|
الدينيون والحداثة (3)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 10:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتبر عبدالرحمن الكواكبي من مشاهير المثقفين العرب في القرن التاسع عشر المناضلين من أجل الديمقراطية والحرية، وقد ولد سنة 1854 بمدينة حلب، وعمل في الصحافة والمحاماة والتجارة، وتعرض للاضطهاد والسجن مراراً وصودرت أمواله وممتلكاته، فهاجر من سوريا وطاف بالبلدان العربية، وألف كتابيه الشهيرين: )طبائع الاستبداد وأم القرى(، وكتباً أخرى ضاعت. وقد قُتل بدس السم له سنة 1902، بمصر في القاهرة، وهو ما زال في عز عطائه. وقد أثرت آراؤه في التطور الفكري والسياسي للأمة العربية، التي اعتبرته أحد رموز التنوير والنهضة باختلاف تياراتها، لما قام به من جمع بين جذور الأمة والدفاع عن قضايا الحرية والإسلام والتحديث. وقد توصل الكواكبي في ذروة تفكيره، وهو يجاهد لإعادة تكوين وعي العرب، بأن الاستبداد السياسي هو سبب الانحطاط التاريخي للمسلمين، لهذا نراه يقول إن (أصل الداء هو الاستبداد السياسي)، وذلك في مقدمة كتابه طبائع الاستبداد، وهو يقصد بالطبائع ما نفهمه الآن بالظاهرات والأسباب العامة للحالة المُشخصة، أو لقوانينها كذروة للغوص في تحليلها. يقول: وأنا لا أقصد في مباحثي ظالماً بعينه ولا حكومة أو أمة مخصصة، إنما أردت بيان طبائع الاستبداد وما يفعل وتشخيص مصارع الاستعباد. إن بحثه عن هذه (الطبائع) وقد اكتوى بنارها، جعلته يشتغل على درسها في المصادر العربية القديمة والحديثة والغربية المعاصرة، بحيث يتمكن من الغوص في مختلف تجليات هذه الظاهرة، وطبائعها أي ظاهراتها المختلفة، وتشير كلمة (طبائع) إلى التعبير العربي القديم بكون الأشياء ذات خصائص ثابتة شبه طبيعية. ويقوم خطاب الكواكبي على جانبين متداخلين ومتضادين، الأول يعتمد على فحص وتحليل الظاهرة، عبر الغوص في مختلف تجلياتها، سواء في المجال السياسي أو الديني أو العلمي أو الأخلاقي أو المالي أو التربوي، أم في العودة إلى جذورها في التاريخ الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي أو البوذي الخ، بل أحياناً العودة إلى التاريخ المشرقي القديم، لدى الفراعنة والرافديين، وأيضاً تحليلها من خلال التاريخ المعاصر لدى العرب والغربيين، بحيث نجد الكواكبي يتنقل في فصل واحد، أو حتى في فقرة واحدة بين أزمنة شتى، ومراحل تاريخية متباينة، وهذا الانتقال يستهدف مناقشة الظاهرة سالفة الذكر، وتتبع أصولها ومظاهرها لدى الأمم. والجانب الثاني من خطابه هو جانب غير تحليلي، جانب وعظي وخطابي، يندد فيه ويدعو ويتحسر، وهو جانب يعبر عن انقطاع التحليل واستبداله بالخطب، وهو يعبر عن طريقه منبرية تلاقي فيها المحامي بالواعظ، مثلما يقول في فصل الاستبداد والدين من كتابه: (ولكن وا أسفاه على هذا الدين الحر، الحكيم، السهل، السمح، الظاهر فيه آثار الرقي على غيره الخ)، وهذا الجانب لا يقوم بتطوير قضايا التحليل المطروحة، بل هو يقفز إلى النتائج، ويعبر عن موقف المؤلف بشكل تقريري. وبالتأكيد فإن أبرز جانب عقلي هو في القسم الأول، الذي بهر الناس على مدى القرن العشرين لما فيه من جرأة ونفاذ بصيرة. ومنذ البدء يدخل الكواكبي إلى موضوعه معرفاً الاستبداد السياسي بقوله: (إن الاستبداد هو صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين)، وهذه الحكومات على نوعين، إما حكومة مطلقة بشكل ظاهر، وإما حكومة مقيدة (بنوع من ذلك ولكنها تملك بنفوذها إبطال قوة القيد بما تهوى، وهذه حالة الحكومات التي تسمى نفسها بالمقيدة أو بالجمهورية). إن الكواكبي هنا يدمج بين شتى أنواع الحكومات الدكتاتورية، سواء كانت الشرقية المستبدة بشكل كلي وكامل، أو الغربية التي تنفذ من الشكل الديمقراطي بآلية دكتاتورية عميقة. ويستطيع الكواكبي أن يغوص في المظاهر الاستبدادية لحكومات عصره الشرقية والغربية برؤية شجاعة، فهو يكتب إنه ليس بالضرورة أن تكون الحكومة الدستورية حكومة ديمقراطية، فالحكومة التي تعمل بالدستور ولكنها تقوم بالتفريق بين الجوانب الثلاثة الأساسية لعملية الديمقراطية المتكاملة وهي (قوة التشريع) و(قوة التنفيذ) و(قوة المراقبة)، فما لم تكن هذه القوى، أو السلطات، منفصلة فإن الدستور لا معنى له. ويقول في عبارة دقيقة حاسمة (إن الاستبداد لا يرتفع ما لم يكن هناك ارتباط في المسؤولية فيكون المنفذون مسؤولين لدى المشرعين، وهؤلاء مسؤولون لدى الأمة، تلك الأمة التي تعرف أنها صاحبة الشأن كله وتعرف أن تراقب وأن تتقاضى). ولديه أن صمام الأمان في الحياة الديمقراطية هو وجود قوة اجتماعية واسعة تفرض (المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه) وهو يضرب مثلاً من قوة الصحابة والناس في أيام الخلفاء الراشدين وقدرتهم القوية على تبليغ صوتهم، وسماع الخلفاء لهذا الصوت بل دعوتهم لاستمراره وتأثيره..
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحديثيون الدينيون 2 - 2
-
التحديثيون الدينيون (1)
-
تركيا الحداثة
-
بين رأسماليتين
-
الشعبُ هو الذي يصنعُ التاريخَ
-
شطبُ الدعوى هل هو بدايةُ مصالحةٍ عميقة؟
-
وتزدادُ الشروخُ في الوطن
-
صراعات الوعي العربي تاريخياً (7)
-
تحولاتُ الرواية عند فوزية رشيد (2)
-
تحولاتُ الروايةِ عند فوزية رشيد (1)
-
صراعات الوعي العربي تاريخياً (6 6 )
-
صراعات الوعي العربي تاريخياً (5)
-
صراعاتُ الوعي العربي تاريخياّ(4)
-
صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (3)
-
صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (2)
-
صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (1)
-
كيفَ كتبتُ؟
-
إعادةُ إنتاجِ العنف الموسع
-
الرئيسُ أوباما بين المكرِ والهدر
-
تاريخٌ مذهلٌ
المزيد.....
-
الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري
...
-
الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ
...
-
كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟
...
-
الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج
...
-
3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
-
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود
...
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
-
40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
-
الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن
...
-
رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|