|
سيرَة حارَة 22
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 14:10
المحور:
الادب والفن
1 صديقنا " حسّون "، بدأ الدورة في مدرسة السواقة العسكرية بمشادة. كان يقف في الطابور الصباحي حينما رجع إلى الخلف فجأة، كي ينفذ أمر الترادف، فاصطدم بالمجند المنتصب خلفه. هذا المجند، كان قصير القامة ولكنه طويل الشارب مع عقدة من الجانبين. ولم يقبل عاقدُ الشاربين اعتذارَ صديقنا، بل دفعه وهوَ يذكّره بألا يعلق مع " أبو حلب ". فقال له حسّون: " اي لكن خود! "، وأهوى بقبضته القوية على رأس الآخر فجعله يترنح. وانتهت المشادة بتدخل المساعد، الذي أمر برفع " أبو حلب " فلقة قدّام طابور المدرسة، ليكون عبرةً لمن يكبّر شاربه....! لم يكن حسّون بليداً، ولكنّ السواقة مهنة؛ وهوَ عادةً لا يحبّ ممارسة أيّ مهنة. على ذلك، كان امتحان السواقة محفوفاً بالمصاعب، خصوصاً وأنّ المدرّب ( كان ديرياً برتبة مساعد أول ) لا يغفر ولا يرحم. كلّ مرة، كان يتلقى صديقنا صفعة قاسية من هذا المدرّب ولأقل هفوة، فما بالك وسيارة الزيل قد بدأت تميل إلى جانب، قبل أن تنغرس عجلاتها في الطين. هنا، فتح حسون باب السيارة فقفز منها وولّى هارباً لا يلوي على شيء....! هناك، في ميناء طرطوس، استقرّت خدمة حسون إثر انتهاء دورة السواقة. كان عمله هيّناً ولا يحتاج لمهارة: انزال السيارات العسكرية من السفن الحربية، القادمة من الاتحاد السوفييتي الصديق. ولكنّ صديقنا وجدَ نفسه محرجاً ذات يوم، عندما طلبَ منه معلّمه ( كان من ريف المحافظة برتبة نقيب ) أن ينزل معه إلى الشام في مهمة. وإذاً، جلسَ حسّون خلف مقود الجيب واز وكان معلّمه بجانبه. فيما زوجة هذا الأخير وشقيقها قد استقرا في المقعد الخلفي. لسوء الحظ، كان الوقت عز الشتاء في ليلة الرحيل والثلوج قد تراكمت فقطعت الطريق الرئيس. فاضطرت سيارة الجيب واز أن تسلك درباً جبلياً طويلاً، فيما سائقها يسير بها في تمهل شديد. على غرّة، مالت السيارة إلى جانب وسقطت في وهدةٍ فانقلبت على جانبها الأيمن. أصيبت زوجة النقيب بجرح بسيط في جبينها، بينما الآخرون خرجوا بسلام. وإذا بشقيق المرأة يمسك بتلابيب السائق الملول ويأخذ بشتمه. فما كان من حسّون إلا دفعه صارخاً: " لا تجعلني أجن ها! أنا منذ البداية لم تعجبني هذه المهمة! ". هنا، أمسك النقيب بيد قريبه هامساً بلهجة تبطن الخوف والقلق: " دخيلك يا خيي! هذا كردي مجنون، ويمكن أن يقضي علينا ونحن في مكان معتم ومقطوع! ".
2 ابن " الأورفه لي "، كانت له هواية فنية؛ ألا وهيَ العزف على الأوكرديون. ولأنّ إحدى عينيه كان فيها حول، فقد أشاعوا عليه بالحارة لقبَ " الموسيقي الأعمى ": وهوَ عنوان رواية روسية مترجمة، كانت تدرّس آنذاك في منهاج الصف التاسع....! ابن خال " الأورفه لي "، كان صديقنا. وهوَ بدَوره كان موهوباً بالموسيقى، ويعزف بمهارة على الكمان. ولكن، من ناحية أخرى، فقد كنا نتضايق من لقبه " أبو جمال ". ولم يكن اختيار صديقنا لهذا اللقب إلا نكايةَ بوالده؛ الذي كان على خصام دائم معه، واعتاد أن يدعوه أمامنا بـ " الأمبراطور ": كان الأب، إذاً، يكنّ كرهاً شديداً للزعيم جمال عبد الناصر. ففي عهد الوحدة المصرية تمّ تسريحه من عمله كعازف ترومبيت في حرس الشرف الرئاسي، إثر اعتقاله بتهمة الشيوعية....! ذات مساء، طرقتُ باب منزل صديقنا الموسيقي. وإذا بوالده " الامبراطور " يظهرُ على الأثر، وهوَ على مألوف اعتداده بنفسه واعتنائه بهندامه. ما أن رحّبَ بي متكلفاً ابتسامة مقتضبة، حتى سألته: " أبو جمال بالبيت؟ " " لأ، أبو خرا مو بالبيت! "، أجابني بحنق قبل أن يتوارى خلف باب بيته........!
3 في حارتنا، علمنا أنّ هناك من يتكنّى بـ " أورفه لي ". ولكن يوجد آخرون أيضاً من هذا القبيل، مثل " ديار بكرلي "، " وانلي "، " ملاطيه لي " و.. " بروس لي! ". هذا اللقب الأخير، استمدّه ابن جيراننا من ممارسته الكاراتيه. وعلى الرغم من العَرَج بإحدى قدميه، إلا أنّ ذلك لم يمنع الشاب المتحمس من الانتساب لنادي خاص بهواة هذه اللعبة العنيفة....! في صباح يوم العيد، كان " بروس لي " ما يزال مرتدياً بيجامة النوم، عندما حضرَ ابن خاله. فلما اعتذر من قريبه بضرورة ذهابه لتغيير ملابسه، فإنّ هذا قال له: " له يا ابن عمتي، ما في تكلفة بيننا ". بعد دقائق قليلة، عاد " بروس لي " إلى غرفة الضيوف وهو يرتدي بيجامة الكاراتيه....! " قربينه "، من ناحيته، اعتاد أن يخرج ببيجامة النوم إلى السهرة في بيوت أقاربه وجيرانه. بل إنه لم يكن يجدُ حرجاً في الذهاب بالبيجامة إلى هذا الدكان أو ذاك في الجادة التحتانية ( أسد الدين ). ولكن، ما لن تنساه حارتنا قط، هو منظر " قربينة " العائد من حرب حزيران 1967: فقد ظهرَ في مقدمة الزقاق وهوَ في حالةٍ يرثى لها، مستنداً على أحد أقاربه. والعجيب، أنه كان يرتدي البيجامة نفسها، سوى أنها كانت ممزقة بحيث كشفت لحم ساقه....! في ذلك الزمن، عزوا هزيمة حزيران لأسباب كثيرة، عجيبة غريبة؛ منها أشعار نزار قباني وأغاني أم كلثوم. إلا أنهم نسوا بيجامة قربينة........!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة حارَة 21
-
سيرَة حارَة 20
-
الرواية: الفصل الرابع / 2
-
الرواية: مستهل الفصل الرابع
-
سيرَة حارَة 19
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
-
سيرَة حارَة 17
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
-
تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
-
تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
المزيد.....
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|