أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 4















المزيد.....

سيرَة حارَة 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 09:16
المحور: الادب والفن
    




1
" السبيل "، صار الآن من النوادر، مع أنه كان من معالم دمشق القديمة. ففي مدخل كل مسجد تقريباً، كنتَ تجد سبيلاً للماء العذب يروي عطشك. كما أن الكثير من الأزقة والدروب قد ضمت هذا الأثر، النادر. في حارتنا ( ركن الدين )، كان من الممكن أن يكون سبيل الماء تحفة فنية تعود لزمن آل عثمان، أو مجرد حنفية ماء تبرّع بها " بافي عثمان ". هذا اللقب الأخير، كان يخص جدّي لأمّي، حيث تبرع لأهل زقاقنا بسبيل كان يجري عبْرَ حائط منزله القديم، الذي تملّكه فيما بعد آل علكي. إلا أن هذا السبيل أصبح يُعرف بـ " حنفية دلال "، على اسم المرأة الطريفة، التي يقوم باب بيتها بمقابله، وكانت تسقي بمياهه المجانية حديقة منزلها الكبيرة على مدار اليوم....!
أشهر أسبلة الحارة، ولا شك، هيَ تلك القائمة بمداخل مساجدها العتيقة؛ كسعيد باشا وملا قاسم وحمو ليلى ويونس آغا وكردان وغيرها. عندما كنا صغاراً، لم نكتفِ بالشرب من سبيل مسجد سعيد باشا، بل ونعمد أيضاً إلى اللهو بمياهه؛ مما كان يستدعي سخط المصلين وزجرهم لنا. في زمن أسبق، وتحديداً خلال فترة الوحدة المشئومة، كان على " أبو عنتر " مواجهة موقف حرج ذات يوم خلال ارتياده لهذا السبيل نفسه. فقد طلبت منه خالته ( التي تكفلته يتيماً ) أن يأتي لها بالماء البارد من سبيل المسجد، فحمل الجرة الصغيرة ومضى بها. ما أن همّ " أبو عنتر " بالعودة إلى المنزل، حتى وجد دورية من المكتب الثاني ( اسم المخابرات في ذلك الزمن ) تعترض سبيله. لقد كان مطلوباً بسبب انتمائه للحزب الشيوعي. وإذاً، حينما تقدم رئيس الدورية إليه وبيده القيد الحديدي، فإن صاحبنا قال له متوسلاً: " سأعود إليكم حالاً! فقط اسمحوا لي أن اوصل جرة الماء لخالتي! ". تناول الضابط منه جرة الماء، فرفعها عالياً ثم تركها تسقط وتتحطم أرضاً. ما لم يكن بحسبان ذلك الرجل، أن بعض أسنانه ستسقط أيضاً على الأثر بلكمة مفاجئة، غاضبة، من " أبو عنتر " زقاق الآله رشي..

2
" الكرد يميلون للسلب والنهب "؛ هذا ما جاء في الموسوعة العلمية الفرنسية. ويبدو أن الفرنسيين، على الأرجح، قد أعطوا هذا الحكم اعتماداً على مصادر ادارتهم الاستعمارية في دمشق. من ناحية أخرى، يشارك المستشرقون والرحالة ذلك الرأي، بتأكيدهم أن الكرد لا يعتبرون السرقة مثلبة شخصية أو اجتماعية....!
وقد ذكر لنا الوالد، كيف حصل على وساطة الأمير جلادت بدرخان ( وكان أبرز أركان النهضة الثقافية الكردية في النصف الأول من القرن العشرين )، حينما وقع ابن أخيه في مأزق يتعلق بالسرقة. " فيّو " هذا، كان شبه أصم. وعلى الرغم من ذلك، فقد كلّفه شقيقه الأكبر " ديبو " أن يرتقي جبل قاسيون لكي يجلب له أخشاباً كانت متخلفة عن ثكنة مهجورة للقوات الفرنسية تقع خلف مقام الأربعين ( أو مغارة الدم، كما تسمى أيضاً ). ولكن، لسوء حظ ابن العم، أن هؤلاء كانوا قد تركوا حارساً ثمّة لردع اللصوص؛ بما أن المكان يُشرف على الحيّ الكرديّ....!
كان جلادت بك دقيقاً في مواعيده. فعندما اتفق مع والدي على اللقاء معاً، فإنه تأكّد قبل كل شيء من أن عقرب ساعة الآخر مطابقٌ لعقرب ساعته. وإذاً، في اليوم التالي، دُهش الأب عندما رأى البك ينتظره في الوقت المحدد تماماً، هناك عند مدخل محطة الحجاز. هكذا توجها إلى مقر الحكمدارية، القريبة، لمقابلة ضابط فرنسيّ كبير. وكان هذا الأخير على صداقة مع أميرنا الكرديّ، المنفيّ. ثمّة، تمّ الأمر بسهولة ويسر، حيث أفرج عن ابن العم في الحال. قبل ذلك، كان الجنرال قد خاطب والدنا عبرَ رفيقه المُجيد للغته الفرنسية: " في المرة القادمة، إذا رغبتم بالسرقة، ارسلوا على الأقل شاباً غير أصمّ؛ فقد كاد قريبكم المعتقل أن يُقتل برصاص الحارس، الذي أمره بالتوقف! "...

