أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثاني


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4426 - 2014 / 4 / 16 - 16:45
المحور: الادب والفن
    


’ إنّ وضعيّة موغادور أكثر سوءاً مما يمكن أن يتصوّره المرء، وليسَ فيها ما يمكن أن يشجّع التجار على الاستقرار. اللهمّ إلا الامتيازات التي توفرها للنشاط التجاري، وكون مرساها أجود مراسي السلطنة ’
النائب القنصلي البريطاني، برقية مؤرخة عام 1847
...........................................................

1
الحاضرة الأسطورة، تظهرُ للعَيان عن بُعد كأنما هيَ سحابة بيضاء، ضائعة بين أزرق السماء والبحر. فأن يقتربَ المرءُ منها رويداً، فإنها ستتبدى على منقلبٍ آخر؛ على هيئة عروس بحرٍ تجلو مفاتنها بإغراء، كي تسحبَ الغاوين إلى أعماقها السحريّة، المُهلكة. في المقابل، فكتلة الصخور السوداء، الهائلة الحجم، تتناهضُ تحت أسوار " موغادور "ـ كما لو أنها غول الخرافة، القابضة على صولجانيّ الريح والموج، تترصَّدُ أيّ هفوةٍ مُحتملة لتحلّ من ثمّ نكبَتها بالمراكب العاثرة الفأل.
هكذا خيالات، ربما لم تكن آنئذٍ ملائمة لمزاج تاجرنا الدمشقيّ؛ هوَ المُبحر للتوّ من الجزيرة في صبيحة يومٍ مُشرق ومُبارك. مع أنّ الموجَ المُشاكس، مَدفوعاً بتحريض الريح ولا ريب، كان يطلق قهقهاته الصاخبة فيما هوَ يتلاعب بالزورق الصغير، المُتجه في تثاقل نحوَ المرسى. علاوة على الرابي، المسترخي إلى يسار التاجر، ما كان ثمّة مرافق آخر. طبعاً باستثناء الرجل القاتم البشرة، الجالس في مقدمة القارب، وكان يقوم على مهمّة التجديف في همّةٍ مُثابرة. الحقائب العديدة، العائدة جميعاً للرابي، تفسّرُ ولا مَراء خلوّ المركب من مسافرَيْن اضافيين، على الأقل، كان من الممكن أن يتسعَ لهما. فكما سبقَ ولاحظ " جانكو "، أثناء الاقلاع من الجزيرة، فإنّ رجلَ الدين اليهوديّ كان الأكثر حظوة عند قائد حاميتها بين المسافرين الآخرين، سواءً المُنتمين لمَراتب الأعيان أو الأجانب من تجار ورجال أعمال.
الجزيرة، كانت إذاً قد أضحىت بعيداً خلف المسافرين. أمسى الحصن، بدَوره، أشبَه بالسراب في أعين هؤلاء، الذين أمضوا فيه بعض اليوم. وهوَ ذا حصنٌ آخر، أكبر وأجلّ عمارة، يَشمخ عن قرب. " إنها السقالة..! "، ندّتْ عن الرابي في نبرة مبهمة وهوَ يشمل بنظره المَشهد الداني. التفتَ التاجرُ نحوَ رفيقه، مُستفهماً: " سقالة..؟ "
" هيَ القلعة البحرية، التي شيّدت كي تحمي المرسى. وكما ترى، فإنّ لها برجين عظيمين في كلّ جانب، يشرفان على جانبٍ كبير من الشط "، أوضحَ ابن المدينة لرفيقه الغريب. هذا الأخير، كان قد ذَهَلَ عن أفكاره وهواجسه، فطفق يتطلعُ مبهوراً إلى تلك الناحية. بناءُ القلعة، حَسْبما تجسّد لبصَره أولَ وهلة، كان يواهقُ أنداده في مراسي بلاد الاسلام والكفر، التي مرّ فيها خلال رحلته.
" إنّ موقعَ هذه القلعة، بوَجه خاص، فريدٌ بحق. فهوَ على سويّة شاقوليّة، واحدة، مع الفراغ المائيّ، الذي يتوسّط المسافة القائمة بين تيك الجزيرتين، المُشكلتين ما يُشبه مدخل المرسى "، عادَ الرابي يكلم رفيقه وبلهجة زهوٍ هذه المرة. إذ ذاك، كان قاربهما يتهادى قدّام رصيف المرسى، الذاخر بالمراكب من كلّ صنفٍ والقادمة من كلّ فجّ. حركة البشر هنا، النشطة للغاية، عليها كان أن توحي بالثقة والطمأنينة لأيّ تاجر غريب، قادم للمرة الأولى إلى " موغادور ". بيْدَ أنّ تاجرنا الدمشقيّ، كما عَرَفنا، كان موجوداً هنا في سبيل غايةٍ أخرى: ها هوَ يتذكّر " المهمّة " مُجدداً، بما أنّ هذه القلعة البحرية كانت تتراءى لعينيه شبيهة بمثيلتها تلك، الجبلية ـ كما وَصَفها له، ذات مرّة، أحدُ الرجال المقرّبين من الأمير.
أطيافُ المحاربين وصدى صيحاتهم، كانت ما تفتأ في مخيّلة " جانكو "، حينما شعرَ بيَد الرابي تحثه على النهوض. عندئذٍ، كان عليهما أن ينتقلا إلى المرسى بمعونةٍ من الرجال السّمر، الملتحفين بالأسمال الخلِقَة، الذين تزاحموا على الرصيف: " هؤلاءُ الناس، البائسون مَظهراً، يرتزقون من مهنة حمل البضائع إلى دار الأعشار، الكائنة في وسط القصبة؛ ثمّة، أين يتمّ تحصيل الضرائب منها "، قالَ الرابي للتاجر الغريب في لكنة تهكّم. على الأثر، كان بعضُ أولئك الحمالين قد بدؤوا السيرَ في مقدمة الركب، مثقلين بحقائب الرجل اليهوديّ. ولكنّ تاجرنا الدمشقيّ، في المقابل، كان يتنكّب بنفسه، وفي حرص، الصندوقَ الصغير المكتنز ماله وأشياءه الأخرى. على الطرف الآخر من أرضية الرصيف، المقدودة من جلمود، كانت تتناثر بإهمال جموعُ الصيادين مع شباكهم وعلبهم الخشبية، المتخمة بثمار البحر الطرية. على الرغم من الطابع الحربيّ لعمارة السقالة، فلم يكن ثمّ وجودٌ ملحوظ للجند. اللهمّ سوى أفراد الطوبجية، الذين كان من الممكن تمييزهم وهم متسمّرون في أعلى البناء وراء مدافعهم الضخمة. هذه، مثلما سيعاينها " جانكو " عن قرب، كانت مشرئبة بأعناق مواسيرها خلل ثغور الممرّ العريض، الكائن في صدر السقالة والرابط بين برجيها العظيمين.
" لطالما تلقى المخزن شكاوى التجار، عن وقائع سرقات بضائعهم خلال نقلها إلى دار الأعشار، البعيدة نوعاً عن المرفأ "، خاطبَ الرابي رفيقه متقمّصاً نبرة الدليل. وكانا الآن يجتازان الصراط العريضَ، الذي تتسرب من تحته المياه خلل قنطرته نحوَ الجانب الآخر من السقالة، المقابل للأسوار المطلة على البحر. ثمّ عادَ الرابي للقول، وهوَ يومأ برأسه إلى جهة الحمالين " إنهم من جماعة أغادير، المُستوطنة في المدينة مذ بداية تأسيسها. هؤلاء، مثلما ستلحظه بنفسك لاحقاً، يتنافسون مع جماعات أخرى، محلية وجهوية، على احتكار العديد من المهن هنا؛ وبالأخص بني عنتر، القادمين من جبل الأطلس. لا بل، إنّ لدى كلّ من هذه الجماعات عسكراً، يوثق عرى أفراده صلة الدم أو عصبيّة القبيلة "
" لعمري، فكأنك تتحدّث عن دمشق!.. إذ يتناحرُ ثمّة، أيضاً، مختلفُ أصناف العسكر، المنتمي غالبية عناصره لجماعاتٍ غريبة المنشأ؛ كالتركمان والكرد والبشناق والأرناؤوط والمواصلة.. "
" وحتى المغاربة..! "، قالها الرابي مُتبسّماً. ثمّ استطرد هذا، قبل أن يبدي الآخر ما يُنبي عن شعور الاستغراب " قبل أعوام، كانت لي حظوة زيارة بلادكم، الشامية. كان ذلك خلال إحدى جولاتي على بيعتنا هناك، بغيَة تحصيل معوناتٍ خيرية لصالح فقرائنا في موغادور "
" بهذه الحالة، فإنني أتوقّع أن يكون لتجاركم كذلك علاقات تبادل مع اخوانهم عندنا؟ "
" بطبيعة الحال، وعلى الرغم من ضعف التبادل التجاري بين السلطنتين المراكشية والعثمانية. من ناحية أخرى، فقوانين الدولة العثمانية أكثر تشدداً مع التجار الأجانب، وبضمنهم اليهود. وذلك يعود، بدرجة أساسية، للتوتر التقليديّ مع حكومات بلدانهم "، أجابَ الرابي تساؤل رفيقه. ثمّ استدرك وهوَ يهز رأسه قليلاً، كأنما علامة على تفهّم مغزى السؤال " ولكن، إذا كان الأمرُ يتعلق بعملك التجاريّ، فإنّ هذا المرسى مفتوحٌ على أفضل أسواق الجنوب والشمال؛ أعني، أفريقية وأوروبة "
" أشكرك على ما تفضّلتَ به من اهتمام، بخصوص عملي الوشيك هنا "، ردّ التاجرُ مُحنياً هامته قليلاً. ثمّ لزمَ كلاهما الصمتَ، مع تتبعهم انعطافة الحمالين إلى ما بدا أنه المدخل الرئيس للمرسى. إلى اليمين، وعلى امتداد الساحل المُشكّل رسمَ القوس، كانت الأرضُ خلاءً أجردَ، رملياً، خالٍ إلا من بعض أشجار النخيل. أبعدَ جنوباً، بدَتْ المرتفعاتُ بلون أخضر فاتح تحت أشعة الشمس، المشتدّة رويداً. عند ذلك، ظهرَ جلياً برجُ القلعة البحرية، الأيمن. هذا، لم يكن إلا توأم البرج الآخر، الذي مروا من حِذائِهِ قبلاً. وها هوَ الركبُ يتهادى في مقابل مدخل القلعة الرئيس ذاك، الأشبَه بقنطرة عظيمة، والمُفضي إلى المدينة. ثمّة، رفع التاجرُ الغريبُ رأسَهُ نحوَ الطغراء السلطانية، التي تتوسّط إفريز العمارة، والمُرقشة بأحرفٍ عربية غير مألوفة له: " إنها شبيهة بالرسوم أكثر منها بالكتابة "، علّق على ما يراه. وقال الرابي، إثر وهلة تأمّل " لطالما فكّرتُ بأنها أشبَه بخطوط المتاهة؛ أحرفُ النقيشة هذه، المُلغزة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني


المزيد.....




- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني