجيّدة بشقيقتها، مراكش، يجيز لي تأكيدَ نظرة محمد شكري للعلاقة بين مواطنيه المغاربة والمقيمين الأجانب، المتسمة بالتمييز الفاضح. إذ حتى اليوم، وبعد مرور عقود طويلة على " العهد الذهبي " لماضي طنجة، فما زال ابن البلد محروماً من الامتيازات الممنوحة للأوروبيين المقيمين، الذين يتهرب معظمهم من الضرائب على الرغم من جنيهم الأرباح الطائلة. وعلى سبيل المثال، فإن الأحكام القضائية بحق هؤلاء الأجانب ( بما فيهم مغتصبي الأطفال )، ما فتأت متهاونة للغاية مقارنة بتشددها مع المواطنين. وبحجة التمسك بأهداب الدين الحنيف، يمتنع النادل المغربي في جميع البارات والمقاصف والمطاعم عن تقديم المشروبات الروحية لمواطنه، فيما هوَ يسكبها للأجانب ( بما فيهم العرب الخليجيين ) بوفرة مقابل سخائهم. وفي حين أنّ طنجة " هي لبعضهم ماخور "، على حد تعبير محمد شكري، فإنه في يومياته عن الأديب الأمريكي تينسي وليامز يقصّ ساخراً كيف صادر له موظفو البريد مجلة فنية قادمة إلى عنوانه، بسبب صور نساء عاريات منشورة فيها..

المراجع:
1 ـ محمد شكري، الشطّار أو زمن الأخطاء ( سيرة ذاتية )
2 ـ محمد شكري، بول بوولز وعزلة طنجة ( مذكرات )
3 ـ محمد شكري، تينسي وليامز في طنجة ( يوميات )
4 ـ يحيى بن الوليد والزبير بن بوشتي، محمد شكري ( حوار )
5 ـ حسن أحمد بيريش، هكذا تكلم محمد شكري ( مختارات )



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - طنجة؛ مدينة محمد شكري 3