سينما براديسو1990(جوسبي تورانتوري): حكاية افضل فيلم يتحدث عن السينما نفسها

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4138 - 2013 / 6 / 29 - 01:47
المحور: الادب والفن
    

سينما براديسو1990(جوسبي تورانتوري):حكاية افضل فيلم يتحدث عن السينما نفسها
هو من افضل الافلام التي حققت في أواخر القرن المنصرم،وعلى موقع قواعد بيانات السينما وضمن آراء المصوتين يعتبر من ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية،ونحن إذا استثنينا كل هذا،فسينما براديسو من الممكن اعتباره أفضل فيلم يتحدث عن السينما نفسها...
الفيلم من اخراج الايطالي(جوسبي تورنتوري) ومن أفضل من الايطاليين ليتحدثوا عن السينما...على العموم فهذا الفيلم صفق له فليني بشدة...
لفيلم يبدأ من الحاضر ليعود بنا إلى الماضي(Flash Backا) قبل ثلاثين عاما من خلال عيون طفل.
سلفاتوري الآن مخرج كبير متميز لكنه لم يحضر منذ ثلاثين عاما إلى قريته الأصلية (صقلية) ولكن زوجته تخبره بأن امه اتصلت وهناك شخص يدعى الفريدو قد توفي،وهنا يبدأ سلفاتوري بالاسترجاع عندما كان طفلا قبل عام واحد من اختراع التلفزيون...
سلفاتوري يعود طفلا الآن باسم(Toto) وهو يعمل كمساعد لقديس ولكنه يحضر القداس وهو نائم ويقرع الجرس متأخرا ويعلق القس(وهو شخصية كوميدية بالمناسبة) أن تأتي متأخرا أفضل من لاشيء؟!
الفيلم,ومع استباق قليل للأحداث في كثير من لحظاته قريب من فليني...هناك عناصر معينة نستطيع أن نلمح عليها بالذات:هناك الشخصية الايطالية القروية المرحة-حتى لو كانت شخصيات فليني مبالغ فيها أكثر وأقرب إلى الخبل في بعض الأحيان...ومعاناة فليني مع رجال الدين (فيلم الحياة حلوة وتلميحات في فيلم 8.5) ومشهد الاستمناء في السينما القادم لاحقا في هذا الفيلم..كل هذه العناصر لايمكن اغفالها وتذكرنا طبعا بسيد السينما الايطالية فدريكو فليني
الفريدو رجل أريعيني مشرف على آلة العرض السينمائي projectionفي السينما الوحيدة في القرية(سينما براديسو).
القس يشاهد العرض السينمائي لأول مرة منفردا ليقوم بدور الرقابة،ونستطيع نحن أن نصدق ذلك لأن للسلطة الدينية دور كبير في تلك المجتمعات النائية التي تتسم بالبساطة والجهل.
توتو يصر على مشاهدة العرض ويشاهده بسعادة كبيرة(على الرغم من رفض القس لذلك) ونحن نتابع الآن فيلم جين رينوار الشهير قواعد اللعبة....
القس يمسك بيده جرسا صغيرا ويحرك يديه به ليعلق على كل لقطة يريد حذفها...
هنا نستطيع التعليق الكثير على هذه اللقطة....نستطيع اعتبارها تطور تاريخي...أو انتقاد حاد...أو تهكم...وكل ذلك يصلح،وتصلح أيضا كمقارنة عما كانت عليه السينما في الماضي وما هي عليه الآن.
من قمة التفاعل الكوميدي(الناعس) إلى قمة التفاعل الكوميدي الغاضب يرفع القس الجرس إلى الأعلى محدثا صوتا عاليا غاضبا(مشاهد القبل بالنسبة إليه بالنسبة إليه ممنوعة)....توتو يشاهد كل ذلك بابتسام بالغ.
توتو مصر على مشاهدة الفريدو وهو يعمل،ومع شدة عناده يرضخ ألفريدو لتعليمه وهنا تتنوع معطيات هذه الحكاية:
هي حكاية عن السينما نفسها...عن قرية شعبية ايطالية...عن طفل أحب السردية السينمائية منذ صغره...
النيجاتيف الممنوع يقص وفقا لأجراءات المونتاج،ويطلب توتو من ألفريدو أن يحتفظ بهذا النيجاتيف الممنوع طبعا،ولكن ألفريدو يرفض ولكن توتو في النهاية يحصل على كتلة كبيرة من النيجاتيف وسيكون سعيدا جدا بها بل ويعمل على محاكاتها وتقليدها من خلال النظر إليها...
نشاهد ذي زمن الفيلم اعجاب وتفاعل مع السينما،وهذا ليس من المبالغة طبعا،فالزمن والعصر الذي يحكيه الفيلم السينما كانت فيه شيئا جديدا مستحدثا،والفيلم متعمدا يقدم تحية لكبار رموز السينما،فكما ذكرنا رينوار ومن ثم شابلن ومن ثم الارض تهتز لفيسكونتي...
تتطور العلاقة بين توتو وألفريدو إلى شيء أشبه بالحبوالصداقة الحقيقية....
هناك قصتان في الفيلم تدوران من خلف قصة حقيقية واحدة:
قصة عن واقع توتو المر الذي أيقن الأن أن والده قد مات،وقصة عن سينما براديسو،والقصة الحقيقية التي تدور من خلفها الأحداث هاتان القصتان هي السينما دائما....
كل شيء يحدث في قاعة السينما...قصص الحب والمقالب...قصص الحب تتطور إلى زواج...ممارسات جنسية...رضاع الأطفال...سكارى،وكأن تورتاري يرصد عالم متكامل...مجتمع متكامل داخل هذه القاعة.
آبرا كادابرا...ينطق ألفريدو بسحر السينما...يعرض الفيلم على حائط في الخارج(ميدان) فتتحول المشاهدة إلى مشاهده فيلمية في الهواء الطلق...في مشهد يعتبلا من أجمل مشاهد الفيلم...
تحترق آلة التصوير أثناء هذا العرض ويصاب ألفريدو بالعمى،وتوتو فقط هو الذي ينقذ حياته...وتنتهي هنا أول وأجمل 51 دقيقة في الفيلم.
أحد أغنياء المدينة يعيد بناء سينما براديسوويطلق عليها سينما براديسو الجديدة،بسلطة جديدة وهي السلطة الرأسمالية وهي أقوى من السلطة الدينية في العالم الحديث،وتوتو الصغير هو الذي سوف يسير آلة العرض وأمه فخورة بذلك،وسيأتي ألفريدو الأعمى لزيارته في سينما براديسو الجديدة...يشاهد الجمهور أول قبلة...وهناك مكان لأفلام بريجيت باردو والاغراء ومكان أيضا للعاهرات والدعارة،ومكان لاستمناء الصبيان...سينما براديسو القديمة والبسيطة أنتهت على تأخرها وجمالها في نفس الوقت...انتقلت لمعطيات حقيقية موجودة لانستطيع انكارها.
يحضر سلفاتوري جنازة ألفريدو،والكشهد الأخير في الفيلم هو موت ألفريدو وهدم سينما براديسو لأن الفيديو والتلفزيون ساهموا في دحض انتشار هذه السلعة،ويترك ألفريدو تذكار هدية(علبة النيجاتيف القديمة) ذات المشاهد التي منعها القس ذات مرة.
فيلم سينما براديسو يذيب المشاهد في شاعريته وخفته،وهو ليس سيرة حياة بقدر مت هو عبارة عن حب لتأريخ عن حياة سينما من وجهة نظر معينة،وأول 51 دقيقة في الفيلم وبعض الدقائق في النهاية كانت كافية ليحصل الفيلم على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي ....انتقالة تورتاري من خلال حدث عمى ألفريدو كانت انتقالة مستسلمة لم تستطع أن تحافظ على مستو واحد فعلي لمجرى أحداث الفيلم الأمر الذي أثر على مستواه الفني.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات