أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سنان أحمد حقّي - هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!















المزيد.....


هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 12:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!
منذ أن وعينا على الحياة العامّة والسياسيّة بأبسط أشكالها وجدنا أن من يقود الحياة السياسية والإجتماعيّة في البلاد هم مجموعة غالبا ما يكونوا قد نشأوا وتربّوا في المؤسسة العسكريّة وان بعضا منهم كانوا فعلا من خيرة أبناء القوات السلحة بل من أفضل من تعلّم فنون القتال والحرب في منطقتنا العربيّة وشرق الأوسطيّة
ولكن السؤال المهم هو هل أن اداءهم في قيادة الدولة والحكم كان أنموذجا يُحتذى؟ وهل كانوا مؤهّلين لقيادة الدولة والمجتمع خصوصا في الحياة العصريّة المدنيّة التي يُكرّسها عالم اليوم؟
قبل أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال نود أن نذكر أن ظاهرة تولّي العسكريين لإدارة الدولة بدأت بالأساس بعد ما يُعرف بثورة يوليو عام 1952 والتي أذكت مشاعر التغيير التي عمّت البلاد العربيّة وشرق الأوسطيّة والعالم أجمع بعد الحرب العالميّة الثانية ــ مع أن بلادنا أساسا قد قام الحكم الحديث فيها على أكتاف نفس الجهات وأبرز من قاد الحكومات كان نوري السعيد وهو عسكريّ مخضرم خدم في الدولتين العثمانيّة والعراقيّة بعد قيام العهد الوطني وسبق له أن كان مديرا للشرطة العامّة كما أنه يحتفظ بحقيبة الدفاع في معظم الوزارات التي يُكلّف بها ــ ولن نأخذ من وقت القارئ الكثير عندما نُذكّر أيضا ان الحلفاء بعد الإنتصار على النازية كان عليهم أن ينظروا في حقوق الشعوب في تقرير مصيرهم وفي التخلّص من النظام العالمي القديم نظام الكولونياليّة ( الإستعمار) حيث أن كثيرا من الشعوب وقفت إلى جانب الحلفاء في تحقيق النصر على النازيّة حيث لم يكن ممكنا أن يُحرز ذلك النصر لولا مشاركة أبناء تلك البلدان مثل الهنود والصينيين والعرب وأبناء أمم آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة بمختلف أجناسهم وألوانهم وأعراقهم وقومياتهم ولهذا فقد انتعشت الروح التحرّريّة في نفوس هذه الأمم والشعوب وبدأت مرحلة جديدة جدا في رفض النظام الكولونيالي المقبور وأصبحنا كل فجر نصحو على حركة جديدة ونداء للتحرر والإستقلال ؛ فاستقلّت الهند والباكستان والصين رغم الملابسات التي سادت حركة تحررها وكذلك إلتهبت نيران الثورة في الشرق الأقصى ومن ثم في الشرق العربي وأمريكا اللاتينيّة وأفريقيا وكان كثيرون من العسكريين قد أدركوا ضرورة التغيير ووعوه منذ وقت مبكّر فبادروا بالقيام بتحركات عسكريّة ثوريّة توفّر على الشعب تكاليف النضال والصراع غير المتكافئ بين أنظمة الحكم القائمة والمدجّجة بالسلاح والعتاد وبين فصائل الشعب المعارضة غير المسلّحة وغير المدرّبة على إستعمال السلاح وكذلك لتوفر فرصة تاريخيّة سانحة بعد ظهور دولة الإتحاد السوفييتي على مسرح الأحداث وكما يُقال فإن تقابلت الحراب فإنه ت كون هناك فرصة للمرور بينها وهذا ما حصل ، فكانت الإنقلابات العسكريّة التي أظهرت قيادات جديدة مثل جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وغيرهما وظهرت قيادة كاسترو بالرغم من أنها لم تكن من قيادات الجيش بل كانت ثورة شعبيّة مسلّحة وتوالت الإنقلابات في عدد من بلدان العالم على هذا المنوال وعلى هذه الأسس .
أحدثت تلك الإنقلابات قدرا واسعا من التغيير في الحياة الإجتماعيّة لتلك البلدان ولكن أيضا إتّخذت صفات وسمات القائمين بها فالعسكري بطبيعة تعليمه وتدريبه هو مؤهّل للقيام بعمل مسّلح للوصول إلى هدف محدّد كاحتلال موقع ما أو إخضاع قوة معيّنة لإرادته أو إرادة قيادته وهنا تنتهي مهمّته وكذلك ظن العسكريون الذين قاموا بالإنقلابات المشار إليها حيث كان الهدف الإطاحة بنظام الحكم القائم والسيطرة على مقدّرات البلاد والمرافق الأساسيّة كالوزارات والقيادات العسكرية وهكذا..
ولكن المهمة في الحقيقة عندما تكون سياسيّة فإنها في الغالب وفي تلك اللحظات تكون قد بدأت للتو وليست قد انتهت وهذا هو أهم مميّزات العمل السياسي عن العمل العسكري
إن غالبيّة العسكريين الذين تولّوا مسؤوليّة القيادة في الدولة والمجتمع كانوا من الأكفاء أكاديميا وعسكريا ومن الجوانب التخصّصيّة المختلفة فغالبيتهم درسوا في الأكاديميّات العسكريّة المرموقة وحازوا على مختلف الدرجات العلميّة وأتقنوا فنون القتال والحرب وبعضهم حازوا على شهادات عليا في إختصاصات مساندة كثيرة كالهندسة والقانون والطب واللغات وغيرها وحاز كذلك بعض العسكريين على إعجاب كثير من زعماء العالم من أمثال الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض والذي كانت القيادة الروسيّة زمن بريجينيف تُلقبّه بالجنرال الذهبي ولنا في العراق أمثاله من العسكريين الذين يُثيرون الفخر والإعتزاز ولكن يبقى العمل العسكري يختلف وقد يتعارض مع العمل السياسي
من أوجه الإختلاف أن العسكري كما قلنا مكلّف أي واجبه هو إنجاز هدف محدد أو إحتلال موقع أو فرض إرادته على قوّة تواجهه ولكنها تنتهي عند هذا الحدّ غالبا، والعسكري يتلقّى مختلف العلوم العسكريّة وفنونها والعلوم والفنون المساندة الأخرى ولكنّه لا يتلقّى شيئا يُعلمه سمات الحياة المدنية ولا القانون في تلك الحياة ولا يتعرّف على شئ إسمه الديمقراطيّة بسبب من كون متطلبات حياته العسكريّة والعملية تحتاج المركزيّة وليس لها في الديمقراطيّة باع امّا عن المساواة فهذه من الأشياء المحضورة لأن حياته العسكريّة تقوم على المافوق والمادون فقط والرتب العسكريّة ترسم بشكل حاسم العلاقة بين أعضاء المؤسسة العسكريّة فلا حديث عن المساواة كما أن مميزات كل رتبة تكاد تكون خطا خطيرا بالنسبة للأخرى وأن حجّة الضبط العسكري تجعل من المادون أشبه بالرقيق مع أننا نعترف أن تحسينات لا بأس بها جرت في هذه العلاقات ولكن ماتزال بعيدة جدا عن الحياة المدنيّة ولوازم الحياة العسكرية الحقيقيّة بلا مبالغات فما زال هناك مطعم للضباط وآخر لضباط الصف ومطعم ثالث للجنود يلمس من خلالها المتتبّع أبلغ مظاهر التمييز الصريح، ولا يتلقّى العسكري أية معارف عن حقوق الإنسان أومفهوم العدالة في الحياة المدنيّة وميّزاتها والإختلاف عن الحياة العسكريّة ولا يتعلّم مساوئ التفرّد باتخاذ القرار وما يعود به على المجتمع من أضرار ولا يدرس أن كثيرا من القرارات المهمة يجب أن تخضع لتحليلات عبر الكومبيوتر أو بطريقة الحسابات الحديثة ، إنه لا يؤمن بشئ إسمه المناقشة والحوار واختلاف الآراء والرأي الآخر!، إنه لا يتعلّم شيئا من الإقتصاد ــ ورد عن عبد الناصر أنه يأسف لأنه لم تكن لديه معارف علميّة في الإقتصاد قبل تولّي المسؤوليّة وأنه لو عادت به الأحداث لبدأ بذلك ــ ولا عن الإدارة التخصّصيّة ومفاهيم الإنتاج إذ أنهم يُثبتون كفاءة في إدارة الأفراد فقط لأنها أقرب إلى العمل العسكري
قلنا إنهم أي العسكريين كثيرا ما كانوا يظنون أن مهمتهم تنتهي بالقضاء على النظام والسيطرة على المرافق الرئيسة ولكن ماذا بعد ذلك؟
أغلب العسكريين الذين جاؤوا عن طريق الإنقلابات كانوا برتب متوسّطة مما حدا ببعض المعلقين الأجانب أن يقول أحيانا أقوالا بحقّهم للأسف صحيحة فقد قيل: إن جمال عبد الناصر يعمل بعقليّة ضابط برتبة مقدّم ( بكباشي)وبطبيعة الحال كان مساعده عبد الحكيم عامر بنفس الرتبة ويعمل في شئون الحرب والسلام بنفس الرتبة( أصبح فجأةً في موقع القائد العام للقوات المسلّحة)، إن كثيرا من المنظرين العسكريين يؤكّدون أن الضابط حتّى رتبة لواء أي جنرال هو ضابط ميداني حّتى يترقّى إلى ما فوق ذلك أي فريق فأعلى لكي يُمكن أن يُعتبر قائدا عسكريّا ستراتيجيّا حتّى لو حاز على مؤهلات عالية في التخطيط الستراتيجي لأن الخبرة في العمل العسكري وطول الخدمة هي حجر الزاوية في الحياة العسكريّة ولهذا يكون من هو أقدم ولو بيوم واحد أعلى رتبة وتجب له التحيّة العسكريّة على أقرانه لهذا تكون ملاحظات المراقبين السياسيين الذين ذكرناهم عن عبد الناصر صحيحة وقد تم اختبار هذه الحقيقة في حرب حزيران وثبت أنها سليمة
اوّل ما قام به عبد الناصر هو حلّ الأحزاب لأنه لم يكن يُجيد اللعبة السياسيّة فاتهمهم ببلبلة الرأي العام وتغليب مصالحهم على المصلحة العامّة وكانت هذه أول ضربة للحياة المدنيّة وبالتالي لأبسط مبادئ الديمقراطيّة وهاجم كثيرا من التنظيمات التي لها شعبيّة واسعة كالوفد والشيوعيين والإخوان .حسنا والآن بعد حلّ جميع التنظيمات السياسيّة ماذا سيفعل؟ كيف سيؤسّس لتعبئة شعبيّة واسعة وعن أي طريق ؟ لم يكن أمامه سوى الإعتماد على الأجهزة السريّة مثل المباحث وجهاز المخابرات العامّة وشيئا فشيئا إتّخذ الحكم الشكل البوليسي منهجا بدلا من شعارات كثيرة تنادي بحق الشعب في حكم نفسه بنفسه .
وهكذا غفل العسكريون في زحمة متطلبات الحفاظ على الثورة أي الحفاظ على موقعهم ومراكزهم عن شئ مهم آخر أن القيادة العليا للبلاد من أهم واجباتها أن تكون حامية للدستور وضامنة للمبادئ التي وردت فيه إذ أصبحت القيادة العليا منحازة في منح بعض الحقوق ومنع البعض الآخر خصوصا ما يتعلّق بالحريّات العامّة ووجدوا في منهج الدولة الإشتراكيّة الأولى وهي الإتحاد السوفييتي منهلا لتوريد واستعارة كثير من الشعارات التي رفعها ثوار أكتوبر مثل لا حريّة لأعداء الشعب وهنا أصبح كل من يُعارض سياسة الحكومة هو من أعداء الشعب حتّى الشيوعيين أنفسهم أصحاب هذا الشعار أصبحوا هم أعداء الشعب أيضا إن هم وقفوا موقف المعارض لبعض الإجراءات واصبح ايضا شعار دكتاتوريّة البروليتاريا شعارا مرغوبا ولكن بعد تعديله على الأهواء فاتخذت الدكتاتورية منهجا لنفس التبرير ولكن بعد أن تكون بأيدي رجال السلطة والجيش والأجهزة السريّة وحقّ لهم أن يفعلوا ما يشاؤون ما دامت الإشتراكيّة من شروطها تطبيق الدكتاتوريّة !
ولكن لم يسألوا أنفسهم ، دكتاتوريّة من؟
ومن هنا ومن هناك يجتمع عندنا خليط من المناهج والوسائل يُسمّونه طريقنا الخاص إلى الإشتراكيّة وأصبح الدستور لعبة والقانون كما يقول البدوي ( يعزفون به في الليل ويحكمون به في النهار) ولم يعد هناك أسهل من تعديل الدستور ( بجرّة القلم) لأن البعض كان يؤمن بأنه ما دام الدستور ليس من صنع الربّ وأننا نحن الذين عملناه إذا نحن نستطيع أن نغيّره ونكتب سواه وكان هذا معنى تبرر به أعمال إختزال دور الشعب ومؤسساته الدستوريّة!
