في الزواج وممارسة الجنس

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 18:14
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    

أن تتزوج يعني أن يصبح باستطاعتك أن تمارس الجنس وقتما وكيفما شئت مع زوجك. لكن الأمر قد لا يقف عند ذلك الحد. على مر العصور، كان الزواج ولا يزال غالباً هو التقاء بين زوج من ذكر وأنثى في رباط اجتماعي مشهر تترتب عليه حقوق وواجبات محددة تجاه طرفيه أحدهما الآخر وبينهما وبين الجماعة المحيطة. الزواج علاقة اجتماعية بالأساس، ممارسة الجنس جزء مهم فيها لكنه غالباً ليس الأساس ولا الغاية التي انعقدت من أجلها. في الآونة الأخيرة، أصبح رباط الزواج لا يقتصر على الذكر والأنثى، بل يمكن أن يجمع بين أنثى وأنثى، أو ذكر وذكر، الأمر الذي يدلل على أن الزواج هو رباط اجتماعي بالأساس أكثر منه أي شيء آخر. إذا كان الزواج رباط اجتماعي قائم على المؤانسة والمعاشرة والمصاهرة والنسب وتوسعة وتقوية أواصر الجماعة، الجنس حاجة بيولوجية طبيعية أساسية مثل الأكل والشرب والحركة تحتاجها الحياة البدنية والنفسية الصحية والسوية للإنسان، حتى لو كان يستطيع أن يقضي عمره بدونها. الزواج رباط اجتماعي غايته المزيد من تقوية الجماعة وتعزيز مصالحها، بينما الجنس رباط بيولوجي طبيعي غايته إشباع الغرائز الجنسية لدى الأفراد، اللبنات التي تتكون منها الجماعة البشرية في نهاية المطاف. الجماعة الصحية والسوية قوامها أفراد أصحاء بدنياً وأسوياء نفسياً.

الجنس حاجة طبيعية أولية يشترك فيها الإنسان مع كافة الحيوانات الأخرى، بينما الزواج مؤسسة اجتماعية يتميز بها الإنسان وحده على كل الكائنات الحية الأخرى. كل الحيوانات الانفرادية والقطعانية تتكاثر عبر ممارسة الجنس، الإنسان هو الوحيد الذي يمارس الجنس ويتزوج معاً. الجنس حاجة طبيعية للإنسان مثل الأكل والشرب والحركة يتساوى فيها مع كل الحيوانات الأخرى وتتطلبها الحياة البدنية والنفسية الصحية والسوية. أما الزواج حاجة اجتماعية، عقد اجتماعي مشهر ومنظم ومقنن ومعترف به من الجماعة ككل، البوابة الأساسية لتكوين الأسرة والانضمام إلى قطيع الجماعة الكبيرة. حاجة الإنسان إلى اللقاء الجنسي لا تقل عن حاجته إلى الاجتماع المجتمعي. ومثلما تكون حياة الإنسان تعيسة وشقية إذا عاش وحيداً معزولاً عن بني جنسه البشر الآخرين، كذلك تصبح حياته مضطربة ومريضة إذا لم يمارس الجنس من سن البلوغ. لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة صحية بدنياً وسوية نفسياً من دون أن يشبع احتياجاته الطبيعية الأساسية من الأكل والشرب والحركة والجنس.

ممارسة الجنس هي حاجة بيولوجية طبيعية منشأها ومبررها بيولوجيا وطبيعة تكوين جسم الإنسان ذاته. جسم الإنسان مزود بغدد وإفرازات وأعضاء جنسية معدة ومهيأة لممارسة الجنس تماماً مثل أعضاء التنفس والهضم والحركة. كبقية أعضاء الجسم البشري الحيوية الأخرى، تلك الأعضاء الجنسية تحتاج إلى الشبع الجنسي حتى ينعم الإنسان بحياة صحية مستقرة. في إشباع الإنسان لحاجاته البيولوجية الطبيعية تلك، تكون الجماعة مطالبة بتوفير الحماية له من تعدي الغير على حريته، مثلما تحمي له مأكله ومشربه ومسكنه وحركته من عدوان الآخرين. لا يحق للجماعة أن تحول دون أن يشبع أي من أفرادها شهوته الجنسية، دون عدوان على حرية الآخرين. ممارسة الجنس حق يكتسبه الإنسان بحكم تكوينه الطبيعي البيولوجي، لا بحكم انتمائه لجماعة أو ثقافة أو دين معين. الحقوق الطبيعية واحدة مشتركة بين جميع الشعوب والثقافات والأديان المختلفة، يكتسبها الإنسان بحكم تكوينه البيولوجي الطبيعي الواحد المشترك كإنسان. هكذا، لا يحق للجماعة أن تقف حائلاً دون إشباع الأفراد لغرائزهم الجنسية. وعلى الجماعة في هذا الصدد أن تمكن أفرادها من ممارسة حرياتهم والتمتع بحقوقهم وضمان عدم تعدي أي منهم على حريات وحقوق الآخرين. لكل إنسان الحق في أن يشبع غرائزه الجنسية مع شريكه الذي يختار، بالتراضي فيما بينهما، بينما لا يحق له أن يرغم شريكاً على أن يمارس معه الجنس غصباً، مهما كانت الأسباب. الحرية دائماً عدو الإكراه والاغتصاب.

مثلما أن الجنس حق طبيعي بيولوجي يمارسه الأفراد طواعية بإرادة حرة واختيار واعي، كذلك الزواج مؤسسة اجتماعية طوعية غير إلزامية. في كل الجماعات البشرية، لا يوجد إلزام على الأفراد للدخول في روابط أو عقود زواج غصباً عنهم، حتى على الرغم من أن معظم المجتمعات تحث أفرادها على الزواج وتشجع وتدعم وتكوين الأسرة. دائماً رباط وعقد الزواج طوعي واختياري، متروك لرغبة وإرادة طرفيه. ومع أن الجماعة هي التي تحدد إجراءات وطقوس الزواج، لكنها لا تفرض تلك الإجراءات والطقوس الشكلية بالإكراه على من لا يريد. الزواج مؤسسة من خلق وصيانة وتحديث الجماعة نفسها، هدفها المحوري تكوين الأسرة لمزيد من تدعيم وتوسيع وتقوية أواصر الجماعة وحماية وتعزيز مصالحها. الزواج وسيلة بيد الجماعة لخدمة مقاصد اجتماعية.

أن لا تتزوج لا يعني أن تعيش محروماً من ممارسة الجنس بالضرورة، مثلما أن الزواج لا يعني ممارسة الجنس بين ذكر وأنثى بالضرورة. ممارسة الجنس بعد البلوغ حق لكل إنسان، أما الزواج حق آخر مستقل تماماً؛ وكلاهما أساسه الطواعية وحرية الاختيار لإشباع غرائز وتلبية احتياجات طبيعية ومجتمعية.

#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات