أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - العلماء الكهنوت














المزيد.....

العلماء الكهنوت


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 01:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في قديم الزمان كان مكان العلم داخل الأضرحة والمعابد، يمارسه ويحتكره الكهنة، علماء الغيب، قراء الكف والطالع والبخت، وتحركات النجوم ونوايا الآلهة ومصائر العباد والبلدان، هدفه الأساسي تأمين أرزاق وحياة وذرية البشر من شرور الدنيا وكوارث الطبيعة وأرواحها والنجاة بهم من غضب الآلهة وجحيمها، والفوز بنعيم جنتها في الآخرة. وهكذا قد ظل العلم يتوارث ضيقاً محصوراً إلى العصر الإسلامي، لينتقل محبسه إلى داخل جدران الجوامع، في صدور رجال وفقهاء الدين وحدهم، يخدم الغاية الكبرى ذاتها. من هنا يأتي المدلول الديني النفاذ لكلمة "العلماء" في الأدبيات الإسلامية قديماً وحديثاً. إلى الذهنية العربية المعاصرة، "العلم" يعني علمين منفصلين ومتضادين غالباً- "علم ديني" سماوي قد ظل هو الوحيد الشامل والجامع في بطنه كافة العلوم الدينية وغير الدينية الأخرى من فلك وطب وهندسة وتنجيم وكيمياء وفلسفة وعمارة وتجارة وفقه وحديث وبلاغة وشعر ونحو وصرف...الخ، و"علم وضعي" مادي لم يعرفه العقل العربي إلا مع بداية اتصاله بالاستعمار الغربي قرب وعقب زوال الخلافة العثمانية ونشوء الدولة الوطنية يقوم بالأساس على تحرير العلوم من التبعية للدين وعلى التخصص المهني، بحيث لا يصح أن يدرس أو يمارس الفلك مع الطب، أو أن يقحم الدين في أي من العلوم الأخرى.

منذ قديم الزمان، قد ظلت الوظيفة الأولية للعلم الكهنوتي هي استقراء نوايا ومقاصد، تعليمات وأوامر ونواهي الآلهة لبني البشر. لذا دائماً أبداً كان ينصب جل اهتمام وتركيز العلماء الكهنوت على فهم وتفسير وتأويل الحكمة الإلهية أينما كان مصدرها، وبالأخص من الكلمة الإلهية المنزلة في الكتب المقدسة. استقريء نية الإله تعلم كل شيء، ببساطة لأن الإله هو العالم بكل شيء. المعرفة بالإله وبمقاصده للإنسان تغني عن كل معرفة أخرى، لأنه هو ذاته المعرفة ذاتها. من هذا المنطلق، قد ظل العالم الكهنوتي دائماً يتضرع إلى السماء طالباً ومستجدياً العلم، يفتش عنه بدأب ومثابرة وذاكرة لا تكل ولا تتعب في الكلمات وبين سطور الكتب والأحاديث المقدسة، وفي شروح وتفاسير من قدروا على فهمها والاستنباط منها والقياس عليها والاجتهاد حولها. ورغم الجهود الجبارة طوال آلاف السنين لثبر أسرار العلم الإلهي، قد ظل العالم الكهنوت جاهلاً حتى بذاته وحياته وعالمه الصغير، قد يشخص ببصره وخياله إلى عنان السماء ومئات السنين الماضية، لكنه لا يستطيع أن يرى أو يدرس أو يفحص أو يحلل أو يعرف أو يستغل ما تحت قدميه، يحدثك بطلاقة جوفاء خرقاء عن أمم ومعجزات في أول وآخر الزمان ليس لها شبيه أو مثيل بينما هو في الحاضر لا يستطيع أن يفقه أو يفك تركيب حفنة من حبات التراب تحت قدميه. على مدار التاريخ القديم، قد ألف العالم الكهنوتي على استنباط كافة العلوم من الدين ثم ردها إليه ثانية، لغاية واحدة أولية هي تأكيد وتأصيل الدين ذاته أكثر من الرغبة الصادقة والأمينة في الوصول إلى الحقيقة المجردة، حتى لو خالفت الدين.

هذه أصبحت هي الوظيفة والغاية الأولية والنهائية للعلوم الوضعية المادية الحديثة- البحث في والوصول إلى الحقيقة المجردة. كل علم في مجاله يبحث في الحقيقة، مجرداً من أي انحياز ديني أو سياسي أو ثقافي أو حضاري أو خلافه. من منظور العلم الحديث، الحقيقة غاية في ذاتها، ليس لأجل أي غرض آخر. على هذا الأساس، انسحب الدين من كافة العلوم الأخرى ليصبح منعزلاً ومكتفياً بذاته، مثله مثل كافة العلوم الأخرى، يبحث في أدواته ومناهجه وحقائقه وأساطيره وغاياته هو فقط دون أن يكون له حق التطفل أو إقحام نفسه على أي علوم أخرى أو تسخيرها لخدمة مصالحه الخاصة. أخيراً طلع فجر عصر المهنية والحرفية. منذ هذه اللحظة الحداثية تخلف إلى الظل والهامش العلماء الكهنوت وتقدمت صفوف الدول الوطنية العلماء المهنيون المحترفون أمثال نجيب محفوظ (1911- 2006) في الأدب وأحمد زويل (1946-....) في الكيمياء.

في عالم الماضي كان العالم الكهنوت بن رشد (1126- 1198) فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي وفيزيائي معاً، بينما عالم الحاضر لا يجيز له ولا يقبل منه ذلك. أصبح الاحتراف والتخصص مفتاح التقدم وتحررت العلوم من التبعية للدين والفلسفة. لكن رغم التقدم العلمي والحضاري الهائل وغير المسبوق منذ فصل العلم عن الدين، لا يزال العلماء الكهنوت حتى اليوم يسمون أنفسهم علماء ويصرون في مسودة الدستور على أن يكون "الإسلام دين الدولة"، وهيئة كبار العلماء الأزهرية حماتها!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وكذب القرآنيون-3
- وكذب القرآنيون-2
- وكذب القرآنيون
- الحكمة الإلهية داء العقل العربي
- بالدستور، المصريون المسيحيون يدفعون الجزية للمصريين المسلمين ...
- مشروع دستور لسفك الدماء
- احترسوا من فضلكم، الدستور يرجع إلى الخلف!
- حرية التعبير..وصحافة البورنو
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
- إشكالية الدستور والشريعة
- تعدد الزوجات جريمة
- حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
- العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
- أسطورة العرب
- من يكون المتطرف؟
- مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
- نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر
- في معرفة الله...والنص
- أم عزباء أم امرأة عانس؟
- في الزواج وممارسة الجنس


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - العلماء الكهنوت