أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - صراعاتُ الوعي العربي تاريخياّ(4)















المزيد.....

صراعاتُ الوعي العربي تاريخياّ(4)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 08:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن عمليات التغيير العربية تتجه إلى جوانب أكثر عمقاً بطبيعة تطور الحياة، وسواء بسببِ من اهتراءِ القديم، أم من هجوم الجديد، وهذا يمكن ملاحظته في تعمق الأشكال الأدبية كالقصة والرواية والمسرح، وتوجهها نحو عمليات تحليل الواقع بصورٍ متزايدة، وكذلك عمليات اتساع العلوم ونمو تخصصاتها، والتبدل المستمر بين حجم الزراعة وحجم الصناعة، واستعادة المدن العربيةِ دورها النهضوي، وبدء إلحاق الريف والبادية بتحولاتها.
ومن هنا فالسببيةُ سوف تتزايدُ عملياتها في الوعي، وتصبح الظواهرُ المشتتةُ في الوعي التنويري الأولي أكثرَ ترابطاً، فلم تعدْ العمليةُ هي استلالُ عنصرٍ وحيدٍ من التراث، أو من الغربِ، بل أخذت عمليات النظرة التركيبية بين الثقافة والوجود الاجتماعي والتاريخي، تتشكلُ في العقل النهضوي الجديد، وأصبح العالمُ العربي الإسلامي بتطوراتهِ الكبرى مرئياً في هذا العقل، ولكن في ظاهراته الفكرية الروحية المستقلة عن البنى الاجتماعية التي يتشكلُ فيها.
يمكن هنا أن تتشكل لمحاتٌ من العرضِ الاجتماعي, لكن الوعي يظل مستقلاً, وبه سببياته الداخلية المترابطة الأعمق, والمنفصلة عن البُنى الاجتماعية.
ومن هنا تبدأ أشكال الفلسفة المثاليةُ الموضوعيةُ في الظهورِ والتشكل, واقفةً فوق قاعدتها الدينية للمنطقة, القاعدة الإسلامية – المسيحية, فيستمر العالمُ مخلوقاً من قبل الصورِ الإلهية التي يصنعها الوعي الديني – الفلسفي الحديث, بتنويعاتٍ مغايرةٍ عن الصورِ القديمة, أي أن المثاليةَ الموضوعيةَ الرشديةَ هنا تعودُ ولكن بغنى ثقافي أتاحته القراءاتُ المعاصرةُ الواسعة, فلم تعد النجومُ والكواكبُ روحيةً مهيمنة على الوجود الأرضي إلا في بعضِ أنماطِ الوعي الشعبي السحرية, وغدا الاحتكاكُ بالأعمالِ الفلسفية الأوروبية مغذياً للاختزال في زمنيةِ البحثِ والتشكيل الفكري.
لكن الاستيرادَ من جهةٍ أخرى يؤدي أحياناً إلى القفز إلى مستوياتٍ جديدة واختزالية, للمدارس, وخاصةً في النزعات الحديثة كالوضعية المنطقية, والمادية الجدلية, نظراً لبطءِ المثالية الموضوعية في التشكلِ وتوقفها أحياناً لأسبابٍ خاصة, مما يؤدي إلى عودة المثالية الذاتية بشكلٍ فلسفي وصوفي.
إن تشكلَ المثاليةِ الموضوعية سيظهرُ لدى بعض الدارسين والمتخصصين في الجامعات أو الحوزات الدينية كما في النموذجين وهما يوسف كرم ومحمد باقر الصدر, وقد اتسمت نصوصهما الفلسفية بحالةِ مواجهةٍ مع الفلسفاتِ التجريبية الذاتية أو مع المادية الجدلية.
فهما يرفضان التصورية أو المثالية الذاتية حين ترفضُ هذه المثاليةُ الاعترافَ بأساسياتِ الوجودِ العامةِ فتقومُ بحصرِ مركز الوعي في الذاتِ المفصولة عن الوجود الموضوعي, ويقوم المفكران المسيحي والمسلم, كلٌ من جهته, بربطِ الوعي بالوجود والاعتراف بموضوعية المعرفة, وهذا يفتحُ البابَ لقراءة المجتمع ونقده والمطالبة بإصلاحهِ بهذا الشكل أو ذاك.
وإذا كان يوسف كرم لا يدخل في عملية التحليل والنقد الاجتماعية, أي لا يربط بين هذه المثالية الموضوعية وقوانين الوجود الطبيعية والاجتماعية, فإن محمد باقر الصدر يتوسع في هذه العملية ويبحث عن سببياتِ الوجودِ الطبيعية والاجتماعية, دون تحديد مدى قانونية المثالية الموضوعية هذه.
علينا أن نرى في ظهور المثالية الموضوعية لدى يوسف كرم المسيحي, ومحمد باقر الصدر (الأثناء عشري), ليس فقط تجلياً شخصياً للفلسفة الدينية, المشرقية القديمة وهي تستعيدُ نشاطها في المشرق العربي – الإسلامي – المسيحي مرة أخرى, بل هي تجلٍ عام كذلك, لكنها الآن فقدت الوسائط النجومية الكوكبية التي كانت ترافق فكرة الإله أو صورته في عملية صنع الوجود.
ولهذا فإن عملية الفقه النقدي لدى محمد باقر الصدر مهمة في تدشين حفر تحليلي للواقع يترابط والمنظومة المثالية, لكن من موقعِ الخصام العنيف مع المادية الجدلية والاشتراكية والرأسمالية, وهو أمر قاد إلى عدم تطوير لحظته الفلسفية المهمة فيما بعد اغتياله.
فهو هنا يواجهُ فلسفةَ المادية الجدلية في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين حيث تتقابلُ على أرض العراق هذه المعسكرات المتضادة بشكلٍ حاد, وتقودهُ عمليةُ (تفنيدِ) المادية الجدلية إلى الاعتراف بموضوعية الوجود وسببياته, لكن قانونية الوجود الاجتماعي تصيرُ مرفوضةً لديه, فالبُنى الاجتماعية بقوانينها الموضوعية تتحولُ إلى سببيات جزئية مثالية, أي أن تغيرات المجتمع تعود لديه إلى أسبابٍ تربوية وفكرية ذات أساسٍ غيبي في نهاية المطاف.
وبهذا فإن قانونية الوجود راحت تتكسر, وأخذتْ المثاليةُ الموضوعيةُ عموماً تتوقف أو تتراجع إلى أشكال فلسفية مثالية ذاتية أو تعود للتصوف, وهو شكلٌ مثالي ذاتي كذلك. لكن نمو المثالية الموضوعية من منطلق ديني, لن يتوقف فسنجد اتساعاً فيها عبر المذاهب السنية هذه المرة, وبشكلٍ موسوعي, خاصة في أعمال محمد الجابري وحسن حنفي.
لكن بعد أعمال يوسف كرم نجد ظهور واتساع البرجماتية والتجريبية المنطقية والوجودية, خلافاً للبواكير المشجعة لنهوض المثالية الموضوعية, ويعود ذلك لعدم قدرة المثاليات الموضوعية على التطور, فالشكل الديني المحافظ سياسياً حبسها عن النمو, فيوسف كرم عبر مسيحيته ومحمد باقر عبر (أثنا عشريته), كانا يجعلان المثالية الموضوعية تابعةً للوعي الديني المهيمن والشمولي, وإذا كان الاعترافُ بقانونيةِ الوجود الموضوعة تحت عدة أقواس, مهماً في الوجود الطبيعي فإنه في الوجود الاجتماعي أكثر أهمية ولكن أكثر صعوبة وخطورة.
ولكن هنا لا تظهر عمليةٌ نقديةٌ جذرية للمجتمع عبر المثالية الموضوعية, فهي سوف تعيدُ سببيات الحياة الاجتماعية إلى التربية والوعي, وليس إلى بنية المجتمع الطبقية الحاسمة. رغم اتفاق مثالية محمد باقر الصدر مع المادية الجدلية على أهمية وجود قطاع عام في إسناد الطبقات الفقيرة وعلى دوره في عملية التنمية والقبول بالإصلاح الزراعي في حدود.
وهكذا فإن المثاليةَ الموضوعيةَ بأساسها الديني سوف تقدمُ أساساً فكرياً للعلوم الطبيعية, في المادة الصماء عادةً, ولكن في المادة الحية أي في الأجسام البشرية وفي تطور البيولوجيا فإنها سوف تعود إلى أفكارها الدينية النصوصية دون القدرة على التأويل الهام في هذا الجانب.
فنظريةُ التطور في البيولوجيا تغدو مرفوضةً باعتقاد أنها تناقض التصور الإلهي بنزول الإنسان كاملاً من السماء, وهكذا فإن أساسيات التاريخ تبقى مشكوكاً فيها, رغم أن محمد باقر الصدر لا ينفي تعاقب التشكيلات المشاعية والعبودية والإقطاع والرأسمالية لكنه يرى أن أسبابها تعود لوعي الأفراد والخصائص الروحية.
لكن المثالية الموضوعية كما قلنا ستأخذ دفعةً قويةً عبر أعمال الجابري وحسن حنفي, وعبر الجذور المذهبية السنية, التي كانت ذروة التطور الفلسفي المحافظ للمسلمين في العصر السابق, وهي هنا تربط نفسها بالمناهج الظاهراتية والبنيوية, مؤكدةً على الصنع الإلهي للعالم, وهو بدايةُ الاعتراف بإسلامية المجتمع, لكن هذا الصنع يتوقف عند أبواب الطبيعة والمجتمع والوعي, حيث تظهرُ بعدَ الأبواب القوانينُ الموضوعية لهذه الظاهرات.
لكن لدى الجابري وحنفي يحدثُ تعثرٌ في العثور على هذه القوانين وخاصة في مجالي المجتمع والوعي, فالمناهج الظاهراتية والبنيوية تفكك الظاهرات الفكرية عن قواعدها الاقتصادية – الاجتماعية, ثم تقطعها وتفتتها, وتستلُ خيوطاً مجردة منها, فتصل إلى استنتاجات فكرية وسياسية كبيرة خاطئة.
لدى حسن حنفي كانت المدارس الفكرية والفلسفات بلا جذور طبقية, لكي يصل في خاتمة المطاف إلى ضرورة بقاء النظام السياسي – الديني القديم مع ملئه بمادة معاصرة. لكن الأمر يعود الآن إلى تغيير هذا النظام نفسه. أي أنه يرى بقاء النظام الإقطاعي المذهبي المستمر خلال ألف عام, وليس في تشكيل نظام ديمقراطي علماني لا ديني.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (3)
- صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (2)
- صراعاتُ الوعي العربي تاريخياً (1)
- كيفَ كتبتُ؟
- إعادةُ إنتاجِ العنف الموسع
- الرئيسُ أوباما بين المكرِ والهدر
- تاريخٌ مذهلٌ
- تكوّنُ الفردِ الحر
- الراوي وعلمُ الاجتماعِ الوطني (2)
- الراوي وعلمُ الاجتماعِ الوطني (1)
- أهمية العودة إلى الحداثة
- المساراتُ العربيةُ إلى أين؟
- نحو إصلاح اقتصادي
- قوى سياسية غيرُ متعادلة
- منع الكتب مستمرٌ
- ثقافةٌ غيرُ ديمقراطيةِ
- إعلامٌ مضللٌ
- تجمدٌ سياسي
- فهمٌ غربيٌّ للحركاتِ الدينية
- أهميةُ القراءةِ الموضوعية للتاريخ


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - صراعاتُ الوعي العربي تاريخياّ(4)