أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 11:22
المحور: الادب والفن
    



" ولكن، أين لمَن هوَ في وَضعي أن يحتفظ بجاريةٍ؛ بل ومُسلمة، فوق ذلك؟ "
توجّه الرابي إلى " بوعزة "، مُخاطباً إياه بنبرةٍ ساخطة. وكأنما هذا الأخير كان يتوقع السؤالَ، طالما أنه بادرَ حالاً إلى الإجابة " لم يكن ذلك مَطلبي، يا سيّدي. بل أردتُ، حَسْب، أن تتخلّصَ ربيبتي المسكينة من عار البيع في سوق الجواري. فأنتم تستطيعون إنقاذها، بما عُرِفَ عنكم من شهامة وإنسانيّة، فتجعلونها تخدم هنا في داركم السعيدة ". عند ذلك، تحرّك صاحبُ الدار خطوة إلى الخلف، كي يرتاحَ على الأريكة الوثيرة، المُظهَّرة بالمخمل الخمريّ اللون: " لستُ في حاجة، على كلّ حال، لمَزيدٍ من الخدَم. إلا أنني، وبعون الله، سأفكّرُ بتدبيرٍ مناسب يحفظُ كرامة ربيبتك "، قالها وقد تبدّدَ نوعاً ضيقه وعبوسه. ثمّ ما لبثَ الرجلُ، وقد فارق الوجومَ، أن أشارَ إلى الآخرين بالجلوس. الفتاة، بقيت جامدة ثمّة في مكانها. وكان " جانكو "، من جهته، ما يفتأ يرمي نحوها بنظراتٍ فيها ما فيها من حنين إلى ماضٍ لن يعودَ قطعاً. عند ذلك، كان لا بدّ لهذه الفتاة، الفاتنة، أن تغدوَ رمزاً؛ مثلما هوَ تمثال ربّة الحبّ، الإغريقيّة، الذي تسنى لتاجرنا من قبل حظوة رؤيته، ثمّة في جزيرة الأروام، النائية.
على غرّة، أمسك معلّمُ البحر بيَد الرابي، وكأنما للتعبير عن الغبطة والامتنان. فما كان من الآخر، المُباغت بتلك الحركة الخرقاء، سوى سحب يده بسرعة: " على رسلك، يا هذا، فلم أتخذ قراراً بعدُ في شأن فتاتك "، قالها للمعلّم مُستخدماً صيغةً تذكّرُهُ بقدْرِهِ. وعادَ " بوعزة " إلى الانكماش في مَجلسِهِ، مُتخذاً هيئة المُذنب، المُتذلل. المُضيف، آبَ ثانيَةً إلى مواقع الضيق والتململ، فما كان منه سوى أن استدعى وصيفه آمراً إياه في جملةٍ مُقتضبَة باصطحاب الفتاة إلى مدبّرة المنزل. وبما أنّ إناءَ القهوة كان ما يفتأ في مكانه على المائدة، فإنّ الوصيفَ أمِرَ كذلك بتقديمها للحاضرين لدى عودته إلى الصالة. على ذلك، أدركَ معلّم البحر أن عليه الإسراع في مغادرة المنزل، فراحَ يرشفُ بسرعة من فنجان القهوة: " أرجو المَعذرة، مُجدداً، لما سبّبتُهُ لكم من إزعاجٍ "، قالها للمُضيف وهوَ يقفُ بجرمِهِ الغليظ. ثمّ أردَفَ في نبرةٍ مفخّمة " وبخصوص البنت، فإنني أرجو أن تعتبرونها بمثابة الهِبَة و.. "
" لا داعي لهذا الكلام، يا سيّد "، قاطعه الرابي مُغيظاً إياه. عندَ ذلك، طأطأ الآخرُ هامَتَهُ مُحيياً. وما عتمَ أن انسَحَبَ من المنزل، دونما حاجةٍ لإضافة نأمة أخرى. تنهّدَ الرابي، على الأثر، بصوتٍ مَسموع، مُبدياً شعورَ الارتياح: " يُمكننا يا آغا، لو رغبتَ، العودة إلى مكتبي. سنتابع حديثنا هناك، والذي بترَهُ ما كان من حضور ذلك الشخص الماكر، المُزعج؟ "، خاطبَ الضيفَ وقد انتصبَ واقفاً بدَوره. ولقد جاراه " جينكو "، فيما هوَ يفكّر: " إنّ صديقنا، على الأرجح، يودّ أن يسرّ لنا بشيءٍ له علاقة بزيارة ذلك المعلّم ". فما أن ضمّتهما، ثانيةً، قاعة الكتب، حتى اختلطت نظراتهما بعضها ببعض. السكونُ، عليه كان أن يسودَ من ثمّ في هذا المكان، المَطويّ على أفكار الإنسان وتواريخه وحكاياته ورحلاته واكتشافاته وإبداعاته. خارجاً، كان صخبُ العصافير ما يني على أشدّه، يخترقه بين فينةٍ وأخرى نواحُ النورس، المتناهي من بعيد. هديرُ الموج، في المقابل، كان عليه أن يُعيد ذكرى النكد، المتواشج مع زيارة معلّم البحر: " أليسَ غريباً، يا آغا، أن يكون بوعزة أول من يطالعنا بشكله المشئوم في مبتدأ كلّ من أصباح الأيام الثلاثة، الأخيرة؟ "، تساءل المُضيف في شرود وكأنما يُخاطب نفسه. من على كرسيه الفاره، الأقرب مسافة لطاولة الكتابة المشغولة من خشب العرعر، الفاخر، تطامن تاجرنا برأسه ليجيبَ " أجل، إذا كنتَ تعني لقاءنا به في الأمس واليوم "
