أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!















المزيد.....


ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3897 - 2012 / 10 / 31 - 20:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نلاحظ هذه الأيام كثيرا من المقالات أو التعقيبات تدور حول كون القرآن الكريم ليس كلام الله وإنما هو من وضع النبي محمد(ص) وآخرون أصبحوا يرون في القرآن أخطاءً لغويّة ويتبع هذا ما يتبعه من إزدراء للغة العربيّة وخصوصا اللغة الفصيحة التي تم نزول القرآن بها فضلا عن محاولات تقزيم أهميّة هذه اللغة وهي لغة التنزيل والتي تتميّز بمزايا فريدة بين اللغات المختلفة فضلا عن أن عقيدة الإسلام تعتبر أن العربيّة هي لغة أهل الجنّة بعيدا عن أي شكل من أشكال العنصريّة والتحيّز فضلا عن ما يجده آخرون من عيوب تشريعيّة أو أخلاقيّة وهكذا ..
وقبل الرد على مثل تلك الدعاوى والتي لها من ينبري ومن يردّ عليها من أهل القرآن والإسلام فإننا نستغرب أن يُستغلّ هذا المنبر اليساري والإشتراكي والعلماني للترويج للأفكار التبشيريّة وليست هذه هي المرّة الأولى التي نحاول التعرّض فيها لمثل هذه الدعاوى إذ سبق وأن كتبت مقالا سابقا حاولت أن أضع النقاط فيه على الحروف ولكن هذه الموجة كما يبدو لها ما يعقبها .
إن كثيرا من الناس وبعض المثقفين يرون تلازما بين اليسار والإشتراكيّة مع العلمانيّة من جهة وبين مهاجمة الإسلام والتبشير بقرب نهاية الإسلام كفكر وهكذا ؛ ولكن جميع من يشغلهم هذا الأمر لا يُقدّمون لنا توضيحا مقنعا لربط الإشتراكيّة والشيوعيّة أو اليسار بصورة عامّة وبين الدعاوى التبشيريّة ولا ما يربط العلمانيّة بالتبشيريّة .
إن هذا المنبر الإعلامي والثقافي منبر يساري وعلماني ولكنّه ليس منبرا تبشيريّا فالإشتراكيّة كما يعلم الجميع هي المبادئ الإجتماعيّة التي يعتقد معتنقوها بإمكانيّة إزالة الفوارق الطبقيّة بين طبقة المنتجين وطبقة أصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل بما يجعل الإستغلال أي إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان يضمحلّ على طريق وعن طريق العدالة الإجتماعيّة وإعادة توزيع الثروة وفق مبدأ من كل حسب طاقته إلى كل حسب عمله والذي يبشرون فيه أنه سينتهي إلى كل حسب حاجته وباعتبارأن أرباب العمل لا يقومون إلاّ باستغلال العمال والإستيلاء على قوّة عملهم فقد توصل ماركس وجماعته إلى نظريّة جديدة أكثر عدالة في توزيع وإعادة توزيع الثروة بواسطة مقدار قوّة العمل المبذول في إنتاج السلعة وهنا وجدنا أن رب العمل في الحقيقة لا يعمل بمقدار ما يستحوذ عليه من قوّة عمل العمال ولا نريد أن ندخل في تفاصيل المتخصّصين ولكن هذه هي الحال .. حيث لم تكن هناك وخصوصا في البداية علاقة مباشرة بين الأديان ولا الإيمان أو الكفر أو الإلحاد وبين ما وصفنا في هذه السطور القليلة ، وقلنا سابقا أن ماركس نفسه لم يجد مانعا في البداية من أن يُقدّم أفكاره التي وجد أن من شانها تصويب الأوضاع السائدة في المجتمعات الصناعيّة الحديثة نقول لم يجد حرجا من تقديمها إلى عدد من حكام أوربا من الملوك والرؤساء وغيرهم إذ كان يرى أن تصحيح وتصويب أوضاع المجتمع الصناعي الجديد قد تكون مهمة رئيسة في توجهات هؤلاء الملوك والحكام ولكن الواقع الحقيقي قدّم له أي لماركس وجماعته وجه حقائق أخرى تلازم الأوضاع السلبيّة التي سادت مع تعاظم الإستغلال فقد وجد الماركسيون الأوائل أن أرباب العمل هم مصدر الثروة الأساسي لمنظومة الحكام والملوك وهم الذين يموّلونهم في أعمالهم ويحصلون بواسطتهم على أهم الضرائب التي من شانها أن تلبّي متطلبات الحكم والسلطة أي أن السلطة ما هي إلاّ سوط الطبقات المستغلّة بفتح الغين ولهذا فقد وقف الملوك والحكام إلى جانب أرباب العمل وبالضد من مطالب طبقات المنتجين الحقيقيين وبالضد أيضا من نظريات الماركسيين والإشتراكيين التي كانت قد وجدت أن العدالة الإجتماعيّة تتطلّب إعادة توزيع الثروة كما أسلفنا على أساس النظرية التي خرج بها ماركس وصديقه أنجلز في الكشف عن ما أسمياه بفائض القيمة ولا نأتي بجديد في كل هذا ولا عندما نأتي على وصف موقف الكنيسة في أوربا حيث بسبب من كونها أحد الملاكين الكبار ورعاة الملكيّة الخاصّة فقد وجدت أن مصالحها ستتضرر بمثل هذا الدعاوى ولهذا وجدت أن مصالحها تتحقق مع أرباب العمل والحكومات والملوك والرؤساء باعتبارهم رعاة لمصالح أرباب العمل للإسباب التي ذكرنا وهكذا وجدنا أن الكنيسة إتخذت موقفا سلبيا من الإشتراكيّة ومن مجمل مواقف اليسار وهذه أمور يُدركها أبسط المطّلعين على تاريخ حركات اليسار والإشتراكيّة ، وبطبيعة الحال فإن الكنيسة باعتبارها زعيمة المهام الدينيّة إستغلّت الوضع في مهاجمة مطالب طبقات العمال والمنتجين وأوّل ما إتّهمت به مخالفيها أنهم خارجون عن بركتها وبالتالي كفّارا وملحدين وهكذا .
وعندما وصلت رياح الصراع الطبقي إلى مجتمعاتنا فمن الطبيعي أن تُصاحبها دعاوى الإتهام بالكفر والإلحاد مع أن الوضع الديني في مجتمعاتنا لا يُشبه لا من قريب ولامن بعيد الوضع الأوربي ومجتمعاتها التي تعيش تحت الهيمنة الكنسيّة إقتصاديا وإجتماعيا حيث لا توجد في مجتمعاتنا وخصوصا الإسلاميّة منها أيّة طبقة من الملاكين الكبار تمثّل مصالح دينيّة فليس لدينا رجال دين أو كهنة وهذا من مبادئ الإسلام الأساسيّة ( وأرجو أن لا يلتفت القارئ إلى عدد من رجال الدين ممن ربطوا مصالحهم بالطبقات المستغلّة إذ أنهم ليسوا حجّة على الإسلام كدين بل هي مصالح فرديّة غير مرتبطة بجوهر الدين)، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك فوارق فكريّة تجعل الدين الإسلامي مختلفا عن المسيحيّة والكنيسة فالربا أو الفوائد المركّبة محرّمة في الإسلام ( وهو الزيادة في الدَّين لقاء الأجل.) كما أن الإسلام يتضمّن فرض الزكاة وهناك أنواع من الصدقات ومنها ما هو فرض كزكاة الفطر وما إلى هذا ومنها ما هو مرغوب فيه كالصدقات المختلفة وكل هذه الأمور يقوم عليها مسؤولون يُكلفون بها وليس مثل هذا ما هو مفروض على أبناء الديانات الأخرى، إن هذه الزكاة ومبدأ تحريم الربا هي في الواقع تمثيل لإعادة توزيع الثروة حسب مبادئ أخرى ولكن هذا المبدأ موجود في الإسلام وهو غير موجود في المجتمعات التي تتزعمها الكنيسة مثلا إذ أن ما تجبيه الكنيسة يُصبح من أملاكها وليس للفقراء والمحتاجين.
وقد يزعم أحدهم أن الخلاف بين الماركسيّة والدين لا يقف عند قضايا الإستغلال وإعادة توزيع الثروة وإنما بسبب تباين النظرة الفكريّة والفلسفيّة للوجود إذ أن الماركسيّة تؤمن بأن أولويّة الوجود للمادّة من الناحية الطبيعيّة أو الواقع الموضوعي من حيث التاريخيّة الجدليّة فيما يعتبر المؤمنون أن الروح أو الفكرة المطلقة هي الأساس ولها الأولويّة وأن هذا التناقض هو الذي يجعل من الدين نقيضا للماركسيّة ولكننا عندما نتأمّل الفكر الماركسي من حيث الفعاليّة والتطبيق نجد أن الموضوعيّة والوضعيّة نقيضان ينطبق عليهما جميع ما قدّمه المنطق الجدلي ومع هذا أيضا فإننا لا نستطيع أإن نقطع بأولويّة أحدهما بشكل نهائي فأحيانا نجد أن الفعاليّة للموضوعي من الظواهر وتارة أخرى تتناوب الموضوعيّة مع الوضعيّة فالذي يمارس مهام إتخاذ القرارات وعلى أي مستوى يجد أنه يتوجب عليه أن يكون موضوعيا أحيانا ووضعيا في أحيانٍ أخرى، الآن سيقول لي أحد المعترضين كيف؟ فالموضوعيّة هي شارة الدخول للفكر الماركسي ولكن لو تأمّلنا الفكر العلمي التطبيقي والتكنولوجي وبالتخصيص الهندسي منه فإننا سنجد طورا هو طور التحليل (Analysis ) وفي هذا الطور يتحتّم على رجل العلم أن يكون موضوعيّا أي أن ينظر للأشياء المطروحة أمامه على أنها واقع خارج وعينا ومستقلّ عن إرادتنا حتّى يتوصّل إلى الحقائق التي تتحكم في تحولات وتغيرات هذا الواقع وأسس المحرّك الذاتي الذي تنهج الظواهر الملازمة لهذا الواقع منهجهاوتختط مسارها عندذاك ينتقل رجل العلم المهتمّ بتغيير واقع ما مطروح أمامه وتركيبه وإعادة تشكيله بطرائق مبتكرة أخرى لخدمة الإنسان وغاياته نقول ينتقل إلى طورالتصميم(Design )وهنا في الحقيقة يسلك سلوكا وضعيا لأنه يُسقط أفكارا جديدة ومبتكرة على ما مطروح أمامه من موجودات ماديّة وواقعيّة ، ولهذا لا نكاد نجد إنفصاما بين الموضوعيّة والوضعيّة وهما في حقيقة الأمر متداخلتان ومتتاليتان مع أنهما ككل علاقة جدليّة أخرى تربطهما وحدة وصراع الأضداد أي عندما يستخدم رجل العلم أفكاره ليُسقطها على الواقع الفعلي يكون وضعيا كما قلنا وبعد طوره هذا فإنه يعود إلى تأمّل الواقع بعد التغيير واستيعاب ما حصل فيه وإعادة دراسته على أنه واقع موضوعي ماثلٌ أمامه وعندها يعود ليكون موضوعيّا ويستمرّ في تكوين أفكار إضافيّة ويبدأ بالتعامل مع الواقع مرة أخرى على أسس المنهج الوضعي وهكذا دواليك كما لو أننا نتتبّع خطى خوارزميّة تصلح لعمل برنامج للكومبيوتر، ووفق هذا النهج نجد أنه من التعسّف أن نشدّد على وجود أولويّة في العلاقة الجدليّة فلا نكاد نميّز أهميّة الأولويّة في المنطق الجدلي كما وصفنا في عدد من المقالات السابقة ، ولهذا فإن تعارض الماركسيّة مع الفكر المثالي لا يكتسب كل تلك الأهميّة في عمليّة النضال ضد الإستغلال ولا نعني بقولنا هذا أنها تنعدم أهميتها بل نقول أن الأهميّة متبادلة بين الفكر والواقع الموضوعي وبشكل مستمر.
لهذا فإن التناقض الأساسي يرجع إلى تعارض المصالح الكنسيّة ومعارضة الكنيسة ترجع إلى محاولتها الحفاظ على ملكيتها الخاصّة بينما لا توجد في الشرق الإسلامي أية ملكيّة خاصّة لعلماء الدين وليس لهم مصلحة فعليّة في مواجهة الطبقة العاملة والمنتجة ، فضلا عمّا أوردناه بخصوص الزكاة وموضوع الربا والصدقات وغيره.
بقي أمامنا موضوع آخر مهم وهو العلمانيّة وهناك كثير من علماء الدين لا يتّفقون مع غيرهم في وجود دولة دينيّة لأن دولة الرسول محمد(ص) نفسه التي أقامها في المدينة لم تكن دولةً دينيّة بل كان هناك يهود ونصارى بل كان بينهم أيضا ما يُدعى بـ ( المؤلّفةُ قلوبهم)وهم مجموعات من الكفّار وممن لم يؤمن بالإسلام ولكنّه لا يُعادي المسلمين ولا يُقاتلهم فكان النبي محمد ( ص) يشملهم بالعطاء شانهم شان المسلمين ولم يُقطع عنهم العطاء والإنفاق من بيت مال المسلمين في حياة الرسول محمد (ص) بل إستمرّ حتّى عهد عمر بن الخطاب الذي رآى أنهم أصبحوا قلّة وأن الإسلام أصبح قويّا فأمر إمّا أن يُسلموا أو عليهم الجزية أي يُعاملهم كأهل الذمّة ومن هذا نفهم أنه لا أساس للدولة الدينيّة في الإسلام وأن الدولة لكل الناس الذين يعيشون في ظلها وحمايتها ومن لا يرغب في الإنخراط في الدفاع عنها يدفع الجزية وهي كالبدل النقدي في أيامنا هذه كما تجدر الإشارة هنا إلى أن المسلمين لم يكونوا يمارسون حياتهم العامّة بأوامر الدولة في كل شئ بل أن أغلب مواقفهم مما يُصادفهم في الحياة يرجع إلى ما يرسخ من عقائدهم الإسلاميّة ، معنى هذا أنهم لا يحتكمون إلى الحاكم أو القاضي قدر إحتكامهم إلى العقيدة والقرآن وسيرة النبي ( ص) أي مثلا لو حدث لأحد إشكال جعله في شك من صحّة مواصلة مراجعة زوجه فإنه هو الذي يُراجع القاضي أو رجل العلم ليسأله عن صحّة موقفه وترغب الزوجة أيضا أن تراجع أحد العلماء في معرفة صحّة مراجعة زوجها لها ولا يوجد رجل أمن ولا شرطي يُراقب الناس في مثل هذه الأمور وكذلك كثير من أمور الصلاة والحج والزكاة فليس هناك مراقب أو مشرف بل أنهم هم وحدهم الذين يتحقّقون من صحّة موقفهم وجميع أمور الدين تتم ممارستها بهذا الشكل وليس عن طريق حاكم أو ممثّل له أو رجل أمن او مراقب ولم نسمع طيلة عهد الرسول (ص) أنه عاقب أحدا لأنه لم يُصلِّ وعندما يدهم البلد خطر فكل ما يفعله الحاكم هو أن يكلف مناديا يُنادي بالجهاد وهذا يكفي لخروج الناس إلى الجهاد كلٌُّ بما يملك من عدّة وسلاح أو وسائل تنفع للدفاع والحرب وكذلك يتم جمع الزكاة لأنهم جميعا لا يُريدون أن يأكلوا حراما وأن في أموالهم حقٌّ للسائل والمحروم وكل فرد كان يُحاسب نفسه في مقدار الزكاة وهكذا نفهم أن الإيمان بالعقيدة كان هو الوازع لممارستها عمليّا وليس عن طريق الإكراه أو الأمر أمّا حينما ضعف الإيمان وأخذ الناس يحتالون في ممارسة حياتهم فلا يمكن إصلاح هذا بالعقوبات بل بترسيخ الإيمان بالعقيدة وبالتوعية وعلى هذا نتوصّل إلى أن المسلمين لم يكونوا يحتاجون إلى دولة دينيّة بل كل ما أقاموه كان دولة مدنيّة علمانيّة موقفها متوازن من جميع الأديان والطوائف ولذلك يندر أن نجد مجتمعا إسلاميا خالصا إذ أنها أي المجتمعات الإسلاميّة كانت عبارة عن خليط من المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى والصابئة بل أحيانا كثيرة مع أفراد وجماعات لا يؤمنون بأي رسالة سماويّة كما في بعض مناطق الهند وشرق آسيا أمّا أن نأخذ بالممارسات التي غالبا ما يكون وراءها مصالح وأجندات متعدّدة فهذا ليس من العدل في شئ.
إنني أتسائل لو كان القرآن الكريم من وضع النبيّ محمد ( ص) فإننا نستطيع بنفس المنهج أن نتوصّل إلى أن الإنجيل من وضع عيسى( ع) أيضا وأن التوراة من وضع موسى( ع) وإذا كان الأمر كذلك فعلا فلماذا لا يتم التطرّق إليه ؟ قلنا مرارا أن القرآن لم يأتِ بجديد عن ما جاء به الأنبياء والرسل الذين سبقوا الرسالة المحمّديّة إذا إستثنينا بعض الأحكام الشرعيّة المحدّدة فكل الرسالات تقول أن هناك حياة بعد هذه الحياة وأنه سيكون هناك عقاب وثواب والعقاب هو النار والثواب هو الجنّة وهذا يعتمد على ما نفعله في هذه الدنيا من أعمال وأننا سنقابل وجه الكريم وهو الذي يُحاسبنا وليس وراءه من يُحاسبه فهو الذي يعفو وهو الذي يُضاعف العذاب بمشيئته وحده وأن الناس سيُبعثون من القبورجميعا إلى الحياة ليُحاسبوا على أفعالهم ، هذا تقوله كل الأديان وتنطق به كل الرسالات فلماذا يستهدف بعضهم الإسلام وحده دون باقي الرسالات ؟
ليس هناك أي معنى لهذا الإستهداف سوى التمهيد لإدخال الناس في دين آخر وهذا هو التبشيريّة بعينها .
إن الماركسيّة وإن لم تكن من أهدافها العمل على إخراج الناس من دين محدد إلى دين آخر فإنها بالأساس معنيّة بالنضال ضدّ الإستغلال وكل ما يقف في الضدّ من هذا الهدف النبيل فهو هدفٌ أيضا لها ولكن ليقل لي أحدٌ كيف أن الإسلام يقف ضد الماركسيّة في حين نهمل موقف الأديان الأخرى؟ لقد وضّحنا كيف أن الكنيسة هي من ناصب الماركسيّة العداء منذ الأيام الأولى لأنها ذات مصالح وثروات وما زالت وهي التي أثارت العداء للقيم الإشتراكيّة في حين أن المسلمين ليس بين علماءهم ولا هيئاتهم العلميّة أية ملكيات ولا ينبغي لهم أيضا .
ليس مقالنا هذا مهاجمة للأديان الأخرى بل نحن نعتقد أيضا أن الأديان الأخرى لا توصي يتشكيل ملكيات ومصالح تجعل منها مستغلاّ مضافا لعرق شغيلة الفكر واليد ولا نجد في التعاليم الدينيّة المسيحيّة ولا اليهوديّة ما يحثّ على إدامة الإستغلال وأن الأديان كلها تدعو للخير والتعاون وعدم العدوان ومنع السرقات والإستحواذ على أموال الغير ولاعلى جهودهم وعرق جبينهم وبلا ريب نجد أن الإسلام أكثرها تقدّما في إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة وساهم بشكل صريح في ذلك عن طريق تشريعات الزكاة ومنع الربا وإن كانت خطى أوليّة ولكن تعميق هذا المسار وفق العدالة التي تقتضيها الأحوال الإجتماعيّة أمر ممكن
يُهاجم الإسلام من خلال مفاهيمه الأساسيّة وهي الإسلام والإيمان والإحسان وقلنا في أكثر من مناسبة أن الإسلام فعلا هو التسليم ولكن التسليم لا يعني بلا قناعة فهو بالضبط لحظة حصول الإقتناع فنحن نقول سلّمت له بالأمر أي إقتنعتُ بما يقول وسلّم له بالنصر أي بعد طول صراع مع بعضهما وسلّم له بالتفوّق أي اقرّ له بالتفوّق ولا يكون هذا إلاّ بعد طول منافسة ومماحكة ونقاش وتمحيص فأين التسليم هذا من التسليم بمعنى البداهة والرضا بكل ما يُقال دون عظيم تفكير وتمحيص ؟ إن معظم الصحابة الذين فاتحهم الرسول محمد ( ص) بالدين الجديد كانت لهم وقفات وهنّات وفترات راوحوا فيها وأمعنوا الفكر بما فاتحهم به حتّى أسلموا بعد عميق تفكير فمنهم من أخذ منه هذا الأمر يومين أو ثلاثة ومنهم من أخذ منه امدا أطول إلاّ أبي بكر الذي صدّقه وأسلم في نفس الوقت الذي فاتحه فيه ولهذا حاز على لقب الصدّيق ولا يمكن أن نفهم معنى الإسلام إلاّ على هذا الأساس لا أن نحمله على أساس الموافقة بالرغم والإكراه او عن سبيل السذاجة والسطحيّة !
وكذلك هو الإيمان أي التصديق وهنا يتحوّل الأمر إلى التصديق بالأهداف العليا والإندفاع للعمل والسعي لتحقيقها ولا يمكن أن يتم هذا إلاّ عن طريق القناعة التامّة ومن ثم جمع الأعمال والوسائل التي تؤدّي إلى تحقيق الأهداف الموصوفة .
هذه أسس مطلوبة في أي عمل فكري وأي نشاط إنساني فإن لم تكن مؤمنا بما تفعل فكيف ستقوم بتحقيق الأهداف؟ وإن لم تكن مقتنعا بالمعارف والحقائق ومتثبّتا منها فكيف ستؤمن بالسعي إليها؟
أنا بطبيعة الحال لا أحاول أن أملي على القارئ وجهة نظري أو افكاري ولا احمل مثل تلك النوايا ولكن علينا أن نحسن الإطلاع على ما جاء به من سبقونا ثم نأخذ ما نراه صوابا ونترك ما نراه غير ذلك إذ ليس من الصحيح أن نبدأ كل يوم من جديد ، إن المعرفة الإنسانيّة تراكميّة وما تعلمناه أو ما علِمناه عن السابقين مما ظلّ ذا نفع وفائدة لا يمكن أن نطرحه جانبا ونبدأ العمل كل يوم من جديد فنحن أيها الأخوة نستعمل جدول الضرب لغاية يومنا هذا مع أنه كان قد تم التوصّل إليه منذ قرون وقرون مديدة وهكذا هو الأمر مع حقائق معرفيّة وعلميّة كثيرة ، لا يصحّ أن نفهم من مفهوم ( مسلّمة) على أنه مفهوم يجب أن نصدّقه بغير قناعة ولا برهان وأن نأخذ به على علاّته وهنّاته..! فهذا مما لا يقع في فضاء المعرفة الحقيقيّة أبدا .
كما أن المعرفة لا تتعلّق بالذهن والعقل وحده بل بكفاءة الحواس باعتبارها أدوات إدخال كما نقول في يومنا هذا فلو كانت لوحة المفاتيح أو الماوس غير صالحة أو غير كفوءة في أدائها وكذلك الأقراص المدمجة أو الفلاش فإن المعلومات التي يتم إدخالها ستكون مغلوطة أو تنطوي على أغلاط وبذلك لن تكون المعالجة مهما كان البرنامج ممتازا لن تكون النتائج سليمة أبدا وهناك جانب آخر وهو مهمل جدا للأسف إذ أن عمليّة المعرفة لا تتم وفق عمليات عقليّة فقط بل أن هناك الرغبات الإنسانيّة والإرادة والميول والحب والكره والتفضيل والتعوّد والإطمئنان من الخوف أو الذعروأهمها الإرادة وغيره مما لا يُحسب لها عقليّا أي حساب ولكن الحياة تعلّمنا أنه لا يمكن أن تتم بلورة آرائنا وأفكارنا بمعزل عنها فأنا أعرف البرنامج الذي أعمل عليه جيدا ولكنني أحب لو تقدّم كذا على كذا أو أرغب بإخفاء المعلومة الفلانيّة أو لا أحب التعامل مع الطرق المعقّدة وإلخ كما توجد جوانب جماليّة وفنيّة فهذا يُحب وسائل التوضيح الفلانيّة وآخر يُفضّل سواها وأنا أفضّل إستخدام المخطط الرسومي في برنامج ستاد المخصص لتحليل وتصميم الإنشاءات وآخر يُفضّل الطرق التحليليّة الرياضيّة والمعادلات وهكذا ونحن نلمس بقوّة هذه الإتجاهات ونقول في نفس الوقت أن البراهين والأدلّة العقليّة وحدها هي العامل الحاسم وهذا لم يعد صحيحا وعندما نراجع قول الأقدمين وهم ليسوا أقدمين جدا ولكن هم من سبقونا إلى المعارف المختلفة نجد كثيرا منهم من يقول أن العقل مناط التفكير وأن القلب مناط العمل وهذا صعب في فهمه قليلا ولكنه يضع علامة فارقة على عمل جانب آخر في ذاتنا الإنسانيّة وهو القرار الذي نتّخذه في إختيار ما نفضّل عمله فإن زوّدنا العقل بحلول متعدّة فأيّها نختار ولماذا؟ هذا ما يُدعى عند من سبقونا بالقلب وفعلا فهو ليس عمليّة حسابيّة مجرّدة بل ممتزجة مع الخيارات والأفضليات والأولويات بل وحتّى العواطف والرغبات وهذه هي التي لها الركن الأكبر في إتخاذ قراراتنا فكم من الحقائق العلميّة يرغب الإنسان أن يُسلّم بها( يقتنع كما أسلفنا) وبالتالي يعمل بما توصّل العقل له؟ كثيرٌ نفعل معه ما يتوصّل له العقل ولكن هناك ما لا نقبله أو نفضّل لو بحثنا عن حلٍّ آخر وهذا هو ما يُدعى بالقلب ولسنا هنا أمام مهمة فزيولوجيّة ولكن موضع العاطفة والرغبة والبحث عن بديل أو رفض الحلول العقليّة من الأخذ بها وهكذا فهذا مكمّل لعمليّة المعرفة .
لقد كتب كثيرٌ من العلماء السابقين عن ما تحدّثنا عنه الآن ولكن بلغة مختلفة وكان أبرزهم علماء يقولون أن هناك ما يُدعى بفقه القلوب وهذا معناه تقويم الرغبات والخيارات من الحب والكراهيّة ويتضمّن هذا كل ما يلي مخرجات العقل وخلالها أو متلازم معها.
واليوم لو ضربنا مثلا لذلك بشخص يستخدم الكومبيوتر ويقوم بأعمال معقّدة وفق برامج متطوّرة فعندما تخرج له عدّة خيارات أليس ذلك إتاحة للرغبة من عدمها ولو إستخرج بعض النتائج أليس هو من يقرر ماذا سيفعل بها بعد ذلك؟ كل هذه القرارات والتقييمات والرغبات وتفضيل بعضها على بعض يقع في حيّز تقويم من نوع آخر يختلف عن تقويم الأعمال المرسومة بخطوات وفق الخوارزميّة الأساس.
ولكل ما تقدّم يُلاحظ القارئ الكريم أن الماركسيّة والعلمانيّة لا علاقة لها باستهداف الإسلام وحده دون باقي الأديان ولا يعني كون هذا المنبر الإعلامي المتألّق باعتباره منبرا ماركسيا ويساريا وعلمانيا أنه بالضرورة منبرٌ يستهدف الإسلام ، نعم نحن جميعا يحقّ لنا أن نحلل ونوجّه النقد لكل المدارس الفكريّة والدينيّة بمافيها ظواهر التطرّف والموجات التي تقف وراءها جهات تخريبيّة إذ أننا نعلم أن كثيرا من التقليعات الدينيّة إنما هي من صنع من يعمل حثيثا للإساءة للإسلام والمسلمين بشكل متعمّد ولكن طبعا لا نغفل عن المغفلين الذين يوقعون أنفسهم بمهاوي الضغينة والكراهية والأحقاد غير المبررة إطلاقا .
من جانب آخر فإن العلمانيّة لا تعني الوقوف إلى جانب دين محدد وضد دين آخر بل هي علمانيّة النظام بمعنى الحياديّة بين الأديان وأن الدولة والنظام السياسي يتعامل مع الجميع سواسية أمام القانون والفرص والمواقع على أسس مقبولة من قبل الجميع ولا توفّر العلمانيّة أي شرعيّة للوقوف مع دين ضد دين آخر.
وللحديث صلة والسلام عليكم



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدتان في المطر..!
- ومن -الحلول- السهلة ما قتل..!
- نظريّة الفوضى توطئة مترجمة عن الإنكليزيّة ***
- أكلُّ من أمسكَ بالدفّ هو المغنّي..!
- هل قُتلوا بالصعقة الكهربائيّة؟
- وجاءت جرادةٌ وأخذت حبّةًً ً وخرجت..! *
- (فار التنّورُ) بين البيان وبين الصرف وعلم الإشتقاق..!
- قولٌ في الفصاحة..!
- بين عصرالمسرح وعصرالطابعة 3D..!
- هل يوجد فكرٌ يساريٌ إصلاحيّ..؟
- شكلُ الحريّة..لونُ الحرّيّهْ..!
- إلى ذات التنورة النيليّة والسماء الزرقاء..!
- الأنساب لماذا؟
- في جدليّة الزعيم وعبد الناصر..!
- إنسانيّة الكلاب والقطط..!
- المادّة في الأدب الفلسفي..!
- واحرّ قلباه..!
- هوامش وتعاليق على مقال من هو الشيوعي؟
- الحاجة أم الإختراع..!
- البديهيّة والمُسلَّمة واختلاف التنوّع ..!


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سنان أحمد حقّي - ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!