|
سيرَة حارَة 21
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4556 - 2014 / 8 / 27 - 17:06
المحور:
الادب والفن
1 علو، عليكو، عليكي؛ مشتقات لإسم " علي " على لسان الكرد، مثلما هو حال أغلب الأسماء العربية الأخرى للبنين والبنات. في حارتنا، كان لدينا دزينة على الأقل من أولئك " العلويين "؛ أي حاملي الاسم وليس المذهب بطبيعة الحال....! كان هؤلاء، فوق ذلك، لديهم ألقاب التصقت بأسمائهم؛ وهيَ ألقاب طريفة تتعلق بصفة الشخص أو بنسب والده أو بعمله. الغريب، أنّ اسم " علي " في الوطن الأصل ( كردستان ) ارتبط أيضاً بهذه الألقاب وبشكل فريد. وهذا قرأناه في رواية ياشار كمال " مميد الناحل "، على سبيل المثال....! جدّا والدتي، كان كلّ منهما يحمل اسم علي مع لقب " آغا ". وللتمييز بينهما، عُرف أحدهما بـ " عليكو آغا الصغير " نسبةً لقصر قامته، فيما الآخر عُرف بـ " عليكو آغا الكبير " لطول قامته! عميد الزقاق المجاور، آل رشي، كان يُدعى " علو بطة "؛ ويقال أن لقبه مستوحى من مشيته المتبخترة، الشبيهة بحركة طائر البط! في أسفل زقاقنا، على جادة أسد الدين، اشتهر رجل طريف كان بائعاً على البسطة، هو أبو علي " كَرّي ": أي الأصلع الرأس. أما صديق والدي الحميم، فإنه اشتهر بإسم " عليكي رحاليا "؛ أي الكثير الترحال، لأنه خدم بسلاح الدرك في مناطق عديدة! علي " قمبز "، لقّبَ كذلك لأنه كان حميماتي. وأبو علي " بطل "، أخذ لقبه بفضل قوته وشجاعته. بينما نحن نجهل معنى هذا اللقب لأحد قبضايات رأس الحارة: علي " كَوطه ". أبو علي " قادريكي "، كان بقالاً عجوزاً طيّب القلب، ولقبه متصل بوالده على الأرجح. وهذا أيضاً كان حال قريبنا العتيّ، علي " حسّو ". أما " علو دينو "، فإنّ لقبه لا يحتاج لشرح؛ طالما أنه يعني: المجنون........!
2 علي حسّو؛ كان من من عتاة الحارة، معروفاً بميله إلى تأمين لقمته عن طريق السلب والنهب. على ذلك، نصحته حماته ( عمّتي الكبرى ) أن يتطوّع في سلك الدرك، كي يحصل على عيشه بالطريق الحلال. هناك، في حوران، استقرّت كتيبة قريبنا العتيّ وكان قائدها فرنسياً يعاونه ضابط كرديّ من الحارة. من جهته، كان علي حسو حينما يجهز فرسه للخروج ليلاً بغية سلب الفلاحين محاصيلهم، يسأل امرأته عما تحتاجه من خصار وفواكه وحبوب؛ وكأنما هوَ في طريقه إلى سوق الهال....! ذات ليلة، علم علي حسو أن قافلة من القرية المجاورة لمعسكر كتيبته هيَ في الطريق إلى بصرى الشام لبيع غلال الموسم، فتنكّب عندئذٍ بندقيته وأعدّ فرسه. بعد سويعة أو نحوها، كان الرجل يكمن بين الصخور المشرفة على ذلك الدرب. ما أن مرّت طليعة القافلة بالقرب منه، حتى بادر علي حسو إلى تلقيم بندقيته وهو يصرخ فيهم: " قف عندك ولا تتحرك! نحن درك بمهمة للتفتيش! ". ثم أتبع ذلك بالقفز من مكان لآخر وهو يكرر حركة التلقيم ليوهم القرويين المساكين بأنّ الدرك أعدادهم كثر على حاجز التفتيش، المزعوم....! في اليوم التالي، أرسل أهالي القرية أحد الذين كانوا في القافلة إلى معسكر الدرك القريب. عندما عرف الضابط الكرديّ بالموضوع، انتابه الغضب وطلب من القرويّ أن يتبعه. قام الضابط بصفّ أفراد الكتيبة، لكي يحاول المشتكي أن يتعرّف على من سلبَ القافلة. هنا، همسَ أحدهم في أذن رفيقه علي حسو: " ألستَ أنت من قام بعملية السلب؟! "، فأومأ هذا برأسه ايجاباً وهو يبتسم. ولكنّ ذلك القرويّ لم يتمكن من تحديد شخص النهّاب، وما لبث أن غادر المعسكر. حينما أضحى الرجل على الطريق العام، إذا بعلي حسو ورفيقه يدركانه فيأخذا بتلابيبه ضرباً ورفساً: " يا ابن الحرام! نحن نحميكم من قاطعي الطريق وأنتم تتهموننا! "، صرخ علي حسو بالرجل وهو يضربه ثم أضاف: " ولك حتى لو رأيتني بعينيك أنني أسرقك، يجب أن تنكر ما رأته عيناك!..
3 زقاق آل رشي؛ الذي يقع مدخله على جادة أسد الدين، يجاور زقاقنا وينفتح عليه أيضاً منذ أن شملهما التخطيط العمراني الجديد في أواخر الثمانينات. أتذكره قبل نحو ربع قرن ولم يكن فيه سوى بناية واحدة حديثة، قد كتب بأعلاها نقش كبير " الملك لله ـ بناء أبو عكاش "....! هذا الزقاق، الفريد في موقعه، سيشتهر بفضل أحد أعرق ساكنيه، وهو فنان الدراما العملاق عبد الرحمن آل رشي، الذي يقوم منزل أسرته في وسطه تماماً بمقابل منزل جدي لأمي ومجاوراً لبيت أبو خالد هرطوشي؛ من كان يوزع حليب ماعزه الطارج على بيوت حارتنا صباحاً. هناك أيضاً، كانت رائحة روث الحيوانات تنبعث من بيت مصطفى الأعرج؛ آخر رعاة الحيّ....! من الشخصيات الشعبية، الطريفة، في زقاق آل رشي: أبو غالب ( حسو حصيره ) حفار القبور؛ وكان محتفظاً بالملبس الكرديّ التقليديّ، من لفة وشروال وميتان وصدرية. وهناك أيضاً، جروس؛ القصير القامة والضئيل الجسم والشديد السمرة، صاحب البقالية الأثرية بمدخل الزقاق، والتي تقابل بقالية أخرى كبيرة يملكها عميد الأل رشية؛ علي بطه. ومن كان بالحارة لا يعرف أبو كاسم ( Hevir Tirre )، صاحب المزاج المتعكّر صباحاً والرائق ليلاً؛ هوَ من كان يقود طرطيرة محملاً إياها قناني الغاز للأهلين، ليعود مساءً إلى صحبة بزقه وخلانه وبطحة العرق، التي كان يُنشدها بصوته الجميل: "يا سُدايتي مَحلاكي، ومَحلى يلّي عباكي! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة حارَة 20
-
الرواية: الفصل الرابع / 2
-
الرواية: مستهل الفصل الرابع
-
سيرَة حارَة 19
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
-
سيرَة حارَة 17
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
-
تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
-
تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
-
تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
المزيد.....
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|