أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - جرائمُ أميل زولا














المزيد.....

جرائمُ أميل زولا


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 10:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجريمة حدثٌ رهيب خطير، كيف يحدث؟ ما هي مسوغاته؟ كيف يقوم الكائن البشري المسالم فجأة بغرزِ نصلٍ في جسد قريب أو غريب؟
أكثر الكوارث التي مرت بها البشرية هي الجرائم السياسية، أليست الحروبُ هي أوامر من بعض القيادات لذبح جيوش وبشر كالأغنام؟
لا يتقابل البشر بين خندقين لذبح بعضهم البعض إلا لأسبابٍ معقدة في الأوضاع التي يمرون بها، أقربها للفهم والعرض هي اختلاف المصالح الاقتصادية السياسية بينهم، وقيامُ فريق للقفز على الظروف وقطع الرقاب للحصول على أهدافه!
الجريمة السياسية هي تتويجٌ للشر، ولعدم قيام قيادات الطبقات المتصارعة بالقبول بالحلول السلمية، والعدول عن الامتيازات التاريخية، وبجعل الديمقراطية حكماً، وبالتغيير السلمي المشرك للدول والمجتمعات ونفي الصراع الضاري على السلطات.
وحين لا يحدث ذلك يجري جر العمال والفقراء لحومات القتال تأييداً لهذا النفر أو ذاك.
الروائي الفرنسي الذي عاش طوال القرن التاسع عشر من الذين أدمنوا بحث الجريمة، وهي في أعماله وكتاباته لغزٌ من الألغاز، فهو يدعي بأن الإنسان يحوي كوامن وحشية غائرة في نفسه هي التي تتفجرُ في لحظات معينة مخيفة.
وإلا كيف نتصور هذا الفلاح المسالم الذي يعيش طوال عقود في القرية ينحني احتراما للآخرين، ويقودهم إلى بيته للضيافة، ولم يصدر منه أي فعل عنيف، كيف ينقلب فجأة إلى ضارٍّ متوحش يحمل بندقية أو يلقي زجاجة حارقة على سيارة؟
تعليل أميل زولا يقوم على أنه كائنٌ متوحش أصلاً، وما هذه المسالمة سوى مكياج حضاري تكرس خلال فترة تربية زائفة.
وحين سمحت ظروف الوحشية بخروج الغرائز فهو يقوم بخنق صديقه الضعيف الطيب في النهر متعاوناً بهذا مع زوجته الغادرة، كما في رواية(تريز راكان)، ولقد كانت هذه الشخصية المجرمة لا تجد في نفسِها شراً متأصلاً، لكن مع تصاعد التناقض بين جسم الزوج الهزيل المريض، وجسم القاتل القوي المزدهر بالحياة، وبهجة الزوجة فجأة من مشهد عضلات الرجل وحيويته وقدراته على ممارسة كل الوظائف بحيوية شديدة، حتى صعدت فيها قوى الحياة من جهة وقوى القتل من جهة أخرى، وألغت الذبول، وعانقتْ الحبَ والعيش والبقاء عبر الجريمة!
يخلق زولا التصادم التجريدي الحيوي بين قوة الحياة الحيوانية الضارية وبين ضعف الأجسام التي يجب أن تُداس وتُزال بسببِ عدم صلاحيتها للعيش!
هذه الرؤيةُ التجريدية غيرُ الاجتماعيةِ وغيرُ الانسانية هي إحدى بذور الفاشية حيث يحقُّ لأناسٍ من سحق آخرين لكونهم دون مستوى الحياة، ودون مستوى الحقوق، أو أنهم مغايرون للملِة والطائفة والدين والجماعة!
لكنها في وعي زولا تكتسب معاني الحياة والخلق وتحسين الأصول وغيره سيقول تحسين المجتمعات من الشاذين والمجرمين والمختلين والمختلفين!
تكمن في هذه الرؤى بذور الجريمة الحيوانية، فالاختلافُ الفكري السياسي يتحول إلى كراهية، وتغذيها الدعاياتُ يومياً، عبر الشحن، وتصورُ المختلفين كأناسٍّ طارئين جدد على المجتمع، أو قوى سُلبت حقوقها، وتقوم بنشر الكراهية التي هي سكاكين من كلام وقصص وأشرطة وخطب وتغذي في أتباعها عبر المنابر المقدسة وغير المقدسة أكل لحم البشر أحياءً.
سنرى لغات الكراهية الحيوانية لا تحمل أي صداقة أو حب، أو دعوة للعمل المشترك، بل هي تمزيق للخرائط السياسية التي بنتها الشعوب للعيش لتتحول إلى حروب بين القوميات والطوائف والأمم، وحين يجرؤ أحدٌ على تمزيق مثل هذه الخرائط، تندفع تيارات الكراهية والعنف عبر ممرات الجبال والحلوق والمقاصب والأحياء والأزقة، ولن يتم النظر إلى وجهات نظر أخرى، وأن الآخرين بشر مثلنا، وأن الآراء متداخلة، والشوارع جميعاً لنا، والاختلافات مؤقتة، والأحزاب تتبادل المصالح والمقاعد وتحسين شروط العيش!
فجأة تتحول الكائناتُ البشرية إلى ضوارٍ بفعل الغسيل الطويل للأدمغة وينقلب المسالم إلى وحش!



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبطالُ(الماو ماو) يتسولون في الشوارع!
- الباديةُ تصنعُ الروايةَ
- مغامراتُ الثقافةِ الكبيرة
- أزمةٌ عربيةٌ إسلامية عامة
- الراقصُ في الرياحِ السياسيةِ
- يمينٌ متخثرٌ
- المحافظةُ والحرياتُ
- النبلاءُ والبذخُ
- تحدياتُ اليمينِ المعتدل
- من اليسارِ المتطرفِ إلى اليمين المتطرف
- نقابيةُ رأسماليةِ الدولةِ الوطنية
- بؤرةُ الوهمِ حديثاً
- الأزمةُ والعقلُ
- بؤرةُ الوهمِ قديماً
- سحرُ البيانِ
- القمة المضطربة لأمريكا
- مصطلحُ (الحرة) الاقتصادي الاجتماعي
- المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب(2-2)
- المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب (1-2)
- في التطورِ العربي العام


المزيد.....




- حطم الباب وهرب.. خروف يكسب حريته بعد فراره من جزار بطريقة اس ...
- فيديو منسوب إلى حفيدة الخميني نعيمة طاهري.. ما حقيقته؟
- -إسرائيل الكبرى-.. الأردن يرد على تصريحات نتنياهو: خطاب تحري ...
- قبيل لقائه به.. ترامب يهدد بوتين بـ-عواقب وخيمة - ويحاور قاد ...
- صدام حفتر نائبا لأبيه .. مشروع توريث يعقد المشهد الليبي المن ...
- صحفيو جنوب أفريقيا يرفعون صوتهم من أجل غزة وينعون شهداء الحق ...
- بالفيديو.. الحرائق في سوريا تعود مجددا
- تعرف على مستويات الحماية الثمانية في أجهزة آبل
- لبنان يعيد رسم معادلة السلاح خارج الدولة
- قنبلة -إسرائيل الكبرى- التي ألقاها نتنياهو


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - جرائمُ أميل زولا