أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطوفان














المزيد.....

الطوفان


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4302 - 2013 / 12 / 11 - 08:14
المحور: الادب والفن
    


يعتقد أهل " طنجة " أن معنى اسم مدينتهم مستمدٌّ من قصة الطوفان، المعروفة في الكتب السماوية؛ لأنّ أحد راكبي سفينة النبي نوح قد هتفَ: " طين ـ جا "، بعدما رأى الحمامة قادمة من البرّ وهيَ تحمل ما يثبت انحسار الماء عن الأرض.
هذه الأسطورة، ربما فكّرت بها " للّا آية " في عصر ذلك اليوم الربيعيّ، حينما كانت تؤوب إلى شقتها تحت صبّ متواصلٍ من الأمطار الغزيرة، التي جعلت الشوارع والدروبَ تغرق بلا أيّ أمل. كانت تقود سيارتها بصعوبة بالغة، مجتازةً بها المياه والأوحال، ناثرةً لعناتها على المسئولين عن الأشغال والصيانة. إنّ لعناتٍ أرضيّة مماثلة، ولا مَراء، قد انهمرت في ذلك اليوم مع لعنات السماء. مع أنّ هذه الأخيرة، ربما، كانت تأمل أن يستفيد رعاياها من الأمطار لا أن يصيبهم الضررَ من جرّائها. ومن المعقول أيضاً، أنّ السماءَ كانت يومئذٍ تدّخر للسيدة هبةً غير متوقعة؛ هيَ من سبق وانفصلت عن زوجها، لأنها لم تستطع أن تنجب له طفلاً.
ولكن ما انتظر هذه السيدة المحترمة، ثمّة في شقتها، كان أكثر هولاً وفظاعة مما عانته في طريق العودة. في البدء، اطمأن قلبها لما وجدت مصعدَ العمارة يخدمُ على الرغم من الكارثة خارجاً. وبذلك الشعور الرضيّ فتحت باب منزلها. فماذا رأت هناك لكي يصدر عنها ذلك الصراخ الجنونيّ، الذي جعل بعض الجيران يهبّون لنجدتها: " جرذان.. جرذان في كلّ مكان بالبيت "، كانت تردد كالممسوسة وهيَ ترتعد. هكذا تمّ ادخال " للّا آية " إلى الشقة المجاورة، حيث عملوا ثمّة على التخفيف من روعها. لما هدأت نوعاً، فإنها أجالت بصرها في حجرة الصالة وكانت ما تفتأ ترتعش، فما لبثت أن تساءلت بحيرة " شقتكم أيضاً تقع في الطابق الأخير، إلا أنها لم تتعرض لغزو تلك الحيوانات الكريهة؟ "
" لأننا كنا هنا، وقتَ حصول السيل "، أجابت المرأة البدينة ذات الضفيرة الطويلة والتي كانت تبدو كأنها طفلة عملاقة. في واقع الحال، فلم تك المرأة الأخرى مشغولة عندئذٍ بالضفيرة تلك، بل كانت تحاول أن تتذكّر كيف تركت الشقة حينما غادرت صباحاً إلى مقرّ عملها. آه، لقد فكّرت أنها عادةً تترك غطاءَ الحمّام الأفرنجيّ ( التواليت ) مفتوحاً؛ وهوَ المنفذ الوحيد، على الأرجح، الذي كان من الممكن أن يسلكه الجرذان هرباً من الغرق في الطوفان. وكانت المرأة العملاقة، المنهمر كلامها دونما صدىً، قد انتهت إلى أن تعرض على " للّا آية " المعونة في محاولة طرد تلك الحيوانات القارضة. وإذا بالضيفة تقفز من مكانها، وكأنما أصيبت بالمسّ مجدداً " لا، ما من داع.. سأتصل حالاً مع صاحبة البارطما { الشقة }، كي تحضر لمساعدتي. شكراً لكم على كلّ حال "، قالتها وهيَ تهرع من فورها باتجاه الباب الخارجيّ، الذي كان ما يزال موارباً: لقد تذكّرت أنها تركت بابَ شقتها غير موصد بالمفتاح؛ وأنّ قطع مصاغها الثمينة مبعثرة في جميع الحجرات.
عندما انتقل عملُ " للّا آية " من مركز البنك الشعبي في مدينة الكازا إلى فرعه في طنجة ( مسقط رأسها ومكان نشأتها )، فإنها بادرت توّاً لمحاولة ايجاد سكن مناسب. ثمّة، في حيّ " مرشان " الجميل، عثرت لاحقاً على بغيتها في عمارةٍ حديثة متكوّنة من خمسة أدوار، ومزوّدة فوق ذلك بمسبح خاص لساكنيها. وعلى الرغم من أنّ صاحبة الشقة كانت قد فرشتها بشكل رائع، بيْدَ أنها رضخت لنزوة المستأجرة الجديدة، التي أعلنت أنها ستؤثثها على ذوقها. وها هيَ " للّا آية " تغلي الآن غضباً، لأنّ صاحبة الشقة ردّت ببرود على استنجادها، قائلةً أنها لن تستطيع في الحال تدبيرَ رجال يساعدون في تخليص الشقة من الجرذان. على أنّ شيئاً من الرواء قد طرأ على مزاج المستأجرة، لما أضحت عند مدخل العمارة واستقبلتها شمس الربيع الساطعة. بنظرة ساهمة، تأمّلت من ثمّ ما يحفل به الدرب من مخلوقات وموجودات: " حتى تلك المتسوّلة المسكينة، المرابطة ثمّة طوال النهار، تضع أملها في الشمس السخية "، قالت في نفسها وهيَ تنظر إلى الناحية الأخرى من الدرب. فما أن أصدى هذا القول في قلبها، حتى نظرت بانتباه إلى ابنة المتسوّلة، التي كان مظهرها يوحي بأنها أكملت دزينة من أعوام عمرها. هذه الطفلة، المكتسي بدنها النحيل بثوبٍ خلِق، كانت إذاك لاهيةً بقدم واحدة، تنط حولَ البقعة التي تقعد فيها والدتها المحتضنة رضيعاً. " سأكلفها بالصعود إلى شقتي، لجلب مصاغي، قبل أن يحضر أولئك الرجال للمساعدة في طرد الجرذان "، قرّ رأيُ المرأة الملولة أخيراً.
ثمّة، قدّام باب شقتها المنكوبة، لم يُدْهِشَ " للّا آية " ما كان من شجاعة الطفلة المتسوّلة، حَسْب. فإنها بعدما راحت تبعد الجرذان، وتلمّ قطع المصاغ الواحدة بأثر الأخرى، لم تمسّ مبلغاً كبيراً من المال سبقَ أن تُرِكَ مُهْمَلاً في أحد أدراج الكومدينو بحجرة النوم. ومن هذا المبلغ نفسه، منحت المرأة الممتنة فيما بعد الوالدةَ المتسوّلة ورقةً مالية، قد طبِعَ على أحد وجهيها صورة أمير المؤمنين. أما فكرة تبنّي الطفلة الكبيرة، فإنها عذّبت " للّا آية " في تلك الليلة أكثر مما كانت قد فعلته الجرذانُ الغازية. صباحاً، تكاسلت المرأة الموظفة في النهوض من فراشها. وكانت من انشغال البال عندئذٍ، أنها سَهَت عن الاتصال بمكان عملها ( كما كانت مقررة أن تفعله )، كي تخبرهم بتعذر حضورها اليومَ. كونها قد أعدّت كلّ شيء في ذهنها جيّداً، فإنها ما عتمت أن هتفت لصديقة من ذوي الثراء، تسكن في فيلا على طرف المدينة: " لقد وجدتُ لك خادمة مناسبة. إنها امرأة تعسة، سبق أن رماها زوجها المدمن في الشارع مع طفلتيها. الطفلة الرضيع، ستبقى بطبيعة الحال مع أمها. أما الأخرى، فإنني قد استخرتُ السماءَ وقررت تبنيها "
" سأقوم بتخديم هذه المرأة عندي، كما تريدين. ولكن، لماذا لم تختارِ الطفلة الرضيع، فتنشأ في حجرك كما لو أنها ابنتك الحقيقية؟ "، تساءلت صديقة " للّا آية ". فأجابتها هذه وقد صار صوتها أكثر عمقاً: " إنني قاربت سنّ الأربعين، يا عزيزتي. واللواتي هن من جيلي، صار بعضهن جدّات الآن ". أنهت كلمتها متنهّدةً بعمق، وكأنما قد نجت للتوّ من فيضان داهم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسك الليل
- خفير الخلاء
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطوفان