أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الجزء الثاني من كتاب -آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية .-















المزيد.....



الجزء الثاني من كتاب -آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية .-


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 22:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الجزء الثاني من كتاب "آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية ."
ردّ على مقال " ضد الأفاكيانية "
لصاحبه آجيث الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) نكسلباري.
-----------------------------
ناظم الماوي
(ملاحظة لا بدّ منها : الكتاب برمّته - بجزئيه و مراجعه و ملاحقه - متوفّر الآن للتنزيل فى شكل ملفّ بي دي أف بمكتبة الحوار المتمدّن).

===============================================


8- من يشوّه لينين وماو ؟ و من يدافع عنهما دفاعا مبدئيّا ؟ تعرّضنا فى فقرات سابقة لإلتفاف قائد الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) نكسلباري على النقد الصائب الذى وجهه أفاكيان للينين و ماو بشأن نقاط محدّدة ، محدودة لا تنقص قط من مكانتهما كشيوعيين أممين عظيمين و قيادات شموع يروليتارية تاريخية لا تنطفئ . ونمضى الآن إلى نقاش مسائل أثارها آجيث فى فقرته "عرض مشوّه لماو " و ينصبّ إهتمامنا هنا على أهمّها .
أ- " اللينينية كجسر " :
التالي ذكرُه هو ما يقتطفه آجيث من خطاب لبوب أفاكيان ألقاه سنة 1981 و نشر فى عدد خاص فى مجلّة " الثورة " ، العدد 49 ، حينها مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو متوفّر على موقع هذا الحزب على الأنترنت تحت عنوان" كسب العالم ، واجب البروليتاريا و رغبتها ": http://www.revcom.us
"... فى الوضع الراهن ، اللينينية هي العلاقة المفتاح فى الدفاع عن الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ و تطبيقها . لنضع ذلك بطريقة إستفزازية ، الماركسية دون لينينية تساوى المركزية الأوروبية الإشتراكية الشوفينية و الديمقراطية الإشتراكية . والماوية دون لينينية قومية ( و كذلك ، فى ظروف معينة إشتراكية شوفينية ) و ديمقراطية برجوازية ." " ... اللينينية ...تحديدا جسر بين الماركسية و فكر ماو تسى تونغ وهي اليوم العلاقة المفتاح التى توفّر للماركسية – اللينينية - فكر ماو تسى تونغ طابعها المتكامل و خلاصة كعلم الثورة و إيديولوجيا ثورية للبروليتاريا " ( 49) ."
و دون أن يرفّ له جفن يدخل آجيث بأخلاق جدالية عالية جدّا تغييرات على كلام أفاكيان حيث أسقط عمدا قبل " اللينينية " فى الجزء الثاني " و ما أقصده بالجسر هو تحديدا الجسر بين ..." بما يشوّه الفهم و يسمح لناقد أفاكيان بمغالطة القرّاء . و ما نطق به أفاكيان بلا أدنى شكّ صحيح و بديهي لمن له عيون ليرى و أذن لتسمع و لا يستعير عيون و أذان القائد الهندي : اللينينية جسر بين الماركسية و فكر ماو تسى تونغ / الماوية لاحقا ! حقيقة واضحة صريحة لا لبس و لا غموض فيها .
و بعد ذلك ، ينطلق قائد حزب نكسلباري كاتبا " بما أنّ الماركسية – اللينينية – الماوية كلّ متكامل ، يمكن للمرء أن يفكّر فى تركيبات متنوّعة – ماركسية دون لينينية أو ماوية دون ماركسية إلخ – و الهجوم عليها لإظهارها إنحرافا أو آخر ".
بيِّن هنا أنّ القائد الهندي يجعل من التلاعب بالكلمات بشكل مثالي لا غير رايته البرّاقة ليستهزأ و القرّاء من الصيغ التى قدّمها أفاكيان الذى يتحدث عن أمور مادية ملموسة تسندها فى الواقع الإجتماعي أمثلة أحزاب وتيّارات فكرية . إنّ تركيبات آجيث الخرقاء لا تعكس حقيقة موضوعية فمثلا هل يمكن أون توجد " ماوية دون ماركسية " ؟ لا هذا غير ممكن تاريخيّا و واقعيّا فالماوية هي المرحلة الجديدة ، الثالثة و الأرقى فى تطوّر علم الشيوعية من ماركسية ( مرحلة أولى ) إلى ماركسية – لينينية ( اللينينية مرحلة ثانية ) إلى ماركسية – لينينية – ماوية ( والماوية مرحلة ثالثة ) .
و دون كبير عناء نرى أنّ صاحب " ضد الأفاكيانية " يناهض اللينينية التى تدعو إلى التحليل الملموس للواقع الملموس .
و يستمرّ صاحبنا فى إطلاق نيرانه على " اللينينية كجسر " رافعا عقيرته بالصياح بأن " اللينينية كعلاقة مفتاح فى الدفاع عن الماركسية – اللينينية – الماوية و تطبيقها " ... " تنكر أنّ الماوية هي المحكّ ... وهكذا أرست [ الأفاكيانية ، حسب آجيث ] أسس تقويضها للماركسية – اللينينية – الماوية ذاتها " .
و سار شوطا أبعد إذ أردف ذلك أوّلا ، بأنّه " بفعل هذا الإفتتان باللينينية ، يتمّ التخلى عن التقدّم الفعلي الذى أنجزه ماو فى الفهم اللينيني للحزب ما يجعل اليوم من الصحيح الحديث عن حزب ماوي" ؛ وثانيا ، ب " لكن كيف يمكن صنع تشويهات عن " من يسمون أنفسهم ..." ماويين " ليشير إلى بعض النقص فى الماوية و يبرّر جعل اللينينية العلاقة المفتاح ؟ بالفعل لا وجود لتفسير ، هناك فقط تأكيد ".
لعلّ القرّاء المطلعين على الأدبيات الماوية قد إنتبهوا إلى هذه أو تلك من القضايا الغامضة فى كلام القائد الهندي من مثل كيف يقوّض إعتبار " اللينينية جسرا أسس الماركسية – اللينينية – الماوية " ؟ و مهما فتّشتم لن تجدوا توضيحا لذلك و عندئذ نسحب جملة من جمل آجيث على كلامه هو بالذات " بالفعل لا وجود لتفسير ، هناك فقط تأكيد ".
و زد على ذلك أنّه لولا اللينينية لما وجدت الماوية بمعنى التكامل و المراحل التى فصلنا و بمعنى أنّه كما فسّر ذلك ستالين فى " أسس اللينينية " ، اللينينية ربطت بصلات وثقى الثورة البروليتارية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية بالثورة فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أي شيّدت جسرا جعل من الثورة البروليتارية العالمية ذات تيارين متكاملين بقيادة البروليتاريا و طليعتها أحزابها الشيوعية و هدفها الأسمى الشيوعية العالمية .
و بالفعل وجد من يسمّون أنفسهم " ماويين " و حاولوا إثر الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إنكار ضرورة الحزب ككلّ أو إنكار جزء من مميزات الحزب اللينيني كالمركزية الديمقراطية . و مثال ذلك الفرنسي شارل بتلهايم الذى كان على رأس جمعية الصداقة الفرنسية – الصينية و الشهير بكتاباته العديدة عن التجربة الإشتراكية الصينية و منها " الصين بعد ماو " ، و كتاباته عن الصراع الطبقي فى الإتحاد السوفياتي . و قد خصّص له الحزب الشيوعي الثوري مقالا جداليّا نقديّا صدر فى ماي 1979 فى العدد 5 من مجلة " الشيوعي " المجلّة النظرية للجنة المركزية ، تحت عنوان " الصين : دكتاتورية البروليتاريا و الأستاذ بتلهايم ". و إذن ليس بوب أفاكيان مسؤولا عن جهل آجيث لمعلومات و وقائع و حيثيّات معروفة من الصراع العالمي حول الإرث الثوري لماوتسى تونغ . ( هذا العدد من المجلّة إياها و أعداد أخرى متوفّرة على الأنترنت بموقع :
)www.bannedthought.net
و لسائل أن يسأل قبل هذا و بعده هل أنّ ما يقوله ناقد أفاكيان الهندي " بفعل هذا الإفتتان باللينينية ، يتمّ التخلى عن التقدّم الفعلي الذى أنجزه ماو فى الفهم اللينيني للحزب ما يجعل اليوم من الصحيح الحديث عن حزب ماوي" له أساس من الصحّة ؟ لا ، يبدو أنّه مجرّد لهو إفتتحه بكلمة " إفتتان " و دلالاتها التى لن ندقق فيها البحث هنا ليفضي إلى لهو صبياني " إمّا هذا أو ذاك ". لا ، مرّة أخرى ، اللينينية مرحلة ثانية فى تطوّر علم الشيوعية ، جسر بين الماركسية كمرحلة أولى و الماوية كمرحلة ثالثة و الإعتراف بها و إعلاء رايتها جزء لا يتجزّأ من إعلاء راية الماركسية – اللينينية – الماوية ككلّ متكامل لا يقبل تقطيع أوصاله . و على اللينينية بنى ماو تسى تونغ مساهماته الخالدة ومنها تلك المتصلة بالحزب البروليتاري الطليعي . فلا مجال حالئذ مطلقا لتصديق إدعاء أنّ التشديد على اللينينية ينكر مساهمات الماوية !
و بشأن الحزب البروليتاري الطليعي الثوري فإنّ الخلاصة الجديدة للشيوعية لم تنكرمساهمات ماو و لم تتخلّى عنها و ليس بوسعها فعل ذلك و لكنها تفهم أنّها مساهمات فى نقاط معيّنة أثرت أسس الحزب الشيوعي كما وضعها لينين . هذا لا ينفى ذاك . مساهمات ماو قامت على أرضية أرستها قبلا اللينينية وهي فى غالبيتها العظمى [ الأسس التى أرستها اللينينية ] لا تزال صالحة بل منارات للمبحرين فى محيطات الثورة البروليتارية العالمية . منارة كان و يظلّ " ما العمل ؟ " وأي حزب يزعم أنّه حزب ماركسي – لينيني – ماوي لا يستنير بهذه المنارة و مضامينها التى أثراها أفاكيان لاحقا ليس حزبا شيوعيّا .
ب- القيادة و عبادة القادة :
بلا مواربة و مباشرة يقذف قائد حزب نكسلباري فى وجه الحزب الشيوعي الثوري تهمة عبادة القادة و بلا تحفّظ يسوّى فى ذلك بينه و بين الحزب الشيوعي البيروفي : " ضمن الحركة الأممية الثورية كان هذا المرض مرئيّابكثرة فى حال الحزب الشيوعي البيروفي و الحزب الشيوعي الثوري ... و الآن يطلب من أعضائه " الولاء للقيادة " ! ..." " و فى الفترة الحديثة ، صار هذا تقريبا مظهرا قارا فى كتابات أفاكيان".
وقبل الغوض فى نقاش هذا نلفت النظر إلى أنّ الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) الذى أضحى الحزب الشيوعي النيبالي الماوي( الموحدّ ) قد خرج على الحركة الأممية الثورية جميعها ب " طريق براشندا " و لم يعره آجيث العناية اللازمة بأن يلحقه بالحزبين المذكرين أعلاه على أنّه يمارس عبادة القادة و نعتقد أنّ آجيث تجنّب ذلك لمراميه المدروسة و علاقاته بالحزب المعني و الحزب الجديد الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي كإنشقاق عن الأوّل . و هذه براغماتية لا غير .
و نرجع إلى الإستشهاد أعلاه فنقول قبل كلّ شيء ، هناك بون شاسع بين فهم الحزبين إياهما للقيادة و دور القادة فالحزب البيروفي يجعل من غنزالو شخصيّا " القيادة " و يعليه فوق جماعية مجمل قادة الحزب و يعتبره ضامن نجاح الثورة و بالفعل معلوم أنّه طالب أعضاءه بالولاء لغنزالو . أمّا الحزب الأمريكي فقد نقد ذلك الفهم للقيادة فى مناسبات عدّة منها رسالة غرّة ماي 2012 إلى الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية و لا وجود لما يدلّل أصلا أنّه يطالب أعضاءه ب" الولاء للقيادة " ! و القانون الأساسي لهذا الحزب يثبت ذلك كما يثبت مبادئ المركزية الديمقراطية و منها خضوع الهياكل الدنيا للهياكل العليا و ما إلى ذلك و منها أيضا حقوق الهياكل الدنيا و الأعضاء كأفراد فى النقد و الإعتراض و النقاش . و ثمّة دعوة صريحة للأعضاء إلى خوض صراع الخطين صلب الحزب و النضال بحزم فى سبيل إعلاء راية الخطّ الإيديولوجي و السياسي الصحيح :
" الفصل الرابع- وحدات الحزب :
مهام وحدات الحزب:
تمزج وحدات الحزب قوّة أعضائها و النظرة الجماعية للعالم و القيام بالثورة ، مع الإحاطة و الصرامة ، الخيال و الإتقان ، الإبداع و المثابرة ـ و الصراع و الوحدة. الوحدة هي الموقع الرئيسي حيث يعمل الأعضاء بصفة منظمة ليدركوا و يطبقوا و يعمّقوا و يطوّروا و يتصارعوا بشأن خطّ الحزب. و تقوم الوحدات الأساسية على ديناميكية النظرية / الممارسة / النظرية ، قائدة أعضاءها فى سيرورة مستمرّة من معرفة العالم و تغييره.
من واجب الوحدات أن :
أ / تقدّم توجيها ثابتا لأعضاء الحزب و الناس الذين يقودون ، بشأن الخطّ الإيديولوجي و السياسي للحزب، بداية بالمسائل الأكثر حيوية التى تواجه الشيوعيين و الجماهير الثورية.
ب / تقود الأعضاء فى خوض صراع خطين و مقارنة و مواجهة الخطوط الصحيحة و الخاطئة و محتوياتها و نتائجها لكي يرفعوا قدراتهم على تمييز الصواب و الخطإ و خاصة التمييز بين الشيوعية و التحريفية. وفى نفس الوقت، يجب أن تنمّي روح و جوّ من جرأة التجاسر على التفكير و العمل و عدم الإرتباط بالأعراف و " التحليق فى الأعالي و الطيران دون شبكة أمان ... " . ( كتاب شادي الشماوي " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " ، على موقع الحوار المتمدّن ).
و فى ما يتعلّق بفهم الحزب الشيوعي الثوري القيادة و القادة ، فى الردّ (3) على الهجوم اللامبدئي لمحمّد علي الماوي على الخلاصة الجديدة للشيوعية ، تحت عنوان " الخلاصة الجديدة للشيوعية هو ما تحتاجه الثورة البروليتارية العالمية اليوم " دحضنا ترهات عبادة القادة التى تنسب إليه فكتبنا :
" 4 – القيادة و جدلية الفرد و المجموعة :
يهوي محمد علي ، فى مقاله المؤرّخ فى 26 ماي 2013 ، على بوب أفاكيان بتهم غليظة على شاكلة :
- " يمجّد أعماله و لا يغفل عن ذكر إسمه فى كلّ صفحة تقريبا ليوهمنا بأنّنا أمام فكر أفاكيان ."
- " يمجّد الفرد و الإبداع الفردي و " المثقّفين و المعارضة " فى المجتمع الإشتراكي " إلخ
بإختصار ، حسب محمد علي ، أفاكيان يدعو إلى الإيديولوجيا البرجوازية ورؤيتها للفرد فى علاقته بالمجموعة أو بصيغة لم يستعملها محمّد علي و لكن إستعملها متحاملون آخرون : أفاكيان يزرع " عبادة الفرد " وهي تهمة إستخدمها خروتشوف ضد ستالين .
فى إعتقادنا ، لسنا بحاجة إلى التفصيل فى دور الفرد فى التاريخ من وجهة نظر ماركسية عامة فقد عالجه بإمتياز بليخانوف ، و كذلك لن ننكبّ على بحث قضية كبرى فى المجتمع الإشتراكي ألا وهي قضية المثقّفين و المعارضة التى خصّها بوب أفاكيان بفصول عدّة فى كتاباته و خطاباته و لا يخصّها محمد علي إلاّ بالذكر ضمن جملة من جمله ، و البون شاسع جدّا . و مجرّد ذكر القضية لا يفيد أنّه إطلع عليها و إشكاليّاتها و حلّلها و إستوعبها و صار قادرا على معالجتها من منظور شيوعي ثوري . مجرد الذكر ضرب من ضروب التعمية و التظاهر بالمعرفة لا أكثر و لا أقلّ .
هل يذكر أفاكيان نفسه فى كلّ صفحة تقريبا من أعماله ؟ لا مطلقا . و نضرب مثالين على ذلك . هل ذكر نفسه فى كلّ صفحة تقريبا من كتابه سنة 1979 " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ؟ لا . هل ذكر نفسه فى كلّ صفحة تقريبا من أحد كتبه الأخيرة " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ؟ لا. و أكثر من ذلك ، نرجو من مطلقي مثل هذه التهم جزافا أن يحدّدوا لنا كتابا واحدا يمكن أن ينطبق عليه إدعاؤهم. و لن يجدوا .
و فى محاولة لمغالطة القراء و تشويه أفاكيان كتب محمد علي " يقارن نفسه بماركس " دون تفصيل المسألة و ما المقصود بها و لا ذكر لأي مرجع فلا يسعنا إلآّ إستغراب هكذا أسلوب و إستنكاره ! و نستطرد و بإستفزاز نردّ و ماذا فى ذلك ؟ ما هذه العقلية الدينية المتحجّرة ؟ هل إعتبر ماركس نفسه إلاها " لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد " ؟ لنا أن نقارن أنفسنا أو غيرنا به و بمن نشاء و " لا حرج فى ذلك " . مثلا من المقارنات أن لينين لظروف ذاتية و موضوعية فهم عدّة قضايا أفضل من ماركس لذلك لدينا اللينينية مضافة إلى الماركسية ومن المقارنات أيضا أن ماو لظروف ذاتية و موضوعية فهم الجدلية و مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا أفضل من سابقيه و هكذا .
صحيح أنّ أفاكيان شأنه فى ذلك شأن الكتاب و المنظّرين الآخرين ، يذكر كتاباته السابقة من حين لآخر حسب ما يقتضيه موضوع الحديث و طبعا لا عيب فى هذا . و لماذا يكون عيبا أصلا ؟ مثلما يستشهد بفقرات و جمل و كتب و بحوث قادة بروليتاريين عالميين من شتى البلدان و حتى بقادة و باحثين برجوازيين ينقدهم ، عندما توجد حاجة لتوضيح موقفه أو مواصلة بناء على موقف سابق ، من المنطقي و العلمي أن يلجأ إلى التذكير بما ألّفه قبلا .
كيف يتصوّر هؤلاء نقاد أفاكيان بلوغ مثلا الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟ هذه الخلاصة أتت إفرازا لسنوات من البحث و التنقيب و التحليل و النقد و لعشرات الكتب و الخطابات و النقاشات . و يحيل أفاكيان عن حقّ على أعماله كي لا يكرّر نفسه و كي يربط بين القضايا المعالجة هنا و هناك .
و تجدر ملاحظة أنّ أفاكيان قد أشاد بأعمال الرفاق و الرفيقات عبر العالم كلّما أنجزروا عملا هاما . و من ذلك ، إشادته بتقدّم كبير فى معالجة الرفيقات والرفاق الإيرانيين لقضية المرأة من الناحية النظرية العلمية فى عديد الدراسات و البحوث ، و بكتابات رفيقه ريموند لوتا و بكتابات رفيقته آرديا سكانيبراك و غيرهم .
و لكن متى " نمجّد " الفرد ؟
ألا " يمجّد " الشيوعيون الحقيقيون ماركس و إنجلز و لينين و ستالين و ماو تسى تونغ و غيرهم من الرموز ؟ بلى يفعلون لسبب بسيط هو أنّهم – رئيسيّا - يمسكون بالحقيقة التى هي وحدها الثورية .
و بوب أفاكيان قائد للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسه أواسط سبعينات القرن العشرين و قائد شيوعي ماوي عالمي منذ أواخر سبعينات القرن العشرين ، فلماذا عليه أن يتنازل عن كتاباته و خطاباته التى تمسك بجمر الحقيقة ؟ لئن فعل ذلك ، إقترف خطأ فادحا بمقتضاه يتخلّى كلّيا عن علم الثورة البروليتارية العالمية وتطويراته أو يصبح كالدغمائيين يعامل الماركسية بجمودعقائدي و يكرّر مقولات عامة لا تنطبق بالضرورة على الواقع الراهن المتحرّك و المتبدّل و لا تعالج قضايا الثورة المطروحة اليوم .
و من المفيد للغاية هنا أن نحيلكم هنا علي ردود الماويين على " مقاومة عبادة الفرد " ، الحملة التى شنّها الخروتشوفيون ضد ستالين لإدراك غايات أناس يستعملون هذه الأساليب و كيفية توصيفهم حقّا .
و نفسح المجال لبوب أفاكيان نفسه ليعرب عن رؤيته لدوره المهمّ فى علاقة بالثورة و الشيوعية :
" لماذا أنا مهمّ ؟ - لماذا جملة أعمالي و منهجي و مقاربتي مهمين ؟ لأنّنا نقدّم فهما متطوّرا ، فهما راقيا لما تعنيه الثورة و تعنيه الشيوعية و كيفية المضي قدما نحو هدف الثورة والشيوعية ، و كذلك لمنهج الإنخراط و النضال لمعالجة التناقضات التى ستعترضنا حتما فى هذه السيرورة ...
إذا كان فعلا يقودنا فهم علمي لكون المجتمع الإنساني يحتاج و بإمكانه التقدّم صوب الشيوعية ، و لكون النضال من أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن يكون عملا واعيا للجماهير الشعبية ، من جهة ، بينما فى نفس الوقت ، يجب أن تكون لهذا قيادة ، و لا أفق لتحقيقه دونها - قيادة تجسّد فى علاقة بهذا الهدف الفهم و المنهج الأكثر تقدّما – و أن ما يتكثّف فى هذا الشخص ، نعم ، و لكن و بأكثر جوهرية فى جملة أعمال بوب أفاكيان و منهجه و مقاربته ، يمثّل هذه القيادة ؛ عندئذ ما يترتّب طبيعيّا عن ذلك هو الإعتراف بأن هذا أمر يجب توعية الجماهير الشعبية به و تعريفهم به ، و يجب أن نجعلهم يحتضنوه ، بفهم مدي حيويته بمعنى خدمته لمصالحها الجوهرية الخاصة و فى النهاية خدمته لأعلي مصالح الإنسانية جمعاء . و مثلما شدّدت على ذلك وثيقة لحزبنا حول مسألة القيادة الثورية :
" إنّ ظهور بعض الثوريين كتعبير مركّز لهذه السيرورة و تحوّلهم إلى تعبير مركّز لأفضل ميزات القيادة الثورية - بما فى ذلك بذل النفس بلا أنانية من أجل القضيّة الثورية و الحبّ العميق للجماهير ، و كذلك إستيعاب قوي للمنهج العلمي لإطلاق العنان للجماهير و رسم طريق الثورة فى تناغم مع مصالحها الموضوعية - بالتالى لا يكون وجود هكذا قائد أو قادة مصدر إزعاج و إنّما شيئا يرحّب به و يحتفى! إنّه جزء من قوّة الشعب."
( بوب أفاكيان – " الثورة " عدد 115 ، 13 جانفي 2008؛ " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " – الجزء الثاني : " كلّ ما نقوم به يخصّ الثورة " )
و يبقى أن نلمّ بزاوية نظر أخرى هي زاوية تنظير الحزب الذى يقوده أفاكيان للقيادة و القادة لذلك نستنجد بوثيقة له متوفّرة على الحوار المتمدّن ، ألا وهي " حول القادة و القيادة " ضمن كتاب شادي الشماوي " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " و منها نقتطف الفقرات التالية :
" ... كافة أعضاء حزبنا قادة ثوريّون بحدّ ذاتهم ، لهم قدرات متنوّعة و مستويات من التطوّر . كلّهم لا يقدّرون بثمن : إنّهم يخدمون الشعب و يجب دعمهم و الدفاع عنهم ضد الهجمات.
صلب الحزب ، يتقاسم الرفاق الأفراح و الأتراح و يعتنون ببعضهم البعض : و هذا أيضا تعبير عن جماعيتنا و نظرتنا الثورية . صلب الحزب ، هناك ( و يجب أن يوجد على الدوام ) الكثير من النقاش الجماعي و الصراعات حول ما ينبغى القيام به ، حول الصحيح و الخاطئ فى تطوير النظرية و الممارسة الثوريين اللذين يساهم فيهما الرفاق كافة.
يتكوّن تنظيم الحزب من مختلف المجموعات و الوحدات الصغيرة ، لكلّ منها قائدها الخاص، وهو أمر ينسحب على كافة الأجهزة القيادية العليا . و العمل الحزبي ككلّ يتركز و يمثّل أفضل تمثيل فى لجنتنا المركزية .
مثل جميع هياكل الحزب ، تعمل اللجنة المركزية بصورة جماعية ، وهي متشكّلة من رفاق أثبتوا ولاءهم للجماهير و للقضية الثورية ، والذين هم مستندون إستنادا جيّدا على المبادئ الجوهرية و المنهج الأساسي للماركسية – اللينينية - الماوية و تعيّن اللجنة المركزية جماعيّا القائد المناسب أكثر لقيادة اللجنة المركزية عينها ، و من خلالها الحزب بأسره .
بوب آفاكيان هو هذا القائد لقادة حزبنا.
من كافة قادة حزبنا ، بوب آفاكيان هو قائد اللجنة المركزية الذى يُعدّ:
= الأقدر على قيادة العمل الجماعي للجنة المركزية و أجهزتها القائمة و بهذه الطريقة و عبر الهياكل الجماعية للحزب و أجهزته القيادية ، قيادة الحزب و الجماهير.
= الأقدر على رسم جماعية الحزب لإستخلاص و تركيز ما يتأتى من أسفل ،من الجماهير الشعبية داخل الحزب و خارجه.
= الأقدر على إستخلاص و تركيز الدروس التاريخية و النضال الثوري للبروليتاريا العالمية بوجه خاص.
= الأقدر على إستخلاص و تركيز المادئ السياسية و الإيديولوجية و التنظيمية الجوهرية للماركسية-اللينينية-الماوية حتى الآن و لقيادة تكريسها عمليّا.
= الأقدر على الإستيعاب و الصراع الواعي حول المنهج العلمي المفتاح أي المادية الجدلية و التاريخية فى علاقة بكلّ مجال من مجالات الممارسة و النظرية ، لأجل رسم الطريق غير المرسوم و موصلة إنجازعمل ثوري فى إرتباط اوثق مع المصالح الموضوعية و الأهداف الإستراتيجية الشاملة لطبقتنا.
= الأقدر على مزج و ربط الإلمام و النظرة التاريخية الشاملة و أرضية تطوّر إيديولوجي و منهجي إلى جانب فهم حقيقي لمشاعر الجماهير و فهم عميق للمشاكل العملية للحركة الثورية.
= الأقدر على قيادة القوى الثورية لحزبنا فى صراع خطّين ضد التحريفية و الإنتهازية و فى الذهاب ضد كافة التيارات الخاطئة.
= الأقدر على وضع معايير الأممية البروليتارية الحقيقية و لقيادة حزبنا فى النهوض بمسؤوليّاته الأممية كفيلق من فيالق الحركة الشيوعية العالمية ، كجزء من الحركة الأممية الثورية.
وتعتبر الجماعيّة الأكبر أي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري أنّ الشخص الذى يجسّد أفضل تجسيد هذه التعابير – و الذى أكّد ذلك مرّة تلو المرّة ، بما فى ذلك فى ظروف حرجة من تاريخ حزبنا و الحركة الشيوعية العالمية- هو بوضوح بوب آفاكيان.
إنّ الرفيق آفاكيان هو تماما نقيض القائد البرجوازي : إنّه معروف بدرجة عالية من المبدئية و الإستقامة الشخصية و السياسية الهائلة؛لقد وضع خدمة الشعب فوق كلّ شيئ آخر فى حياته، وهو يحيى و يتنفّس من أجل جماهير الشعب ،و كان نموذجا لتطبيق منهج الماركسية – اللينينية - الماوية فى النقد و النقد الذاتي ؛ لقد ظلّ برسوخ ثوريا فى وجه مخاطر كبرى تعرّض لها شخصيّا ؛ و إضطلع بدور حيوي فى إستيعاب و نشر علم الماركسية - اللينينية - الماوية ورسم أرضية جديدة فى تطبيقه فى الممارسة العملية؛ لقد قاد الحزب فى البحث فى جذور الأخطاء و التعلّم منها و تصحيحها ؛ و بيّن أنّه قادر على أن يستخلص و يركّز و يدفع الإستعمال بمهارة للقوّة الجماعية لتنظيمنا الثوري ؛ و لم يخسر أبدا روح الفكاهة لديه !
و عليه تؤكّد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري بحماس إحترامها و حبّها و دعمها بصلابة للرفيق آفاكيان و دوره كرئيس للجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية..
و كجزء من الإرتقاء بنضالنا الجماعي لرفع تحدّيات زمننا هذا و مواجهة فرص هذا الزمن على أفضل وجه ، تحثّ بهذا اللجنة المركزية جميع أعضاء الحزب و الثوريين لمزيد إعمال الفكر و نقاش ما تمثّله بالضبط القيادة الثورية الحقيقية، و عكسها و التعلّم من الدور المتميّز لرئيس لجنتنا المركزية و مساهماته فى هذا السياق.
و كذلك بهذا تكرّر اللجنة المركزية التأكيد على تصميمها على منع العدوّ من إسكات الصوت الثوري الحيوي لرئيس حزبنا ، آفاكيان أو إنكار قيادته الثورية للجماهير الثورية ،و على تصميمنا المتجدّد على ضمان أن تصل قيادته و منهجه إلى جمهور دائم الإتساع.
و هكذا تحثّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية كافة ذوى الفكر الثوري على الإلتحاق بنا فى هذا الإلتزام .
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، سنة 1995.
(إنتهي المقتطف )
و عندئذ ندرك أن محمد علي يسير فى هذه النقطة على خطى خروتشوف و يعمد إلى إلصاق "عبادة الفرد" بأفاكيان للنيل منه بالإفتراء. و نحن نسير على خطى الماويين فى " حول مسألة ستالين " و نردّ عليه بما أوردنا فى مقال نشرناه فى 5 جوان 2013 :
" إنّ الإنتهازيين فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية لم يستطيعوا أن ينكروا ماركس و إنجلز و لينين عن طريق الإفتراء ، و لن يستطيع خروتشوف أن ينكر ستالين بالإفتراء و كما قال لينين فإن المركز الممتاز لا يضمن نجاح الإفتراء " ، ما يساوي فى موضوع الحال " لن تستطيع يا محمد علي أن تنكر الحقيقة بالإفتراء " ( نشر الردّ 3 هو و الردود الأخرى 1و 2 و 4 على الحوار المتمدّن ).
ت- دور أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري فى تأسيس الحركة الأممية الثورية :
لقد نوّهت رسالة غرّة ماي 2012 التى أنف ذكرها بدور أفاكيان " الحيوي و المركزي " فى الإعداد للندوتين اللتين أفضتا إلى توحيد المتبنين للماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ آنذاك و تشكيل الحركة الأممية الثورية سنة 1984.
و قد إنتفض آجيث ضد هذا التنويه و أرعد و أزبد و طفق يعارضه بحجّة تتنافى مع الفهم الماوي المادي الجدلي للسيرورات و تطوّرها . يقف قائد حزب نكسلباري ضد ذلك التنويه و يقذف به فى سلّة المهملات لأنّه " سيسرق من هذا النضال التاريخي ثراه الناجم عن مساهمات القوى الماوية عبر العالم بأسره ... و بالرغم من هذه العراقيل ساهمت بالكثير غير المعروف ببساطة لأنّه لم تقع ترجمته ".
إنّ من يدرك جيّدا معنى كلمات " حيوي و مركزي " يدرك لا محالة أن إستعمالها لا ينفى و لا ينكر و لا يسرق ما هو هام و له دور لا بأس به إلاّ أنّه لم يكن " حيويّا و مركزيّا ". هذه واحدة . و من الأكيد أنّ القراء ذوى الذهن النقدي المتقد قد سبقونا إلى الإعتراض على آجيث : " لماذا لم تذكر و لو مقالا واحدا من " الكثير غير المعروف " ؟ لماذا لم تذكر حتى مؤلف تلك المقالات من أشخاص أو منظمات و أحزاب ؟
هل نصدّق من يمارس الخداع و يطلق حكما مطلقا مثاليّا كهذا بغاية طمس حقيقة تاريخية تخصّ دور أفاكيان الحيوي و المركزي فى النضال الذى أدّى إلى تأسيس الحركة الأممية الثورية دون تجشّم عناء ذكر و لا وثيقة واحدة كمثال ؟
و الأدهي هو أنّ الحزب الشيوعي الثوري ذاته بقيادة أفاكيان بذل قصاري جهده لنشر ( و لسنا ندري إن قام بالترجمة أم لا ) الأدبيات الخاصة بذلك النضال و نشرح نفسنا فنقول إنّه نشر أهمّ وثائق الندوة الأولى و وثيقة " المبادئ ..." التى أعدّها هو و الحزب الشيوعي الثوري الشيلي كأرضية للنقاش الذى أفرز بيان الحركة الأممية الثورية لسنة 1984 و نشر فى مجلّته " الثورة " مقالات من الشيلي و من سيلان و من تركيا إلخ تدافع عن الماركسية – اللينينية - فكرماو تسى تونغ وتردّ على الهجوم الدغمائي التحريفي الخوجي وهي موثّقة على الحوار المتمدّن فى كتاب شادي الشماوي " الماوية دحضت الخوجية و منذ 1979 " . و أكثر من ذلك نشر الحزب الشيوعي الثوري فى بداية ثمانينات القرن العشرين عددين تجريبيين من " عالم نربحه " ( قبل الصدور الرسمي ل"عالم نربحه " كمجلّة للحركة الأممية الثورية منذ 1985 فى سلسلة جديدة تماما ) تضمّنا عديد المقالات من عدّة بلدان من العالم . و من يرغبون فى مطالعة محتويات هذين العددين عليهم بهذا الرابط على الأنترنت :
www.bannedthought.net
الحزب الشيوعي الثوري لم يعمل على إنكار ثراء النضال ذلك النضال التاريخي بل أعطاه دفعا و زخما و نهض بدور " حيوي و مركزي " إعترف به لعقود أعضاء الحركة الأممية الثورية . و يأتى الآن القائد الهندي ليعيد كتابة التاريخ بتعلّة واهية " يسرق من النضال التاريخي ثراه " . إن آجيث و من هم على شاكلته متعنّتين فى إنكار الواقع الموضوعي و الوقائع التاريخية المعلومة و بحزم و عناد يقاومون الإعتراف بها . و هذا مثال آخر عن المثالية الذاتية و كذلك البراغماتية و الأداتية التى ينقدها عن حق أفاكيان بإعتبارها أخطاءا مستفحلة صلب الحركة الشيوعية العالمية تسبّبت و تتسبّب فى أضرار جسيمة للثورة البروليتارية العالمية لذا من واجب الشيوعيين الثوريين تعريتها و نقدها و تجاوزها .


9- من يشوّه الأممية البروليتارية ؟ ومن يرفع رايتها عاليا ؟
عند تناول آجث مسألة الأممية البروليتارية ، وضع عنوانا للفقرة " تشويه الأممية " و يقصد بذلك أنّ بوب أفاكيان يشوّهها وأنّ له نظرة " منحرفة للأممية البروليتارية " . و يباشر نقاشه بإدعاء أنّ أفاكيان يعوض " الماوية باللينينية " " كعلاقة مفتاح " و أنّ أفاكيان إتّهم ماو ب" القومية " و " يتصوّر " بروليتاريا عالمية " مثالية " " بناءا على مفهوم للأممية البروليتارية " مطلق ونقي " ، لينتهي من النقاش بقوله " إنّ منطق أفاكيان المفترض انّه يهدف إلى تمكين البروليتاريا من التقدّم يخطو خطوة إلى الوراء بعيدا عن القمم التى بلغتها الماوية " . وفى ثنايا ما خطّه بشأن هذه المسألة تهم كثيرة أخرى لأفاكيان لا أساس لها من الصحّة نسعى هنا إلى الخوض فى أهمّها .
أ- الأساس الفلسفي للأممية و جدلية الداخلي والخارجي :
تاركين جانبا تهمة تعويض " الماوية باللينينية " التى من الأكيد أنّكم إستغربتموها أيما إستغراب و إستهجنتموها أيما إستهجان ، و التى تناولناها بالبحث فى فقرة فائتة ، نركّز هنا على الأساس الفلسفي للأممية البروليتارية و العلاقة الجدلية بين ما هو داخلي و ما هو خارجي .
أورد القائد الهندي كلاما لأفاكيان :" من الصحيح أيضا ، فى وضع آخر ، الصين ، الولايات المتحدة الأمريكية و بقية البلدان فى العالم يشكّلون أجزاء من العالم ( من المجتمع الإنساني ) ككلّ ، بتناقضاته و تغيره الداخليين ، محدّد بصورة عامة بالتناقض الجوهري للحقبة البرجوازية ، بين الإنتاج الجماعي / الملكية الخاصة . و هذا يعنى أنه بالمعنى العام تطوّر الصراع الطبقي ( و الوطني ) و تطوّر الأوضاع الثورية إلخ فى بلدان معيّنة تتحدّد أكثر بتطوّرات العالم ككلّ أكثر من كونها تتحدّد بالتطوّرات فى بلدان معيّنة – تتحدّد ليس فقط كشرط للتغيير ( سبب خارجي ) بل كأساس للتغيير ( سبب داخلي ) " ( 63) .
ثمّ علّق عليه معتمدا من جديد على النسبية و " الطبيعة النسبية للداخلي و الخارجي " و دون وجه حقّ يلجا بعدئذ إلى إتهام أفاكيان بالتلاعب بمفردة " الوضع " لا لشيء إلاّ لأنّه أكّد أنّ " ما هو داخلي فى وضع ما يصبح خارجي فى وضع آخر " وهو إلى جانب كونه إعادة تقريبا حرفية لكلام لماو تسى تونغ فى " فى التناقض " إستشهد به أفاكيان فى المقال ، كلام صواب مادي جدلي فمثلا الحرب الأهلية فى فرنسا و التى أدّت إلى ظهور كمونة باريس تحوّلت إلى حرب تدخّل فيها عنصر خارجي ، ألمانيا فتحوّل الداخلي إلى خارجي و العكس حصل فى ما يتصل بثورة أكتوبر العظيمة التى شهدت التحوّلين الخارجي إلى داخلي و الداخلي إلى خارجي إذ فى " وضع " الحرب العالمية الأولى مارس البلاشفة السياسة الثورية للإنهزامية الثورية و حوّلوا الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية و حطّموا الدولة القديمة و شيدوا دولة جديدة و بتدخّل عديد القوى الإمبريالية و هجومها على الدولة البروليتارية الجديدة تحوّل الداخلي إلى خارجي . هذه هي المادية الجدلية التى عبّر عنها أفاكيان و لا نرى فى ذلك أي تلاعب ب " الوضع" و إنما هو التحليل الملموس للواقع الملموس . تلك الصياغة التى كثّف فيها أفاكيان حقيقة ينعتها آجيث بأنّها " ظلّ تنظير" و" ظلّ معالجة ". يبدو أنّ التنظير لديه هو محض هراء و دوس الواقع (" الوضع ") الملموس و التحليق بأجنحة مثالية .
و إن أردنا مزيد التعمّق عدنا إلى كلّ من لينين و ماو تسى تونغ بهذا الصدد . فلينين فى مقاله الشهير عن الديالكتيك ، يصرّح بأنّ كلّ خاص عام و كلّ عام خاص ، فى تلخيص علمي عميق لعلاقة الخاص بالعام و الجدلية التى تربط بينهما و التى تشتمل على تحوّل الخاص إلى العام و العام إلى الخاص إضافة إلى وجودهما فى وحدة أضداد / تناقض . و ماو تسى تونغ من جهته شرح فى " فى التناقض " الخصوصية و العمومية / الشمولية و العلاقة الجدلية بينهما شرحا ضافيا ، شافيا بما يدلّل على أنّ أفاكيان يتبع خطى لينين و ماو المادية الجدلية و أنّ ناقده هو الذى يشوّه المنهج المادي الجدلي لفهم العالم خدمة لأغراضه الذاتية .
و أفاكيان يقصد مباشرة المجتمع الإنساني ككلّ و حينئذ من يفقه الجدلية لا يستغرب أن يكون ما هو خارجي لأي عالمي بالنسبة لبلد اساس للتغيير و ليس فقط شرط له إذا ما إستوعب جيّدا فعل التناقض الجوهري للحقبة البرجوازية على أنّه التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الفردي للمنتوج أو الملكية الخاصة الرأسمالية .
و بالضبط بعد الكلام الذى أورده آجيث فى الإستشهاد أعلاه ، إسترسل أفاكيان ليقول :
" برأيى لم يكن الأمر كذلك قبل ظهور الإمبريالية – أو قبل أن يغدو المجتمع البرجوازي ( و بصيغة اخرى ، الحقبة البرجوازية ) مهيمنا (نوعيّا ) على العالم ، و قبل أن تغدو التغيرات فى المجتمعات عبر العالم مندمجة بطريقة شاملة فى سيرورة كلّية ( واحدة ) ".
هذا هو الفهم المادي الجدلي الصحيح للعالم اليوم و ذاك هو الأساس الفلسفي للأممية حسب أفاكيان أمّا آجيث فتائه فى سراديب مثاليته و ميتافيزيقيته .
ب- توجيه الضربات للأعداء الواحد تلو الآخر ؟
فى سياق تنقيبه عن أخطاء الحركة الشيوعية العالمية فى ما يتصل بالأممية البروليتارية ونقيضها القومية البرجوازية ، عثر أفاكيان على مواقف و وجهات نظر خاطئة لدي ماو نقدها من منطق رفاقي مؤكّدا أنّ ذلك لا يحطّ أبدا من المكانة العظيمة لهذا القائد البروليتاري العالمي الأممي العظيم . غير أنّ آجيث و لتحقيق مآربه الذاتية من ناحية يصوّر النقد الرفاقي على أسس صحيحة مادية جدلية و من منظور الإرتقاء بعلم الثورة البروليتارية العالمية ، على أنّه تشويه لماو ، و من ناحية ثانية ، يعمل على قلب الحقائق رأسا على عقب . ففى معرض حديثه عن نقد أفاكيان لإتخاذ إتخاذ إلحاق الهزيمة بالعدوّ واحدا تلوالآخر عمليّا كمبدأ غير معلن ، علّق الهندي " إرادة توجيه الضربات فى جميع الإتجاهات يمكن أن تبدو مقاربة ثورية مصمّمة و صريحة فى أحلام يقظة أحدهم ".
ولنعد إلى أفاكيان لفهم الصورة على حقيقتها ونفض الغبار عنها ، لنأخذ فقط الإستشهاد 81 الذى إستعمله صاحبنا الهندي و إستهزأ به على أنّه باعث للضحك فى تخيلاته و باعث للإنتحار فى وصفاته :
" "... فى إطار حرب عالمية قد يكون من الصحيح بالفعل توجيه الضربات فى إتجاهات شتّى ، بالنظرإلى العالم ككل ؛ أي معارضة الإمبرياليين عموما و محاولة الإطاحة بهم عندما يكون ذلك ممكنا فى كلا المعسكرين ، و بالطبع آخذين بعين الإعتبار الوضع الخاص فى مختلف البلدان " (81)..
فى الحالة الممكنة هذه التى يطرحها أفاكيان بالنسبة للبروليتاريا العالمية الأمر فى منتهى البداهة . فالبروليتاريا فى بلد إمبريالي ما ستمارس ثوريّا الإنهزامية الثورية و تطيح بإمبرياليتها و كذلك ستفعل البروليتاريا فى بلد مغاير و هكذا فى هذه القارة و تلك و فى كلا المعسكرين إن وجد معسكران . أمر بديهي للشيوعيين الثوريين لا يساورهم بصدده أي أدنى شكّ. و لنلمّ بالمسألة من جميع النواحي و الزوايا لنأخذ حتى فرضية بروليتاريا فى بلد واحد تواجه عدّة إمبرياليّات و قد حصل هذا فى تاريخ تجارب البروليتاريا العالمية ذلك أنّ الثورة البلشفية عرفت هجوما ليس فحسب من الجيش الأبيض التابع للطبقات الرجعية المطاح بها بل أيضا هجوما من عدّة قوى إمبريالية فى نفس الوقت فما كان عليها إلاّ أن توجه الضربات فى أكثر من إتجاه .
لن يدرك كنه ردّة فعل آجيث تجاه تحليل أفاكيان الصحيح وما تحدوه من دوافع من لم يدرك أنّ هذا مرتبط لديه وثيق الإرتباط بدفاعه غير المبدئي و الخاطئ عن تكتيك الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية وهو يبحث على الدوام على تكرارها بشكل أو آخر و التحالف مع كتلة إمبريالية ضد كتلة أخرى و ليس بناء جبهة عالمية بروليتارية ثورية متكوّنة من البروليتاريا الثورية فى البلدان الإمبريالية و التيار الثاني للثورة البروليتارية العالمية – حركات التحرّر الوطني الديمقراطي / الثورات الديمقراطية الجديدة ضد الإمبريالية برمتها . آجيث واقع فى دوّامة القومية و تكتيك التحالف مع كتلة من الإمبريالية ضد أخرى أو التحالف حتى مع الأصولية الدينية لأنها فى إعتقاده مناهضة للإمبريالية .
هذه هي رؤية أفاكيان دون نظّارت آجيث الخشبية ، هذه رؤية مادية جدلية تأخذ بعين الإعتبار الواقع الملموس المتغيّر و مختلف الإمكانيات الواقعية بعيدا عن المثالية " الميتافيزيقية " !
ت - الثورة الديمقراطية الجديدة والثورة الإشتراكية والأممية البروليتارية :
و لا يتورّع ناقد أفاكيان عن مواصلة سلسلة إتهاماته مدعيا زورا و بهتانا أنّ أفاكيان " مضي إلى حدود تخيّل دمج المرحلتين ، الديمقراطية الجديدة و الإشتراكة ، مرحلتا الثورة فى الأمم المضطهَدة إلى مرحلة واحدة ".
و أمر محزن جدّا أن يستعمل كاتب " ضد الأفاكيانية " بإنتهازية صيغة من تركيبه الخاص على أنّها صيغة للحزب الشيوعي الثوري و نقصد " عبء غير مرغوب فيه " فى إشارة إلى المسألة الوطنية . و تاليا و رغم إعتر افه بأنّ مقال أفاكيان يتبنّى بصريح العبارة " مرحلتي الثورة " ، يلصق به " تمرير التروتسكية " و القفز على المسألة الديمقراطية لا لشيء إلاّ لأنّه " تساءل إن كانت الثورة الألمانية قد سبقت الثورة الروسية ، ألم يكن بإمكانهم معالجة المسألة الزراعية بطريقة مختلفة ؟ ".
لنتحرّى لبّ المسألة المطروحة للنقاش هنا من خلال العودة إلى المقال المعني ذاته ( " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : قضايا توجه إستراتيجي" الذى نشر فى مجلّة " الثورة " ، ربيع 1984) و ما يعنيه أفاكيان بتلك الكلمات :
" لو نجحت الثورة البروليتارية الألمانية فى نفس الوقت مع نجاح اثورة أكتوبر فى روسيا ، لكانت كافة مقاربة التعالم مع الفلاحين فى روسيا مختلفة . ليس أنّه كان حينها ليتبنّوا السياسات التروتسكية و يقولوا " حسنا الآن يمكن أن نقتل كلّ الفلاحين " أو اي شيء من هذا القبيل – أي إعتبار الكلّ فى خندق الأعداء – لكن كانوا سيقدرون على التعامل مع الفلاحين بصورة مغايرة. ربّما كان بوسعهم التحرّك بسرعة أكبر فى المشركة و فى سيرورة مشركة الفلاحية كانت ستكون لديهم قاعدة مادية أقوى للقيام بذلك بطريقة لا تدفع الفلاحين إلى المعارضة ".
لا وجود للقفز على مرحلة و لا هم يحزنون ! و فى حين يدين أفاكيان التروتسكية ، بعملية سحرية يحيله آجيث إلى ساهر على " تمرير التروتسكية " . نظارات آجيث الخشبية ضارة و ضارة جدّا !
و فى ذات الوثيقة و قبل ذلك ببضعة فقرات كان أفاكيان شدّدعلى أنّ الوضع فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة : " يجعل من الضروري و الممكن أيضا خوض نضال مناهض للإمبريالية مع عنصر ديمقراطي أيضا – عموما عنصر مناهض للإقطاعية ، لكن فى كلّ الأحوال مظهر ديمقراطي هام – ما يمثّل عامة المرحلة الأولى من تلك الثورة ، وهو تمهيد ضروري للمرحلة الإشتراكية التالية ".
أفاكيان يعرض بكلماته الموقف الماوي من ضرورة المرحلتين و علاقة الأولى بالثانية كتمهيد لها و تضمّن المرحلة الأولى المسألة الديمقراطية الهامة و يأتى آجيث ليغتصب النصّ ويدوسه بالأقدام و ينطقه بما لم ينطق به. يا لها من أخلاق فى الجدال ، يالها من نزاهة علمية !
و من لم يكتفى بهذا ، قطعا لدابر أي خيط للشكّ ، نحيله على وثيقة جديدة نسبيّا للحزب الشيوعي الثوري ألا وهي قانونه الأساسي و بخاصة ملحقه " الشيوعية كعلم " و تحديدا فقرة " الثورة فى الأمم المضطهَدة ... و مواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية " ( " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " لشادي الشماوي ، على موقع الحوار المتمدّن ).
ث - الأممية و الدفاع عن الدولة الإشتراكية :
يشرع آجيث فى معالجة هذه المسألة بإقرار حقيقة أنّ أفاكيان وجّه " نقدا صحيحا للحزب الشيوعي السوفياتي ( البلشفي ) بقيادة ستالين لربطه مصالح الثورة العالمية بمصالح الإتحاد السوفياتي" ليشمّر على ذراعيه بعدئذ و ينهال على كلام أفاكيان بأغرب التعاليق و التأويلات التى تتجلّى لنا حين نفكّر فى الأمر مليّا بحكمة و رويّة .
فعن الإستشهاد 85 :" "... هناك حدّ ... للمدى الذى يمكن أن تذهب إليه فى تغيير البنية التحتية و البنية الفوقية داخل البلد الإشتراكي دون مزيد التقدّم فى كسب العالم و تحويل المزيد منه ... و هناك أيضا واقع أنّ هذا عصر سيرورة عالمية واحدة و لها قاعدة مادية ، ليست مجرّد فكرة . ما يمكن أن يكون معقولا فى ما يتعلّق بالإنتاج ، سويّة مع إستعمال قوّة العمل و الموارد داخل بلد واحد ، ماضيا إلى أبعد من نقطة معينة ، بينما يمكن أن يبدو معقولا لذلك البلد ، ليس معقولا إذا ما نظرنا إليه عمليّا على نطاق عالمي . و هذا يأثّر على ذلك البلد و يصبح سياسة غير صحيحة ، ليس الإستعمال الأفضل للأشياء حتى داخل ذلك البلد ، و يشرع فى العمل ليس فقط ضد تطوّر قوى الإنتاج ، لكن فى ترابط جدلي بذلك ، ضد مزيد التحويل فى علاقات الإنتاج ( أو القاعدة الإقتصادية ) و البنية الفوقية " ، قرأنا تعليقا من الغرابة بمكان هو :
" المقترح المضمّن هنا أنّه يجب على الدولة الإشتراكية أن تنشر مباشرة و تنجز الثورة فى بلدان أخرى كشرط لتواصل تقدّمها ".(86)
بينما يتطرّق الإستشهاد إلى العلاقة الجدلية مرّة أخرى بين الداخلي و الخارجي و الخاص و العام يبتدع آجيث تأويلا مغرض عن تصدير الثورة بمعنى أقرب ما يكون إلى التروتسكيّة و يلصقه إلصاقا بكلام أفاكيان!
و بعد ذلك يدخل آجيث فى نقاش تناقض مصالح النوعين المخلفين من البلدان و الإنتاج " على النطاق القومي " و " النطاق العالمي " واضع سطرا عريضا تحت النطاق القومية " لفترة زمنية طويلة ، ينبغى على البروليتاريا أن تعالج مهام الإنتاج فى " المصاف الأوّل " على النطاق القومي " و معبرّا فى تعاطيه مع المسألة عن تأثّر بنظرية قوى الإنتاج التحريفية التى حاربها لينين و ماو من بعده - بعجالة أولوية تطوير قوى الإنتاج نسبة للقيام بالثورة فى المجال السياسي و لتطوير علاقات الإنتاج ...- و تبعاتها الوخيمة على فهم بناء الإشتراكية .
مجدّدا نلفى ناقد أفاكيان يطبّق نظرة إحادية الجانب . فما من أحد – و نقصد أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية – ينفى معالجة مهام الإنتاج فى المصاف الأوّل على النطاق القومي مبدئيّا و بشكل عام و فى وضع و ظروف معينين لكن الإعتراف بالقاعدة ، بالمبدأ و إنكار الإسثناء أي إمكانية وجود وضع عالمي ملائم لمعالجة مغايرة نسبيّا أو كلّيا لمهام الإنتاج ليس من المادية الجدلية فى شيء بل هو مثالية ميتافيزيقية .
ونحن نُعنى هنا بالأممية البروليتارية والدفاع عن الدولة الإشتراكية ، يهمّنا أن نلخّص موقف أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية فى هذا المضمار . " الأممية – العالم أوّلا " هذه مقولة لأفاكيان تكثّف ما فصّله فى عديد كتاباته الموغّلة عميقا فى جزئيّات الموضوع و تفاصيله ، و من معانيها أنّه يجب على الدولة الإشتراكية أن تكون قلعة فى خدمة الثورة البروليتارية العالمية و أنّ الدفاع عن الدولة الإشتراكية و مصالحها أمر هام للغاية لكن الثورة البروليتارية العالمية و مصالحها أهمّ .الكلّ أهمّ من الجزء . و لا ينبغى قط ربط الثورة البروليتارية العالمية بالمصلحة الضيقة لبلد إشتراكي بل بالعكس ينبغى أن يخدم البلد الإشتراكي الثورة البروليتارية العالمية ( و من هنا النقد الصحيح لأفاكيان للإتحاد السوفياتي بقيادة ستالين لسلوكه سياسة عالمية قدّمت مصلحة الإتحاد السوفياتي على مصالح الثورة البروليتارية العالمية مثل تكتيك الجبهة المتحدة ضد الفاشية ) و إن إقتضى الأمر تضحيات من قبل هذه الدولة لأجل الثورة العالمية فلا يجب أن تتردّد الدولة الإشتراكية فى القيام بالواجب . هذا ما يتعيّن فهمه من " الأممية – العالم أوّلا ".
و فى " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " صاغ لينين موقفا يتبنّاه تماما أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية :
" إن الأممية البروليتارية تتطلّب ، أوّلا ، إخضاع مصالح النضال البروليتاري فى بلد من البلدان لمصالح هذا النضال فى النطاق العالمي ، ثانيا ، كفاءة و إستعداد الأمّة المنتصرة على البرجوازية للإقدام على تحمّل التضحيات الوطنية الكبرى من أجل إسقاط رأس المال العالمي" ( لينين: " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " يونيو – يوليو ( حزيران – تموز) 1920.)
ج – لينين و مفهوم الأممية :
ومن نافل القول أنّه لا يمكن الحديث عن الأممية البروليتارية دون إلقاء نظرة على ما نظّر له لينين و طبّقه عمليّا بالإعتماد طبعا على الإرث الثوري لماركس وإنجلز .
كثيرا ما نبّه لينين إلى مقولة لمؤسسي الماركسية وردت فى " بيان الحزب الشيوعي " و إستخدمها لفضح الإنحرافات الشوفينية - الإشتراكية زمن الحرب العالمية الأولى ، ألا وهي أنّه ليس للبروليتاريا وطن.
وآجيث فى " ضد الأفاكيانية " يذكر مقولتين للينين هما (و لو أنه لا يذكر الثانية كاملة إلاّ فى الهوامش):
1- :" لا يوجد سوى مفهوم أممي حقيقي واحد وهو أن يعمل كل فى بلاده بتفان من أجل تطوير الحركة الثورية و النضال الثوري وأن يدعم (عبر الدعاية و التعاطف و المساعدة المادية ) ذلك النضال ذاته و ذلك الخط نفسه و لا سواه ، فى جميع البلدان بدون إستثناء ".( " مهام البروليتاريا فى ثورتنا "– 1917).
2- " أمّا الإشتراكي ، البروليتاري الثوري ، الأممي ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية ، فى الدعاية لها ، فى تقريبها. هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي] الحقيقي ." ( " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي "- 1918)

وفى حين يقدّم بوب أفاكيان المفهوم الثاني على أنّه الأعمق و الأصحّ من جهة و مكمّل للأوّل من جهة ثانية ، لا يفعل آجيث سوى الدوران فى دائرة مفرغة معلّقا بعد ذكرهما تعليقا عجيبا " " ماذا نستشفّ من هذا ؟ هل علينا أن نستنتج تبعا للمنطق الأفاكياني أنّ المقتبس الثاني مثال ل" لينين يبتعد عن اللينينية " ؟ أم هل أنّه حال الحزب الشيوعي الثوري يحاجج بمشروعية لرؤية " تطوير النضال الثوري فى بلده الخاص " ك " مساهمتنا فى الثورة العالمية " ؟ ". و يداور و يراوغ و يسافر بالكلمات من سياق إلى آخر ثمّ يتجاوز جوهر المسألة و لا يحسم موقفه من مدى صحّة أو خطأ مقولة لينين التى تعتمدها الخلاصة الجديدة للشيوعية و يغلق الملفّ بالإكتفاء برشق أفاكيان بأنّ " مفاهيمه عن الثورة العالمية " ميتافيزيقية " ، و يمرّ إلى معارضة نقده لماو تسى تونغ إلخ .
أهذه معالجة جدّية عميقة و شاملة لجوهر الموضوع ؟ لا مطلقا ، هذه مقاربة لامبدئية بل عملية مراوغة إنتهازية لا غير ؛ إنّها عينة من عيّنة من عيّنات أو نموذج من نماذج الخداع الذى لا يتفق مع الحقائق .
لقد نقّب أفاكيان طويلا فى تراث البروليتاريا العالمية و التجارب الإشتراكية و نقد نقدا رفاقيّا حتى لينين حين أعرب فى مقال " العزّة القومية للروس" عن نزعة قومية خاطئة تذهب ضد المبادئ التى أرساها لينين ذاته ، كما نقد نزعة قومية خاطئة لدي ماو تسى تونغ لرؤية إلحاق الهزيمة بالعدوّ الواحد تلو الآخر و تبعاتها التى مرّت بنا ، غير أنّه دافع وبإستماتة و صرامة عن أنّهما رئيسيّا أمميان عظيمان و عن الروح الثورية الجوهرية لتوجهاتهما الأممية .
و أيضا شخّص بوب أفاكيان الإنحرافات عن الأممية البروليتارية التى شابت فترة الكومنترن وما تلاها . و بكشفه هذه الأخطاء و فهمها و معالجتها شيوعيّا، أعاد إرساء الأممية البروليتارية على أسس علمية و شيوعية ثورية راسخة ( أسس مادية و فلسفية ) .
و ملخّص موقف الخلاصة الجديدة للشيوعية بصدد الأممية ورد فى رسالة غرّة ماي 2012 التى بعث بها الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية :

- الأممية البروليتارية : مفهومان متعارضان : VI"
كان فى قلب الإختلافات المحتدّة داخل الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية العالمية إلى درجة كبيرة ، خطّان مختلفان و متعارضان حول طبيعة الأممية البروليتارية. و هذا يشرح شرحا بالغا الجهود الإنتهازية لبناء " وحدة " القوى الشيوعية عالميّا بتجنّب المسائل الحيوية للخطّ الإيديولوجي و السياسي. و ساعد فهم خاطئ " للأممية البروليتارية " أيضا على شرح التاريخ الذى عرضنا أعلاه ، حينما إعتبر الكثيرون أنّه من الجيّد التذيّل أوّلا لخطّ خاطئ ثم آخر داخل الحركة الشيوعية العالمية ، طالما أن هذا الخطّ يبدو " ماضيا إلى مكان ما ".
إنّ الفهم الأعمق و الأكثر علمية للأممية البروليتارية عنصر محوري فى الخلاصة الجديدة التى يتقدّم بها آفاكيان. فنظرة آفاكيان للأممية البروليتارية مرتبطة إرتباطا وثيقا بفهم الثورة الشيوعية على أنّها فى الأساس سيرورة حدث بأكثر جوهرية على النطاق العالمي. ينسجم فهم آفاكيان فى آن مع التنظير الأصلي لماركس و إنجلز للثورة البروليتارية و يطوّره.
يزخر تاريخ الحركة الشيوعية بتنازع مفاهيم مختلفة للثورة البروليتارية. ففى تفكير لينين ، كانت الأممية البروليتارية مركزية حين واجه مشاكل بداية الثورة البروليتارية فى روسيا القيصرية فى خضمّ الكارثة و الأزمة اللتان نجمتا عن أوّل حرب إمبريالية عالمية. و كان عمل بوب آفاكيان " كسب العالم؟ " عملا محوريّا فى التعمّق فى التعاليم الأساسية لماركس و لينين و نقد التيارات الخاطئة فى التفكير داخل الحركة الشيوعية ، و وضع فهم الأممية البروليتارية على قاعدة علمية أكثر. و كجزء من هذا عالج آفاكيان الإختلاف بين الفهم اللينيني للأممية و فهم الثوري الإيرلندي جون كونولي الذى كان يحاجج بأنّ الأممية هي المساندة أو الدعم الذى تقدّمه ثورة لأخرى ، على عكس فهم لينيني الأكثر علمية و القائل ، بكلماته هو الخاصة ، الثورة فى كلّ بلد يجب أن ننظر إليها ك " إشتراكي أنا فى تحضير للثورة البروليتارية العالمية ، فى الدعاية لها ، فى تقريبها ". (26) . و طوّر آفاكيان ذلك أكثر ، مشدّدا على أنّه بينما يمكن و يجب كقاعدة عامة ، إفتكاك السلطة السياسية أولا فى بلد أو عدّة بلدان ، فإنّ الثورة فى بلد ما تحتاج أن نراها فى إطار سيرورة عالمية واحدة وهو العامل المحدّد أكثر فى إعداد الأرضية التى عليها تتقدّم الثورة.
و رغم التوجه الصحيح و العلمي جوهريّا لماركس و لينين ، فإنّ للنظرة المعارضة تاريخ مديد و جذور عميقة وسط الحركة الشيوعية ، و كانت بوجه خاص متقدة الحماسة خلال فترة قيادة ستالين للإتحاد السوفياتي و الأخطاء الجدّية التى حدثت فى هذا المضمار. و قد شملت ، عمليّا ، التعاطى مع ضرورة الدفاع عن البلد الإشتراكي كشيء مساوي للتقدّم بالثورة العالمية. و بالفعل ، مثلما حلّل آفاكيان ، لفترة زمنية طويلة ، الدفاع ( من طرف الجماهير فى ذلك البلد و الشيوعيين و الجماهير الثورية عبر العالم ) عن الدولة الإشتراكية ، على جوهريته ، مرتبط بالسيرورة العامة للثورة العالمية . و فضلا عن ذلك ، أقرّ آفاكيان بأنّ بعض الإجراءات التى إتخذتها الدولة الإشتراكية للدفاع عن ذاتها فى بيئة معادية تهيمن عليها الإمبريالية ، مثل الحاجة إلى تطبيق التعايش السلمي ، صارت موضوعيّا فى تناقض مع المهمّة الأوسع لتقدّم بالثورة البروليتارية العالمية ، حتى حين كانت هكذا إجراءات صحيحة و ضرورية. وهذا متباين جدّا مع حجة أنّ للدولة الإشتراكية مصالح متماثلة مع مصالح البروليتاريا العالمية ، مثلما كان الفهم سائدا خلال حقبة الكومنترن ( الأممية الشيوعية التى ولدت بُعيد ثورة أكتوبر فى روسيا و تواصل وجودها إلى الحرب العالمية الثانية ).
فى مجال الأممية البروليتارية ، يجب أن نشير إلى أن قطيعة ماو مع ستالين و تجربة بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي كانت غير تامة نسبة إلى القطيعة فى مجالات أخرى. و هذا يمكن رؤيته فى بعض إجراءات السياسة الخارجية موضع السؤال التى إتخذها ماو و المتصلة بالتعامل مع سلسلة من الدول الرجعية فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث ، على غرار نظام ماركوس فى الفليبين ، و شاه إيران و موبوتو الزايير ( الكونغو) إلخ ... و جهود تطوير جبهة متحدة عالمية مع الكتلة التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من البلدان الإمبريالية ضد الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية المصورة على أنّها " الخطر الأساسي"(27).
و بالفعل ، تخلط هذه الصيغة بين مسألتين متباينتين : مرحلة الثورة فى الصين التى تحتاج لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة ، و إيديولوجيا الشيوعيين و توجههم الذى لا يمكن أن يكون " الوطنية ". و كان لصيغة ماو " الوطنية هي تطبيق للأممية " تأثير إلى درجة كبيرة على الحركة الماوية الناشئة حديثا فى الستينات و السبعينات. و أحد الأسباب هو أنّ هذه النظرة تتداخل مع التيارات العفوية التى وجدت ، خاصة و ليس كلّيا فى البلدان حيث الثورة كانت تتطلّب المرور بمرحلة الديمقراطية الجديدة ، و للخلط بين إيديولوجيا القومية و المناهضة لإمبريالية و النظرة الأممية البروليتارية للعالم ، لإنجاز نوع من " دمج الإثنين فى واحد " لهتين النظرتين للعالم المتعارضتين فى النهاية.
فى صفوف الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية العالمية ، وجد قلق و إختلاف و قلّة إرادة الخوض فى التحليل الهام لآفاكيان و رسمه لخطّ تمايز دقيق للتمييز بين القومية و الشيوعية كتوجه للشيوعيين حتى حين يكون من الضروري و الصائب خوض النضال من أجل الديمقراطية الجديدة ، و الصراع حوله .(28) وهذا النوع من النداء للقومية يفسّر أيضا لماذا قد واصلت بعض القوى فى الحركة الأممية الثورية التأكيد على تكرار الخطاب الفارغ عن " الثورة هي التيّار الأساسي " و " أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية تظلّ مراكز إعصار الثورة العالمية " فى الوقت الذى تبيّن فيه حتى الدراسات الأكثر إستعجالا للظروف الفعلية للنضال الثوري فى عالم اليوم أنّ حتى فى أكثر البلدان المستغلة و المضطهدة لا تنهض الثورة فقط بل هي تواجه ذات الأسئلة الجوهرية التى تواجه الحركة الشيوعية العالمية ، مسائل حلّها الصحيح حيوي لإمكانية التقدّم مستقبلا.
نظرة البرجوازية الوطنية :
عبر تاريخ الحركة الشيوعية – و لم تكن الحركة الماوية إستثناءا- وجد مشكل مزمن فى الإخفاق فى التمييز بوضوح بين الشيوعية الثورية والديمقراطية البرجوازية. فلنا الكثير لتعلمه إيجابيا ، مرةّ اخرى ، من المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ضد التحريفيين فى المراحل الأخيرة من الثورة الثقافية إذ خاض الثوريون فى الصين نقاشا وصراعا ثوريين جدا حول ظاهرة أن بعض القوى التى إلتحقت بالحزب خلال مرحلة الثورة الديمقراطية الجديدة ، " تنظيميّا و ليس إيديولوجيا " ، و ربطوا هذا بالظاهرة المشاهدة فى الثورة الإشتراكية ، ظاهرة تحوّل البرجوازيين الديمقراطيين إلى أتباع الطريق الرأسمالي (30). و مع ذلك هذا تطوير هام آخر للماركسية من طرف ماو و أنصاره ، ظلّ إلى حدّ كبير مجهولا من قبل الكثيرين فى الحركة الماوية.
و فى حين أنّ أطروحات ماو حول الديمقراطية الجديدة معروفة على نطاق واسع و عادة ما يستشهد بها ضمن الماويين ، فى الواقع جرت مقاربتها بطريقة دغمائية و شكلية ، دون الصراع الفعلي لفهم ديناميكية العلاقة بين مرحلتي الثورة فى البلدان المضطهَدة ، و تداخل هتين المرحلتين و كيف أنّ هذا يتشكّل بطرق متنوّعة و مختلفة فى العالم المعاصر. و فى نفس الوقت ، يغطى تكرار الصيغ الرتيبة المضمون الفعلي لتقليص الصراع إلى الحقوق الوطنية و الديمقراطية .
لمختلف التيارات السياسية، و فى النهاية مختلف الطبقات ، فهم مختلف لما هي المشاكل الجوهرية للمجتمع ، و تبعا لهذا، لما هي الحلول الجوهرية التى يجب إيجادها. فبالنسبة للبروليتاريا و ممثليها السياسيين ، الشيوعيون الثوريون ، المشاكل الجوهرية التى تحتاج إلى الحلّ هي الإستغلال والإضطهاد والإنقسامات الطبقية عموما ، و كلّ هذا مترابط. و من هنا تأتي الحاجة إلى الثورة البروليتارية العالمية، بما فيها المكوّن الحيوي للثورة الديمقراطية الجديدة. لكن إن تمّ النظر إلى مشكل المجتمع من المصالح الطبقية و النظرة العالمية للبرجوازية الوطنية و ممثليها السياسيين ( بغضّ النظر عن خلفيتهم الطبقية الخاصة أو ظروفهم الإجتماعية ) ، بمعنى إن نظرنا للمشكل كمجتمع فيه الإنتاج السلعي مخنوق و التنافس البرجوازي لا يحدث " بعدل " ، فمن الطبيعي جدّا أنّ الثورة الديمقراطية البرجوازية ستعتبر هي الحلّ.
جامس كونولي أم لينين – أي نوع من المنظمة الأممية ؟ :
بمعنى ما ، فشل الحركة الأممية الثورية فى أخذ موقف صلب وعلمي فى علاقة بالأحداث فى النيبال ، و كذلك الصعوبات الواقعية و المعارضة السابقة لتحمّل موقف مسؤول فى علاقة بصراع الخطّين فى البيرو عقب إيقاف غنزالو ، وثيق الإرتباط بالفهم الخاطئ للأممية التى نحن بصدد نقاشها. فعوض إستيعاب الدور المركزي الإيديولولجي و السياسي للحركة الأممية الثورية والحاجة إليه للمواجهة الجماعية للصعوبات والتحدّيات الجديدة من وجهة نظر شيوعية ثورية ، أرسي منطق مختلف نوعيّا : كان الكثيرون ينظرون إلى الحركة الأممية الثورية على أنّها منظمة لترويج فهم كونولي للأممية ، لتوفير مساعدة ثورة لثورة أخرى – ورجاء لا تتدخّلوا فى نشاطات حزب آخر ، حتى إن كان ذلك الحزب يحطّم الثورة. و غالبا ما شمل هذا الإعتقاد بأنّ الناس على الأرض هم بالضرورة الأقدر على فهم المسائل الخطّية ، وبأنّ الناس خارج البلاد لا يجب أن يتحدّوا ما يقوله الناس على الأرض ، مهما كان الخطّ الذى يدافعون عنه ، أو المنهج الذى يعتمدونه فى محاولة بلوغ الحقيقة.
صلب الحركة الأممية الثورية ، تعايش منذ البداية هذان المفهومان المختلفان للأممية البروليتارية ، هذان المفهومان المختلفان للماركسية – اللينينية – الماوية ، و فى مناسبات إحتد التناقض بينهما. و فى الفهم الذى قاتل من أجله آفاكيان توجها ساعد أيضا و قاد حزبنا ليقدّم مساهمته فى تشكيل الحركة الأممية الثورية و تطويرها. و بيان الحركة الأممية الثورية ، رغم عكسه لبعض مظاهر التسويات ، عكس فى مجمله فهما متقدّما و صحيحا عامة لهذه المسائل. لكن وجد دائما تيار مضاد قوي عبّر عن فهم جامس كونولى للأممية ، وإلى درجة وجود أية قاعدة لهذه الأفكار لدى ماو ، فإنه بني على ما هو فعلا نقاط ضعف فى فهم ماو و ممارسته وليس على نقاط قوّته.
وُجد صلب الحركة الأممية الثورية ، أيضا فهم مشوّه و براغماتي للعلاقة بين الممارسة والحقيقة ووفق هذا الفهم سيترجم التقدّم فى الممارسة آليّا فى تقدّم فى النظرية ، أو أنّ صحّة أو خطإ المواقف النظرية يمكن أن تتحدّد بمعالجة هذه النجاحات ( الحقيقية أو المفترضة ) فى الممارسة. و مثلما رأينا ، كانت الممارسة ذاتها محدّدة تحديدا ضيّقا تقريبا حرفيّا ، على أنّها تعنى فقط الكفاح المسلّح. و إذا تمعنّا فى مشروع " المقترح" الذى بلغنا أخيرا و نحن نكاد ننهي هذه الرسالة ( أنظروا الملحق أدناه ) ، سنلاحظ هذا النوع من الرؤية المعبّر عنها بوضوح تام : " موجة ممكنة من الثورة البروليتارية العالمية تتطوّر و تظهر و نقاطها المرجعية و عمادها الإستراتيجي الحروب الشعبية التى تقودها الأحزاب الماوية. ويعتمد تحقيق هذه الإمكانية فى النهاية على مدى نجاح الأحزاب الماركسية – اللينينية – الماوية فى النهوض بمهامها الثورية على المستوى الوطني و العالمي. لترافد فهمها و تجربتها وتطوير قدراتها على بعث رسالة ثورية موحدة للجماهير المتمردة عبر العالم بأسره أهمية حيوية ". حسب هذه النظرة المفقّرة للأشياء ، المهمّة الأساسية للحركة الثورية العالمية ، هي " ترافد الفهم و التجربة " ما هو الفهم الذى يجب " ترافده "؟ كيف سيتمّ تلخيص التجربة ، مثلا ،" تجربة " الحكومة التى يقودها الماويون فى النيبال ؟ و يمزج ذات مفهوم " ترافد الفهم" " الإثنين فى واحد" ، على غرار براشندا و نظرية "الدمج" . إنه نداء صريح للبراغماتية. ما الذى حدث لأولوية الخطّ السياسي و الإيديولوجي المحوري للغاية لدي ماو؟
و ليس غريبا أن تظهر مثل هذه التيارات الخاطئة السياسية والإيديولوجية داخل الحركة الأممية الثورية. فلهذه المشاكل سوابق فى تاريخ الحركة الماوية ، و فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية بصفة أعمّ ، خاصة و لكن ليس حصرا خلال فترة قيادة ستالين ، و لها قاعدتها المادية فى الإشتراكية ذاتها. و لكن المحزب هو التشبّث العنيد و التأكيد على هذه المقاربات الخاطئة فى الوقت الذى يتوفّر فيه شيء أصحّ. بهذا ، تتخذ الأخطاء الثانوية السابقة فى الفهم بعدا مغايرا تماما. فقد تمكّن آفاكيان من تحديد هذه التيارات الإيديولوجية الخاطئة ونقدها ( بما فيها عناصرها الفلسفية و الإبستيمولوجية و المنهجية ). و هذا جزء حيوي من الخلاصة الجديدة يضع النظرية الشيوعية على أساس أصلب علميا. و بالضبط لأنّ الخلاصة الجديدة تضع إصبعها على هذه الأخطاء العميقة و المتواصلة ، يعتبر البعض هذه الأخطاء جدّ مركزية بالنسبة لفهمهم ل" ماوية " و يشعرون بالحاجة إلى إحداث قفزة فى تهمهم الفظيعة ب " معادى للثورة ".
مثلها مثل القومية والتنازلات القومية التى ناقشنا فى ما مرّ بنا ، تشمل الأمراض الإيديولوجية و المنهجية الأخرى المرتبطة بها التحريفية و البراغماتية ، و الآداتية و التطبيق السياسي للسياسة الواقعية ( تحليل وتقييم التطورات السياسية ليس على أساس المبادئ الشيوعية الثورية ، و بمنهج علمي ، و إنّما من الأفق البراغماتي الضيق لكيف أنّ قرارا أو ممارسة سياسية تستطيع على المدى القصير ، أن تؤتي ثمارا مفيدة ).
لقد وصف آفاكيان التفكير الآداتي كمقاربة حيث "الخاتمة مرتبطة حشوا فى الكلام بالمقدّمة الأولى ". و بكلمات أخرى ، تقف ل" تأوّل " – و تنتهى إلى الرضوخ إلى– الواقع على نحو يجعله " مفيدا " للأهداف التى لديك...إنّه نوع من المقاربة الدائرية من قبيل الحشو فى الكلام تنطلق فيها من أهداف معينة أو مقدمات معينة ثمّ تأوّل الواقع ليكون إثباتا لهذه الأهداف أو المقدمات ، عوض أن يبحث الواقع موضوعيّا و علميّا ، و أن يحلّل و يلخّص ، و من خلال مدّ و جزر بين النظرية و الممارسة ، يبلغ تقييم أعمق للواقع و قدرة أشدّ على تغييره " ( 31).
( إنتهى المقتطف من كتاب شادي الشماوي " الماوية تنقسم إلى إثنين " ، على موقع الحوار المتمدّن).
و عندما جادلت الحزب الشيوعي (الماوي ) الأفغاني ، وضحت المنظّمة الشيوعية الثورية – المكسيك فى وثيقتها " الخلاصة الجديدة للشيوعية و بقايا الماضي " ، فى فقرة " الأممية أم القومية ؟ " البون الشاسع بين النظرة الأممية و النظرة القومية :

"13- القومية أم الأممية ؟
فى ثنايا هذا المقال أشرنا إلى عديد المظاهر المشتركة و المتقاسمة بين النزعات الدغمائية و النزعات الديمقراطية البرجوازية بأكثر سفور المعارضة للخلاصة الجديدة : يرفضون الضرورة الملحّة للتلخيص العلمي لتجارب الإشتراكية و المرحلة السابقة من الثورة الشيوعية عموما و يتجاهلون أية نظرة جدّية لنظرية ماو حول مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، و يقلّصون " الماوية " إلى مجرّد وصفة للنضال المسلّح و يتخبّطون فى نموذج أو آخر من الماضي ويطبقون المنهج البراغماتي والأداتي.
و قاسم مشترك آخر هو القومية. مثلما سبق أن أشرنا ، إضافة إلى البراغماتية ، فى الماضي و حاضرا، القومية هي المصدر الآخر للإمتناع عن الخوض فى مشاكل الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية و هذه ميزة من ميزات هذه النزعات . فى البلدان المضطهَدة بصورة خاصّة ، بيّنت الممارسة أن نوعان من الثورات و الحركات الثورية ممكنان إلى الآن فى مرحلة الإمبريالية : ثورات و حركات ثورية لا تخرج عن النظام الرأسمالي العالمي ( ثورات ديمقراطية - برجوازية من النوع القديم حتى نستعمل كلمات ماو) و ثورة الديمقراطية الجديدة التى تقطع مع النظام الرأسمالي - الإمبريالي العالمي ، و تؤدّى إلى الإنتقال الإشتراكي وهي جزء من الثورة الشيوعية العالمية. و مثلما هو معلوم ، كانت الثورة الصينية مثالا عن النموذج الثاني . و لو أنّها مختلفة فيما بينها ، فإنّ الثورات فى الفتنام و كوبا ونيكاراغوا أنتجت ثورات من النوع الأوّل ، ثورات شعبية عادلة كان يجب مساندتها فى حينها ، لكنّها لم تخرج عن إطار النظام الرأسمالي- الإمبريالي العالمي و لهذا فى النهاية لم يتوصّلوا إلى تحرير البلاد من الهيمنة الإمبريالية ، و أقلّ من ذلك إلى الشروع فى الإنتقال الإشتراكي نحو الشيوعية.
ما يميّز نموذجا عن آخر ، مثلما تجسّد ذلك الأمثلة المذكورة ، ليس أنّ القوى القيادية تقول عن نفسها بأنّها شيوعية أم لا ، بل إنّها بالفعل تقود هذه المرحلة الأولى من الثورة كجزء لا يتجزّأ من الثورة الشيوعية و هدفها القضاء على الكل الأربعة فى كامل كوكب الأرض .خطّ لا يفرّق بين رأسمالية الدولة و الإشتراكية، بين التحريفية و الشيوعية الثورية ، خطّ يعتبر أنّ مشاكل الإنتقال إلى الشيوعية يمكن أن تأجّل إلى ما بعد إفتكاك السلطة ، سينتهى إلى التحريفية التى تجهض الثورة البروليتارية ، على غرار ما حدث فى الفيتنام . إذا لم يقع الخوض فى الإنتقال التاريخي- العالمي من النظام الرأسمالي- الإمبريالي العالمي إلى الشيوعية عالميّا ، لا يتمّ تجاوز موقف قومي ثوري يقلّص هدف تحقيق تحرير " بلادى" كغاية فى حدّ ذاتها. ( لسخرية الأقدار ، فى مرحلة الإمبريالية حيث هذا غير ممكن.)
هذا هو المشكل ( علاوة على البراغماتية و الأداتية ) مع كلّ الضجّة التى يحدثها منظّمو المنظّمة العالمية الجديدة حول" حرب الشعب " منعزلة عن معالجة مشاكل الإنتقال الإشتراكي و معوّضة لها. بصراحة ، مثلما بيّنت بأكثر مما فيه الكفاية عديد القوى البرجوازية و التحريفية ، فإنّ النضال المسلّح المنعزل عن هدف الشيوعية أو المتعارض معه ليس حربا شعبية و فى نهاية المطاف لن يحرّر أحدا.
و هذا أيضا هو مشكل صيغة الحزب الشيوعي البيروفي و آخرون بأن ّ " الجوهري فى الماوية هو السلطة " ( 80) ( " أسس للنقاش " ، الصفحة 313) . و من الأكيد تماما أنّ ما عدا السلطة كلّ شيء وهم " و كما يقول آفاكيان " من الصحيح أن نرغب فى سلطة الدولة . من الضروري أن نرغب فى سلطة الدولة . سلطة الدولة شيء جيّد - شيء ممتاز- بأيدى الناس الذين يستحقون ذلك ، بأيدى الطبقة التى تستحقّ ذلك ، خدمة للأهداف التى تستحقّ ذلك : تخطّى الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة الإجتماعية و تشكيل عالم ، عالم شيوعي ، يمكن فيه للبشر أن يتطوّروا أكثر و بصورة أفضل من أي زمن مضى" (81) ( 81- " الأساسي من خطابات و كتبات بوب أفاكيان " ، الصفحة 43).
و مع ذلك ، لو جرى إفتكاك السلطة على أنّه جوهر " الماوية " ( و أكثر من ذلك ، إذا إرتأينا كافة علم الشيوعية على أنّه " رئيسيّا الماوية " ، فى صيغة أخرى خاطئة للحزب الشيوعي البيروفي ) لن تنكر فقط أكبر مساهمة لماو و نقصد نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، و إنّما أيضا سيؤدّى ذلك إلى إحلال الهدف النهائي للنضال على أنّه إفتكاك السلطة و ممارستها محلّ الشيوعية حيث لن توجد سلطة دولة ، ما يعكس موضوعيّا ، و بوجه خاص فى البلدان المضطهَدة إنحرافا نحو القومية الثورية يرى ضرورة قتال الإمبريالية لكنّه لا يرى ضرورة بلوغ إلغاء الطبقات (82) ( 82- ويتعيّن توضيح أنّ البروليتاريا يمكن و يجب أن تتحد مع القوى التى تمثّل القومية الثورية دون الإنحراف عن إيديولوجيا البروليتاري الأممية نحو القومية ، وهو أمر معقّد و عسير لكنّه ضروري لتحقيق إنتصار ثورة الديمقراطية الجديدة و القطع مع النظام الرأسمالي- الإمبريالي العالمي و الشروع فى الإنتقال الإشتراكي نحو الشيوعية معا مع تقدّم الثورة الشيوعية فى العالم . )
يتهم الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني " الخلاصة الجديدة لآفاكيان" و الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ب " النظرة القومية الضيقة و بالتعالي " لأنّه نشر " بيانه " الملخّص لوجهة نظره فى ما يتعلّق بأسس الشيوعية و الخلاصة الجديدة و تحليل صراع الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية ، عوض الإكتفاء بالحديث عن الحركة الأممية الثورية و عن " بيانها " فى وضع وصفه الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني ذاته و آخرون ب" أزمة و تداعي " الحركة الأممية الثورية ؛ و لعدم تخصيصه أكثر صفحات للحركة الأممية الثورية فى بيانه.( 83) ( 83- " موقفنا "، الصفحة 40 -41 ) ." النظرة القومية الضيقة " تناسب أكثر الذين فى مواجهة إقتراح كيفية مزيد التقدّم و بصورة أفضل بالثورة الشيوعية المقدّمة للنقاش و التعليق لا يردّون على مضمونه و إنّما يجدون فى عملية إنجاز إقتراح و تقديمه للنقاش عملية " تعالي" و هيمنة و " إستهانة كلية .. بوجود و بجهود الحركة الأممية الثورية " إلخ . إن كنّا نبحث عن تحرير الإنسانية و نفهم أنّ هذا يتطلّب معرفة العالم كما هو حقّا ، يجب أن نرحّب كلّ الترحيب ة بأي إقتراح جدّيو نستفيد منه كلّ الإستفاد. و إن كان المرء غارقا فى الماضي ، فى الدغمائية و القومية ، يجد فى مجرّد تقديم إقتراح يتناقض مع هذه الدغمائية عملا " متعاليا ".
بعيدا عن " النظرية القومية الضيقة " ، قد أسّست الخلاصة الجديدة للرفيق آفاكيان حتى أكثر القاعدة المادية و الفلسفية للأممية بتحليل " لماذا فى النهاية و بمعنى شامل ، المجال العالمي هو الأكثر حيوية ، حتى بمعنى ثورة فى أي بلد معيّن -لا سيما فى هذا العصرالرأسمالي- الإمبريالي كنظام إستغلال عالمي، و كيف أنّ هذا الفهم يجب أن يدمج فى نظرة الثورة فى بلدان معينة و كذلك على النطاق العالمي"( 84) (84- بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ) ، عند نقد الإنحرافات القومية فى ربط الثورة العالمية بالدفاع عن البلد الإشتراكي و فى التأكيد على أنّ الأممية ليست شيئا تنشره بروليتاريا بلد معيّن إلى بلد آخر بل هي جزء ، حسب كلمات لينين من " مساهمتى فى الإعداد للثورة البروليتارية العالمية و الدعاية لها و التسريع فيها ".
فيما تتمثّل الأممية و فيما تتمثّل القومية ؟ هل هي تخصيص الموارد و القوى اللازمة مثلما قام بذلك الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، لدفع عملية إنشاء الحركة الأممية الثورية و تطويرها أم هي البقاء على الهامش ثمّ إطلاق تهم " الهيمنة " ؟ إزاء إيقاف غنزالو ، شنّ حملة " رجّ الأرض و السماء للدفاع عن حياة الرئيس غنزالو" و إزاء مقترح " إتفاق السلام بعد ذلك بسنة ، النضال من أجل النهوض بالواجب الأممي للحركة الأممية الثورية فى تحليل الوضع و صراع الخطّين للتوصّل إلى إستنتاجات علمية أم التأكيد على أنّ مثل هذا التحليل موضوع يخصّ فقط البيروفيين و/ أو التشبّث ب " الحقيقة السياسية " بأنّ غنزالو لم تكن له علاقة بالخطّ الإنتهازي المتجسّد فى آسومير و وثائق أخرى رغم البراهين المراكمة ضد ذلك؟ هل يتمثّل فى تطوير نقد شيوعي للخطّ الإنتهازي فى البيرو أم فى التذيّل للموقف السطحي للتنديد به على أنّه " خدعة " و تحديد النقد فى نعوت مثل " تقيّؤ أسود" ما جعل الحزب الشيوعي البيروفي و الجماهير تفتقر إلى تحليل علمي للوضع الصعب و كيفية مواجهته ؟ تتمثّل فى نقد قائم على المبادئ و المحاججة المنطقية للمنعرج التحريفي لخطّ الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) منذ بداية تبنّيه أم فى عدم تبنّى موقف واضح مبدئي بهذا المضمار ؟ تتمثّل فى التأكيد على النقاش للتوصّل إلى تلخيص علمي لدروس التجارب الهامة لحرب الشعب فى البيرو و فى النيبال أم فى القفز إلى تشجيع هذا النضال أو ذاك وفق حسابات ضيقة لفوائد السمعة و " القوّة المادية " دون إنجاز أي تلخيص علمي أبدا ؟ و فى الأخير ، دليل على التوجّه الأممي الصلب لآفاكيان أنّه لم يعترف فقط بضرورة مزيد تطوير النظرية الشيوعية من أجل التقدّم بالثورة الشيوعية فى هذه المرحلة الجديدة ، و لم يدعو فقط مرارا و تكرارا إلى أن يساهم الآخرون فى الجهد ذاته ، بل إنّه لم يتذبذب و لم يضحّى بهذه الضرورات للنضال التحرّري ، و مسبّقا المصالح الضيقة لمجموعة للحفاظ على " علاقات جيدة " صلب الحركة الأممية الثورية ، فى حين كرّس الآخرون أنفسهم لمهاجمته بطريقة هوجاء و شخصيّا موضّحين أنّهم لن يقبلوا حتى بنقاش هذه المسائل . "
( إنتهى المقتطف – المصدر السابق )
وممّا تقدّم نستشف حقيقة أن من شوّه الأممية البروليتارية هو آجيث و أمثاله و من رفع و يرفع رايتها هم أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، و نكشف حجم الكارثة التى تحلّ بالحركة الشيوعية العالمية لو إنتهجت خطّ آجيث الذى لا يتوخّى قواعدا أممية بروليتارية سليمة .


10 - تكتيك الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية صحيح أم خاطئ؟
فى فقرته الخاصة بالجبهة المتحدة ضد الفاشية ( هو لا يذكر أنّها عالمية ) ، شنّ صاحب " ضد الأفاكيانية " هجوما قويّا على عدّة مستويات تستحق منّا الردّ :
أ- التمييز بين الفاشية البرجوازية والديمقراطية البرجوازية ، هل يعنى وجود إمبريالية عدوانية و إمبريالية غير عدوانية ؟
كتب ناقد الخلاصة الجديدة للشيوعية فى الفقرة التى عنونها " نقد صبياني لتكتيك الجبهة المتحدة " : " أنكر [ الحزب الشيوعي الثوري ] دلالة و أهمية التمييز بين الفاشية و الديمقراطية البرجوازية . لقد أنكر ضرورة النضال من أجل تشكيل جبهة متّحدة تكتيكية ضد الفاشية ".
بادء ذى بدء دعونا نجلي الأمر بكلمات بسيطة من وجهة نظر علم الشيوعية . ينبغى الحديث عن الفاشية البرجوازية مثلما نتحدّث عن الديمقراطية البرجوازية أي يجب ربط شكل الحكم بالطبقة التى تمارسه ليكون ملموسا ، بعيدا عن التجريد و التعميم و الزئبقية . و بطبيعة الحال دولة البرجوازية تحكم بأشكال مختلفة وفق ما تراه صالحا فى فترة معيّنة وهي تراوح بين الفاشية و الديمقراطية و إن كانت تستعمل غالبا فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية الشكل الديمقراطي، فإن فى أشباه المستعمرات و المستعمرات غالبا ما تلجأ الطبقات الحاكمة إلى الشكل الفاشي للحكم لأسباب يطول شرحها و ليس هذا مجالها . و إذن الفاشية و الديمقراطية شكلان من أشكال الحكم البرجوازي الرأسمالي – الإمبريالي . و بالنسبة للبروليتاريا ، لينينيّا حسب " الدولة و الثورة " ، ينبغى الإطاحة بدولة البرجوازية أكان حكمها فاشيّا أم ديمقراطيّا . و قد قال لينين إن الإمبريالية هي الحرب و نادى بالإنهزامية الثورية و تحويل الحروب بين الإمبرياليات إلى حروب أهلية و إفتكاك سلطة الدولة من أجل البروليتاريا و تحطيم الدولة القديمة وبناء دولة جديدة . هذه هي السياسة اللينينية الثورية .
أمّا من صاغ كلام الإستشهاد أعلاه فلم ينبس ببنت شفة عن " دلالة و أهمية هذا التمييز" وهو موضوعيّا واجب و لكنّه لا يغيّر من طبيعة الدولة البرجوازية الإمبريالية شيئا و كذلك لم ينبس ببنت شفة عن لماذا ينبغى تشكيل جبهة متحدة تكتيكية عالمية ضد الفاشية فى تضارب واضح مع اللينينية ، و إنّما إعتبر ذلك من التحصيل الحاصل نظرا لكون الماويين عادة ما يستعملون مصطلح الجبهة المتحدة و نظرا لأنّ ماو قد أقام جبهة متحدة مع الكيومنتانغ فى حرب المقاومة ضد اليابان. و لكن هناك بون شاسع بين الجبهة المتحدة فى الصين تحديدا خلال الثورة الديمقراطية الجديدة و الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية كما نظّر لها و طبقها الكيومنترن بقيادة ستالين و ديمتروف.
وجدير بالتذكير هنا أنّ ماوتسي تونغ رفض عمليّا تطبيق تبعات سياسة الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية مثلما إرتآها و طبقها الكيومنترن و ستالين و ديمتروف ، و كان على صواب فى ذلك و لو لم يقطع معها لما حقّقت الثورة الصينية الظفر فى 1949 ذلك أنّه من ركائز هذا التكتيك أن يستسلم الشيوعيون للبرجوازية الديمقراطية بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمعنى تأجيل الثورة البروليتارية – الإشتراكية والإكتفاء بالتذيّل للبرجوازية من أجل دولة جمهورية ديمقراطية برجوازية لا غير ، و بمعنى تأجيل التحرّر الوطني الديمقراطي فى المستعمرات و أشباه المستعمرات التى تسيطر عليها القوى الإمبريالية الديمقراطيية . و قد طلب ستالين و الكيومنترن من الحزب الشيوعي الصيني أن يلتحق بحكومة تشان كاي تشاك و يشارك فيها مقابل إيقاف الحرب الأهلية و وضع الجيش الأحمر تحت تصرّف عميل الإمبريالية الأمريكية تشان كاي تشاك أو حلّه كلّيا . و لحسن الحظّ البروليتاريا العالمية و الحركة الشيوعية العالمية أن ماو تسي تونغ و الحزب الشيوعي الصيني رفضا ذلك و واصلا الحرب الأهلية و تحقّق لهما النصر . و من هنا نلاحظ أنّ القائد الهندي يعيد عقارب التاريخ إلى الوراء و بدفاعه عن هذا التكتيك الخاطئ يدين ماو تسى تونغ و تاريخ الثورة الصينية الماوية برمته .
ثمّ نعيدها إنّ التمييز بين الفاشية البرجوازية و الديمقراطية البرجوازية بغاية التحالف العالمي مع مجموعة من القوى الإمبريالية ضد مجموعة أخرى مخالف بجلاء لتعاليم اللينينية و يقفل الآفاق التى تتطلّع إليها الثورة البروليتارية العالمية . و إعتبار ديمتروف ، فى المؤتمر السابع للكومنترن ، فى خطابه عن الجبهة المتحدة ضد الفاشية أن قوى الديمقراطية البرجوازية مسالمة و محبّة للسلام و التقدّم من أفدح الإنحرافات اليمينية التى قدّمت أجلّ الخدمات للإمبريالية العالمية و داست اللينينية وفهمها أنّ الإمبريالية هي الحرب فى كتاب " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ". الإمبريالية هي الحرب هذا ما عبّر عنه لينين بعمق و وضوح ، الإمبريالية بحكمها الفاشي أو بحكمها الديمقراطي هي الحرب و لا يهمّ من أطلق النار أوّلا كما قال لينين . و الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية حرب إمبريالية لتقسيم و إعادة تقسيم العالم ولئن تجمعت فيها الكتل الإمبريالية بشكل ما فلن يغيّر هذا الشكل من طبيعة الحرب الإمبريالية كما لن يغيّر شكل الفاشية أو الديمقراطية من طبيعة الإمبريالية و سعيها فاشية كانت أم ديمقراطية وراء تحقيق مصالحها الإمبريالية .
و صراحة إن تحالف الإتحاد السوفياتي تحالفا تكتيكيّا محدودا يخصّه هو دون غيره من البلدان و أحزاب الحركة الشيوعية العالمية لكان الأمر هيّنا أو مقبولا حسب الظروف و لكنّه جعل من ذلك التكتيك عالميّا فأخطأ أيما خطإ فى حق الثورة البروليتارية العالمية .
إنّ تكتيك الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية يحتلّ حيّزا كبيرا فى وعي آجيث و لا وعيه تكتيك إنتهازي يميني ، إنحراف يميني يضرب اللينينية فى الصميم وهو من التكتيكات التى إبتلعت الإستراتيجيا و أجّلت النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا . فعوض سلوك خطّ الإنهزامية الثورية و تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية و إفتكاك السلطة لأجل البروليتاريا ،على غرار ما فعلت ثورة أكتوبر العظيمة ، كان أتباع الخطّ الإنتهازي اليميني لهذا التكتيك يدافعون فى آخر التحليل عن الإمبريالية و دولها الديمقراطية . فكانت النتيجة فى فرنسا و إيطاليا و غيرها من البلدان الإمبريالية كارثية ؛ إستسلام البروليتاريا للبرجوازية الإمبريالية ، و كانت النتيجة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات التى تهيمن عليها الإمبريالية " الديمقراطية " إسكات صوت حركات التحرّر أو سحقها بتعلّة أنّ العدوّ الرئيسي هو الفاشية و بالتالي ضرورة تأجيل أية نضالات ضد الدول الإمبريالية الديمقراطية وتوجيه كافة الجهود ضد الفاشية البرجوازية لا غير . و كان الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسى تونغ الإستثناء البارز الذى يدينه بصفة غير مباشرة أنصار ذلك التكتيك اليميني .
و عندئذ نلمس أن آجيث و أشياعه و أضرابه و من هم على شاكلته يدافعون بجلاء عن خطإ شخّصه أفاكيان ونقده من منظور لينيني . إنّهم يدافعون بأتمّ شكل و أوضحه عن التذيّل للبرجوازية الإمبريالية بإسم " الديمقراطية " ومعاداة الفاشية .
و يتحمّل دمتروف والكومنترن وستالين ذاته مسؤولية هذا الخطإ الفادح خاصة وأنّ ستالين نفسه فى " أسس اللينينية " لخّص بصيغة صائبة الجبهة المتحدة العالمية المطلوبة على أنّها جبهة عالمية ضد الإمبريالية ككلّ و ليس ضد هذا الشقّ أو ذاك منها . و قد سجّل فى الفصل الثالث المخصّص للنظرية : " إستنتاجا ثالثا : حتمية الحروب فى عهد الإمبريالية وحتمية تكتّل الثورة البروليتارية فى أوروبا مع ثورة المستعمرات فى الشرق ، فتؤلّف الإثنتان جبهة الثورة الموحّد العالمية ضد جبهة الإمبريالية العالمية . " ( ستالين ، " اسس اللينينية ، حول مسائل اللينينية " دار الينابيع للنشر والتوزيع ، دمشق ، سوريا 1992 ص 35 ؛ مع ملاحظة أنّ فى ذاك الكتاب يستعمل المترجم كلمة " إستعمار " عوض " إمبريالية " ).
بدلا من تشكيل هذه الجبهة العالمية الثورية حقّا ضد الإمبريالية العالمية ، خانت البروليتاريا فى أوروبا ثورة المستعمرات و تحالفت مع جزء من الإمبريالية العالمية فكانت النتائج وخيمة !
ب - بماذا يُفسّر هذا الإنحراف اليميني المناهض للينينية ؟
من حقّ القرّاء أن يتساءلوا لماذا إقترف ستالين عينه و قد فهم حقّ الفهم أسس اللينينية و مبادئها ، هذا الخطإ الفادح ؟ و الجواب يكمن فى تقديم مصالح الإتحاد السوقياتي على حساب مصالح الحركة الشيوعية العالمية . و نسارع إلى الشرح فنقول لقد ذهب ستالين إلى أنّه لا مناص للإتحاد السوفياتي من عقد تحالف مع بعض القوى الإمبريالية ضد الفاشية أي قوى إمبريالية أخرى بهدف إنقاذ الإتحاد السوفياتي . و لو وضع الأمر كذلك صراحة و حدّده فى تحالف تكتيكي لا يشمل سوى الإتحاد السوفياتي لكان الأمر هيّنا و لما تسبّب فى اللخبطة و الإنحراف الإنتهازي اليميني على المستوى العالمي . فمن الوارد فى منطقة ما من العالم و فى ظرف ما عقد تحالفات مع عدوّ ما ضد آخر دون إلحاق الضرر بالثورة البروليتارية العالمية لكن هذا لا يمكن أن نسحبه على النطاق العالمي حيث العدوّ واحد و ليس إلاّ الإمبريالية العالمية .
و نزيد شرحا : إن إكتفى الإتحاد السوفياتي بتحالف تكتيكي ما مع هذه القوّة الإمبريالية أو تلك دون أن يُلزم كافة الحركة الشيوعية العالمية بجبهة ضد الفاشية البرجوازية عوضا عن أن يدعوها إلى تشكيل جبهة عالمية ضد الإمبريالية لكان أطلق العنان للبروليتاريا العالمية لتطبّق الإنهزامية الثورية و النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا و الإطاحة بالإمبريالية فاشية كانت أم ديمقراطية فى بلدان أوروبا و أمريكا الشمالية واليابان و من أجل الثورة الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . بيد أنّ الكومنترن فرض هذا التكتيك عالميّا فأوقع الحركة الشيوعية العالمية فى الأسر و دفع بها دفعا نحو الإصلاحية .
و مستمرّا فى محاولة هدم الصرح الذى شّيده بوب أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري ، فى ذات فقرة " نقد صبياني لتكتيك الجبهة المتحدة ضد الفاشية " ، قال مناهض الخلاصة الجديدة للشيوعية :
" فى الأساس ، نقد [ أفاكيان ] نقدا صحيحا الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة ستالين لفرضه مصالح الإتحاد السوفياتي على حساب مصالح الحركة الشيوعية العالمية " ، ولا يمكن أن نصدّق أنّه لم يدرك أن تكتيك الجبهة المتحدة ضد الفاشية هو أحد تطبيقات خطّ تقديم مصالح الدولة السوفياتية على حساب الثورة البروليتارية العالمية.
و لا يمكن أن نصدّق أنّه لم ينتبه إلى أنّ هذا الإنحراف اليميني ( الذى أتى بعد إنحراف يساري فكّكه على أفضل وجه أفاكيان فى " التقدّم بالحركة الثورة العالمية ..." ) مرتبط وثيق الإرتباط أيضا بفهم مغلوط للأممية البروليتارية زاغ عن الفهم اللينيني الحقّ لها أي عدم المسك بأولوية الثورة العالمية نسبة للحفاظ على ثورة ما و دولة ما مثلما فصّلنا قبلا .
ت - نقد ماو و " نظرية العوالم الثلاثة " :
و كالعادة لا يدع القائد الهندي فرصة تمرّ دون النيل من أفاكيان والتشكيك فى صحّة نقده لمظاهر ثانوية فى تنظيرات ماو و سياساته على رأس الحزب الشيوعي الصيني . وبهذه المناسبة ينطّق آجيث قائد الحزب الأمريكي بما لم ينطق به أبدا فيجعله ينبذ شكليّا نظرية " العوالم الثلاثة " ويقبلها جوهريّا لأنّه ينقد نزعة لدى ماو فى بدايات سبعينات القرن العشرين خاصة إلى البحث عن تحالف ما مع الإمبريالية الأمريكية ضد الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية التى كانت تعدّ لهجوم عسكري على الصين و تهدّد به بأعلى صوتها .
و فعلا هذا أمر لا يخفى على المطلعين على تاريخ الحركة الشيوعية العالمية فماو إستقبل نكسون و إستقبلت الصين قادة آخرين لبلدان رجعية و كلّ ذلك يندرج ضمن بحث عن جبهة ما ضد الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية . و لكن على خلاف الإنتهازيين اليمينيين من دنك سياو بينغ إلى " الوسطي " شو آن لاي الذين كانوا يرغبون فى الإستسلام للإمبريالية الغربية ، و لين بياو الذى كان يدعو إلى الإستسلام للإمبريالية الإشتراكية السوفياتية ، كان ماو و القيادات الماوية الثورية الأخرى يسعون إلى إيجاد تحالف ما دون الإستسلام للإمبريالية الأمريكية . غير أنّهم إقترفوا أخطاءا بترحيبهم بمبعوثي طغاة عملاء الإمبريالية من الشيلي و إيران و حتى وصف الصحافة الصينية لهم بنعوت إيجابية غير صحيحة بلغت المديح أحيانا و بذلك أخطؤوا فى حقّ شعوب الشيلي و إيران و بروليتارييها و حق الحركة الشيوعية العالمية و صورة الصين الثورية عالميّا.
و قد سبق أن أخطؤوا أيضا فى "رسالة ال25 نقطة " أي " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية " أين دعوا الشيوعيين فى البلدان الإمبريالية من الدرجة الثانية ( وهنا بداية التقسيم الذى طوّره التحريفيون بصورة فجّة و بنوا عليه نظرية العوالم الثلاثة ) التى سيطلق عليها دنك سياو بينغ فى ما بعد " العالم الثاني " ، أن يرفعوا راية الوطنية ضد تدخل الإمبريالية الأمريكية فى بلدانهم . و هذا إنحراف و نزعة قومية أضرّت بالحركة الشيوعية التى رفعت هذه الراية البرجوازية فى العديد من بلدان أوروبا فتحالفت مع برجوازيتها عوض القيام بالثورة الإشتراكية.
فى كلتا الحالتين ، سقط ماو تسى تونغ ، دون أن يستسلم للإمبريالية ، فى خطإ تقديم مصالح الدولة الصينية على حساب الحركة الشيوعية العالمية و تكرّر خطإ الجبهة المتحدة ضد الفاشية بسعيه لتوسيع تحالفات جزئية و سحبها على العالم بأكمله.
و التحريفيون الصينيون ، البرجوازية الجديدة ، و على رأسهم دنك سياو بينغ و عقب الإنقلاب على الدولة الإشتراكية و إعادة تركيزالرأسمالية فى الصين مضوا بعيدا ليصوغوا نظرية العوالم الثلاثة و يستسلموا للإمبريالية و يدعوا من خلال تلك النظرية البروليتاريين إلى الإستسلام إلى الإمبريالية و الرجعية كلّ فى بلده .
كان الحزب الشيوعي الثوري من أوضح الأحزاب فى إدانة نظرية العوالم الثلاثة الإستسلامية و دافع بمبدئية عن ماو تسى تونغ و لكنّه قام بواجب نقد نزعة ثانوية لدى ماو تسى تونغ فى سياق تلخيص أخطاء الحركة الشيوعية العالمية قصد إنجاز ما أفضل مستقبلا و رفع و لا يزال يرفع عاليا راية ماو تسى تونغ الثورية و مارس و لا يزال يمارس النقد و النقد الذاتي اللذان أوصى بهما ماو ذاته و لينين من قبله .
3- البراغماتية و الأداتية :
كشفت لنا الفقرة المخصّصة " للإجتماع الخاص و رسالة الحزب الشيوعي الثوري " ، البراغماتية التى تعامل بها قائد حزب نكسلباري مع ما سمّاها " الكتلة الحمراء " فى صفوف الحزب الشيوعي النيبالي الماوي ( الموحّد ) حيث فى الوقت الذى كان ينبغى فيه فضح تحريفية هذا الحزب عالميّا كما فعل مبدئيّا الحزب الشيوعي الثوري منذ 2006 ، قَبل آجيث و أشياعه فى 2011 بأن تمضي هذه الكتلة بإسم ذلك الحزب بيانا مشتركا بين عدّة أحزاب ، طمعا فى إلحاق هذه الكتلة التى ستشكّل حزبا منفصلا فى جوان2012 بمجموعة الأحزاب المتجمّعة حول الحزب الهندي و الحزب الإيطالي و الحزب الأفغاني .
و حتى هذه المساعي البراغماتية النفعية غير المبدئية قد باءت بالفشل فمنذ تأسيس هذه الكتلة فى جوان 2012 للحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ، أعلنت أنّها لا توافق على خطّ تلك المجموعة من الأحزاب و أنّها تتباين معها فى تقييم الحركة الأممية الثورية .
و لا يزال آجيث يلهث وراء هذا الحزب لتوظيفه فى الصراع العالمي رغم أنّ الحزب الأفغاني أصدر موقفا يدين فيه الحزب النيبالي الجديد لمواصلته ذات خطّ حزب براشندا التحريفي و تنصله من حرب الشعب إلخ . و يعرب مقال الحزب الشيوعي ( الماوي ) الأفغاني المعنون ب " تحليل مقتضب موثّق للحزب الشيوعي النيبالي – الماوي " عن أنّ التفاؤل بقطع هذا الحزب مع التحريفية تبيّن غير مستند على أساس صلب و عن أنّ هذا الحزب الجديد يعيد تكريس الخطّ التحريفي للحزب الشيوعي النيبالي الماوي (الموحدّ ) بأشكال و طرق جديدة. و جاءت الفقرات الخمس القصيرة تنقد الإنحرافات فى الوثائق المعدّة للمؤتمر الذى عقد فى جوان 2012 : المطالبة بجمهورية شعبية فيدرالية قبل الجمهورية الديمقراطية الجديدة ؛ تبنّى " الإنتفاضة الشعبية " و رفض الإنطلاق من جديد فى حرب الشعب و مواصلتها كحرب شعبية طويلة الأمد ؛ تبنّى دمج جيش التحرير الشعبي ضمن الجيش النيبالي ؛ تبنى سيرورة السلم فى النيبال ؛ و إنحراف فى التوجّه العالمي. ( و طبعا تجدون هذه الوثيقة بموقع الحزب الأفغاني على الأنترنت :
)www.sholajawid.org
و لأجل أن ينال من الحزب الشيوعي الثوري و قائده ، يصوّر كاتب " ضد الأفاكيانية " هذا الحزب على أنّه " يقوّضها [ الحروب الشعبية ] بإستمرار بتصفويته التى تبثّ الشكّ فى القاعدة الإيديولوجية لهذه الحركات الثورية و فى النهاية يعمل على عزلها عن الجماهير الثورية ".
هذه الصورة المختلقة المبتدعة و التى لا تعكس الواقع الموضوعي يستعملها القائد الهندي أداة لتشويه سمعة الحزب الأمريكي التشنيع عليه و الحال أنّ هذه الحروب الشعبية بدأت بقاعدة إيديولوجية ماركسية – لينينية – فكر ماوتسى تونغ ( فى الفليبين و الهند و البيرو ) ثمّ بفضل الوضع العالمي الذى لمسه التغيير و الصراع العالمي على وجه الخصوص ( و لا ننسى أنّ الحزب الشيوعي الثوري تبنّى الماركسية – اللينينية – الماوية منذ 1988 ، قبل 5 سنوات من تبنّى الحركة الأممية الثورية لها و ما إستدعاه ذلك من صراع ) تطوّرت إلى ماركسية – لينينية – ماوية و واصل الحزب الشيوعي البيروفي إدخال تعديلات على هذه القاعدة الإيديولوجية لتصبح بالنسبة إليه الماركسية – اللينينية – الماوية ، رئيسيّا الماوية ، ثمّ الماركسية – اللينينية – الماوية - فكر غنزالو و لم يتوقّف بتاتا عن الصراع من أجل فرض رؤيته و مع ذلك لم نسمع من قبل أنّ هذه الصراعات الإيديولوجية التى نجمت عنها تلك التغييرات و منها تبنى الماركسية – اللينينية – الماوية فى الهند و الفليبين ، قد قوّضت هذه الحروب الشعبية المستمرّة منذ عقود الآن .
إنّ آجيث يدعو على نحو مبطّن إلى الكفّ عن الصراع الإيديولوجي فيحلّق فى عالم مثالي و يضرب عرض الحائط بتعاليم الماوية و ماو تسى تونغ الداعي بوضوح إلى الصراع الإيديولوجي و لينين صاحب المقولة الشهيرة " لا حركة ثورية دون نظرية ثورية " و ما خطّه فى " ما العمل ؟ " حول أهمّية النضال النظري إستنادا إلى إنجلز و تجارب البروليتاريا العالمية .
و فى منتهى البؤس تصوير الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقيّم تجارب البروليتاريا العالمية تارخيّا و تكشف أخطاء الماضي و هناته و نوتقصه و ثعراته و تعالج مشاكل الحاضر و ترسى أسس القيام بما هو أفضل مستقبلا على أنّها " تقوّض الحروب الشعبية " و " تعمل على عزلها عن الجماهير الثورية " . و هذا من آجيث إفتراء بيّن و إلقاء نظرة سريعة على ما صدر فى مجلّة " عالم نربحه " و جريدة " الثورة " و" أخبار عالم نربحه " ( و آخرها فى 7 أكتوبر 2013 ) من مقالات بصدد حرب الشعب فى الهند مثلا تفنّد إفتراءات من يرمى فى آخر المطاف بطرق شتّى سنقتفى أثرها إلى تجميد دغمائي للقاعدة الإيديولوجية فى الماركسية – اللينينية – الماوية و من يسعى لتطويرها يعتبره الدغمائيون مقوّضا لتلك الحروب الشعبية !
صاحبنا الهندي ينبوع أفكار يضخّ معرفة لكنّها معرفة مسمومة ، إنّه يحشو الأدمغة و الرؤوس بدلا من صقلها و تكوينها بطريقة مادية جدلية و مادية تاريخية .
و تناول الأداتية فى التعاطي مع " الوضع العالمي " سيتمّ فى حينه .
====================================================


11 – نظرية الأزمة العامة للرأسمالية و الحرب .
من مسائل الإقتصاد السياسي الماركسي التى أثارها آجيث و لم يوفيها حقّها ليدعي أنّ الحزب الشيوعي الثوري لم يفهمها بل و حرّفها هي نظرية الأزمة العامة للرأسمالية و الحرب بين القوى الإمبريالية .
أ- نظرية الأزمة العامة للرأسمالية – الإمبريالية :
قد يستغرق عرض و نقاش هذه النظرية الصفحات و الصفحات الكثيرة و مثل هذا العمل قد أنجزاه على أي حال بعدُ ريموند لوتا و فرانك شانون فى كتاب " إنحطاط أمريكا " الذى نشر سنة 1984 عارضا فى فصل من قصوله وجهة نظر الحزب الشيوعي الثوري و نقده لهذه النظرية . و على أي حال أقصى ما يسمح به المجال هنا هو إعطاء فكرة عام عنها لا غير .
لقد إكتسحت الحركة الشيوعية العالمية فى أواخرعشرينات القرن العشرين خاصة ( 1927 و 1930 خطابان لستالين و تاليا عديد خطابات و كتابات قادة الكومنترن ) نظرية أنّ الرأسمالية - الإمبريالية العالمية دخلت فى أزمة عامة و دائمة لا فكاك منها . فحسب منظّري الكومنترن لم تعد الرأسمالية – الإمبريالية تسير وفق جدلية التوسّع و الأزمة ولم يعد الفهم اللينيني لدور حروب إعادة تقسيم العالم فى الحلّ المؤقّت و الجزئي لتناقضات المراكمة الإمبريالية ... و كان هذا التحليل الذى لم يدرك بعدُ الكثيرون كنهه فى آن معا مثاليّا ميتافيزيقيّا و براغماتيّا .
و يتمثّل وجه المثالية الميتافيويقية فى إصدار حكم مطلق و إحادي الجانب على الأزمة بأنّها دائمة و لا مخرج منها و قد فنّدت الأحداث و الوقائع هذه المثالية الميتافيزيقية إذ تمكّنت الراسمالية – الإمبريالية من تجاوز تلك الأزمة و غيرها من الأزمات و خرجت منها حتى أقوى لا سيما و أعادت تركيز الرأسمالية فى البلدان الإشتراكية السابقة و آخرها الصين سنة 1976 .
و تعكس هذه النظرية البراغماتية و الأداتية المستفحلتان نوعا ما والمتجذّرتان وسط الحركة الشيوعية العالمية . فقد كانت الغاية من وراء هذه الإطلاقية دفع الحركة البروليتارية الثورية ضد الرأسمالية – الإمبريالية إلى المضي قدما فى الثورة الإشتراكية غير أنّ المفعول كان عكسيّا ، عكس المنتظر إذ ولّدت تلك الإطلاقية ضربا من الإنتظارية و من الإرتخاء فى النضال البروليتاري بما أنّ سقوط الرأسمالية – الإمبريالية كان يبدو جراء ذاك التحليل حتميّا .
لقد مثّلت هذه النظرة إنحرافا " يساريّا " سرعان ما سينهار بفعل مجريات الأحداث ليتحوّل إلى نقيضه أي إلى إنحراف يميني تجسّد أكثر ما تجسّد فى تكتيك الجبهة المتحدة العالمية ضد الفاشية التى مرّ بنا نقاشها.
ب – دور الحروب العالمية :
" و قد فضحت أحداث العالم من مثل إنفراج النزاع منذ أواسط ثمانينات القرن العشرين و إنهيار الكتلة الإمبريالية السابقة ، فضحا شديدا نظرية الحزب الشيوعي الثوري الحمقاء ".
هذا ما صرّح به القائد الهندي فى فقرته " تقويض الإقتصاد السياسي الماركسي " . و يقينا أنّ من قرأ معنا بتمعّن الجملة تلك قد إنتبه إلى خطأ تاريخي فظيع يقترفه صاحب تلك الجملة و نقصد حديثه عن " إنفراج النزاع منذ أواسط ثمانينات القرن العشرين " والواقع كان مخالفا لذلك تماما حينها إذ لم يحصل الإنفراج المعني إلاّ فى أواخر ثمانينات القرن العشرين و هذا من الأمور التاريخية البسيطة و المعلومة .
" فى ثمانينات القرن العشرين ، صاغ الحزب الشيوعي الثوري نقدا للأزمة العامة . و قد تركّز هذا بالأساس على نظرية طرح الإنحطاط الخطّي للإمبريالية و إخفاقها فى إستيعاب ديناميكية النظام الإمبريالي . فى مقابل ذلك ، تقدّم بنظرية ترى الحروب العالمية بين الإمبرياليين نقاطا محورية ، تلعب دورا مماثلا للأزمات أثناء الفترة التنافسية للرأسمالية فى إعادة هيكلة الرأسمالية . (119)" (آجيث)
النظرية الحمقاء فى نظر آجيث هي هذه النظرية التى " ترى الحروب العالمية بين الإمبرياليين نقاطا محورية ، تلعب دورا مماثلا للأزمات أثناء الفترة التنافسية للرأسمالية فى إعادة هيكلة الرأسمالية ."
لنستقصي الأمر .
أوّلا ، لم يأطّر أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري و على وجه الضبط ريموند لوتا و فرانك شانون فى " إنحطاط أمريكا " هذه الحروب فى إطار الرأسمالية بل فى إطار أعلى مراحلها أي المرحلة الإمبريالية و بالتالي المقصود هو إعادة تقسيم العالم و هيكلة الإمبريالية و ليس الرأسمالية ( مقبول و متداول أيضا إستعمال مصطلح الرأسمالية – الإمبريالية إذا ما كانت تشير إلى الإمبريالية ) . ثانيا ، هذه النظرية معتمدة على أعمال لينين و ملاحظاته وتنظيراته و برهن الواقع على صحّتها لا على خطئها . فكيف تعيد الإمبريالية تقسيم العالم فى مثلا كتاب لينين " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ؟ أليس عبر الحرب ؟ ألم يعلن لينين بأنّ الإمبريالية تساوي الحرب ؟ زد على ذلك ألم تحدث فى الواقع حربان عالميتان فى القرن العشرين مثبتتا أنّ الحروب العالمية بين الإمبرياليات محورية ؟
و محورية هي أيضا الحروب الإمبريالية فى الإختراقات التى أحدثتها و قد تحدثها الثورة البروليتارية العالمية . ألم تقع ثورة أكتوبر العظيمة فى إطار حرب ما بين الإمبرياليات أضعفت هذه الأخيرة و سمحت للبروليتاريا بكسر سلاسلها ؟ و إلى ذلك ، ألم تتقدّم بخطى عملاقة نحو الظفر الثورة الماوية فى الصين خلال الحرب العالمية الثانية لتحرز النصر الكامل سنة 1949 ؟
و واقعيّا ألم يكن العالم قاب قوسين أو أدنى من حرب عالمية ثالثة بين الكتلتين الإمبرياليتين و على رأسهما الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية من جهة و الإمبريالية الأمريكية من جهة أخرى ؟
هذه الحقائق تقف إلى جانب تطوير تنظيرات لينين ضد من يصفها بالحمقاء . و لا ريب فى أنّ الحزب الشيوعي الثوري ( و بقية أحزاب الحركة الأممية الثورية ) إرتكب خطأ نظرة إحادية الجانب لوضعه اليد على الصراع بين الإمبرياليات و عدم تفطّنه لجانب الإنفراج الممكن بإنهيار كتلة من الكتلتين . و قد إعترف الحزب الأمريكي بالغلط و قدّم نقده الذاتي .
ت - التناقض الأساسي و الفوضى :
لا خلاف حول انّ التناقض الأساسي الذى يشقّ عالم اليوم هو التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و الملكية الفردية ( الرأسمالية) أو التملّك الفردي للمنتوجات . موضوع الجدل هو علاقة الفوضى بهذا التناقض الأساسي . فبينما يتمسّك آجيث برأي موروث عن تاريخ الحركة الشيوعية العالمية وهو أنّ الشكل الرئيسي لحركة هذا التناقض هو الصراع بين البروليتاريا و البرجوازية و تظلّ الفوضى ثانوية ، يقطع أفاكيان مع ذلك و يقدّم الفوضي كشكل رئيسي و محرك رئيسي للتناقض الأساسي .
لنورد كما هي فقرة من نصّ " ضد الأفاكيانية " ضمّنها صاحب هذا النصّ ما خطّه إنجلز فى " ضد دوهرينغ " :
فى" ضد دوهرينغ " كتب إنجلز عن كيف أنّه " فى حدود كلا هذين الشكلين لتجلى التناقض الملازم لأسلوب الإنتاج الرأسمالي بحكم منشأه يتحرّك أسلوب الإنتاج هذا ". أحدهما كان الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية و الشكل الآخر هو التناقض بين تنظيم الإنتاج فى المصانع الفردية و فوضى الإنتاج فى المجتمع عموما . و لاحظ كذلك أنّ " القوة المحرّكة للفوضى الإجتماعية فى الإنتاج تحول أغلبية البشرية إلى بروليتاريين، و الجماهير البروليتارية ستصفّى ، بدورها ، فوضى الإنتاج فى آخر المطاف. و إنّ نفس تلك القوة المحركة للفوضى الإجتماعية فى الإنتاج تحول إمكانية التحسين اللانهائي للمكائن المستخدمة فى الصناعة الكبيرة إلى قانون قسري لكلّ رأسمالي صناعي منفرد ، إلى قانون يأمره بأن يحسّن مكائنه بلا إنقطاع خشية الهلاك. " و قبل ذلك قد أوضح بعدُ أنّ " الإنتاج البضاعي ، شأنه شأن أي شكل آخر من الإنتاج ، له قوانينه الخاصة الملازمة له داخليّا و التى لا تنفصل عنه . و هذه القوانين تشقّ لنفسها طريقا رغم الفوضى و ضمن هذه الفوضى و من خلالها . و تتجلى هذه القوانين فى الشكل الوحيد الذى ظلّ باقيا للإرتباط الإجتماعي – فى التبادل – وهي تؤثّر على المنتجين المنفريدين بوصفها القوانين القسرية للمزاحمة ".( 122) .
هذه الفقرة لا غبار عليها و لكن التعليق الذى عقّب عليها يستدعى أن نمعن فيه النظر :" بداهة ، هذه " القوانين " تكمن فى ذات طبيعة الإنتاج السلعي وهي تختلف عن الفوضى أو المنافسة . لهذا شدّد على أنّها تعمل " رغم الفوضى " و مضى ليقول إنّ قوانين المنافسة الإجبارية نمط من تمظهر كيف أنّ هذه " القوانين الداخلية " تكشف نفسها فى التبادل . و كما سنرى يتفق هذا تمام الإتفاق مع تحليل ماركس للنزعة الداخلية لرأس المال و التنافس ."
فى الوقت الذى يصرخ فيه إنجلز محدّدا بوضوح منقطع النظير " شكلين لتجلّى التناقض الملازم لأسلوب الإنتاج الرأسمالي " يقوّله آجيث ما لم يقله بتشويهه كلامه بإنتقائية فجّة . إنجلز خطّ " هذه القوانين تشقّ لنفسها طريقا رغم الفوضى و ضمن هذه الفوضى و من خلالها . " و آجيث يأوّل :" شدّد على أنّها تعمل " رغم الفوضي" ... " مسقطا عمدا عامدا بقيّة الجملة " رغم الفوضي و ضمن هذه الفوضي و من خلالها ". بكلّ الطرق الإنتهازية و بمثالية و إنتقائية و براغماتية أيضا يرغب صاحبنا الهندي فى أن يستبعد شكلا ذكره إنجلز يعكس حقيقة ملموسة ليواصل حملته على أفاكيان قائلا على التوّ: " لكن أفاكيان إقتطف بإنتقائية إنجلز ليروّج لشيء مغاير كلّيا . لقد أعلن أنّ التناقض الفوضى / النظام هو عموما الشكل الرئيسي لحركة التناقض الأساسي للرأسمالية ."
نعم أعلن أفاكيان أنّ التناقض بين النظام فى وحدات الإنتاج الفردية و الفوضي على مستوى المجتمع ككلّ هو الشكل الرئيسي لحركة التناقض الأساسي للرأسمالية و هذا بالطبع ليس شيئا " مغايرا كلّيا " بل هو إعادة توزيع للرئيسي و الثانوي ضمن الشكلين ، توزيع لم يقم به إنجلز لكن الحركة الشيوعية العالمية دأبت تاريخيّا على وضع الشكل الثانوي حسب أفاكيان ، التناقض برجوازية / بروليتاريا ، كشكل رئيسي .
إذن يتلخّص الأمر فى إعادة ترتيب الرئيسي و الثانوي فى ما يتصل بشكلي حركة التناقض الأساسي لعالم اليوم وهو ترتيب لا ينفى التفاعل الجدلي بين الشكلين . و منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين كان ذلك محور صراع . و الآن و مباشرة : هل أفاكيان على صواب فى قيامه بذلك ؟ أجل هو على صواب فقد أرسي بذلك فهما ماديّا أرسخ لديناميكية التناقض الأساسي لعالم اليوم للديناميكية المتناقضة للواقع و وجّه ضربة أخرى للإقتصادوية و تصوّر أنّ المشكل يكمن فى " جشع " الرأسماليين أو فى تأثير و قوّة الشركات الكبرى و عليه بالضغط على الرأسماليين و الشركات الكبرى يمكن تحقيق إصلاحات و تحسين الأوضاع ولا حاجة إلى الثورة على النظام ككلّ . إختراق أفاكيان هذا لا يلغى الدور الديناميكي للوعي و الحركة الثورية و الجماهير و إنّما يساعد على وعي عميق للبّ المشكل و جوهره ، جذور و أسس عدم إمكانية إصلاح النظام الرأسمالي – الإمبريالي و من ثمّة الحاجة إلى القضاء عليه لإنشاء مجتمع خالي من الإستغلال و الإضطهاد يحرّر الإنسانية جمعاء ببلوغ الشيوعية العالمية .
هذه الحقائق الملموسة الفريدة فى بابها و البليغة فى دلالتها يندّد بها بسخط و ينقضّ عليها آجيث بحديث يشبه ذلك الصادر عن من يتكلم لكي لا يقول شيئا وهي إن برهنت على شيء فإنّما تبرهن على أنّ القائد الهندي لا يفهمها أو لا يريد أن يفهمها على الإطلاق .
ث – التهجّم على الحزب الشيوعي الثوري يعنى التهجّم على الحركة الأممية الثورية ككلّ :

و ملخّص الموقف الذى يدينه أيضا القائد الهندي هو أنّ إحتداد التناقض و النزاع بين بين القوى الإمبريالية ، بين الكتلتين السوفياتية و الأمريكية ينزع إلى جرّ العالم نحو حرب عالمية ثالثة و على الشيوعيين تطبيق جعل الحرب تفجّر الثورة ( تحويل الحرب بين الإمبرياليين إلى حرب أهلية و إفتكاك السلطة ) أو الثورة توقف الحرب.
و فعلا أغفل الحزب الشيوعي الثوري كما أغفلت الحركة الأممية الثورية برمّتها إمكانية إنفراج النزاع بإنهيار أحد الطرفين نتيجة تحليل غير جدلي إحادي الجانب وهو خطأ أقرّ به الحزب الأمريكي و قدّم نقده الذاتي بخصوصه . إلاّ أنّ قائد الحزب الهندي يمسك بالموقف بأكمله و يرمي به على أنّه أحمق فى حين أنّه فى الأساس و رئيسيّا صحيح بشأن نزعة جرّ القوى الإمبريالية إلى حرب عالمية لإعادة تقسيم العالم ، و ثانويّا جانب الصواب لإسقاطه إحتمالا تحوّل فعلا إلى واقع .
و بدلا من أن ينقد كافة الحركة الأممية الثورية و حزبه عضو فيها ، يتنصّل من المسؤولية و يستهدف الحزب الأمريكي بالذات ، الحزب الذى قدم نقده الذاتي صراحة و علنيّا و منذ سنوات مضت.
و ما من شكّ فى أنّ نظرية أنّ حربا عالمية ثالثة على الأبواب جزء من الخطّ العام للحركة الأممية الثورية فى ثمانينات القرن العشرين و لا أدلّ على ذلك من مجلّة الحركة و بيانها لسنة 1984 .
ففى العدد الثاني ، سنة 1985 ، هناك مقال أفرد لهذا الموضوع و عنوانه " الثورة أم الحرب العالمية الثالثة ؟ ".
و خصّص بيان 1984 قسما كاملا لتحليل القضية و المهام الملقاة على عاتق الشيوعيين الثوريين . و منه نقتطف لكم التالي :
" الوضع العالمي :
تحتد اليوم جميع التناقضات الأساسية للنظام الإمبريالي العالمي بنسق سريع جدا : التناقض بين مختلف القوى الإمبريالية و التناقض بين الإمبريالية و الأمم و الشعوب المضطهَدة و التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا في البلدان الإمبريالية. و لجميع هذه التناقضات جذع مشترك هو نمط الإنتاج الرأسمالي و التناقض الجوهري للرأسمالية. و من الأكيد جدا أن النزاع بين معسكري الإمبريالية بقيادة كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي سوف يؤدى إلى قيام حرب عالمية ، إلا إذا حالت الثورة دون ذلك وهذا النزاع يؤثر بشكل كبير على سير الأحداث في العالم .(2)
...
إن الشيوعيين أعداء ألداء للحرب الإمبريالية و يجب عليهم تعبئة و قيادة الجماهير للنضال ضد الإستعدادات لقيام حرب عالمية ثالثة ستمثل أفضع جريمة فى تاريخ البشرية . لكن الماركسيين –اللينينيين – الماويين لن يخفوا أبدا الحقيقة عن الجماهير والتى مفادها أن الثورة فقط و الحروب الثورية التى يقودها أو يستعد لقيادتها الماركسيون- اللينينيون- الماويون و القوى الثورية ،هي التى يمكن أن تمنع مثل تلك الجريمة . وينبغى إذا على الماركسيين- اللينينيين- الماويين إقتناص الفرص التى تتجلى بسرعة للتعجيل بالثورة ، و ينبغى عليهم أن يدفعوا الجماهير لتصعيد النضال الثوري على كل الجبهات و شن الحرب الثورية حيثما كان ذلك ممكنا و بذل مجهود مضاعف للإستعداد لها حيث الظروف لم تنضج بعدُ بما فيه الكفاية لقيام حرب ثورية . إن من شأن هذه المبادرات أن تدفع بالنضال من أجل الشيوعية إلى الأمام. وإذا تمكنت البروليتاريا و الشعوب المضطهَدة من الخروج منتصرة فى بعض المعارك الحاسمة، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إفشال التحضيرات التى يقوم بها الإمبرياليون للحرب العالمية و إلى أن تكون الطبقة العاملة قادرة على إفتكاك السلطة السياسية فى العديد من البلدان، وإلى أن يكون الظرف العالمي عموما سانحا لتقدم النضال الثوري . و على العكس من ذلك، إذا عجز النضال الثوري عن الحيلولة دون نشوب حرب عالمية ثالثة ، يتعين على الشيوعيين و البروليتاريا و الجماهير الثورية أن يكونوا مستعدين لتعبئة الغضب الذى سينجر حتما عن مثل تلك الحرب وكل العذاب الذى سيصاحبها وأن يوجهوا هذا الغضب ضد منبع هذه الحرب بالذات –الإمبريالية – ويتعين عليهم أن يستفيدوا من ضعف العدو لتحويل هذه الحرب الإمبريالية الرجعية إلى حرب عادلة ضد الإمبريالية و الرجعية . "
( إنتهى المقتطف – المرجع كتاب شادي الشماوي " علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية – اللينينية – الماوية " ؛ العدد الأوّل من " الماوية : نظرية و ممارسة " ، على موقع الحوار المتمدّن).
و من هنا نلمس لمس اليد أنّ صاحبنا الهندي حين يتهجّم على الحزب الشيوعي الثوري لإقتراف خطإ إعترف به يتهجّم على الحركة الأممية ككلّ و يتنصّل من مسؤولية حزبه هو الآخر فى الوقوع فى ذلك الخطإ و هذا يعنى تسجيل آجيث على نفسه " شهادة فقر حال " فى المبادئ و الأخلاق الشيوعية .

12- الوضع العالمي و مثالية آجيث و براغماتيته :
من النقاط القارّة تقريبا فى صراع الخطين العالمي الراهن هي نقطة الوضع العالمي و قد عالجها الرسالة التى بعث بها الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية إلى كافة الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية ، فى غرّة ماي2012 و لكن آجيث يعود إليها ليدافع عن ما تبيّن بالمكشوف أنّه تحليل يجانب الصواب .
أ- مثالية آجيث و " التيار الرئيسي هو تيّار الثورة " :
صاحبنا الهندي و أضرابه من دعاة أنّ التيّار الرئيسي فى الوضع العالمي هو تيّار الثورة . و لا شيء فى الواقع المعيش يسند إدعاءهم المثالي هذا الذى تمّت إستعارته من أدبيّات الحزب الشيوعي البيروفي كما تمت إستعارة الماركسية – اللينينية – الماوية ، رئيسيا الماوية و " تسليح الجماهير " إلخ . فالطرف الرئيسي فى تناقض ما ، من وجة نظر ماويّة ، هو الطرف المهيمن و الثانوي هو الطرف المهيمن عليه. و نتساءل من منّا فى الواقع الموضوعي يشاهد بأمّ عينه أنّ الثورة هي الطرف الرئيسي ، المهيمن اليوم فى تناقض الإمبريالية / الثورة الإشتراكية ؟ نحن ببساطة لا نشاهد ذلك فى الواقع الموضوعي أمّا المثاليون فيتخيلون ذلك و يحلّونه محلّ الواقع الموضوعي ثمّ يعلنون من لا يوافقهم الرأي أنّه يرفض الإعتراف بالحقيقة الموضوعية ( إقرأ حقيقتهم المثالية الذاتية ) و هذا ترذيل للماركسية و التحليل الملموس للواقع الملموس .
و الحروب الشعبية فى الهند و الفليبين و تركيا و البيرو تشهد تطوّرا غير متكافئ . و على أرض الواقع لا حرب الشعب فى تركيا و لا حرب الشعب فى البيرو يتقدّمان بل هما تتخبطان أيّما تخبّط فى الكثير من المشاكل و منها تلك التى خلّفتها خسارة أعلى القيادات فى الحالتين . و بالنسبة لحرب الشعب فى الهند و تلك فى الفليبين فتتقدّمان نسبيّا . و لا يمكن أن تعدّا علامات عن موجة جديدة من الثورة البروليتارية العالمية و لا تمثلان التيار الرئيسي للثورة فى العالم . و لا ننسى أنّ كلاهما قد إنطلقتا أوّل ما إنطلقتا فى أواخر ستينات القرن العشرين تحت تأثير الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و إنتشار الماوية و محاربة التحريفية عالميّا ، إنطلقا و كانت توجد وقتذاك دولة إشتراكية ، حصن للثورة البروليتارية العالمية هو الصين الماوية . و مضى عليهما طويل وقت ، بعد نصف قرن من وجودهما يعتبرهما آجيث ، ضمن أشياء أخرى ، لبّ التيار الرئيسي للثورة فى العالم ، تيّار ليس بالرئسي بتاتا . ( و بالمناسبة لم ينتمى لا الحزب الشيوعي الهندي (الماوي ) منذ تأسيسه و لا الحزب الشيوعي الفليبيني إلى الحركة الأممية الثورية و إن تبنّى كلاهما الماركسية – اللينينية – الماوية ، و قد إنتميا إلى الندوة العالمية للأحزاب و المنظمات الماركسية – اللينينية ؛ و لاحظوا الماركسية – اللينينة فقط ! ).
ثمّ حينما شعر صاحب " ضد الأفاكيانية " بأنّ حرب الشعب فى البلدان التى ذكرنا لا تكفى لأن تجسّد موجة جديدة من الثورة العالمية ، ألحق بها حتى الحروب التى تقودها قوى أصولية دينية مثل تلك فى العراق و أفغانستان التى يعدها " جبهة فى المعركة بين الإمبريالية والشعوب " !!! و هذا لا ريب يجافى الحقيقة و الواقع و مثلما حلّل بوب أفاكيان بطريقة صحيحة بكلمات تقول الحقيقة كاملة :
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا ".
(بوب أفاكيان ، " التقدّم بطريقة أخرى " ؛ " الثورة " عدد86 ، أفريل 2007 ).
و زيادة على ذلك ، يحشر من يعدّ الأصولية الدينية من الشعب ، ضد الإمبريالية ، " الربيع العربي " و حركة إحتلال الشوارع فى تنظيراته للثورة كتيّار رئيسي فى الوضع العالمي . و لا هذا و لا تلك حركات ثورية أصلا و إنّما هي حركات إصلاحية فى الأساس .
و فى عملية مغالطة أرادها القائد الهندي محبوكة و لم تكن كذلك ، أعلن أنّ " الحرب و الثورة " هما المظهران البارزان لحركة العصر و الحال أن العصر هو عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية و بالتالي المظهران البارزان أو طرفا التناقض هما الإمبريالية من جهة و الثورة الإشتراكية من جهة ثانية أو إن شئنا الثورة ( الإشتراكية بتيّاريها ) مقابل الثورة المضادة ( الإمبريالية ) و الحرب ليست سوى إمتداد للسياسة بوسائل أخرى دامية حسب لينين و ماو تسى تونغ .
و قول القائد الهندي " إنّ تقييما للحرب كتيّار رئيسي لا يعنى أنّ الحرب قد إندلعت بعدُ . و كذلك ، لا تعنى الثورة كتيّار رئيسي أن الثورات بصدد الحصول عبر العالم بأسره . إنّه يبيّن إمكانية الوضع العالمي . و معنى مثل هذا التقييم هو أنّ تيّار الثورة إجمالا يحدّد الإتجاه ، يحدّد حدود فعل تناقضات النظام الإمبريالي . " هو عبارة عن لغو صادر عن إنسان لا يفقه شيئا من جدلية الرئيسي المهيمن و المحدّد و الثانوي المهيمن عليه التى أفاض فى شرحها و أبدع ماو تسى تونغ فى " فى التناقض ".
و هكذا نرى إلى أي درك من الإنحطاط دفع قائد نكسلباري علم الشيوعية .
ب- ما هذا " الربيع العربي " ؟
بادئ ذى بدء علينا أن نشير إلى أنّ هذه التسمية تسمية برجوازية مخادعة جدّا فما جدّ فى بعض البلدان العربية لا يمكن تسميته على ذلك النحو . بضعة بلدان عربية فقط هي التى شهدت نهوضا جماهيريا تمكّن الحراك الذى أوجده من إحداث تغيير سياسي نسبي و جزئي جدّا. و على عكس ما عرفته مصر وتونس و اليمن ، عرفت ليبيا تغييرا نسبيّا بفعل تدخّل و مؤامرة فرسية مباشرين . و غالبية البلدان العربية ظلّت كما هي . و إذن التعميم ( العربي ) عملية مبالغة مضلّلة .
ولنكن فى غاية الوضوح ، إنطلقت التحركات الشعبية بصورة عامة عفوية وهي تحرّكات مشروعة إبتدأت مطالبها ، فى تونس مثلا ، إقتصادية – إجتماعية و أساسا المطالبة بالشغل لتتطوّر إلى " الحرّية و الكرامة الوطنية " و فى النهاية بعد قتل العشرات من أبناء الشعب و بناته ، صارت الجماهير تنادي بإسقاط رأس السلطة و ليس تحطيم الدولة الرجعية برمتها و تعويضها بدولة ثورية .
و فى مصر إمتزجت من البداية المطالب الإقتصادية و الإجتماعية بالمطالب السياسية و إستهدفت التحركات رأس السلطة و ليس تحطيم الدولة الرجعية و تعويضها بدولة ثورية .
نعيدها إنطلقت التحركات الشعبية عفوية بمطالب جماهيرية شرعية لذلك يرحّب بها الثوريون لكن علينا الإنتباه إلى أنّ الرجعية و الإمبريالية العالمية لم تقفا مكتوفتي الأيدى بل تدخلتا بالتخطيط و التنفيذ لمؤامرات لمحاصرة تجذير التحركات و وعي الجماهير الشعبية و إبقاء الصراع فى إطار يمكن التحكّم فيه رجعيا و إمبرياليا بتقديم بعض التنازلات . و بالفعل فرضت على بلدان كتونس و مصر بدائل رجعية تخدم تماما مصالح الطبقات الحاكمة الرجعية و الإمبريالية العالمية . فباتت الجماهير تتندّر بكلمة " الربيع" وتستبدلها ب"الخريف" ولمّا طفح الكيل صارت تنادى أيضا بإسقاط الحكومات" الإسلامية "...
و بناء عليه ، لا مجال لإعتبار الأحداث الموصوفة خطأ ب " الربيع العربي " لا ضمن " جبهة فى المعركة بين الإمبريالية و الشعوب " و لا كجزء من الموجة الجديدة للثورة البروليتارية العالمية . غاية ما فى الأمر أنّها نضالات شعبية عفوية ساعدت على إستفاقة شرائح شعبية على الحياة السياسية و قد تستفيد منها القوى الشيوعية الثورية ، إن وجدت . و نأكّد على " قد " لأنّ الأمران ليسا آليين : الإستفادة و وجود القوى الشيوعية الثورية . فحتى إن وجدت هذه القوى وهي عموما غير موجودة ، قد تكرّس خطّا إيديلوجيّا و سياسيّا خاطئا فتفوّت الفرصة و لا تراكم القوى من أجل الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها (الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات وأشباه المستعمرات و الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية ).
و قد فهم بوب أفاكيان حقّ الفهم هذه الحقائق و لم يزحف مثل آجيث أمام العفوية و فى بيان له عن مصر عنوانه " مصر 2011 : الملايين إنتفضت ببسالة ... لكن المستقبل لم يكتب بعدُ " " صرّح :
" لقد تكرّر مرارا عبر التاريخ ، كما هو الحال فى مصر ( و كذلك فى تونس ) كيف إتخذت الهيمنة الإمبريالية و حكم المستغِلّين المحلّيين شكلا متمركزا فى نظام "رجل قويّ " و سفّاح . و هذا كان الحال، على سبيل المثال ، فى إيران ، و زنزانات التعذيب أيّام حكم الشاه ، وفى الفليبين تحت طغيان ماركوس، و أندونيسيا فى العهد الوحشي و المديد لسوهرتو- كلّ الدكتاتوريات الوحشية التى وضعتها الإمبريالية الأمريكية فى السلطة و أبقت عليها لأمد طويل. فى إيران ، فى أواخر السبعينات و فى الفليبين أواخر الثمانينات، و فى أندونيسيا فى الأونة الأخيرة ، أرغمت إنتفاضات الجماهير الإمبريالية الأمريكية أن تتخلّى عن هؤلاء الطغاة و أن تسمح ببعض التغييرات. إلاّ أنه فى كلّ حالة ، لم تؤدى النتيجة النهائية إلى " الحرّية " الحقيقية للشعب بل مازالت هذه الشعوب تتعرّض للقمع القاسي على أيدى أولئك الذين حلّوا مكان الحكام السابقين البغضاء، فى حين ظلّت هذه البلدان ضمن الإطار العام لهيمنة الإمبريالية العالمية و إستغلالها . و لكن التجربة التاريخية أثبتت أيضا أن إستمرار الحكم القمعي ، بهذا الشكل أو ذاك ، ليس النتيجة الوحيدة الممكنة.
ففى روسيا ، فى فبراير 1917 ، أطاحت الإنتفاضة الشعبية بقيصر مستبدّ (الحاكم المطلق). و مرّة أخرى ، حاول إمبرياليو الولايات المتحدة و بريطانيا و بعض القوى الإمبريالية الأخرى و الرأسماليون الروس إضطهاد الشعب بشكل جديد بإستخدام آليّات " الحكم الديمقراطي" و الإنتخابات والتي بالرغممن السماح بشيء من المشاركة العريضة للأحزاب المختلفة ، ستكون تحت السيطرة الكاملة لمستغلّى الشعب والتى سوف تضمن إستمرارية حكمهم و المزيد من معاناة الجماهير الشعبية. إلاّ أنه فى هذه الحال، تمّ تمكّنت الجماهير من تعرية و هذا التلاعب ،كي تستطيع المضي قدما بالهبّة الثورية عبر عديد منعرجات مختلفة حتى إستطاعوا الوصول فى أكتوبر 1917 إلى دحر و تفكيك مؤسسات و آليّات الدكتاتورية البرجوازية و إقامة نظام سياسي و إقتصاديّ جديد ، الإشتراكية الذى إستمرّ فى التقدّم لعقود من الزمن نحو إلغاء علاقات الإستغلال و الإضطهاد كجزء من الصراع العالمي نحو تحقيق الهدف النهائي- الشيوعية. إنّ الفرق الجوهري يكمن فى أنّ الإنتفاضات الروسية كان لها لبّ قيادة فى المركز، قيادة شيوعية، قيادة تملك فهما واضحا و علميّا لطبيعة النظام القمعي برمّته ليس فقط لهذا الحاكم المستبدّ أو ذاك ، و للحاجة لإستمرار النضال الثوري لا من أجل الإطاحة بحاكم معيّن فحسب و لكن لمحو النظام برمّته و إستبداله بنظام يجسّد و ينفخ الحياة فى الحرّية و فى المصالح الأساسية للشعب، فى سعيه نحو إزالة كلّ أشكال القمع و الإستغلال ."
ت- البراغماتية و حقيقة الوضع العالمي :
وقد بلغنا هذا الحدّ من التحليل و النقاش ، بوسعنا أن نعلن بلا تردّد أنّ آجيث و أشياعه و من لفّ لفّهما يرسمون صورة مثالية خيالية عن الوضع العالمي وعلى غرار الحزب الشيوعي البيروفي فى " وثائق أساسية " ، يعربون عن أنّ تيار الثورة هو التيّار الرئيسي عالميّا . و الواقع المعيش و الموضوعي يكذّب ذلك. و بداهة هذه منهم براغماتية و أداتية يطوّعون بموجبها الواقع لأحلامهم و يدوسون هكذا المنهج المادي الجدلي دوسا ، ضاربين بالحقيقة الموضوعية عرض الحائط .
و أن تكون إيديولوجية متحزّبة أم لا ، أو أن يكون المنظّر منحدرا من الطبقة العاملة أم لا ، لا يأثّر فى المسك أو عدم المسك بالحقيقة الموضوعية . إنّ الحقيقة تحتاج إلى البحث و التحليل الملموس للواقع الملموس و التلخيص العلمي . و مثال صاحب " ضد الأفاكيانية " يثبت هذا . فرغم موقعه الحزبي القيادي المرموق ، لا يمسك بالحقيقة الموضوعية للوضع العالمي و عديد المسائل الشائكة الأخرى . و رغم موقعهم الطبقي البروليتاري ، الكثير من العمّال فى غالبية البلدان يساندون البرجوازية و الرجعية و الإمبريالية . إنّ تنظيرات قائد حزب نكسلبري بعيدة جدّا ، بعيدة منتهى البعد عن علم الشيوعية .
فى تشكّل الوعي الثوري للشرائح و الطبقات الشعبية ( وهو كعلم يأتي من خارج هذه الطبقات كما شرح لينين فى " ما العمل ؟ " ) الموقع الطبقي الموضوعي أرضية موضوعية هامة يتمّ التشييد على أساسها و لكنّه ثانوي نسبة للنظرية الثورية و إستيعابها و تطبيقها كما عبّر عن ذلك لينين مرّة أخرى . و قد سبق أن صدح ماركس بما معناه أن الفقر لا يخلق الثورة و إنّما وعي الفقر هو الذى يخلقها .
لذا هناك حاجة ملحّة و أكيدة للقيادة الشيوعية ، لطليعة شيوعية ترشد نضالات الطبقات الشعبية و تأطّرها وترفع مستواها و تنظيمها و أشكالها من أجل الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و الشيوعية العالمية هدفها الأسمى . و أكيدة هي حاجة هذه القيادة الشيوعية الثورية كي تمارس دورها الطليعي إلى نظرية ثورية ، إلى إطار نظري شيوعي ثوري و هذا الإطار اليوم بعد تلخيص تجارب البروليتاريا العالمية الماضية منها أساسا و الحاضرة هو الخلاصة الجديدة للشيوعية . و هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية هي شيوعية اليوم التى دونها نسقط فى متاهات القومية و البراغماتية و الديمقراطية البرجوازية و الدغمائية و ما إلى ذلك كما حصل مع آجيث .


13- المسألة الوطنية فى البلدان الإمبريالية .
هذه قضية حيوية خاصة بالنسبة للأحزاب الشيوعية الثورية الناشطة فى البلدان الإمبريالية وهي عنصر من أهمّ عناصر الفرز بين الموقف البروليتاري الثوري و الموقف الشوفيني ( الإشتراكي الشوفيني ). و قد عانت الحركة الشيوعية العالمية و لا تزال من الإنحراف الشوفيني الخطير و القاتل الذى لطالما حاربه لينين بكلّ قواه.
1- جوهر الموقف اللينيني :
لا نحتاج إلى حشد كلّ قوانا لفهم الموقف البروليتاري الثوري اللينيني الذى يقوم على ركيزتين إثنتين هما إعلان لينين منذ عقود الآن عن نهاية المسألة الوطنية فى الأساس فى البلدان الإمبريالية و ضرورة سلوك الشيوعيين خلال حرب ما بين القوى الإمبريالية سياسة " الإنهزامية الثورية " و معناها تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية ؛ و القيام بالثورة الإشتراكية لإفتكاك السلطة و تحطيم الدولة القديمة و بناء دولة جديدة تخدم مصالح البروليتاريا والشعب والمشروع الشيوعي .
ركيزتا الموقف اللينيني لم يكن بوسع ناقد الخلاصة الجديدة للشيوعية إنكارهما فذكّر بهما فى بداية حديثه لكنّه أضاف إليهما بظلم فاضح تهجّما على أفاكيان فإدعى أنّه " مركزّا على هذه المواقف و مؤوّلا إياها تأويلا إحادي الجانب ، ذهب أفاكيان إلى حدّ إنكار أي دور للمظهر الوطني فى البلدان الإمبريالية ".
لا غير صحيح ! لم ينكر أفاكيان دور المظهر الوطني فى البلدان الإمبريالية بل شدّد على أنّ دور المظهر الوطني للدولة الإمبريالية دور رجعي ، إشتراكي – شوفيني مثلما فضح ذلك لينين و بعد عقود الآن من تصريحات لينين المتصلة بنهاية المسألة الوطنية فى الأساس فى البلدان الإمبريالية ، صارت الآن منتهية تقريبا كلّيا و من يرفع رايتها يرفع راية البرجوازية الإمبريالية و يصبّ فى خانة الرجعية .
و فى معرض كلامه عن المسألة ، بيّن أفاكيان أنّ السياسة الصحيحة تجاه بعض القوميّات المضطهَدة ضمن الدول الإمبريالية هي ما يتلخّص فى " حق الشعوب فى تقرير مصيرها " بما فى ذلك حقّ الإنفصال مع بذل قصاري الجهد أن يتمّ ذلك بقيادة بروليتارية و ينبغى أن يكون ، شيوعيّا ، فى إطار الثورة البروليتارية العالمية و وحدة الطبقة العاملة العالمية ضمن تلك الدول الإمبريالية و عالميّا كحلّ ثوري حقيقي و ممكن لإنتهاج طريق التقدّم و إندماج الأمم صوب الهدف الأسمى ، الشيوعية عالميّا.
و عديدة هي كتابات بوب أفاكيان و وثائق الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية التى تدافع عن هذه المواقف الثورية اللينينية العمق و الأبعاد . و من يتطلّعون إلى دراسة مثال محدّد يخص بعض القوميات المضطهَدة فى اطار الدولة الإمبريالية الأمريكية و الرؤية الشيوعية الثورية لمعالجتها فننصحهم ب :
- " دستور الجمهورية الإشتراكية لشمال أمريكا " (مشروع مقترح ).
- " إضطهاد السود وجرائم النظام و الثورة التى نحتاج ."
بموقع الحزب إيّاه على الأنترنت :
www.revcom.us
ب- شوفينية الحزب الشيوعي الثوري المدّعاة :
على الرغم ممّا عرف به الحزب الشيوعي الثوري من تفاني فى خدمة الأممية البروليتارية نظريّا و عمليّا و على الرغم من كتاباته الهامة منذ عشرات السنين بهذا المضمار ، لا يخجل آجيث من وصم هذا الحزب بأقبح النعوت و منها الشوفينية و لإقناع القرّاء بهذه التفاهة يحيل على " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " ( مشروع مقترح ) مقدّما جملة : " حجم المجال الجغرافي الذى تمّ تحريره من الإمبرياليين و ( من رجعيين آخرين) و تعزيزه كمجال جغرافي للدولة الإشتراكية الجديدة " و صيغة " شمال أمريكا " على أنّهما دليل قاطع .
وقبل أن نعود إلى المصدر ذاته ( لوحده فقط ، دون عديد الوثائق و منها التى سجلنا قبل أسطر ) و سياق الكلام و مقاصده بغرض فهم مدى تجنّى هكذا تخريجات إنتهازية ، نذكر بالموقف الذى إشتهر به الحزب الشيوعي الثوري منذ أواخر سبعينات القرن العشرين و خلال ثمانيناته و فحواه كما كتب أفاكيان فى مقال " مسألة الحدود " فى العدد 174 من جريدة الحزب " آنذاك " العامل الثوري " ( 1 أكتوبر 1983 )، أنّ الثورة فى ما هو الآن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون ذات مضمون أممي و لن يكون من الممكن إنجازها و تحقيق الظفر دون تربية الجماهير على فهم و روح أنّه لا وجود لشيء مقدّس مهما كان حول الحدود الراهنة لهذا البلد ، هذه الحدود التى أقيمت نتيجة النهب و السلب و القتل .
و هذا يفيدنا بأنّ إمكانية تغيير هذه الحدود واردة و هنا بوجه خاص وارد منح الأراضي إلى قوميات مضطهَدة ( كالسود ، و اللاتينيون – المكسيو الأصل و البورتوركيون ، و السكّان الأصليون لأمريكا / الهنود الحمر ...) إن كانت ترغب فى تكريس حقها فى تقرير المصير و إنشاء دولة مستقلّة . و هذا جانب هام و جلي أيضا فى برنامج هذا الحزب و الدستور الذى يقترحه .
و نمضى إلى الردّ على إستغراب قائد حزب نكسلباري لعنوان الدستور و تلك الجملة التى أوّلها تأويلا مغرضا ببراغماتية فنستمع معا إلى ما جاء فى " تقديم : حول طبيعة هذا الدستور و هدفه و دوره " : " مصطلح " الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا " إخترناه ليس لأنّه بالضرورة سيكون إسم مثل هذا المجتمع الإشتراكي الذى سيولد من الثورة فى هذا الجزء من العالم ( الإسم الشكلي سيُقرّره فى حينه التركيز الفعلي لهكذا دولة إشتراكية) ؛ بالأحرى يستعمل هذا المصطلح بغاية تركيز أنّ هذا مقترح لدستور دولة إشتراكية وقد ولدت حديثا وهي فى المراحل الأولى لوجودها ، بإنتصار الثورة التى وضعت نهاية للإمبريالية الأمريكية و عوّضتها بمجتمع ثوري جديد على طريق الإشتراكية. و بينما إرتأينا أن ننشر هنا ، بأكبر قدر ممكن ، المبادئ و المؤسسات و الهياكل و السيرورات الأساسية التى ستميّز المجتمع الإشتراكي الجديد ، و بصفة خاصّة سير حكومته ، فإنّ الكثير من هذه المظاهر الخاصّة لهذا ستتأثّر بالطبع بالوضع الموجود لحظة تركيز الدولة الإشتراكية الجديدة – بما فى ذلك عوامل كحجم المجال الجغرافي الذى تمّ تحريره من الإمبرياليين و ( من رجعيين آخرين) و تعزيزه كمجال جغرافي للدولة الإشتراكية الجديدة ، و الوضع العام السائد ، لا سيما بمعنى الصراع بين القوى الثورية و الرجعية ، فى هذا الجزء من العالم ، و فى العالم بأسره ، زمن تأسيس الدولة الإشتراكية الجديدة. و قد وقع الحديث عن شيئ من هذا فى الدستور ( مشروع مقترح ) التالي ، لكن هناك بوضوح مظاهر هكذا وضع مستقبلي يمكن توقّع حصولها فقط بصيغة عامة و أخرى يمكن أن تظهر و لا يمكن أبدا توقّعها الآن . "
و الآن أمامنا سياق الكلام فأين هي الشوفينية المدّعاة ؟ يجرى الحديث عن " حجم المجال الجغرافي " من منطلق أنّه من غير الممكن " أبدا توقع " الوضع العام " المستقبلي " و نتائج الصراع بين القوى الثورية و القوى الرجعية " فى هذا الجزء من العالم ، و فى العالم بأسره " . و بعبقرية لا يحسد عليها يستخرج من ذلك صاحبنا الهندي " شوفينية " بما يملي علينا أن نورد هدف الجمهورية الإشتراكية إيّاها " التخطّى التام للإضطهاد و اللامساواة القوميين " داخل حدود الولايات المتحدة الحالية فما بالك بتلك الموجود خارجها :
" الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا دولة متعدّدة القوميّات و اللغات، قائمة على مبدأ المساواة بين مختلف القوميات و الثقافات وأحد أهدافها الجوهرية هو التخطّى التام للإضطهاد و اللامساواة القوميين اللذان مثّلا جزءا أساسيّا من الإمبريالية الأمريكية عبر التاريخ . و فقط على قاعدة هذه المبادئ و الأهداف يمكن تجاوز الإنقسام فى صفوف البشرية إلى بلدان و أمم تجاوزا تاما و يمكن إيجاد مجتمع عالمي لتجمّع حرّ للبشرية. و يتجسّد هذا التوجّه أيضا فى مختلف مؤسسات الدولة و فى تسيير الحكومة فى الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا ."
تذكّرنا هذه الإفتراءات الإنتهازية بمقولة للينين تنطبق على صنيع آجيث هذا:
" أن ينسب المرء إلى خصمه حماقة بيّنة لكي يدحضها فيما بعد ، ليس من أساليب الرجال الأذكياء جدّا "( لينين ، الصفحة 80 من " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكى" ، دار التقدّم موسكو ).
ت- من يدافع عن اللينينية دفاعا مبدئيّا و من يطعنها فى الظهر ؟
فى فقرة سابقة ، عالجنا تكتيك الجبهة المتحدة ضد الفاشية و بيّننا أنّه إنحراف يميني يؤجّل الثورة البروليتارية و يتسبّب فى التذيّل للبرجوازية الإمبريالية و يدير ظهره للينينية إلاّ أن ّ آجيث يستميت فى الدفاع عن ذلك التكتيك الإنتهازي اليميني و فى موضوع الحال يدعو إلى إستغلال المشاعر الوطنية و الديمقراطية المناهضة للفاشية التى " يمكن البناء عليها خدمة لحرب تقودها البروليتاريا " ضد قوّة إمبريالية محتلّة . إنّه ينادي بإعتماد الإيديولوجيا البرجوازية ( الوطنية و الديمقراطية ) و التحالف مع حاملي هذه الإيديولوجيا المناهضين للفاشية على أساسها أي مع البرجوازية الإمبريالية " الديمقراطية " و " الوطنية ". هدفه " البناء عليها خدمة لحرب تقودها البروليتاريا " ضد قوة إمبريالية محتلّة . تلمسون ما نلمس : آجيث يرغب فى " البناء" على الإيديولوجيا البرجوازية خدمة " لحرب تقودها البروليتاريا "، و بالتالي يريد من البروليتاريا أن تقود حربا بالإعتماد لا على إيديولوجيتها هي و من مكوّناتها الأساسية الأممية البروليتارية بل على الإيديولوجيا البرجوازية " ضد قوّة إمبريالية محتلّة " و ليس ضد الإمبريالية برمّتها .
بكلمات أخرى طبخ آجيث نسخة أخرى من تكتيك الجبهة المتحدة ضد الفاشية و أهمل " الإنهزامية الثورية " اللينينية التى ذكرها فى بداية حديثه للتعمية لا غير . أليس هذا مناهضة واضحة جلية للينينية و تذيّل مقيت للبرجوازية الإمبريالية " الديمقراطية " ؟
هذه زاوية من زوايا النظر إلى المسألة و الزاوية الأخرى هي أنّ اللينينية لا تفيد أبدا أنّ كلّ ما كتبه أو قاله أو فعله لينين صواب و صحيح . و ليعلم المثاليون الميتافيزيقيون أن كلّ شيء و كلّ ظاهرة وكلّ سيرورة تنقسم إلى إثنين و لينين وقد تشبّع بالجدلية ما فتأ هو نفسه يمارس النقد و النقد الذاتي و يطالب الشيوعيات و الشيوعيين بإعتبارهما خبزهم اليومي . و من ثمّة ، وهو يطبّق المادية الجدلية و تعاليم لينين بهذا الصدد و من أجل النهوض بمهمّة تلخيص تجارب البروليتاريا العالمية الإيجابية منها والسلبية، كان على بوب أفاكيان أن يبحث و ينقّب بعمق و شمولية لتشخيص الأخطاء و فهمها و تبعاتها و إقتراح كيفية معالجتها و تجاوزها بما يخدم تطوير علم الثورة و ممارستها بالإستفادة ليس فحسب من المكاسب و ما هو صائب بل أيضا من الأخطاء بتخطّيها بطريقة علمية صحيحة .
وفى هذا الإطار بالذات يتنزّل نقد بوب أفاكيان لمقال لينين " العزّة القومية للروس " و لموقفه بشأن " دفع الشيوعيين فى ألمانيا قليلا نحو رفع الراية القومية فى ألمانيا ضد معاهدة فرساي و ضد إحتفال فكتور على حساب ألمانيا " .
آجيث فضلا عن طعنه لجوهر اللينينية فى هذه المسألة كما رأينا ، يدافع عن مقال لينين ذاك و عن موقفه ذاك و المقال و الموقف يجانبان الصواب و أفاكيان ينقد نزعة قومية ثانوية تسرّبت إلى اللينينية الأممية جوهريّا و المناهضة للشوفينية الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية بغاية تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية و إنجاز ما أفضل مستقبلا .
فيا للروعة! بأي نبوغ لا يضارع و بأية مهارة يحوّل صاحبنا الهندي الخطأ صوابا و يدافع عنه بإستماتة!
آجيث ينحدر إلى الحضيض و أفاكيان يصعد إلى قمم الجبال !


14- المسألة الوطنية فى البلدان المضطهَدة :
هناك جوانب من هذه المسألة قد عالجناها عند نقاش نقاط أخرى ، منها المرحلة و المرحلتين و المسائل الوطنية و الديمقراطية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و علاقة القومي بالأممي و ما يسمى بالمقاومة المسلّحة الأصولية الإسلامية فى العراق و أفغانستان ، و لا نودّ ولا نرجو فائدة من تكرار مضمونها هنا ، إلاّ أنّه علينا هنا أن نضيف لمسات توضيحية لا بدّ منها لتكون الصورة أقرب إلى الصراحة و الوضوح و الجلاء .
أ- مهمّة قائمة و لكن من أي منطلق نعالجها كشيوعيين ؟
ضرب من التأويل المغرض و التشويه المجاني هي إدعاءات " ضد الأفاكيانية " بأنّ الحزب الشيوعي الثوري يقوم ب" تمرير التروتسكية " و أنّه يدمج المرحلتين فى مرحلة واحدة و من ثمّة يدوس المسألة الوطنية والمسألة الديمقراطية فى الثورة الديمقراطية الجديدة و قد كشفنا ذلك فى فقرة " تأويلات مغرضة للإستشهادات " بتحليل مفصّل .
و نكرّرها هنا إنّ الخلاصة الجديدة للشيوعية تقرّ و تعترف و تجزم بحقيقة أنّ المهمّة الوطنية فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة مهمّة قائمة يتعيّن إنجازها مثلما هي المهمّة الديمقراطية . و هما مهمّتان متكاملتان ، متداخلتان و متلازمتان ، لا يمكن نجاح الثورة الديمقراطية الجديدة بتحقيق واحدة منهما دون الأخرى . و تكتب بالأحرف الكبيرة أنّ هذه الثورة من النمط الجديد تيّار من تيّاري الثورة البروليتارية العالمية ولا يمكن أن تحقّق الظفر إلاّ بقيادة شيوعية ثورية ، بقيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي و إيديولوجيتها الشيوعية كمرحلة تمهيدية للثورة الإشتراكية و جزء لا يتجزّا من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية عالميا.
و فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، لم تعد هذه الثورة الديمقراطية ثورة ديمقراطية من الطراز القديم بل أضحت ثورة ديمقراطية جديدة بالذات لأنّها صارت تيّارا من تيّاري الثورة البروليتارية العالمية و لأنّ الطبقات الأخرى( عدا البروليتاريا ) ليس بإمكانها قيادتها إلى النهاية و إنجازها على الوجه التام . هذا ما شرحه شرحا باهرا ماو تسى تونغ فى " حول الديمقراطية الجديدة " .
و بأشكال و لفترات متباينة قد تتحالف البروليتاريا و حزبها الطليعي مع طبقات و شرائح شعبية و قوى وطنية أخرى ترفع راية الوطنية ( البرجوازية الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ) فى خضمّ سيرورة هذه الثورة غير أنّ هذا لا يشمل القوى الأصولية الدينية ذات البرامج و المشاريع المجتمعية التى تضرب فى الصميم المسألتين الوطنية و الديمقراطية و إن رفعت السلاح فى وجه هذه الإمبريالية أو تلك فهي ليست كما يدعى آجيث ضمن " جبهة فى المعركة بين الإمبريالية و الشعوب " . أبدا و فعلا هي ليست كذلك . هي من ناحية لا تخرج عن إطار العالم الإمبريالي و متحالفة بصورة أو أخرى مع هذه الإمبريالية أو تلك ؛ و من ناحية ثانية مناهضة للمسألة الديمقراطية بإصلاحها الزراعي و تحرير النساء كنقاط جوهرية . و هذا ما يدلّل عليه ما جرى و يجري فى العالم الواقعي ، لا الوهمي لذا نسدى نصيحة للباحثين عن الحقيقة الموضوعية بأن يضعوا الواقع الملموس و ليس الأوهام نصب عيونهم.
و زيادة على ذلك ، من واجب الشيوعيين و قد وعوا تمام الوعي العصر و ما تعنيه الثورة الديمقراطية الجديدة ، أن يروجوا فى صفوف الطبقات الشعبية نظرة للمسألة الوطنية ليست قومية برجوازية و إنّما هي نظرة عمادها الأممية البروليتارية كفيلة بربط تيّار الثورة الديمقراطية الجديدة بتيّار الثورة الإشتراكية و بإعداد الأرضية للمرور إلى المرحلة التالية من الثورة أي الثورة الإشتراكية و غايتها الأسمى الشيوعية العالمية لتحرير الإنسانية جمعاء من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي أيضا.
و كيما نتجنّب الإطالة ، نحيل القرّاء الذين يودّون التعمّق فى تفاصيل موقف أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية بهذا المضمار أن يدرسوا برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي- اللينيني – الماوي ) الذى أخذ فى نشر أقسامه بالعربية شادي الشماوي على الحوار المتمدّن ، و حسبنا هنا أن نطلعكم على فقرتين قصيرتين من مقال لسنسارا تايلور نشر فى جوان 2007 ب " الثورة " كنّا إستشهدنا به آنفا :
" الثورة الديمقراطية الجديدة :
إن طريق القطع مع سلاسل الإمبريالية و تجاوز الإقطاعية فى الأمم المضطهَدة مثل إيران هو طريق الثورة الديمقراطية الجديدة التى تقودها خلافا للثورة الديمقراطية للقرون الماضية ، البروليتاريا - الطبقة العاملة- و حزبها الطليعي . و فى إطار الثورة الديمقراطية الجديدة ، من الممكن و السليم عموما التوحد مع طبقات أخرى . و بالتأكيد تتضمن هذه الطبقات الفلاحين فى الريف ، إلى جانب العدد الضخم من الفلاحين الذين ألقي بهم فى بؤس مدن الصفيح . كما يمكن التوحد مع فئات من الرأسماليين الصغار الذين لهم صراع حقيقي مع الإمبريالية حول ربط التطور الوطني بالمصالح العامة للإمبريالية. و يمكن بناء وحدة حتى مع قوى دينية غير تيوقراطية.وتصبح مكونات هذه الجبهة في قطيعة تامة مع كافة هياكل التبعية للإمبريالية و مع الاستعباد الإقطاعي كمرحلة أولى من البرنامج الثوري للتخلص من جميع ألوان الإستغلال والاضطهاد.
و يختلف هذا الطرح تمام الاختلاف مع برنامج النظرة المتخلفة للقوى التيوقراطية و الإقطاعية " التقليدية " . وأثبتت الثورات الديمقراطية الجديدة التى حدثت مثلا فى الصين أو فيتنام أن اجتثاث الأشكال شبه الإقطاعية كانت من أولويات المهام المطروحة. ووقع خوض هذه النضالات الحقيقية فى سبيل التحرر الوطني على قاعدة أهداف و طرق حرب مغايرة كليا لطرق الحرب التى يُلجأ إليها اليوم فى الشرق الأوسط ذلك أنها كانت حروبا شعبية إعتمدت على الشعب ووحدته للنضال ضد الإمبريالية . و حتى طريقة خوض الحروب و القوى التي عوّلت عليها كانت تعكس أهداف هذه الثورات و من بين هذه الأهداف مثلا تحرير المرأة ." ( إنتهى المقتطف ) .
ب- نقد أفاكيان لماو تسى تونغ نقد مبدئي صحيح :
" إذا كانت لدينا نقائص فنحن لا نخشى من تنبيهنا إليها و نقدنا بسببها ، ذلك لأنّنا نخدم الشعب. فيجوز لكلّ إنسان – مهما كان شأنه – أن ينبهنا إلى نقائصنا. فإذا كان الناقد مصيبا فى نقده ، اصلحنا نقائصنا ، و إذا إقترح ما يفيد الشعب عملنا به."
( ماو تسى تونغ ،" لنخدم الشعب" ( 8 ديسمبر – أيلول- 1944) ، المؤلفات المختارة ، المجلد الثالث)
كشيوعي ثوري لا يهاب النقد و النقد الذاتي ، خاض بوب أفاكيان فى التجارب الإشتراكية التاريخية للبروليتارية العالمية و إتخذ موقفا مبدئيّا من التراث الثوري لماو تسى تونغ فدافع عنه رئيسيّا فى وجه التحريفيين الصينيين و الدغمائية – التحريفية الخوجية و هذا لم يستطع حتى آجيث إنكاره . و ثانويّا شخّص ، و هو يضطلع بمهمّة تلخيص المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ، شخّص أخطاء و بمبدئية و بعيدا عن الليبرالية التى نهانا عنها ماو تسى تونغ ذاته نقدها من أجل تجاوزها و الإستفادة من سلبيّات التجارب البروليتارية مثلما يجب الإستفادة طبعا من إيجابيّاتها بغاية إنجاز ما هو أفضل مستقبلا .
ولأنّ المجال لا يسمح ، لن ننكب على بحث جميع نقاط النقد و إنما نكتفى بنقطتين متصلتين بموضوع الحال.
1- ماذا عن " جعل الماضي يخدم الحاضر و جعل الأشياء الأجنبية تخدم الصين "( 72)؟
ننطلق مع الجزء الأوّل من هذا الشعار الذى رُفع خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . كان المقصود منه الإعتناء بماضي الصين لجعله يخدم الحاضر الإشتراكي و هذا صحيح و لكن جزئيّا فقط لأنّه لم يحدّد بالضبط عناصر الماضي و بكلمات أخرى البروليتاريا و الشعب الصينيين و الثورة البروليتارية هناك ليسا فى حاجة إلى ما هو رجعي فى الماضي بل إلى ما هو تقدّمي لذلك ، من وجهة نظر شيوعية ، وجب النهوض بالمهمّة الضرورية إطلاقا أي إجراء تحليل للماضي و عدم القبول به جملة و تفصيلا أو العكس رفضه جملة و تفصيلا و الموقفان الأخيران وُجدا فى الصين .
و الشيء ذاته ينسحب على الجزء الثاني من الشعار فهو لم يعيّن محتوى الأجنبي ، لم يعيّن التقدّمي منه فقط . و نبذ كلّ ما هو أجنبي موقف خاطئ و غير بروليتاري بالمرّة و عكسه القبول به كلّه خاطئ و تحريفي أيضا ( موقف دنك سياو بينغ ) . و وجه النزعة القومية يتمثّل هنا فى رؤية علاقة الأشياء الأجنبية لا على أساس مضامينها التى تخدم بشكل أو آخر تقدّم الثورة البروليتارية العالمية بل على أساس خدمتها للصين لا غير .
2- ماذاعن النزعة القومية فى رسالة ال25 نقطة ( " إقتراح حول الخظّ العام للحركة الشيوعية العالمية " )؟
منذ أواخر سبعينات القرن العشرين ، صاغ الحزب الشيوعي الثوري نقدا تقييميّا لتلك الرسالة و أبرز النقاط الصحيحة الرئيسية فيها و فى نفس الوقت كشف نقاط ضعف و نقدها . و من تلك النقاط نزعة قومية تسرّبت إلى نصّ الوثيقة تمثّلت فى دعوة صريحة للأحزاب الشيوعية فى أوروبا للدفاع عن الوطن إزاء ما إعتبر تدخّلا و تحكّما إمبرياليّا من قبل الإمبريالية الأمريكية . وكان ذلك مواصلة لإنحراف قديم داخل الحركة الشيوعية العالمية سقطت فيه هذه المرّة حتى قوى الحركة الماركسية – اللينينية فى حين أنّه من منظور لينيني إنتهت المسألة الوطنية فى الأساس فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية و على الشيوعيين الحقيقيين أن يعدّوا و ينجزوا الثورة البروليتارية ضد برجوازيتهم الإمبريالية و يدينوا أية وطنية إمبريالية و يمارسوا الإنهزامية الثورية إن إندلعت حرب بين القوى الإمبريالية.
ت- الإمبريالية و جدلية الداخلي و الخارجي و العالم ككلّ أوّلا :
و فى الجزء الأوّل من هذه النقطة ينصبّ إهتمامنا على ما يقرّه حتى آجيث و هو أنّ العلاقات الإمبريالية بالمستعمرات و أشباه المستعمرات ليست علاقات خارجية و حسب بل هي أيضا داخلية كُنهية .على عكس ما ينظّرله الكثيرون من أنّ الإمبريالية خارجية (علاقات تجارية أساسا حسب بعض الإقتصاديين) فإنّ التحليل الذى أجراه الحزب الشيوعي الثوري لا سيما ريموند لوتا و فانك شانون فى " إنحطاط أمريكا " لتطوّر الإمبريالية فى ثمانينات القرن العشرين بيّن أنّ العلاقات الإمبريالية المهيمنة أدمجت العالم كلّه فى السوق الإمبريالية العالمية و قسمت عمل البلدان ضمنه . وعبر رأس المال المالي الذى صار هو الرأسمال الرئيسي و القيادي فى تركيبة رأس المال الإمبريالي ، و البنوك و إمتلاك أراضي و مصانع و شركات و التأثير على جهاز دول آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و القطاعات التابعة لها ... صارت العلاقات بين الإمبريالية و المستعمرات و أشباه المستعمرات علاقات إنتاج فى جانب هام جدّا منها كنهية داخل المستعمرات و أشباه المستعمرات سواء تعلّق الأمر بالملكية أو بالإنتاج أو التوزيع ما عمّق العلاقة بين المسألتين الوطنية و الديمقراطية و إرتباطهما و تداخلهما و عدم إمكانية إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة بعدم إنجاز واحدة من المهمتين الديمقراطية أو الوطنية . هذا من جهة و من جهة ثانية زاد فى إرتباط المستعمرات و شبه المستعمرات بما هو خارجي أي بما يجرى عالميّا و فى ظروف معيّنة يحدّد العالمي مجريات أحداث ما هو داخلي .
و فى الجزء الثاني نجلى معنى " العالم ككلّ أوّلا ". بالمرّة لا يتضارب التحليل الملموس للواقع الملموس مع هذه المقولة فالواقع الملموس على الكوكب و بالنسبة للمجتمع الإنساني ككلّ عالمي مثلما هو فى أجزائه محلي ؛ وإضافة إلى كون عالم اليوم ، فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، يحكمه تناقض أساسي هو التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الفردي للمنتوجات ، و إلى دمج الإمبريالية أكثر فأكثر المستعمرات و أشباه المستعمرت فى السوق الإمبريالية العالمية ، فإنّه ينبغى على الشيوعيين و الشيوعيات الإنطلاق فى تحاليلهم من الوضع العالمي الذى صار تأثيره هائلا حتى على ما هو داخلي فى بلد ما و ذلك لتحديد الحلقة الضعيفة فى سلسلة الإمبريالية و مستعمراتها و أشباه المستعمرات لتركيز الجهود اللازمة للحركة الشيوعية العالمية عليها فى ظرف معيّن ، كما عليهم تطبيقا للأممية البروليتارية وضع مصالح البروليتاريا العالمية فى المصاف الأوّل نسبة لمصالح قومية معيّنة لحزب شيوعي ثوري أو دولة إشتراكية و من واجب هذا الحزب و هذه الدولة الإشتراكية إن وجدت أن يقدّما التضحيات الجسام من أجل التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية و لو كان ذلك على حساب هذا الحزب و هذه الدولة الإشتراكية .
بإختصار " العالم ككلّ أوّلا " تعبير صائب وعميق و شامل عن واقع عالم اليوم و عن الأممية البروليتارية و عن الهدف الأسمى ، الشيوعية العالمية . وقد لخّص ماو تسى تونغ ذلك على طريقته الخاصة قائلا : إمّا أن نبلغ جميعا الشيوعية أو لن يبلغها أحد !



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأوّل من كتاب :آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم ...
- الحزب الوطني الإشتراكي الثوري – الوطد – و حزب العمّال التونس ...
- مقدّمة و خاتمة كتاب - آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم ...
- مواقف - يسارية - مناهضة للماركسية -- لا حركة شيوعية ثورية دو ...
- مقدّمة كتاب - صراع خطين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - ...
- الحركة الشيوعية الماوية – تونس لا هي شيوعية ولا هي ماوية !
- إلى كلّ ثوري و ثورية: لتغيير العالم تغييرا ثوريّا نحن فى حاج ...
- الخلاصة الجديدة للشيوعية تكشف إفلاس الحركة الشيوعية الماوية ...
- نداء إلى الماركسيين – اللينينيين – الماويين (2) : الرجاء درا ...
- الخلاصة الجديدة للشيوعية تكشف إفلاس محمد علي الماوي إفلاسا ش ...
- جملة من أخطاء حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد فى قراءة الص ...
- ماضي حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد و حاضره و مستقبله-الف ...
- إصلاحية الحزب الوطني الإشتراكي الثوري : الخلل و الشلل .
- مغالطات الحزب الوطني الديمقراطي الموحّد فى قراءة الصراع الطب ...
- تونس : نظرة ماوية للنضالات الشعبية .
- الخلاصة الجديدة للشيوعية هي الإطار النظري الذى تحتاجه الثورة ...
- إغتيال محمد البراهمي وضرورة نبذ الأوهام الديمقراطية البرجواز ...
- الثورة الوطنية الديمقراطية و تكتيك الحزب الوطني الديمقراطي ا ...
- أجوبة على أسئلة متصلة بصراع الخطين حول الخلاصة الجديدة للشيو ...
- بصدد بوب أفاكيان و الخلاصة الجديدة للشيوعية : محمد علي الماو ...


المزيد.....




- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الجزء الثاني من كتاب -آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية .-