جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 17:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عام 1957 تأسس حزب الدعوة كحالة رد فعل على الحركات العلمانية الناشطة أنذاك, والتي كانت تتمثل بمجاميع الوطنيين والشيوعيين والقوميين والبعثيين. وهو, وكأي رد فعل آخر, ليس سهلاعليه أن يتحرر أو ينفك أو يبتعد عن طبيعة الإرتباط مع الفعل الذي أنجبه, وليس كما يراهن البعض في هذه الأيام مؤكدا على أن هذا الحزب, وخاصة وهو في السلطة, قد بدأ يتفاعل مع السياسة بمنطق هو غير ذلك الذي كان في مرحلة التأسيس. لأن أفضل ما حدث كان محاولة الحزب مكيجة وجهه بطريقة تجعله أكثر تناغما مع ضغوط الواقع, إذ راح يقدم نفسه من خلال خطاب سياسي مزدوج ومرتبك ومتأسس على ثنائية لا تقبل الجمع ولا الإندماج.
هذه المسألة, اي ضغوطات الواقع السياسي التي يفرضها الإنتقال من رفاه الفكر والنظرية أثناء المعارضة إلى مجابهة الواقع أثناء الحكم, وخاصة في دولة كالعراق, ليست خاصة بحزب الدعوة لوحده. إنها حالة عامة ومشتركة ولا بد أن تواجهها الأحزاب الأيديولوجية جميعها. لكنها مع أحزاب الإسلام السياسي المذهبي ستكون ساخنة جدا, وحتى أنها ستكون حارقة. ولهذا فإن الدعوة إلى تحريم عمل هذه الأحزاب لم يأتي من فراغ, كما أنه لا يتعارض مع مفهوم الديمقراطية التي لن تكون مطلوبة إلا حينما تكون نظاما لإطفاء الحرائق لا لإشعالها.
وإن الجميع على علم بطبيعة موقف البعض من رجال المؤسسة الدينية الشيعية الذي تخاصم تاريخيا مع قضية الدولة الوطنية العراقية أثناء مرحلة التأسيس والعقود التي تلتها. وجاء تأسيس الدعوة معبرا عن فكر أولئك ومعتمدا على فقه سياسي لا يعير إهتماما ولو متواضعا للحالة الوطنية, بل يدخل إليها أو يقترب منها من خلال حالة أممية أو إقليمية متغلبة. لذلك رأينا كيف إتجهت مواقفه لمناصرة نظام الشريك المذهبي في إيران على حساب الوجود الوطني العراقي في أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقبلها.
وإنه, ومهما كانت طبيعة الإقتراب من الدور الذي لعبه صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية, فإن ذلك لا يعني أن خصومه كانوا جميعا على حق. ولقد كان من بين أولئك الخصوم الدعوة ذاته, والذي كان موقفه في تلك الحرب قد جاء متناغما مع الموقف الإيراني وحتى متأسسا عليه.
إن كثيرا من القوى التي وقفت معترضة على تلك الحرب حاولت جهدها أن يأتي موقفها ذاك معزولا من موقفها الذاتي المعادي لنظام صدام حسين, وغير مضغوط بالموقف السياسي من الشخص ونظامه, فهي لم تسقط الموقف من النظام على الموقف من البلد. وإذ هي أدانت جنوح صدام ونزعته القمعية إلا أن الموقف الأخلاقي كان يفرض عليها أيضا إصدار أحكام عادلة على الطرف الآخر الذي لم يكن بريئا من تهمة المبادرة الفعلية لنصب سرادق الحرب والدعوة إليها.
ففي تلك المرحلة لم يكن هناك على الطرف الإيراني صوت يعلو على صوت تصدير الثورة, ولم يقدر لتلك الدعوات أن تبقى في إطار الحرب الباردة بين الطرفين, فثمة أحداث وأطراف ساعدت على تغذية الجنوح لدى الطرفين, وكان في مقدمة تلك الأطراف هو الدعوة ذاته الذي كان أعلن الحرب على النظام الصدامي بالتناغم مع خطاب تصدير الثورة الإيرانية, وليس نتيجة لموقف سياسي ذاتي ضد النظام الصدامي, أو موقف رافض للحرب والعدوان لما تسببه من أخطار بحق الشعبين والبلدين سوية.