3
" الترمواي "، الذي عرفته دمشق منذ عشرينات القرن الماضي، لم تكن سكته تصل إلى الحيّ ( ركن الدين ). وكان أهالي الحارة يتمشون عادةً إلى منطقة " الشيخ محي الدين "، في حيّ الصالحية المجاور، لكي يأخذوا من هناك الترمواي في الطريق إلى مركز المدينة. " ساحة المرجة "، كانت آنذاك هيَ المحطة الرئيسة لوسيلة النقل الحديثة هذه؛ ومن الممكن حتى الآن رؤية خطوط السكة الجديدة على أرضيتها الأنيقة. وقد بقيت قاطرات الترمواي في العمل حتى مبتدأ الستينات، حيث أزيلت بحجة أنها تعيق السير في دمشق....!
وإنه " حمو جمو "، سلف عمّتي الكبيرة،، مَن عليه كانَ في زمَن آخر، أسبق، أن يَستقلّ القاطرَة آمراً سائقها بخشونة الاستمرارَ فيها حتى الحارَة.
" ولكنّ سكّة الترمواي، يا آغا، غير مَوْصولة بصالحيّة الأكراد..؟! "، خاطبَ السائقُ الحائرُ أقوى عتاة زمنه. إلا أنّ هذا، وكانَ ثملاً عندئذٍ، لم يأبه بالأمر. عندئذٍ، لجأ السائقُ إلى الحيلة. فما أن مَضى بقاطرَته إلا قليلاً، مُصعّداً في طريق " الشيخ محي الدين "، حتى صاحَ بالراكب المُزعج: " أكراد.. أكراااد ". فانتبه الآغا من غفلة تهويمه، صائحاً بدَوره بالسائق: " عندَك، يا هذا، عندك..! ". ما أن نزلَ الرجل العتيّ، حتى بادرَ السائقُ إلى سدّ باب المَقطورة والمُضيّ بها من ثمّ فوق سكّة الخلاص..

4
زقاق آله رشي، ينفتح مدخله في مقابله الدخلة، التي تنحدر نحو موقف الجوزة. لو أن المرحوم " علي بطة " بُعث حياً، لما تعرّف على حارته هذه سوى من منارة مسجدها القديم ( مسجد سعيد باشا ). لقد كان صاحبنا في زمنه من كبار المجاهدين في الثورة السورية، وخاض معارك شهيرة في الغوطة وريف الشام....
دكان " علي بطة "، كان في زمن طفولتنا هو نجم محلات البقالة والسمانة، المتراصفة على جانبي شارع أسد الدين. آنذاك، دأب الرجل على تلقي مكالماتٍ على هاتف دكانه من ولد مجهول: " علي بطة؟ "
" نعم "
" زوج القطة ! ". وكان هذا الولد يعيّر صاحبنا بزوجته ذات الوجه الصغير، الشبيه بوجه الهرّة....!
في زمن يسبق ولادتي، كان جدّي لأمي يقيم في هذا الزقاق ومعروفاً بطرافته وميله للطرب والمرح. " العطّيس "، كان مستعملاً زمنئذٍ؛ وهو عبارة عن مادة شبيهة بالتبغ تجلب عطس المرء بمجرد أن يضع قليلاً منها في أنفه. وكان الرجال هم من يستعملون " العطّيس "، فيتفاخرون بعلبهم المصنوعة من الفضة حينما يضيّفون بعضهم البعض. وبما أن " علي بطة " كان ذا أنف عظيم، فإنه اعتاد أن يسمع تعليق جدّي في كل مرة يضيّفه فيها تلك المادة: " بافي حسين.. حينما تأخذ العطّيس من علبتك، فإنك تضع نتفة قليلة؛ أما حينما يضيّفك أحدهم فإنك تهبش نصف علبته! "..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5
- حكاية من - كليلة ودمنة - 4
- صورة الصويرة؛الضاحية2


المزيد.....




- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 4