المال 1983(روبير بيرسون): ...(السينما التي يمارسها بيرسون مجردة إلى أبعد الحدود)...

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 22:56
المحور: الادب والفن
    

دجثت ضجة في كان عام 1983...بعض الجماهير بدأت بالصفير احتجاجا على حصول فيلم على جائزة في ذلك العام...
إنه فيلم المال للمخرج الفرنسي الراحل (روبير بيرسون) الذي أنجز هذا الفيلم وهو في الثمانين من عمره خاتمة لمسرة هادئة وقوية خلفت من ورائها 13 فيلم(من ضمنها هذا الفيلم) لمخرج يصح ان نقول عنه بأنه لم يكن ذائع الصيت أبدا...
توفي روبيرت بيرسون عام 1999 وظل طوال ستة عشر عاما-من تاريخ انتاج فيلم المال وحتى تاريخ وفاته-يحلم بتصوير فيلم عن سفر التكوين الانجيلي ولكنه لم يحصل على التمويل اللازم لذلك...
على العموم،فنحن سنتغاضى قليلا عن الضجة التي حدثت في مهرجان كان،فبيرسون وعلى الرغم من مكانته العملاقة في السينما الفرنسية إلا أن أفلامه كانت من النادر أن تثير جدلا طويلا بين أو مناقشات حادة بين جمهور النقاد أو االفنانيين على السواء فهذا المبدع المخرج والرسام تميزت كل أفلامه بانها ما أن يسطع بريقها حتى يخبو مجددا وبسرعة،ولعل هذا يشبه ما قاله بيرسون عن نفسه وعن السينما،كما قال في اقتباس مباشر عنه:
أنا أحب السينما لأني اعرف بأنها سوف تفسد...أنا لا أؤمن بخلود الفن
على الأقل فأفلام بيرسون لازالت تذكر بين الحين ولآخر محافظة على عدم سطوع البريق وعلى اسم بالكاد هو معروف بين الجمهور...فأفلام بيرسون دونا عن كل المخرجين المشابهين له لم يحقق أي منها أي نجاح جماهيري يذكر...
وكأمثلة على نجتاح جماهيري غير متوقع،فهناك الانفجار لأنتونيوني وعند بيرغمان هناك البكاء والهمس وعند فلييني هناك 8.5...الخ
ولكن وللأسف لا يوجد ولو حتى فيلم واحد عرّف هذا المخرج على الجمهور،وإذا اردنا أن نشرح ذلك وباختصار فهذا يقودنا إلى أن بيرسون بالأساس ظل يعامل السينما كفن تجريدي بحت دون أن يزيد عليها أو حتى ينقص وهذا أمر لم يعجب الجمهور أبدا...
فيلم المال مقتبس عن رواية للكاتب الروسي ليو تولستوي بعنوان(FALSE) مستخدما جزء واحد من الرواية مستلهما هو بنفسه الباقي...
القصة التي يسردها بيرسون بسيطة للغاية، ...آرجو سائق شاحنة لتوصيل المحروقات يقوم باستلام نقد مزور بكل طيبة وحسن نية،وهذا الأمر سوف يقلب حياته رأسا على عقب,فهو سوف يفقد عمله وبلتالي سوف يلجأ إلى أعمال جرمية لكسب عيشه سوف تودي به في النهاية إلى السجن.
هذه القصة في سرديتها تقوم على ذلك،وقلنا أن بيرسون يعتمد على البطل المركزي التي تدور كل الأحداث عليه ومن حوله للوصول إلى القصة،ولا ننكر بأن المخرج قد بالغ جدا في التقرير ليصل إلى الذي يريد أن يقوله عن (الجرم-والخلاص) وصولا إلى طرق غير مقبولة وغير مستساغة أصلا،الأمر الذي يجعلنا نقول بأن الفيلم ضعيف جدا من الناحية السينمائية.
تكثيف وتركيز مشهدي عالي على اللقطات التي يبرز فيها المال،وسينما في غاية التقشف،وحوار يعبر عن المقصود ليس إلا.
ونحن نستطيع أن نفهم بكل سهولة أن كلمة المال كناية فقط عن الحاجة (لاأكثر) ومن ثم الظلم...ومن ثم الغضب،وهنا نصل إلى النتيجة في محور النقد ألا وهي أن الفيلم يستخدم قالب غير ذكي للتعبير عن ((الاخلاقيات)).بيرسون يركز على الحدث الدرامي بشكل عالي بحيث أن كل نقطة في الفيلم مرتكزة على القيمة الأصلية ...
والتشبيه حاصل عندما نقول أن أفلام بيرسون عبارة عن قيمة مطلقة ليس إلا...لذلك فتكثيف الحدث عند بيرسون غير مجدي على الاطلاق...(السينما التي يمارسها بيرسون مجردة إلى أبعد الحدود)...
ويوصلنا بيرسون إلى مرحلة التأكيد عندما يقر أن تموت ابنة البطل وتهجره زوجته ليقفد الامل ...
يمارس فعل القتل بكل برود احيانا يبدو مفهوما ويبدو في احيان اخرى غير مفهوم عندما يقتل عائلة طيبة استضافته وهو عابر سبيل ...ولكن كيف يتحقق الخلاص...
يقدم بيرسون نهاية اكدت ان الفيلم عبارة عن قيمة مطلقة وقصة مقصودها ليس سينمائي ابدا وفاقدة ايضا للحنكة الأدبية عندما يقرر آرجو أن يسلم نفسه...
سينما محضة وليست شخصية أبدا...انها السينما كطريقة أو اسلوب للحكي ليس إلا،وهنا سارت القصة وفقا لمسارها الصحيح المرسوم من قبل المخرج تماما:تكثيف الظلم على شخص معين يصل احيانا إلى التقرير...
يقول بيرسون في معرض مقابلة معه:
الفن لايستطيع أن يوجد من دون مفاجآت وأنا أحاول أن اجعل الفكرة تنبثق تلقائيا وهي الطريقة الوحيدة التي استطيع العمل فيها....
اقتباس آخر على لسان المخرج:رينوار قال الكثير من الاشياء التي لم تكن دائما صحيحة

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل