|
الضيوف الذين مرَّوا سريعاً في الوهاد
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 22:58
المحور:
الادب والفن
عصور جافَّة رفعنا بين أطلالها بيارقنا وبكينا الضيوف الذين مرَّوا سريعاً في الوهاد ...
مفاتيح متشقَّقة أضاعتها البشرية في الوابل العظيم للطوفان ، وصفا غفرانها للفعل المأبون للألوهية . تغيّرات غير منضبطة ومتواشجة مع السأم في العالم ، نتلو عليها إنشادنا المقيَّض له أن ينقذنا من الإذعان الدائم للهوّة ، لكنَّنا نفسد كرامتنا ونتردَّى في توسّل الإحسان . عصور جافَّة رفعنا بين أطلالها بيارقنا وبكينا الضيوف الذين مرَّوا سريعاً في الوهاد ، وكلّ ما لا نتيقَّن منه ، يتحفنا بالرضاب المتعفَّن لمصائرنا وهي تتمدَّدُ فوق الأيكة العتيقة للوجود . مفسّرون كثيرون عجزوا عن فهم الشرائع التي تجذبنا الى التغلّغل في الفناء ، وكلّ ما نوقَّرهُ ونبحثُ عن غايته ، إعتقاد لا يلائم الفزع الأزلي للفرد . ضروب فظيعة للشرّ يسقط في شراكها الملوك والفلاسفة والفلاّحون والقادة والحرفيون والأمراء . يغيبون في أعماق الطوفان الدائم ، ويخمل ذكرهم . لا فضيلة ولا منْقَبة تبقى للإنسان المتمرّس في صراعه مع لحظة حتفه .
أغاليط جمَّة وقعوا فيها وعذرناهم حين أيقظوا النسيم في جحيم حياتنا ...
رطوبة شديدة تُزنَّر فصول السنة ، ولم نجن أيَّة ثمرة من أشجارنا المتدلية على الهاوية . يَتذَّرع كهنتنا بخطأهم في إطلاق الأحكام ، لكنَّنا نعرف زيف ما يحتاطون منه في لحظة الهلاك ، ومراقبتهم لضيوفنا الطيور ، تشعرنا بالإهانة وتنزع عنّا إنجذاباتنا الإيمانية لكلماتهم التي تصدح مخدَّرة في الهاجرة . أغاليط جمَّة وقعوا فيها وعذرناهم حين أيقظوا النسيم في جحيم حياتنا ، لكنَّ المتشكَّكين منّا بحقيقة الجثث المسلوخة والمعلّقة فوق الأبنية التاريخية . لا يضمنون لنا الراحة في منازلنا والكهنة يهيلون على أيّامنا لعناتهم التي تعجُّ بالأسقام ، وتنحّي أطفالنا عن حياتهم ، وفقداننا لآلات الحصاد . نندثر برباط الواجب الذي يحتّمه إنصياعنا لهم ، ونطمر الفعل الذي يروَّعنا منهم في سخام الأفياء الجافَّة لفصول سنتنا .
إلهة الحبّ .. إله الحرب ...
أقلية مُتعصَّبة تعيشُ بينَ ظهرانينا . ترغبُ في تقليدنا بإنصياعنا الى آلهتنا وكهنتنا . نعرفُ تعطّشها الى عسل الشمس ، ومحاولاتها الدؤوبة لاسترداد إلهها الذي هجرها ، لكنَّ ما يسوَّي بيننا وبينها ، يدعو الى العجب . الشيوخ يحرَّضون الشباب على سلبنا إله حصادنا ، أو إله المراعي ونحنُ نرشدهم الى غاية أخرى ، وهم لا يتيّقنون إننا لا نستطيع التفريط بأيّ معبود . كولومبس في تخمينه قبل عبور الهوّة الى حلمه ، رأى أصنافاً مزدوجة من الغيلان التي تنثر دموعها في الريح وتثرثر بحميمية العظام . مخيّمات كثيرة يحيا فيها العلجوم ويصوّب سهامه نحو الملائكة الطائرة فوق الأشجار ، والإيمان انعتاق من العقل ومن الكلّيات العظيمة للحياة ، وفي فتحنا للمظاريف ، تواجهنا معضلة انتظارنا للشفاعة المخزية . الضغينة تضيق ، واقامتنا في الشواطىء قصيرة في الصيف ، وبعد حجج كاسحة . أقنعنا الشيوخ بشراء آلهة من شعوب الضّفة الأخرى ، والكفّ عن جعلنا مضطربين في حراستنا لآلهتنا . أرسلوا رسولهم برفقة التجّار وأبحروا في الصباح . بعد تطواف طويل ومساومات أجبروا على قبولها . اشتروا إلهة للحبّ ، وإلهاً للحرب ونسوا أن يشتروا إلهاً يشفع لهم في حياتهم الأخرى . حملوا الآلهة فوق رؤوسهم وعادوا تجلَّلهم البروق . في خشوعهم لآلهتهم الجديدة ، وفي إحساسهم بالعظمة . امتلأت آبارهم وسطوح بيوتهم وحقولهم بالأفاعي والزنابير والعقارب . إستجابتهم للشرّ خذلهم فيها عدم توخَّيهم الحذر من نيران الحبّ والحرب التي اشتروها بثمن بخس ، ولم ينفعهم تمحّصهم في النهاية وهم يتساقطون صرعى في أرض نفاقهم .
19 / 6 / 2013
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيّام العزاء على النسَّاجين
-
نحلة طفلة يطرزون لها أغطية تشبه أيّامهم
-
الحيطة لكلّ طارىء
-
الشراك التي أضاعوها في شبابهم
-
ولادة الشجرة لطفلها أثناء الفجر
-
مجابهتنا لما ينحاز الى موتنا
-
الجمال الانساني
-
الأغصان المصفوفة للأيّام
-
أسلاف الهاوية
-
الشعوب التي تعيش معنا
-
العوالم الأخرى
-
صلاتنا الصيف كلّه
-
العادي والزائل
-
الجمال النسوي
-
في مسيرنا ونحن نحتشم من أسقامنا
-
الأجل الذي يتوفَّاهم
-
الاحتياط من الطوفان
-
ما يطمح اليه الغريب في بابل
-
في اخوّتنا للأشياء المفزعة
-
احتياجنا للكتَّان في يوم العيد
المزيد.....
-
بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني (
...
-
مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
-
الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال
...
-
بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد
...
-
مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
-
إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
-
-قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا
...
-
وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا
...
-
مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال
...
-
-قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|