|
في التطورِ العربي العام
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4249 - 2013 / 10 / 18 - 05:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدول العربية ذات مستويات تطور مختلفة، وهي مشدودة ككل دول العالم إلى التطور التحديثي العلماني الديمقراطي، ونرى الآن كيف أن فرنسا هي قمة التطور الصراعي الاجتماعي الديمقراطي الحديث، حين نضج هذا التطور خلال القرون الثلاثة الأخيرة، وكون هذا المستوى الذي هو محصلة لمستويات التطور الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الطويلة. ومن هنا نرى النموذج التونسي ومقاربته لهذا التطور وكيف راح الصراع الاجتماعي يتبلور، فالطبقتان البرجوازية والعمالية واضحتان وضوحاً سياسياً كبيراً، فمنظمات قوى رأس المال والمصالح الخاصة، متبلورة مثل منظمات العمال والحرفيين والشغيلة عامة. أحزاب اليسار وأتحاد الشغل تعبر عن الانفصال الاقتصادي الفكري الذي لم يكتمل تماماً، فالفئات الوسطى الصغيرة وجمهور من الشغيلة كذلك لا تفرق بين الوعي الديني والحقيقة، فالوعي الديني الإسلامي المحافظ هو شكل الحقيقة لديها، ومن يعتنقه يعبر عن الناس ككل كما تتصور في وهمها الأيديولوجي. ولهذا فرغم ظروف عيشها الصعبة ومعاناتها من الاستغلال الحكومي حيث الرأسمالية الحكومية البيروقراطية مركز الاستغلال في العالم الشرقي، فإنها تؤيد هيمنة استغلالية جديدة على هذه المُلكية العامة وقد كانت باسم الحزب الدستوري وتغدو الآن باسم حزب النهضة. وقد ساهم وعي اليسار الجامد في هذا الوهم، فلم يفهم الإسلام الحالي كأشكال محافظة مذهبية معبرة عن الطبقات العليا الاستغلالية القديمة وبعض التفسيرات الجديدة المحدودة، وبالتالي كان لا بد أن يمتلك تفسيره الشعبي النقدي لرؤية الإسلاميين، لأن اليسار الديمقراطي هو وريث كل التجليات الشعبية المناضلة عبر التاريخ، ولهذا يهتم بكل الحقب التاريخية دون أن يذوب في مستوياتها الفكرية، وهو أمرٌ لا ينفصل عن علمانيته، وفصله الدين عن السياسة، وهو موقفٌ مركب دقيق كذلك. التبلور الفكري الناضج في تونس يحتاج لخلخلة الوعي المذهبي السياسي المحافظ واكتشاف جمهور النهضة لمصالحهم الطبقية المختلفة، وتجاوز الصيغة المحافظة هي مسألة قراءات معمقة في التراث وفي عمق الصراع السياسي الراهن. هذا التبلور بين الطبقتين الحديثتين نجده يتقارب في مصر والمغرب، ومصر استطاعت إحداث قفزة، لكن جمهور العمال والبرجوازية أو الفئات الوسطى عامة، متداخل هنا مع أجهزة الدولة، وإذ راح يبلور أيديولوجيته السياسية التحديثية في الدستور الجديد لا يزال يصارع من أجل هذه البلورة والانتماء الراسخ للديمقراطية الحديثة على النمط الفرنسي المتبلور. إن خروج الصراع الطبقي إلى الوضوح وإلى المؤسسات الديمقراطية الحديثة، وقد منعته مخاوفٌ أسطورية رهيبة خلال قرون، هو الحل السياسي المعاصر للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية. والأيديولوجيات الدينية هي ضبابٌ فكري سياسي راجع للعصور الماضية، وحين تتكثف وتمنع الرؤى الاجتماعية والطبقات والفئات من اكتشاف مصالحها والدفاع عنها بشكل حضاري تُحدث صراعات مَرضية في المجتمعات تدفعها للانهيار، فبدلاً من المصالح الحقيقية المتعارضة تظهر مصالح ذاتية معرقلة هي تدخلات الدول ونَزعاتها الدينية والقومية المعبرة عن قوى بيروقراطية وعسكرية وتقليدية. لهذا فإن تبلور هذا المستوى من التطور الاجتماعي السياسي في بعض دول شمال أفريقيا العربية لم يصل لدول المشرق العربي الإسلامي، الذي راح يغوص في صراعات ما قبل الحداثة، فالطبقتان الحديثتان المتبلورتان لم تظهرا على مستوى الخرائط الوطنية بوضوح من خلال أشكالها السياسية الاجتماعية وحضورها في المؤسسات العامة. ولهذا فإن كثافة حضور المنظمات الدينية المذهبية القومية المتصارعة يجسد هذا التخلف على المستوى الاقتصادي الاجتماعي. فهذه المنظمات لا تريد التعبير عن فئات بل كذلك عن مذاهب كلية وقوميات لم تتبلور وتعيش في اضطرابات خلال قرون، وهي بهذا تجرُّ الخرائطَ الوطنية للتمزق والحرق في أثناء انسحابها للعصور الوسطى. إن منظمات أرباب العمل والعمال خاصة في مستوياتها السياسية النقابية لم تتبلور وتغدو ذات أهمية وطنية، كما يحدث في تونس عبر تضامن ووحدة مؤسسات أرباب العمل وإتحاد الشغل على المستوى السياسي الوطني، مع وجود المصالح المتباينة على المستوى الاقتصادي. إن الدينيين ذوي العقلية المحافظة يفرضون نفوذهم في المشرق ، معطين الصراعات الاجتماعية البسيطة أشكالاً مذهبية وقومية رهيبة غير ممكنة الحل خوفاً من ظهور أشكال الحداثة الديمقراطية التي تنزع سلطاتهم المتكلسة عبر قرون.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضد الانحدار المشترك
-
في جدلِ المعارضة
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (2)
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (1-2)
-
نقابيةٌ مستقبليةٌ
-
تراكمُ الإرثِ النضالي
-
الشباب والماضي
-
السيرُ للوراء
-
حين تتسعُ الرؤيةُ تتطورُ العبارةُ
-
علاقاتُ الوعيين القومي والديني
-
القوميون في الخليج (2)
-
الحركةُ القوميةُ في الخليج (1)
-
الإيديولوجيا والواقع في الخليج
-
العداءُ للرأسماليةِ في الخليج
-
اليسارُ في الخليج (2)
-
اليسارُ في الخليج (1)
-
أشكالُ الوعي التي تتردى
-
تطورٌ واقعي حذر
-
تباين طرقِ التطور العربية
-
صناعتان وسياستان
المزيد.....
-
صحة غزة: تسجيل أعلى حصيلة قتلى منذ أسابيع وسط دراسة إسرائيل
...
-
نتيجة مثيرة للقلق.. دراسة تكشف الآثار الصحية لامتلاك الأطفال
...
-
ماذا نعرف عن -حصار السويداء- ؟
-
نيسان تبهر العالم من جديد: سيارة كهربائية بمحرك بنزين
-
خطة حصر السلاح.. بين حسم لبنان الرسمي ورفض حزب الله
-
مرصد حقوقي ينذر بمذابح جماعية -غير مسبوقة- إذا نفذت إسرائيل
...
-
واشنطن تعلق إصدار التأشيرات لمواطني بوروندي بسبب -انتهاكات م
...
-
رجل أعمال مقرب من زعيم المعارضة النيجيرية يثير قلق الرئيس وح
...
-
مظاهرات في النمسا تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل
-
مستوطنون يشرعون بإقامة بؤرة استيطانية غرب الخليل
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|