أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 16:55
المحور: الادب والفن
    


هرّ الدار، الفتيّ، كان مستلقٍ وزغبه الأشقر على أرضيّة الحديقة المحجّرة، المنبثق من بين شقوقها خصلات الأعشاب. صفة الدهاء، المُتطبّع بها جنس الهرّ، ربما أوحتْ له تصنّعَ النوم على أمل بأن ينطلي ذلك على الطيور المغرّدة والفراشات البكم، المدوّمة فوق رأسه. ولكن، لا هذه ولا تلك قد غابَ عن وعيها حركات ذيل الهرّ، التي فضحت التمثيلية.
التمثيل؛ إنه الفن المُستحدث، المُحتّم على " جانكو " التفكير فيه بعدما راقبَ حركة القط، المنزليّ. مُبتدأ هذا الفن، في الشام على الأقل، كانت الأجيال السالفة قد شهدته خلال الأعياد الدينية. إذ ذاك، أنيبَ لِدُمْيَتين من القماش الملوّن، محشوتين بالريش، أن يتحركا بوساطة خيوطٍ مشدودة إلى يديّ رجل غير مرئيّ للنظارة. وكان هذا يجعل الدميتين، المنعوتة احداهما باسم " كره كوز " والأخرى باسم " عيواظ "، يستعيران لسانه في حوارٍ يغلب عليه روح المرح والدعابة. أما مكان التمثيلية، وكان لا يكاد يزيد حجماً عن صندوق فاكهة، فقد تمّ تزيينه بالبسط الزاهية والستائر المُدبّجة. ذلك المكان، كان لا بدّ أن يتوسّع في الزمن المتأخر، فيصبح بحجم مقهى السوق، فيُعرف باسم " المَرْسَح ": هنا، استعيض عن الدمى برجالٍ من لحم ودم، يتحاورون على مرأى من النظّارة وقد انتحلوا شخصيات أبطال السيَر والملاحم ـ كالظاهر بيبرس والزير سالم وعنترة.
" أرى أننا بحاجةٍ للراحة، بعد رحلتنا البحريّة المُتعِبَة "
اقتحمَ صوتُ الرابي، على غرّة، رأسَ ضيفه المهوّم بعيداً في أفكاره. وكانا قد فرغا تواً من احتساء الشاي المنعنع، المَشفوع بلقيماتٍ من الحلوى المحليّة. مُشيراً بيده إلى ناحية الدار، تابعَ المُضيف القول " ثمّة، إلى يسار الشرفة، تقومُ حجرة نومك ". عندئذٍ رفعَ " جانكو " رأسَهُ ليركّز البصَرَ في واجهة الدار، المُطلّة على الصحن والحديقة، وكما لو لم يكن قد لحَظها قبلاً: عمارة الدار، كانت على الأرجح من الطوب المشويّ، على مألوف العادة. أما فيما يتعلّق باللون، المُظهِّر مداميك الطوب، فإنه الجير الأبيض. وقد ضافرَ ذلك صبغة النيلة، السماوية اللون، عند التفكير بأفاريز النوافذ. وكانت واجهة البناء تلك، المعنيّة، تظهِرُ في صدرها صالة ذات شرفةٍ عريضة. ويحدّ الصالة، إلى اليسار، ما عرفنا للحال أنها حجرة نوم تاجرنا. أما الحجرة الأخرى، إلى يمين الصالة، فهيَ مثل حجم الأولى وتكوينها، وقد تخصّ صاحبَ الدار.
" كأنما أريدَ لهذه الواجهة أن تتمثل حال أصحاب الدار، الرخية والموسرة "
أسرّ لنفسه " جانكو "، فيما كان ما يزالُ يتابع تأمّل البناء بإعجاب. فالتشكيلُ الخشبيّ، البديعُ حقاً، كان أساسَ تزيين الواجهة برمّتها، فضلاً عن القرميد الزاهي الخضرة، المُتراصفة صفوفه الأنيقة على الأفاريز العلويّة لسقف الصالة وحجرتيّ النوم . النمط الأندلسيّ، الذي طالما نوّه به صاحبُ الدار في مناسبات سابقة، كان يمكن للمرء تبيّنه في الزخرفة الدقيقة للتشكيل الخشبيّ ذي اللون البنيّ الداكن، مثلما في العمودين الرشيقين، المنتصبين على جانبيّ الشرفة. ثمّة، تمّ تعليق نجفات ثلاث، يتوسطهما مشكاة مثبتة في كلّ من طرفيّ باب الصالة الخشبيّ، المُشرَع على نسائم الحديقة، الرقيقة. أما العنصر النباتيّ، المُسهم في زيادة الإبهار، فقد تمّ توكيله لعرائش المَجنونة والياسَمين. لون أزاهير هذا الأخير، الناصعة كالفضة، كان يخفف ولا مَراء من حرارة ألوان المجنونة، العديدة.
" أرى أنك توقفت ملياً عندَ منظر حجرتك الخارجيّ، يا آغا..؟ "
قالها الرابي مُشدِدَاً على المفردة الأخيرة. نعتُ " الآغا "، كان تاجرنا قد اعتاده من رفيق الرحلة مذ استهلال تعارفهما في جزيرة الحصن البحريّ. إلا أن ذلك، على أيّ حال، قد أوقظ في " جانكو " ملاحظةً تَمُتّ ولا شكّ لشؤون الذاكرة: " إنّ اسمَ صاحبنا، كره كوز، يكادُ أن يكون مَشنوعاً لدينا في المَشرق "، قالها ثمّ أضافَ موضّحاً " إذ هوَ نعتُ إحدى دمى المرسح، الذي لا يني العامّة هناك يقبلون على مشاهدته خلال الأعياد ". انطبعت على فم المُضيف البسمة المشوَّهة نوعاً، المُنذرة بدفقٍ من السخرية: " إنّ كره كوزنا مُسلّ أيضاً، والحق يُقال. بيْدَ أنّ جمهورَهُ هم الخاصّة لا العامّة "، قالها ثمّ أضافَ بالنبرة نفسها " وشأن أقرانه، من كبار التجّار، فإنّ كره كوز يؤمن بأنّ العامّة هم مصدرُ كل شرّ في الأرض ". فعلّق التاجر في نبرة يقين " المستضعفون في الأرض، بحَسَب كتابنا الشريف، هم الموعودون بوراثتها ". لزمَ الرابي الصمتَ، مرخياً رأسَهُ إلى الوراء وكأنما لاستحواذ مزيداً من الهواء المُنعش، المُعبّق بأريج الجنينة. ثمّ ما لبثَ أن تزحزحَ قليلاً عن مقعده الوثير، وكأنما للإيحاء برغبته في مغادرة المكان. على أنه فتحَ فمَهُ أخيراً، ليقول: " في هذا البلد، المسلم، يَرث السلطان غالباً ثرواتِ وأملاكَ كبار معاونيه وموظفيه. على ذلك، لم يكن غريباً أن يعمد البعض من هؤلاء، حينما يشعرون بدنوّ الأجل، إلى محاولة الحصول على ظهيرٍ سلطانيّ يَضمن حقوقَ أولادهم من بعدهم وأنهم سيخلفونهم في نفس المناصب الرسمية. من ناحية أخرى، قد يتم مصادرة ثروات وأملاك زعماء القبائل المتمردين، أو القوّاد المَغضوب عليهم لسببٍ من الأسباب، فيتم وضعها في بيت المال باعتبارها مالاً حراماً جناهُ أولئك الأشخاص بطرق مخالفة للقانون والشريعة "
" وهذا هوَ الحالُ في دولتنا، العثمانية. إلا أنّ الولاة ثمّة يقتلون غيلة غالباً، أو بالسمّ، قبل مصادرة أموالهم وأملاكهم "
" أأنتَ تعني الولاية الشاميّة أم الكرديّة..؟ "، استفهمَ الرابي من مُضيفه. بقيَ فمُ الضيف فاغراً هنيهة، بما أنّ السؤالَ لم يكن متوقعاً. وكما هوَ المألوفُ في هكذا موقف، كانت صورة أمير " بوطان "، المنفيّ، تتمثّل لعينيّ تاجرنا الدمشقيّ. ولكن، لأنه لم يكن ليرتاب البتة في مقصد صاحبه، فإنه ما عتمَ أن أجاب بجلاء " بل أعني الولاة الشوام، لأنّ التقليدَ بالنسبة لأندادهم، الكرد، هوَ التمردُ على الباب العالي بسبب محاولاته الحدّ من استقلال إماراتهم أو حتى القضاء عليها ". عند هذا الحدّ من الحديث، أظهرَ المُضيف رغبته في الصمت. وكونَ الآخرُ قد أبدى رغبة مماثلة، فإنّ تغريدَ طيور الحديقة أضحى أكثر وضوحاً من ذي قبل.
على الأثر، سلّمَ الضيفُ قيادَهُ لوصيف الدار، الذي مضى معه إلى حجرة النوم. ثمّة، وحالما أبصرَ " جانكو " السريرَ الفاره، المستحوذ على جلّ مساحة الحجرة، فإنّ شوقاً شديداً للنعاس داهمه للفور حتى أنه غفل مجدداً عن فرض الصلاة. ودونما أن يلقي نظرة أخرى على موجودات حجرته، أغمض تاجرنا عينيه حالما غادرها الوصيف وأغلق بابها الخشبيّ. كانت هذه هيَ المرة الأولى، ولا غرو، التي حظيَ فيها بطيب الرقاد مذ أن غادر " جبل طارق " في الباخرة المتوجهة إلى المغرب. وإنّ لديه الآن متسعاً من الوقت للنوم، طالما أنه سبقَ وأخبِرَ من لدن مُضيفه بأنّ موعدَ دعوة العشاء هوَ الغد: " كنتُ على ثقة، بأنّ ذلك الرجل الماكر، بوعزة، سينقل كل حرفٍ من حديثي معه إلى كره كوز. وهذا، من جهته، شاءَ أن يظهرَ كيهوديّ يحترم التقليدَ، وأيضاً كرجلٍ راقٍ؛ طالما أنه أرسل وصيفه ليبلغني بأننا مدعوان للعشاء غداً السبت "، كان الرابي قد قالها آنئذٍ في شيءٍ من السخرية.
ولكن، ها هوَ الاحتفالُ يبدأ للحال.
إنّ " جانكو " يجدُ نفسَهُ الآن بين أناس أغراب، وآخرين كان يعرفهم حق المعرفة. ليسَ صالة حفل العشاء حَسْب، بل دار تاجر السلطان جميعاً كانت شبيهة بالكنيس اليهوديّ؛ الذي سبقَ ودخله ذات مرة، هناك في " دمشق " البعيدة. خلف أبواب حديقة الدار، المُشرعة الصفق، كان يُمكن رؤية العسكر العثمانيّ وهم يدققون النظرَ في المدعوين وكأنهم يبحثون بينهم عن شخص ما " إنني المطلوب لهم، على مرجوح الاحتمال.. "، كان تاجرنا يهجسُ في سرّه. غيرَ أنه أسرى عن روحه قليلاً، حينما أطلت امرأة حسناء مع فوجٍ من القادمين الجدد. هيئة المرأة، وملامحها، كانت يتناوبُ فيها سِحْر المشرق والمغرب على حدّ سواءُ. بل إنه حُسْنٌ مُهجَّن، رأى ما يُشبهه في بلاد الروم والفرنجة، التي مرّ فيها خلال رحلته البحريّة. على حين بغتة، سَحَبَه أحدهم من منكبه ليتأبطه بحركة ودّ وغلظة في آن: " لا منجاة منهم، يا آغا، سوى في البقاء رهنَ أسوار داري "، قالها صاحبُ الدعوة. هذا، كان إذ ذاك متقمّصاً شكلَ دمية " الكره كوز "، وكان مثلها أيضاً في الخفة. حينما نطقَ المُضيف كلمته، فإن " جانكو " رأى عيون المدعوين تحدّق فيه وتحاصره بنظرات الريبة. مع اختفاء أثر صديقه الرابي، راحَ يجول ببصَره بين الضيوف علّه يحظى ثانيةً بمَرأى المرأة الحسناء.
حالما أفاقَ تاجرُنا من نومه، دَهَمَته الغلسَة الشاملة. وكان من الضيق بحال، حدَّ أنه نهضَ مَلهوجاً إلى جهة بصيص النور، المتسلل من نوافذ الحجرة، الثلاث. ثمّة، أزاحَ سدائفُ إحدى النوافذ تلك، المُشرفة على منظر الجنينة النائمة، وقد أخذ يعبّ الهواء بشراهة المختنق. أجل، لقد كان يغرق منذ حين في لجّة كابوسٍ مُزعج. هكذا عادَ إلى هناءة سريره، على إثر شعوره بالتخفف من غلواء الوحشة. حاولَ " جانكو "، من ثمّ، استعادة بعض تفاصيل الحلم المريع، قبلَ أن يُستعادَ، مُجدداً، إلى سلطنة النعاس المُستبدّة.
° يليه الفصل الثالث من الرواية، وهوَ قيد التنضيد



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6