وسيكون سهلا تفسير ذلك الموقف المدمركونه تأسس على فقه أممي إسلاموي مذهبي كان فرض أن يكون هناك إقترابا من الحالة الوطنية ودخولا عليها من خلال البوابة الإقليمية وليس العكس. وهذا كان فرض بدوره على الحزب الإنحياز دائما للحالة الإقليمية الإسلاموية والمذهبية على حساب الحالة الوطنية وتحوير هذه الأخيرة لكي تتناغم مع الأولى. فلم يكن العيب قد جاء نتيجة للموقف الرافض للحرب أو بسبب الموقف السلبي إتجاه نظام صدام وإنما لجهة تصريف ذلك الموقف وأهدافه.
فيما بعد أعاد الإنحياز الأيديولوجي المذهبي إنتاج الموقف ذاته يوم وجد حزب الدعوة نفسه مطلوبا لتحديد موقف من الثورة السورية ضد نظام بشار, إذ سرعان ما إتجه نظامه في العراق إلى الوقوف مع بشار تناغما مع موقف إقليمي ومذهبوسياسي جعله يقع سريعا في حب بشار بعد أن كان عدوا لدودا له. وبهذا تم التنازل المفتوح عن الدم العراقي الذي ساعد بشار بهدره نتيجة دعمه للقاعدة. كما وأن ذلك الموقف, الذي تأسس على دخول إقليمي على الحالة الوطنية, وليس العكس, قد دفع بالدعوة ورئيسه المالكي إلى محاولة بناء الحالة العراقية الذاتية سياسيا وماليا بما يخدم حاجات الفقه السياسي الإقليمي الموجه في هذه المرحلة لحساب حماية المحور الإيراني السوري.
وبهذا وضع الدعوة نفسه مرة أخرى في موقع الخصومة, ومن موقع الحكومة هذه المرة, للحالة الوطنية العراقية ولحاجاتها التي لا يمكن حراستها إلا من خلال فقه سياسي يوفر دخولا وطنيا للحالة الإقليمية وليس العكس على الإطلاق. وهذا من جانبه سيفسر الكثير من الخطوات التي قام بها المالكي أخيرا والتي حاول من خلالها تمشيط الساحة العراقية الداخلية وترتيبها, بإتجاهات شتى لكي تكون أكثر إنسجاما مع متطلبات دعم نظام الأسد أو إستعدادا لمتغيرات ستأتي بها بالحتم حالة سقوط النظام السوري لذلك النظام.
وإن ذلك لن يعني أن جميع خصوم المالكي يديرون صراعهم ضده من خلال موقف وطني صميم, غير أن ذلك لا يوجب مطلقا أن يكون هناك موقفا منحازا بالنتيجة للمالكي ومتأسسا على موقف سلبي من أولئك الخصوم. والأمر هنا يشبه إلى حد كبير الموقف من الحرب العراقية الإيرانية, إذ لم يشترط الوقوف ضد نظام صدام وقوفا مع نظام الخميني كنتيجة سياقية, كما أن كراهية النظام الإيراني عندها لم تشترط وقفة ساسية إيجابية من صدام حسين تلغي ذنوبه بالإتجاهات الأخرى, وإنما هي في الحالتين توجب أن يكون طريق الإقتراب من الموقف سليما.
وحينما نتحدث عن متطلبات دعم الحالة الوطنية العراقية فإن أحد شروط ذلك الدعم هو أن يتم الدخول إلى الإقليمي من خلال البوابة الوطنية, حتى تترتب أخلاقيا وسياسيا جميع تحالفات الخارج. أما حينما يكون هناك دخولا إقليميا على الحالة الوطنية فسيكون بإمكاننا حينها أن نجد تفسير لائقا لسلوك المالكي المحير الذي صار من ضمن تصريفاته جملة من الأعمال التي تقاطعت حتى مع الحاجات الدنيا للعمل السياسي والمهني الوطني.
وإن هذه المواقف لم يكن مقدرا لها أن تولد لولا أن الدعوة يقوم بدور الحكومة والخصومة في وقت واحد.
وهكذا فإن حل هذه الأزمة بالذات إنما يتطلب أن يختار الدعوة أحد عملين.. أما الخصومة وأما الحكومة.
وخلاف ذلك فإن الدولة العراقية ستكون أشبه بمخلوق بشع برأسين متخاصمين.. أحدهما يعض الآخر ويسعى للقضاء عليه.
وفي بلد يحكمه خصمه لن يكون مقدرا لذلك البلد أن يهدأ.. أو أن يتقدم.. أو حتى أن يبقى.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