أما في العراق فقد كان لقيادة كثير من العسكريين مظاهر مؤسفة في التوزّع على مختلف المناصب والمنافع العامة وأصبح العسكريون يتولون المناصب العليا والمناصب التي تليها والتي تلي التي تليها وأصبحوا يعملون على توزيع أقاربهم ومحسوبيهم على البعثات إلى الخارج وعلى الكليات التي لا يترشّح لها إلاّ أصحاب المعدلات العالية في الغالب وكذلك كان أمر الوظائف العامّة المهمة ولم يعد إلاّ نادرا أن ترى مديرا عامّا إلاّ من كان من أقارب أو محاسيب الذين يتولون المناصب القياديّة بل تعدّى الأمر إلى الأعمال الحرّة حيث التراخيص والإجازات لا تمنح إلاّلـ ( من ربعنا)
والسبب في معظم هذه الظواهر هو أن القيادات العسكريّة تجد أنها عندما إنتهت من القضاء على النظام تكون المهمة إنتهت
وهنا ندخل في خانق ضيّق جدا وهو أن أي تشريع أو نظام عام يُدرس على أساس الحفاظ على السلطة القائمة ( سلطة الثورة) وتكون مهمة أية حكومة هي القضاء على المعارضين بل سحقهم سحقا فكيف يتم في تلك الحالة قيام نظام حكم ديمقراطي؟ كما يدّعي بذلك كثير منهم؟ والنظام الديمقراطي يقوم على أساس حكم الأغلبية ولكن أيضا حماية الأغلبية للأقليّة ولكن هذا لا يرغب به أحد فأية معارضة ولو شكلية تُحاط بمناورات وملابسات وتهديد ووعيد بالسحق ! فضلا عن اللعب بأية إنتخابات إن جرت فكل عسكري يجد أنه ما دام يحمل رتبة أعلى من سواه فله الحق بالرئاسة ولا معنى للإنتخابات بعد ذلك
وبعدما ينشغل العسكريون بهذه المشاكل التي بدا واضحا أنهم لم يكن لديهم أي إلمام بها ولا بالمباحث التي هي معنيّة بها إذ تواجههم مسائل معقّدة جدا في الإقتصاد ولا يرغبون بالخضوع للحقائق العلميّة فياخذون البلاد إلى جولة فكريّة وعقائديّة طويلة من أجل التفلّت من القواعد الإقتصاديّة والحلول العلميّة للمشاكل وعندما تحين ساعة ما يتحتّم فيها مواجهة الأعداء يواجهون الواقع وقد أصبح مؤسفا لفرط الإهمال وتحل إحدى الكوارث كما في 1967
نحن نعدّ العسكريين ونبعث بهم للدراسة في أفضل الأكاديميات في العالم ونفخر بهم لأنهم أصبحوا يُتقنون أحسن فنون القتال والحرب وأنه أصبح لدينا أفضل المخططين العسكريين الستراتيجيين ثم نسمح لهم باقتحام تحديات هم غير مؤهلين لها ولا خبرة لهم فيها فنخسرهم ونخسر بهم آخرين هم أهلا للإختصاصات التي تخلّوا عنها لبعض العسكريين.
العمل السياسي له الأولويّة على العمل العسكري ..لماذا ؟ ..لأن العمل السياسي لا ينتهي واهدافه ومقاصده مستدامة أي حاضرة ومتجدّدة ومستمرّة وتتطلب التعبئة الشعبيّة وليس التعبئة العسكريّة فقط وهذا هو السبب في كون وزير الدفاع ليس بالضرورة أن يكون عسكريا بل هو بالأساس سياسي وأن رئيس الأركان هو أكبر ضابط في الجيش وليس الوزير.
نعم ، ظهر من بين العسكريين كثير ممن كانوا قادة للأمة صالحين ولكن أيضا ظهر عمال ومعلمون وأطباء وأكاديميون وفلاحون كانواأيضا قادة أفذاذا وناجحين.
القيادة هي فن وعلم وهي موهبة وملكة شخصيّة ليس بالضرورة أن يتمتّع بها صنف من الناس بل هي هبة من الله لها متطلبات كثيرة منها مميّزات شخصيّة ومنها علوم وخبر يتعلمونها ومن أهم أركانها أنها هي التي تعمل على تنمية وظهور القيادات اللاحقة إذ لا توجد كليّة أو مدرسة تُخرّج القادة أي قادة الشعب والأمة ولا نقصد القادة العسكريين فالقائد الجماهيري والمسؤول عن الأمة هو الذي يختار أشخاصا محدّدين بعينهم ليتدرّبوا على القيادة وفن وعلم القيادة
والقائد الجماهيري هو الذي يتمتّع بموهبة مضافة أخرى وهي الحدس والتوقّع فنتيجة الخبرة المتواصلة والمعارف العالية يستطيع تصوير الموقف وتوقّع ما سيؤول إليه قبل حدوث الأحداث
ندرك من هنا أن القيادة العسكريّة ليست هي نفسها قيادة الأمة أو الشعب
إذا من سمات ومميّزات القيادة السياسيّة المقتدرة أنها تكون مدرّبة على مواجهة المشكلات والمصاعب السياسيّة ! فأين وكيف تتوفّر على تلك الخبرات والممارسات والمعارف؟
لقد شهدنا ظهور قيادات غيّرت مسار العالم سلبا أو إيجابا ومنها أحد أهم القادة التاريخيين وهو لينين وكذلك ماو تسي تونك وآخرين ربما سنأتي على ذكر بعضهم وهؤلاء ليسوا من أهل السياسة بالأساس بل كانوا عمالا أو فلاحين بُسطاء فأين تعلّموا كل تلك الخبرات؟ لقد تعلّموها في أحزابهم حيث تلقّوا دروسا نظريّة عبر منهاج التثقيف وممارسات عمليّة عن طريق التعبئة الجماهيريّة وعن طريق التعامل مع المواجهات الشعبيّة مع السلطات والجهات المعادية وخرجوا من ذلك الفرن الذي صنع كوادر لا حد لها ولا حصر ولكنهم بأي حال لم يظهروا فجأة على الناس كما يظهر قادة الإنقلابات بلا سابق خبرة ولا ممارسات ولا ثقافة عامّة ولا أفكار نظريّة مناسبة عن الحياة المدنيّة.
إن القيادات السياسية يجب أن تكون مدرّبة على ممارسة المساومات المشروعة والعمل السياسي وتقدير الفرص الممكنة من غير الممكنة وإجادة الحواروالقدرة على الإقناع وأن العمل بين الجماهير يتطلب الإقتناع بالمفاهيم الموضوعيّة واعتبار ما تُريده الجماهير في شكل غالبيتها يُشكّل واقعا موضوعيا يجب القبول به بل والإنطلاق منه في بناء أهداف ومقاصد الخطط والبرامج السياسيّة وأنه لا يجوز أن يُملى على الناس ولا على أية شريحة إجتماعيّة إجراءات لا تنطلق من نفس الواقع الموضوعي الذي تتُمثل به مصلحة أوسع مساحة من الشعب.
من الخطأ أن نأتي بعالم من مخبره إلى ميدان السياسة وهذا معلوم إن لم تكن له خبرة أو معرفة في قيادة الجماهير وكذلك هو الأمر بالنسبة للعسكري عندما نأتي به من المعسكر أو الثكنة العسكريّة إلى معترك السياسة
لا نقول كما يقول بعضهم أن السياسة ممارسات تتخللها أعمال لا أخلاقية فهذا غير صحيح إطلاقا ولكن نقول أن العمل السياسي يختلف من جميع الوجوه عن العمل العسكري أو عن مختلف الأعمال الأخرى
وغنيّ عن القول أن مما تتطلبه الممارسات السياسيّة هي إجادة فن العمل بين الجماهير والقدرة على الحوار والإقناع وتوفّر قاعدة ثقافيّة واسعة .
إن كثيرا من الفنون والمعارف القياديّة تتوفّر إمكانيّة حيازتها في داخل التنظيمات الثوريّة في حالة الإلتزام بمناهج سياسيّة وثقافيّة وتنظيميّة مدروسة وأن تولّي العسكري للمسؤوليات السياسيّة بدون أن يتحصّل على مثل تلك المعارف مسبقا يُعدّ وحده غير كافٍ لتوليته أيّة مسؤوليّة سياسيّة وكذلك الحال بالنسبة لجميع من لم يكن سياسيا ممارسا بالأساس، إن العمل التنظيمي والسياسي في الأحزاب الحقيقيّة والتي تمتلك شعبيّة ونظاما مدروسا لا غناة عنها لأي مرشّح للقيادة السياسيّة والشعبيّة وبالتالي لتولّي المهام العامّة والعليا وينطبق ذلك على العسكريين كما ينطبق على سواهم .
ويجب أن نحرص على إدراك معاني القيادة السياسيّة فهي تتطلب الثقافة والثقافة الموسوعيّة وتتطلب أيضا الممارسة الطويلة والمناسبة ، كما تتطلب قبول مبدأ تنمية القادة بغير محسوبيّة ولا منسوبيّة ولا محاباة بل بتجرّد وبإحساس عالي بالمسؤوليّة وتتطلب القدرة القياديّة أيضا كما ذكرنا آنفا القدرة على الحدس واستباق حدوث الأحداث أي كما يفعل معدّوا النشرة الجويّة ونشرات الطقس تماما، وأن يكون القادة الجماهيريون لصيقين بالجماهير ويشعر شعبهم أنهم إلى جنبه يُعانون ما يُعاني ويبذلون كما يبذل وليسوا آمرين يفرضون عليه ما يُبيحونه لأنفسهم
إن القيادة ليست مناسبة لتحقيق بعض المنافع الشخصيّة فهي من بعض وجوهها كشيوخ بعض القبائل والعشائر ليس من الضروري أن يكون شيخ العشيرة هو أغنى من فيها بل هناك غالبا رجال يفوقون شيوخهم ثراءً ومنهم من يمتهن التجارة وغيرها ولكن شروط (الشيخة!) شروط قياديّة ومواهب شخصيّة وعلوم وفنون متعدّدة يجب التوفّر عليها قبل التصدّي لها أي ( للقيادة)
إن قياديي العالم لم يكونوا من طراز أو منهج واحد ولهذا لا يجب الإصرار على الكفاءات العسكريّة إذ أن بين عموم الناس من يمكن أن يكونوا أكفأ منهم للتصدّي للمعضلات السياسيّة بسبب عدم توفّر القادة السياسيين الحقيقيين والذين من واجبهم البحث عن المواهب القياديّة وإبرازها .
وبالرغم من موقفنا الواضح من قيادة الراحل نوري السعيد وانتقادنا له لأسباب ذكرنا بعضها في مقال سابق وبعضها يعود إلى كونه عسكريا وليس سياسيا أي ليس زعيما شعبيا أو جماهيريا الاّ أنه كان يعي بعض جوانب تقصيره فيبدأ في تقريب بعض السياسيين الصاعدين والذين يتوسّم فيهم القدرة القياديّة كما فعل مع الأستاذ الراحل فاضل الجمالي ومع وزير داخليته الدائم سعيد قزاز ومع السياسي الصاعد برهان الدين باش أعيان ولكنّه فعل ذلك ليس بهدف تنمية قيادات بديلة وجديدة بل بهدف تحسين صورته وتلميع واجهاته العتيقة والمستهلكة ففقد بذلك حُسن صنيعه والقى به إلى دار التحف والأنتيكات.
نعتقد من خلال ما أوردناه أن العسكريين لم يكونوا خيارا أمثلَ لاستلام دفة قيادة البلاد ولكن ربّما كانت هناك مبررات أخرى يوردها من سيأتي بعدنا تجعل من بعض ما أوردناه أسبابا غير مرجّحة لنظرتنا هذه
وللحديث صلةٌ والسلام عليكم



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة..! لماذا..؟
- تأملات كونيّة..في الوجود والعدم!
- الإحتجاج والشجب والإستنكار إحدى أهم وسائل التعبئة الجماهيريّ ...
- المنطق العام ومنطق الأشياء..!
- إلى النّمريّ الكبير..!
- الماركسيّة لا تقمع الواقع بل تنبع منه..! حول مقال الأستاذ ال ...
- النمري ومكارم إبراهيم والرأسماليّة..!
- مهدي محمد علي .. زائرُ الفجر..!
- الظواهر الدينيّة حاضرة بقوّة في التاريخ..!
- عودةٌ إلى الشيوعيّة والأديان..!
- نعم ، لي فيها ألف ناقةٍ وألف جمل..!
- كيف يتم تطبيق الشريعة؟
- وعاءُ العقل والعلم و وعاء العمل ..!
- إسلاموفوبيا..!؟
- منتجوا الثقافة ، نُقّادا..!؟
- ترجمة جديدة لقصيدة لوركا - الزوجة الخائنة -
- ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!
- قصيدتان في المطر..!
- ومن -الحلول- السهلة ما قتل..!
- نظريّة الفوضى توطئة مترجمة عن الإنكليزيّة ***


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سنان أحمد حقّي - هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!