أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني















المزيد.....

تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4431 - 2014 / 4 / 22 - 05:29
المحور: الادب والفن
    


3
أنيبَ إذاً ليومَ الجمعة، المُبارك، أمرُ استقبال أول سفينةٍ مُسيّرة بالبخار تحُط رحالها في مَرسى " موغادور "؛ هيَ من كانت، في يوم أسبق، قد أفرغت جوفها على مَشارف جزيرة الحصن البحريّ. كان صَباحاً صَحْواً، فوق ذلك، متألّقاً بِوَشي الشمس المُذهّب، المَشفوع بشيءٍ من فضّة السّحبِ، المُتناثرة هنا وهناك. بيْدَ أنّ الريحَ، المُطلقة السلطان في سماء المدينة، ما كان لها أن تفقدَ مَواقعها في هذا اليوم الخريفيّ: هو ذا صولجانُ هبوبها، المَصنوع بمَهارة الأزل، يواصلُ تلاعبَهُ بمَصائر الصيّادين والمسافرين على حدّ سواءُ، مُوَجِّهاً دفة مَراكبهم إلى ناحية النجاة أو الهلاك.
ولكنّ ربّان مَركب الصّيد، الذي تعهّد نقلَ خبر وصول الباخرة إلى أهل " موغادور "، كان اليومَ خالي الوفاض من همّ البحر والريح سواءً بسواء. كان ثمّة في ساحة القصَبة، خارجاً للّحظة من أحد المنازل المُعتبَرَة، المُتراصفة في دِعَةٍ على جانبيّ الدرب الرئيس. هذا الدرب، هوَ المُتصِلُ بين الساحة الكبيرة وذاكَ المَدخل، الذي كان الرابي ورفيقه قد عَبَرا خلاله قبل قليل في الطريق إلى دار الأعشار. وكان على الربّان أن يُصادفهما، ما دام سيمرّ بنفسه من ذاك الدرب، المُظلل بأشجار الجمّيز ذات الأوراق الصقيلة. وها هوَ يُفاجأ بمَرأى الرابي، طالما أنه لم يكن قد التقى معه منذ قرابة العام. كلاهما، كان مَصحوباً بمُرافقٍ فتيّ نوعاً، يَتنكّبُ غرضاً ما. الربّانَ، من ناحيته، كان يَعرف سلفاً، ولا مَراء، ما يَحمله تابعُهُ؛ طالما أنهما قد سبقَ وأعدا معاً الصندوقَ الخشبيّ، الضئيل الحجم، المُتخمَ بثمار البحر الطازجة، والتي ستصبحُ فيما بعد وليمةً شهيّة على مائدة واحدٍ من أكابر القصبة. على ذلك، راحَ الرجلُ يُبحلق في فضولٍ بالصندوق الآخر، الصغير والمتأنق النقش، الذي يشدّه مرافق الرابي إلى جنبه في حرصٍ واضح. إلا أنّ عاملَ البحر، الفضوليّ، لم يُهمل تدوينَ ملاحظة أخرى في ذهنه: ملامحُ هذا الرجل الغريب، كما وملابسُهُ، تُحيل إلى مَنبتٍ مَجهول ولا شك، لا يمتّ قطعاً لما يُعرَف عن شخص اليهوديّ أو الغاوريْ.
" أسعدتني رؤيتك، أيها العزيز بوعزة. لا بدّ أنك قادمٌ من منزل صاحبنا كره كوز؟ "
بادرَ الرابي إلى تحيّة الربّان بنبرة ساخرة، مظهّرة بالحفاوة. ثمّ راحَ، على الأثر، يقرأ عن قرب ما يمكن أن تعنيه علامة اللون الأصفر، المُتغلغل رويداً في قسمات سحنة الرجل. هذا، كان قد لحَقَ أن ينحني باحترام، مُتمتماً بعبارات الدّعاء لله بالحفظ. غيرَ أنّ سحنته، المنفّرة وغير المتناسقة، لمَ تتوان عن التعبير عن حيرةٍ بيّنة: " وكيف جازَ لك، يا سيّدي، أن تعرفَ جهةَ إيابي؟ "، تساءلَ وهوَ يفركُ أرنبة أنفه الحدباء. تاجرُنا، من ناحيته، علّقَ في سرّهِ على حركة الرجل: " لا بدّ أنه يتحسّسُ من ضَوْع عطرنا، النفاذ؛ هوَ المتفشية فيه رائحة البحر وحيواناته..! ". بدَوره، لوّحَ الرابي بيَدَيْه، كإشارة استفهام، مُجيباً تساؤل الربّان: " ومَنْ ذا اليهوديّ، المُقيم في هذه القصبة والمُستهتر بأعراف سبت ملّته، غير تاجر السلطان؟ "
" ولكننا، كما لا يخفى عليكم، ما نفتأ في صبيحة يوم الجمعة؟ "
" بالتأكيد. وما عَنيتُهُ، هوَ أننا قومُ نحتفلُ بالولائم في ليلة السبت، حصراً "
" وكيف نمَى لعلمكم، أنّ تاجرَ السلطان سَيولمُ الليلة؟ "
" لأنّ تابعكَ يَحملُ صندوقاً فارغاً، كان ولا رَيْب مليئاً بالأسماك الطريّة. فيما أنّ العادة هنا، كما لا يخفى عليكم، تقضي أن يرسلَ السادة عبيدَهُم إلى المرسى، أو السوق، بغيَة شراءِ ما يلزمهم. فأنْ يأتي إلى القصبة، ربّانُ مَركب الزهراء بشخصِهِ مع غلّة صَيدها؛ فإنّ الأمرَ لا يمكن أن يكون أقلّ من وليمةٍ، كره كوزيّة "، أجابَ الرابي مُطلقاً هذه المرة قهقهة مُقتضبة. وقد شاركه الآخرون الضحكَ، معبّرين بملامحهم أيضاً عن العَجَبَ لما في أجوبته من فطنة ومعرفة. " بوعزة "، المُضاعَفُ مَرَحُهُ بما لقاهُ هوَ من مديحٍ، شاءَ بعد ذلك أن يَعرِضَ على السيّد جلبَ شيءٍ من غلّة صيد الصباح. فأجيبَ بالإيماء من لدن الآخر: " بكل سرور، وبمَقدوركَ أن تمرّ عليّ في المَنزل بعدَ سويعة "، قالَ فيما هوَ يتحرّك للمَسير في اتجاه دار الأعشار. أما مُحاورُهُ، فلبث مُتردداً هنيهة، قبل أن يقررَ مواصلة طريقه نحوَ المَشْوَر.
" زالَ ما بيَ من دَهشة الوهلة الأولى، حينما لحظتُ خلوّ المكان تقريباً من أيّ حركة "
بدأ التاجرُ الدمشقيّ القولَ، بعدما كان قد نأى بنفسِهِ عن حديث الربّان والرابي. هذا الأخير، ظهرَ وقتئذٍ وكأنه مشغولٌ بتفقّدُ مفتاحَ منزله، المَخفيّ بعناية طيّ جَيْبِ السِترَة الافرنجيّة، المكسوّ بها. فتابعَ التاجرُ كلامَهُ: " ولكن، ما هيَ العِبْرَة في انعدام وجود محلات المعيشة هنا، كالدكاكين والمطاعم؟ ". إذ ذاك، كانا يتوغلان في الدرب نفسه، المُتفرّع عن ساحة القصبة، والمُحاذي لأسوارها. قال الرابي، رداً على سؤال رفيقه: " كما علِمْتَ، فالسوق هوَ من يؤمّن حاجيات الناس لدينا، سواءً تعلّق الأمرُ بالدكاكين أو المطاعم أو الجزارات. لقد انتفت الحاجة إلى هكذا محلات هنا، لسببٍ آخر؛ وهوَ أنّ القصبة مساحتها محدودة، وبنيت أساساً لتكون مَسكناً لكبار التجار والموظفين علاوة على نوّاب القناصل الأجانب "
" ألهذا الداعي تمّت احاطة الحيّ بسورٍ اضافيّ، حتى لقد أضحى أشبَهَ بقلعةٍ حصينة؟ "
" أجل، ويقوم الحراسُ بإغلاق أبواب سور القصبة ليلاً، منعاً لارتيادها من قبل الدخلاء. أما عمارة هذا السور، فهيَ على النمط الأندلسيّ، المؤثر استعمالَ الطوب لقلّة تكلفته. وهذا هوَ حالُ أسوار المدينة، الخارجية. إلا سور القصبة الشماليّ، البحريّ، فإنه على التقليد الأوروبيّ؛ أي من الحجارة غير المَنجورة، المُفترَض أن تتحمّل قنابلَ سفن الغزاة "
" بهذه الحالة، فليسَت عمارة السقالة، حَسْب، من صُمِّمَت من لدن المهندسين الأجانب؟ "، تساءلَ التاجرُ. تبسّمَ الرابي، وقد أدركَ تلميحَ الآخر عما سلَفَ من حديثهما، بشأن لغز نقيشة مَدخل المرسى. بيْدَ أنه لم يبادرَ فوراً إلى الجواب، بل طفقَ يَرمي ببصَرَهُ إلى الناحية الأخرى من الساحة: " ها قد وصلنا، أخيراً، إلى دار الأعشار "، قالها مُشيراً بيَدهُ إلى الجهة المقصودة. ثمّة، أين حطّت الاشارة، كان جمعٌ من الناس يتزاحمون أمام باب الدار الكبيرة، الشبيه بمَدخل أحد القصور الأوروبية. وسط هذا الخليط من الحمّالين ودوابهم، كان من المُمكن تمييز الركب العائد للرابي، الذي وَصَلَ قبلاً. هذا المَبنى، كان قد لفتَ نظرَ التاجر أيضاً، بالنظر إلى هيئتهِ غير المألوفة: " لعمري، فكأنما هيَ نادرةٌ؛ العمارةُ الاسلامية في موغادور..! ". حينما بثّ ما في سرِّهِ، فإنّ الآخرَ ردّ ببَسمَةٍ سَمِحَة قبل أن يجيبَ " كنتُ بصدَد اجابتك، في خصوص تساؤلك أولاً عن عمارة أسوار القصبة "، قالها ثمّ أردَفَ: " إن العمارة هنا، في القصبة، هيَ مهجّنةٌ حَسْبَما علِمْتُ من أقاربي الأقدمين. إنّ مهندساً فرنسياً يُدعى، كورنو، هوَ من كلّفَ بالعمارة خلال مرحلة التأسيس. ثمّ استعيضَ عن خدماته بآخر، ايطاليّ الأصل، لخلافٍ مع القصر حول التكاليف. ذاكَ المهندسُ، الأول، عَمِلَ بدايةً في مستعمرة جبل طارق، وكان آنذاك مُرتبطاً بصداقةٍ وثيقة مع والد جدّي ". صَمَتَ الرجلُ برهةً، كي يستعيدَ ربما صوَراً من الماضي، قبلَ أن يستدركَ: " وعلى أيّ حال، سيكون لدينا وقتٌ كافٍ لتتمة الحديث، ثمّة في منزلنا ". تشديدُ الرجلُ على الجَمْعِ، في مُختتم جملته، كان له مغزىً ولا غرو. كذلك فكّر التاجرُ، الذي شعَرَ عندئذٍ بالراحة، وفي الآن نفسه، بشيءٍ من الاحراج.
" أظنّ بأنّ ذلكَ المعلّم الماكر، الخبيث، سَيؤوبُ حالاً إلى القصبة كي يُخبِّرَ بعَودتي "
فاهَ الرابي بهذا الكلام، وقد بدا مزاجُهُ على مُنقلبٍ آخر. ولعلّ التاجر رأى غرابةً في ذلك القول، بالنظر لما اعتادَهُ على مَسْلك صاحِبِهِ، المُتحفّظ. فحقَّ له أن يستفهمَ عن الأمر. غير أنه لم يفعل. وها هوَ الرابي، وقد بدا غيرَ مُتعجّل في ولوج المَبنى، يتابعُ قوله " وليكن ما يكون، فإنّ خبرَ وصولي إلى موغادور لا بدّ وانتشرَ هنا عن طريق تجّار آخرين، كانوا معنا في الباخرة "، نطقها هذه المرّة بلهجةٍ تعمّدَ أن تكون غير مُكترثة. على الرغم من ذلك، فإنّ رفيقَ السفر كان قد تكهّنَ، سلفاً، بأنّ المُستفيدَ من الخبر لا يُمكن أن يكون سوى ذاك الوجيه اليهوديّ، المَدعو باسمٍ تركيّ؛ " كره كوز ". وإذا بالرابي يَهز رأسَهُ، كما هيَ عادته حينما يوَدُ أن يُفضي بأمر يشغل باله: " كما لم أخفِ عنكَ فيما مضى، فإنّ وَضعَ عائلتنا الماليّ هوَ على حافّة الافلاس. ولكنّ المهمّ عندي، الآن، هوَ تجنيبُ منزلنا عارَ البيع في المَزاد العلنيّ. إنّ حقائبي، في حقيقة الأمر، لا تحتوي إلا نزراً يسيراً من البضائع. فلقد جلبتُ كتبي وأغراضي الحميمة الأخرى، طالما أنني أنوي الاستقرار نهائياً في موغادور. غيرَ أنّ وصولي من المرسى، مع قافلةٍ من الجمال، كان ضرورياً أمام أعين أولئك الذين سبقَ وكانوا خصوماً لعمّي الراحل، ومن يطمَعون حالياً باستحواذ منزلنا ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني