عجيب

عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 10:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

عجيب


( 1 )

عجيب .
الشبابُ يكتبونَ عن السياسة ، والأدارةِ والأقتصادِ والحُكمِ الصالحِ ، وداعش والتنمية المستدامةِ .. وعن مواسمِ الهجرةِ من أرضٍ إلى أرضٍ .. وعن النزوحِ والحربِ ، والتشكيلِ الحكوميّ ، والوجوهِ الكالحةِ الصفيقة .
وأنا ، و الكثير من أقراني .. نكتبُ عن الحُبّ والعلاقاتِ المستحيلةِ .. وعن نساءٍ قديماتٍ ، وجديداتٍ .. وعن العُزلة والجحودِ والهجرِ الجميلِ ، والنسيان المُبكِّر .
عجيب .
الفتياتُ يكتُبْنَ لأنفُسِهُنَّ قصصَ الرغباتِ القصيرةِ جدّاً..لأنّ الفتيانَ لا يكتبونَ القصائد.
عجيب .
نحنُ لن نعودَ شباباً ، مهما كتَبْنا عن الحُبِّ .. بينما الشبابُ يشيخونَ سريعاً ، دون انْ يكتبوا رسالةَ حُبٍّ واحدةٍ ، لامرأةٍ واحدة .
عجيب .
العراقٌ كائنٌ وحيدُ الخليّة .

( 2 )

يا إلهي ..
لماذا تفعلُ بنا كلّ هذا ؟
لقد أصبحَ الرجلُ الذي يهذي وزيراً .
إن العالَمَ الآن .. سيُقَرِّرْ نسياننا .
وبعدها .. من يدري
ربمّا يُقرّرْ .. دَفْنَنا .

( 3 )

في محن العراق التي لا تنتهي .. وعندما أذهبُ إلى المقبرة لدفنِ أحدهم ، فأنّني أقضي كلّ وقتي هناك في قراءة تلك النصوص المكتوبة على شواهد القبور .
من بين الكثير من النصوص المُدهشة التي قرأتها .. أنقُلُ لكُم حرفيّاً ، هذين النصيّنِ المُذهلّين :
[هنا يرقدُ الشهيدُ البطل ..الذي عاش طول عُمره .. وهو يبحثُ عن لُقمة العَيش ].
و ..
[ هُنا يرقد المرحوم بسلام . لقد تخلّصَ من الضَيْم . الفاتحة على روحه القلقة ] .

والذي لايريد أن يصدّق أن هذه الكلمات ، يُمكن أن تُكتب على شواهد قبورنا .. فليذهب الى المقبرة .. ويقرأ شواهد قبور موتانا بأمعان .. وسيجد كل تفاصيل حياتنا .. موجودة هناك .

( 4 )

مبروكٌ عليكَ يا بلدي المكسور .
المناصبُ للعرّابين ..
Positions for Godfathers
و التوظيفُ للأزلام .
Jobs for the Henchmen

( 5 )

إذا كانت الجيناتُ سوداءُ اللون .
والسلالاتُ سوداء .
والأسلافُ سودٌ .
والآباءُ المؤسّسونَ سودٌ .
ولونُ الرملِ ، والسَخامِ ، والنفطِ .. أسوَدْ .
فلماذا كلُّ هذا العُبوس
في وجهِ القابلةِ المأذونة
لأنّ المولود الجديد
ليس أشقر .

( 6 )

في كلّ بلدانِ العالَمِ ، للغَدِ طَعمٌ مُختلف .. طعْمٌ آخر .. مَذاقٌ أفضل ، إلاّ هُنا ..
غداً .. لن يكونَ مذاقهُ أفضل أبداً . غداً .. ليس لهُ طَعْم .
تذهبُ إلى طبيب الأسنان ، لتحظى بابتسامةٍ أفضل ، تستقبلُ بها يومِ غد .. فيخبركَ أن جميع اسنانكَ قد تبدأ بالتساقط ، إعتباراً من الغد .
تذهبُ إلى طبيب القلب ، لتحظى بقلبِ أكبرَ ، وأكثرَ بياضاً ، لتعيش به بين الناسِ ، وكأنّ قلبكَ لم يكن أسودَ يوماً .. فيخبركَ الطبيبُ بأنّك قد تُصابُ بالجلطةَ الأخيرةِ .. يوم غد .
تذهبُ إلى طبيب العيون ، لترى العالم أجمل ، والناسَ كما هُم ، وليس كما تعتقد أنت .. فيخبركَ أنّكَ قد تُصابُ بالعمى .. إعتباراً من الغد .
تذهبُ إلى من أصبحوا ، صُدفةً ، أولي الأمر في هذا البلد .. فيخبرونك أنّ " أبواب الجحيم " قد تُفتَحُ عليكَ .. وعلى كل من يعيشُ في هذا البلد .. إعتباراً من الغد .
تأتي إلى " هنا " ، وتكتبُ شيئاً ، أيّ شيءٍ ، ليُخفّفَ عنك .. فيكتبُ لك بعض " الأصدقاء " : الله . رائع . جميل . مذهل . ياآلهي . أنتَ ماذا ؟ أنتَ شنو ؟ .. بينما يشتمكَ الآخرون علناً .. أو يحظروكَ سرّاً .
يبدو أنّ أفضل شيءٍ يمكنُ أن تفعلهُ ، هو أن تتركَ كلّ هذا الهراء " الوجوديّ " .. وتذهب إلى " عالمكَ " الخاص .. وتنام هناك .
تنامُ طويلاً .. إلى أن يقوم هذا العالَم السخيف باستهلاك نفسهِ ، ولا يكونُ لهُ غد .
عندها .. ربمّا سيكونُ هناك غدٌ أفضل . ربما ستحظى بغَدٍ آخر ..
حتّى لو كانَ .. مجرّدُ غد .

#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات