أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (1 -2)















المزيد.....

دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (1 -2)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4068 - 2013 / 4 / 20 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


فيدور ميخايلوفيتش دوستويفسكي (1821-1881) من مشاهير الكتاب الروس العالميين، ابنُ فئةٍ متوسطة، تمكنَّ من التحصيل العلمي الجيد، (كانت المنطقة التي يعمل فيها والده الطبيب شديدة الفقر والتأثير على وعيه كصبي: كانت المستشفى مقامة في أحد أسوأ أحياء موسكو. حيث كان يحتوي هذا الحي على مقبرة للمجرمين، ومحمية للمجانين، ودار ايتام للأطفال المتخلى عنهم من قبل أهاليهم)، موسوعة ويكيبيديا.
كان ارتباطهُ بحركةٍ اشتراكية خيالية قفزةً كبيرة في حياته مثلّت أقصى اليسار الذي وصل إليه، وفي هذه الفترة كانت ثوراتُ العمال في أوروبا (1848)، فقامت الشرطةُ القيصرية بإلقاء القبض على المجموعة، وجاءت معاناةُ دوستويفسكي المريرة في السجن والتي تركت بصماتها الساحقة على رؤيته.
لقد تدلى حبلُ المشنقةِ حول رأسه وحُوصر في السجن ومنطقة سيبيريا، وسُمح له بعد سنوات بالاستقرار في المدن. هذه الحياةُ في الزنزانةُ تركت آثارَها العميقةَ على كتاباته وكوت روحَهُ بمطلب الحرية لشعبه.
في بداياتهِ التأليفية توجه إلى الأعمال التاريخية الكبيرة، مقتدياً بشكسبير وشيلر وفيكتور هوجو، واتخذت هذه الأعمالُ غيرُ المنشورةِ طابعاً رومانسياً، معبرةً عن توجهه نحو قضايا كبرى تعيشها شخصياتُ الملوك ورجالُ الدين وغيرهم، متحدثاً في رسائله لأخيه عن أعمال مليئة بالشخصيات العملاقة والتصادمات الكونية، لكن هذه الأعمال تناقضتْ ورؤيته المدفونة تحت اللا وعي، فتحدث عن أهميةِ قراءة الصحف ودورها في إشعال الكتابة، وأهمية التفاصيل والأحداث اليومية، ولهذا حين ظهرت روايةُ غوغول (المعطف) قال كلنا خرجنا من تحت معطف غوغول.
الاتجاه نحو الحياة الواقعية بحسب هذه الرؤية المتشكلة خلال سنوات التجريب التاريخي المسرحي ومعاناة السجن وذكريات الأسرة والحي والوعي الإيديولوجي توجهتْ به نحو كائناتٍ بشرية معينة، فمعطفُ غوغول يشيرُ إلى المسكين العاجز عن شراء المعطف وهو يتخيلُهُ حتى يتقصمه ويلبسه ويحلق به، إن المسكنةَ والفقر والانسحاق هي علاماتُ الشعب الروسي في الحكم القيصري القاسي، وهي المسيحيةُ التقليدية، وإذ يحاول دوستويفسكي الطيرانَ بالفكر الاشتراكي الخيالي ويتحطم تحت صخرة النظام في شتاءات سيبيريا وعزلتها وشظفها وحرمانها من الفرح، وينتزعُ فكرةَ الثورة من نفسه ويعيش ذل الفقراء ويتعمدُ روحياً بالمسيحية تتالى رواياتُهُ في كلِ حياته عن هذه الثيمة المريرة: ذكرياتٌ من بيت الموتى، ومذكراتٌ من أعماق الأرض (الإنسان الصرصار)، ومذلون مهانون، والزوج الأبدي الخ.
العلاقاتُ الرومانسية بينه وبين شكسبير وشيلر وفيكتور هوجو التي تحددُ أفقَهُ العامَ المثالي الواقعي، الجامع بين المحبة المسيحية والاشتراكية العاطفية، ستغدو منحى متوارياً يكشف صراعات عميقة روحية غير محلولة في عالم بلا صراع طبقي، لكن ما هي القسمات الفنية الفكرية الداخلية لعالمه؟
إن روسيا الإقطاعيةَ التي تجرجرُ علاقاتٍ عبوديةً ما تزالُ مثقلةً بالتخلف ولم تزلْ العلاقاتُ الرأسمالية المتغلغلةُ حديثاً لا تمثللا نقيضاً ذا أهمية.
في هذا المحتوى الاجتماعي التاريخي الأساسي حيث التخلف وشكل الانتاجِ الفظ الرثِ ليس ثمة قوة تغيير نضالية مؤثرة، وبين الاشتراكيةِ الخيالية والإرهاب الشعبي صلاتٌ خفية يربطها غيابُ طبقاتٍ مدنية مهمة مؤثرة، فتغدو الأحلامُ وأشكال الإرهاب الفردية أساس المعارضة.
هذا المحتوى الاجتماعي التاريخي تعكسه رواياتُ دوستويفسكي بشكل عام، ففي تحوله عن الجماعاتِ المعارضة العنفية تغدو الثورةُ وتحليلُ الصراع الطبقي فنياً مَنفيين من عالمه، ونقد وتعرية الرأسمالية غير ممكنين، وقد كان عالمه الفلاحي مغيّباً، فانقطع عن صراعاتِ البنية الاجتماعية الأساسية.
لكنه فنانٌ مهتم بنمو الرأسمالية بشكل خاص، فقد كانت علاقته ببلزاك ناقد الرأسمالية الأكبر بذلك المستوى التحليلي الجزئي، وطيدةً، فقد ترجم روايةً له، وغدت أعماله متأثرة بقوة ببلزاك حيث اقتبس العديد من الموتيفات الفنية منه.
(لقد تم أكثر من مرة، الكشف عن كل الأعمال الأدبية التي استطاع أن يأخذ منها دوستييفسكي خطة عمله. إن بإمكاننا أن نعثر في كتب لـ.كروسمان على تحليل مفصل لهذه المنابع. لقد اعتقد لـ. كروسمان إن رواية بلزاك تستطيع أن تشكل هذا النبع!)، (نظرية الأدب، تأليف عدد من الباحثين السوفييت المختصين بنظرية الأدب والأدب العالمي، وزارة الثقافة العراقية، 1980، ص 360).
إن بلزاك المفعم بتحليلِ الرأسمالية لن يعطي دوستويفسكي هنا شيئاً، فالرأسماليةُ الروسيةُ ضئيلة، و الأشكالِ المالية الواسعة كافةُ في فرنسا ليست بذات الحضور في روسيا الإقطاعية- العبودية التي تتحرك حينئذ ببطء في الرأسمالية، ولهذا كانت استفادة دوستويفسكي من بلزاك استفادة اجتماعية شخوصية، ولكن الرأسمالية المبكرة هذه، الصقر الذي يحوم على جثة روسيا الإقطاعية، ستتجلى في أعماله كذلك بحجمها المقّزم، ولهذا سنجد العناوين ذات دلالة أولى: في رواية (الجريمة والعقاب): تدور الحبكةُ حول قتل مرابية، حيث يعني ذلك الاعتداء على رأس المال المُضمَّر، المهاجَّم، وحيث البطل يبحثُ عن رأس المال ليقوم بتغيير اجتماعي ضيق كما يدعي. وفي رواية (المراهق) يحلمُ البطلُ أن يكون روتشيلد المليونير، هذه هي (فكرته) المحورية كما يعيش ويفكر. وفي رواية (المقامر) يبحث البطل عن الثروة من خلال القمار. هذه روايات القمة حيث أخذت العلاقات المالية تلح بقوة على الوعي الفني للمؤلف.
لكن أغلبية الجمهور لا تعيش في علاقات رأسمالية، إنه جمهور ينهار في القمة الارستقراطية وسيكون حشدُ الشخصيات من هذا التحلل العلوي، فيما الطبقاتُ الشعبية تخرج من القنانة، ولم تعش بعد أعماق الرأسمالية، ويصطدم هذان المستويان بأشكال شتى.
ولغياب هذا الصراع الطبقي الحديث، فإن الصراعات تبرز في المستوى الاجتماعي، وخاصةً في بؤرته بؤرة العائلة.
في بؤرة العائلة تتكشف صراعاتُ المجتمع وتحلله، وعجزه عن التقدم المتطور، وهي صراعاتٌ تعبر عن رؤية المؤلف المنسحب من تحليل الطبقات وصراعها، حيث تغدو له هذه المواد العائلية المضطربة في أوار التحول الهائل لروسيا مادةً تحتية لأبنيةٍ فنيةٍ تحليلية روحية ونفسية وفكرية ذات ظلال متوارية بعيدة. ولهذا فإن هذه التحليلات تغدو معلقةً في فضاءٍ مجرد، لا تُرى في سيرورة النظام الإقطاعي المتحلل، ولا تتغلغلُ فيه لرؤية العلاقات الرأسمالية الجديدة النافية له، ولهذا فإن آراء الكاتب الإيديولوجية المضطربة لا تسيطر على التحليلات الاجتماعية الروحية، حيث يتم التغلغل في الشخوص والعلاقات والاضطرابات في مستواها الفردي الجماعي.
إن الماضي والمستقبل لا يظهران، والواقع لا سيرورة تاريخية له، وهناك التحليل المَوضعي للحدث، وللشخصية، والذي يقود إلى شبكةٍ واسعة من الأحداث والشخصيات، تبين ذلك التحلل الإقطاعي، في غياب الأفق المستقبلي، وفي غياب منظومة اجتماعية أخرى صاعدة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسيةُ (6)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسية (5)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسية (4)
- وجهانِ لعملةٍ واحدة
- عودةٌ للعصورِ الوسطى سياسياً
- لجنة العريضة والتحولات السياسية (3- 3)
- لجنةُ العريضةِ والتحولاتُ السياسية(2)
- لجنةُ العريضة والتحولات السياسية
- محمد جابر الصباح: الوطنيةُ الباقيةُ
- ليست معارضةً بل مشاكسةً!
- المستقبلية في العمل السياسي
- أمةٌ تتأرجحُ على حبالِ التاريخ!
- البرجوازيةُ الصغيرة والمدارسُ الفكرية
- شعاراتُ الرأسمالياتِ البيروقراطية
- الربيعُ العربي اضطراباتٌ ضد أسلوبِ إنتاجٍ متخلف
- حركةُ الهيئةِ بين التغيير السلمي أو الانفجار (3-3)
- حركةُ الهيئةِ بين التغييرِ السلمي أو الانفجار! ( 2)
- حركةُ الهيئةِ بين التغيير السلمي أو الانفجار (1)
- ثقافةُ الرادودِ
- الاستهلاكيون وخفوت الوعي


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (1 -2)