|
النمر الزيتوني
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 08:17
المحور:
الادب والفن
الغابة الغامضة، الغاصّة بأشجار الأرغانة، تستهلّ امتدادها من " وادي القصب " مروراً بضاحية مدينة " الصويرة " الساحلية. تشديدنا على أمر الغموض، متأتٍ لكون أطفال الضاحية ( الذين اعتادوا على لعب الكرة ثمّة على طرف الغابة )، اعتقدوا دوماً أنّ هذا الفضاء المشجر لا نهائيّ، وربما يتصل بمجاهل أفريقية والهند. ما عزز ذلك اليقين مؤخراً، هوَ حقيقة ظهور الوحش الأعور ( أو " النمر الزيتوني " كما صار يُعرف )، مسبّباً حالة عامّة من الخوف بعدما قتل منذ أسبوع ثمانية من أترابهم. هذه الحكاية، بدأت قبل أسبوع إذاً. أولاد الحَوْمة، المترامية على أطراف غابة الأرغانة، كانوا قد سبق لهم واختاروا بقعة من الخلاء كملعب كرة قدم، اعتباطيّ. فبرغم أنّ الضاحية السكنية مقتصرة على العمارات الحديثة، لم يرَ متعهّدو بنائها حاجة لإهدار المال على تشييد منشئات للأطفال. وكون " الملعب " ذاك لا يتسع لجميع الأولاد، لم يجد بعضهم بأساً من ممارسة لهوٍ آخر: ملاحقة الكلاب والقطط، التي تبحث عن رزقها في المزبلة. الرجل المتوسط العمر، المكتسي بملابس أهالي الضاحية الأصليين، القرويين، كان يشارك تلك البهائم في عملية النبش بين القمامة. هدفه من ذلك، هو الحصول على القناني الزجاجية والعلب البلاستيكية، كي يحمّلها في خرج حماره ويمضي من ثمّ لبيعها. هذا الرجل، البرونزيّ اللون والمبهم الملامح كالهنديّ الأحمر، دأبَ على انتهار الصبيَة الذين يؤذون الكلاب والقطط. غير أنهم كانوا يجيبونه بقحّة: " أنت بنفسك تضرب حمارك.. ". الرجمُ بالحجارة، كان من نصيب الكلاب. في حين أنّ القطط، وخصوصاً صغارها، كانت تشنق بالحبال، أو بحدّ أدنى، يتمّ ضربها بالعصي. ويتعيّن القول، أنّ المعاناة الممضة، المشتركة، جعلت العيش المشترك ممكناً بين هاتين الفصيلتين الحيوانيتين. إذ طالما كان الأطفال بعيدين عن المزبلة، فإن جماعتيّ الكلاب والقطط كانتا على انسجام ووئام. فما أن يغيرُ هؤلاء المعتدون بحجارتهم وحبالهم وعصيّهم، حتى تتفرق الحيوانات هاربةً باتجاه الغابة أو الأزقة القريبة. إذاك تحاول الهررة، من ذوات الأثداء المترعة بالحليب، الدفاعَ عن صغارها. وإنها الهرة الأم، المتميّزة بلونها الزيتونيّ، من وجدت نفسها في تلك الظهيرة بمواجهة الصبيَة المهاجمين. كانت تدور حول توأمها، مطلقةً المواء الأليم، العاجز، وهيَ تراهما عرضة لضربات الهراوات. ثمّ تمكّن الأولاد، أخيراً، من سحب كلا الصغيرين بوساطة الحبال بعيداً عن أمهم. هذه، ما لبثت أن قفزت آيسةً نحوَ حافة حاوية الزبالة، المعدنية والمصبوغة باللون الأخضر. ثمّة، تمّ تضييق حلقة الحصار عليها حتى أسقطت داخل الحاوية بفعل ضربات العصي الطويلة. ولأن إحدى ضرباتهم قد فقأت العين اليسرى للهرة، أضحى الصبيَة متيقنين من استسلامها الوشيك. صيحات ابتهاجهم، الصاخبة، ما عتمت أن ارتفعت رويداً مع تمكن الحبل من شدّ رقبة الهرة. ومن ثمّ بدأت، على الأثر، عملية سحبها من بين ركام القمامة. ولكن، على حين غرة، تشبثت الحيوان بحافة الحاوية قبل أن تنقضّ على خصومها باندفاع يائس. الأطفال المذعورون، بما فيهم من كان يشدّ حبل الشنق، انقلبوا على أعقابهم وركنوا للفرار في كلّ مهبّ متاح. " آمّي.. تعالي وانظري إلى هذا المشهد الطريف "، صرخت امرأة فتية كانت تقف قدّام باب منزلها. مثل هكذا صراخ، احتفاليّ، كان يلقى الهرّة في طريق تيهها خِلَلَ دروب الأزقة السكنية. ذيل الحبل، الذي كان بعدُ يشدّ على عنق الحيوان، بدا شبيهاً بأفعى ميتة. وها هوَ صاحبُ دكان السمانة، المركونة عند ناصية سوق الحومة، يعلّق على المنظر المحزن بالقول " إنها تحتضر.. ". بغتة، رفعت الهرّة رأسها نحوَ الرجل، وحدقت بعينيه ملياً وكأنها فهمت كلامه، أو كأنما تستعطفه. هذه النظرة، على الأرجح، جعلت صاحب محل السمانة يتراجع قليلاً ويشيح بوجهه إلى جانب. فما أن التفتَ ثانيةً نحو الأرض، أين كان يقبع الحيوان، حتى أدهشه اختفائه وكما لو أنّ قوّة سفلية ابتلعته. ولكنّ الحبل، حبل الشنق، كان مرمياً في الدرب وقد صار شبيهاً أكثر بالأفعى بفضل عقدته.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكّة فلوس
-
القضيّة
-
الطوفان
-
مسك الليل
-
خفير الخلاء
-
البرج
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
-
طنجة؛ مدينة محمد شكري
-
سيرَة حارَة 7
-
في عام 9 للميلاد
-
سيرَة حارَة 6
-
سيرَة حارَة 5
-
سيرَة حارَة 4
-
في عام 10 للميلاد
-
سيرَة حارَة 3
-
في عام 11 للميلاد
-
سيرَة حارَة 2
-
في عام 12 للميلاد
-
سيرَة حارَة
المزيد.....
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|