أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدستور أو الشريعة














المزيد.....

الدستور أو الشريعة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3935 - 2012 / 12 / 8 - 20:22
المحور: كتابات ساخرة
    


كأني أمام فريقين متعاركين واحد يريد المركبة ذات المحرك الحديثة والآخر متشبث بالعربة ذات الحمار القديمة؛ وكأني أمام فريق ثالث، وسطي توفيقي لم ولا، وعلى ما يبدو لن، يعدم الذهنية الطفيلية الكسولة الانتهازية التلفيقية، يتفتق غباؤه كالعادة عن حل أخرق مثله يرضي جميع الأطراف: "مركبة ذات حمار"- نفس هيكل المركبة ذات المحرك من الخارج والشكل العام لكن بداخلها يحشر حمار مكان المحرك. هكذا إذا كنت ممن لا يستطيعون الاستغناء عن رفاهية وجمال وأريحية صالونات المركبات ذات المحرك لا تجزع ولا تحزن، لن تحرم من شيء، استمتع وانعم كيفما تشاء. كل ما هناك أنك طول الطريق تضحك وتكذب على نفسك وعلى من حولك، توهم نفسك وتوهمهم أنك تقود مركبة ذات محرك حقيقية، تميل بعجلة القيادة ذات اليمين وذات اليسار، بينما في الحقيقة يداك ممسكتان بلجام، واللجام مربوط في حمار! الأسوأ لا يزال، أن حتى الحمار المحدود القدرة والحيلة في الأصل أصبح مكبلاً ومثقلاً بالصفيح والحديد والبلاستيك المقوى من كل جانب، لا يستطيع أن يرى أمامه أو حوله، ولا يستطيع أن يفرد ساقيه حتى ينطلق برشاقة وحرية الريح كما اعتاد في الماضي بعربته الحماري الخفيفة، المتوافقة معه والمعتاد عليها. هكذا، بغباء مثل هذه الحلول الوسطية التوفيقية التلفيقية الانتهازية، حرم الجميع أنفسهم من الانتفاع والاستمتاع ليس فقط بمزايا المركبة ذات المحرك الحديثة، إنما أيضاً بمزايا العربة ذات الحمار التقليدية، لينتهي بالجميع المآل إلى مسخ مشوه، ليس به من أصالة القديم شيء ولا من حداثة الجديد شيء. هذا، بمجاز مقتضب، هو حال مشروع الدستور المصري المقرر طرحه للاستفتاء عليه خلال الأيام القليلة القادمة.

مشروع مسخ مشوه، عربة حماري صاحبها شموس يحاول بكل الوسائل والحجج البهيمية أن يقنع الكل بكونها مركبة ذات محرك من أعظم وأحدث الماركات المحلية والعالمية، بينما نهيق الحمار البلدي بداخلها يفضحه ويكاد يصم مسامعنا بصوته الزاعق البغيض في كل لحظة. فريق الحمير الأغبياء لا يتعب نفسه أبداً ويمعن النظر والتفكير في مزايا وعيوب الدستور والشريعة، كل على حدة ثم بالمقارنة بأخرى في أزمنة وأمكنة مختلفة. هل يستطيع الدستور أن يغني عن الشريعة؟ وهل ثمة وجود حقيقي للدستور إذا ما وضع رهينة للشريعة؟ هل من سبيل لتعايش الاثنين معاً؟ كيف يكون الحل في حال التعارض، لأي منهما تكون السيادة، الكلمة الأولى والأخيرة؟

منذ آلاف السنين العربة الحماري تجول وتصول وترمح بطول وعرض شوارع مصر المحروسة وطرقاتها وحواريها وأزقتها، حضرها وريفها، في بطون مدنها وقراها وفيما بينها. كانت فوائدها عظيمة، ومشاقها وأخطارها وأهوالها ومظالمها أيضاً. ثم بفضل التطور والتقدم الحضاري، توصلت بعض مناطق العالم إلى اختراع آلة عجيبة تستطيع أن تؤدي نفس المهام التي كانت تؤديها العربة الحماري، لكن بمشاق وأخطار أقل، وكفاءة وعدالة ورحمة أعلى بكثير. وبالفعل أخذ هؤلاء الأغراب البعداء يضعون اختراعهم العجيب موضع التطبيق، مهدوا له شبكة عملاقة من الطرق السريعة والدائرية والداخلية، ووضعوا لها مجموعة صارمة من القواعد المرورية المنظمة لحركة السير على تلك الطرق والعقوبات الرادعة لكل ما يخالفها. منذ ذلك الزمن تحول العالم إلى آخر مختلف تماماً، ليحقق من الرفاهية والتقدم والعدل والإخاء والمساواة في بضع سنين ما عجز عنه في آلاف السنين الماضية.

المشكلة أن أكثر العرب والمسلمين يطمعون أشد الطمع في استغلال المركبة ذات المحرك بالنظر إلى أناقتها وسرعتها وكفاءتها ورفاهيتها المادية مقارنة بالعربة ذات الحمار، لكنهم في الوقت نفسه لا يجهدون أنفسهم بما يكفي لمد وتعبيد شبكة الطرق الحديثة اللازمة لمثل هذه المركبات الحديثة، وبحجة الأعلوية الروحية والأخلاقية يأبون الانصياع للقواعد المرورية المنظمة لحركة السير على تلك الطرق، وفوق ذلك كله يعز عليهم أشد العزة أن تنقطع أواصر العشرة والألفة والمعيشة المشتركة والود المتبادل بينهم وبين الحمار. كأن العرب والمسلمين، في فكرهم وأسلوب حياتهم المتناقض حتى مع نفسه، تحولوا مسخ برأسين، ينظر ويفكر إلى الخلف والأمام معاً، ويبقى واقفاً عاجزاً مشلولاً في مكانه لا يقدر على التحرك في أي اتجاه، متخلفاً عن الركب الحضاري العالمي من حوله.

كل هذا في حين أن شبكة الطرق الحديثة، مقارنة بتلك المعوجة والمتربة والموحلة والمزروعة باللصوص وقطاع الطرق في كل مكان طوال العصور القديمة، هي في النهاية خير ومصلحة وراحة ورحمة لكل الحمير بعرباتهم، بشرط أن يحترموا قواعد وقوانين السير. اسأل أي حمار: أيهما الأكثر مشقة عليك، أن تجر عربتك في التراب والطين الموحل، أم على طريق إسفلتي حديث ممهد وآمن، مجرد أن تلتزم بالحارة اليمين؟ رغم مد شبكة الطرق المرصوفة وكثرة المركبات الحديثة التي تجري عليها وتلتزم بقوانينها، لا تزال الطرق الترابية الصغيرة الفرعية موجودة في كل مدينة وقرية، والحمير بأشكالها وأعمارها وعرباتها المختلفة موجودة في كل مكان. حتى سعر الحمار الآن أغلى من سعره زمان. لكن في كل الأحوال، تبقى، وينبغي أن تبقى، وجهة وسياسة الدولة عموماً إلى تعبيد ومد ورصف وتأمين المزيد من الطرق الحديثة التي تفيد الجميع، لا أن تقطع وتخرب وتهدم ما هو قائم منها بحجة أن سخونة الإسفلت في عز الصيف تلهب حوافر الحمار من تحت "المركبة ذات الحمار"!

كأن عتاة الإسلام السياسي يخيرون المصريين الآن بين العربة الحماري، أو المركبة ذات الحمار.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لو خلعت ملابسها في ميدان عام
- اصرفوا رئيس اليمين الباطل
- رئيس في الهواء
- عندما يعتلي الإله سدة الحكم
- كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر
- في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة
- سيدنا الشيخ بديع مع سيدنا الولي مرسي
- في فلسفة الدستور (عبثية المادة الثانية)
- الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية
- في فلسفة الدستور
- العلماء الكهنوت
- وكذب القرآنيون-3
- وكذب القرآنيون-2
- وكذب القرآنيون
- الحكمة الإلهية داء العقل العربي
- بالدستور، المصريون المسيحيون يدفعون الجزية للمصريين المسلمين ...
- مشروع دستور لسفك الدماء
- احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!
- حرية التعبير..وصحافة البورنو
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدستور أو الشريعة