" بل وقبل الأمس، أيضاً. فإنّ هذا الماكر، كما عَلِمْتُ من وصيفي، كان أول من التقى بباخرتنا لما كانت في طريقها نحوَ المَرسى، فعاد فوراً إلى المدينة لينبأ الناسَ بما اعتقدَ هوَ أنها طليعة عمارة بحريّة، غازية "
" ذاك، كان ولا شك بمحض الصدفة، مثله في ذلك مثل اعتراضه سبيلنا حينما كنا في الطريق إلى دار الأعشار "
" ولكن، لولا هاتين المُصادفتين لما وجِّهَتْ لنا دعوة العشاء.. "، قالها الرابي ثمّ تابعَ وقد لمعت عيناه ببريق الأعماق المُضرمة " ولما عنّ لصاحب الدعوة، بِحالٍ، أن يوجّهَ إلى داري تلك البنيّة؛ ربيبة بوعزة ". الجملة الأخيرة، بدَتْ وكأنما استعصت على إدراك تاجرنا، فاستفهمَ من مُضيفه فيما كانت صورة الفتاة تتراءى قدّام عينيه: " من أرسلها، إذاً؟ ". صمَتَ الرابي هنيهة، فيما بدا وكأنما يحاول كبحَ داخله، الفائر كالمرجل. ثمّ تمتمَ على الأثر " إنه كره كوز، بطبيعة الحال ". النار، كان عليها أن تنتقل رويداً إلى أعماق تاجرنا مع هذه الفكرة: " وإذاً، فإنّ البنتَ الحسناء إن هيَ إلا جاسوسة، مُرسلة من لدن تاجر السلطان ". ولكنه، حينما عبّر صراحةً عن فكرته، فإنه لم يكن ليتوقع جواباً كهذا: " يظهرُ لي، من علاماتٍ بيّنة، أنها مُرسلة كي تستقصي عن أحوالك أنتَ "
" أحوالي..؟ "
" أجل، يا صديقي. إننا نحيا في عصرٍ صعب؛ في بلدٍ، يَغلبُ على المتحكّمين في مصيره التوجّس والريبة والحذر من أيّ شخصٍ أجنبيّ "
" ولكنني مسلمٌ، عثمانيّ. علاوة على حقيقة، أنه لم يَعُد لسلطان دولتنا أيّ تأثيرٍ في الجوار المغربيّ؟ "
" صحيح، غيرَ أنّ سلطان دولتنا، كذلك، يفقد تأثيره مقابل تنامي سلطة قناصل الدول الأوروبيّة، المهتمّة بمصالحها هنا وفي أفريقية عموماً. بكلمة أخرى، أنّ تاجرَ السلطان باتَ على استعدادٍ لبيع ولائه إلى أولئك القناصل، طالما أنهم من يدير مصيرَ البلد خفيَةً. بل إنّ هذا هوَ حالُ أمثال كره كوز، سواءً من أمناء المخزن المحليّ أو المركزيّ "، أوضحَ المُضيف بنبرة أسى. إذ ذاك، طفق " جانكو " يستعيدُ بلمحةٍ ما كان من أمر استجوابه من قبل قائد المدينة: أيمكن أن يكون هذا الرجلُ قد شكّ في سبب وجوده بموغادور، بناءً على إشارةٍ ما في الدفتر الشخصيّ، المخبوء ضمن صندوق متاعه.
" آه، لا بدّ أنها صفة الأمير، المكتوبة أكثر من مرّة غفلاً عن اسم صاحبها؟ "
فكّرَ تاجرنا، بغتة، وليسَ دونما شعورٍ بالارتياع. ثمّ أحسّ أنّ الآخرَ، المتمعّن فيه بعينين تقرآن البواطن، انتبَهَ ولا ريب إلى رثاثة حاله. وإذاً، ما عتمَ " جانكو " أن رفعَ عينيه إلى الرابي ليقول بكلمات متقطعة: " أنني آسفٌ، فيما لو كنتَ قد تورطتَ بسببي مع أولئك الناس.. ". إلا أنّ المُضيفَ، ناهضاً من مكانه، سيبترُ سبيلَ الجملة: " لن تتأسفَ أبداً، لا الآن ولا فيما بعد، على قبولك ضيافتي في منزلي هذا، البسيط "، قالها بشيء من المرح ثمّ أضافَ في نبرة أكثر جديّة " ولكن، اسمح لي أن أتطفّل عليكَ بسؤال؛ وهوَ عما تعنيه بالورطة؟ ". هنا، وبدون عناء التفكير أو التردد، شاءَ " جانكو " أن يبوحَ بنصف الحقيقة لصديقه: " بما أننا تكلمنا عن الجوار المغربيّ؛ ألا يُمكن أن يكون أحدهم قد ظنّ بأنني أقوم بمهمّةٍ ما، لصالح الأمير الجزائريّ ذاك، المُقيم مَنفياً في الشام..؟ ". وكما في المرة السابقة، هوَ ذا الوصيفُ يقطعُ الحديثَ بطرقه الهيّن على باب المكتب. بيْدَ أنّ صاحب المنزل، الذي كان ما يفتأ واقفاً، أصاخَ السمَعَ في اهتمام قبلَ أن يأذن للطارق بالدخول. عندئذٍ أطلا ربيبة " بوعزة "، مَكشوفة الوجه، خِلَلَ صفق الباب؛ أطلت بكلّ ملامحها الساحرة، الآسرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3