أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم














المزيد.....

المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3788 - 2012 / 7 / 14 - 22:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثمة مشروع إسلامي قائم على فكر مجرد مثالي وتطبيقات بدائية قديمة مبعثر عبر التراث الفكري والفقهي الإسلامي، ظل لمئات السنين يحظى بشغف وأماني أغلبية المسلمين ويراودهم في منامهم ويقظتهم، ورغم ذلك لم ينل حتى الآن فرصته للتطبيق. هذا المشروع يستند إلى فلسفة تجريدية، تلك التي يتم تشييدها بالأساس من نظريات في الخيال دون تطبيقات ملموسة وناجحة على أرض الواقع وتتجاهل إلى حد كبير المعطيات الحياتية الحسية وتتعالى عليها، تشكلت بدورها من تصورات ونظريات عن وجود علاقة مباشرة (عبر الوحي) وغير مباشرة (عبر النقل عن الكتب والشخصيات المقدسة) بين الإنسان وخالقه، وأن الخالق (في حكم اليقين) أدرى وأعلم بخلقه وما ينفعهم وما يضرهم. على هذا الأساس، كان، ولا يزال، هذا المشروع الإسلامي مشروعاً فوقياً، جاء بتنزيل من فوق (السماء) لكي يتم تطبيقه (تحت) على أهل الأرض في هذه الحياة الدنيا. هذا يعني أيضاً أن هؤلاء الذين يحيون في (التحت) مجبرون على طاعة ما يتنزل عليهم من (الأعلى) في السماء، لأن هؤلاء الأولين وجدواً أساساً لأجل هذه الغاية: ("وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، هكذا يخاطب الخالق خلقه). لكن، من جهة أخرى، ماذا، وهنا الإشكالية، إذا رفض الخلق طاعة الخالق؟

إذا حدث ذلك، ينهار المشروع الإسلامي، وكل مشروع ديني آخر، من أساسه، لأن كل المشاريع الدينية مبنية على هذا الأساس بالتحديد- الطاعة. هذه الطاعة يبررها العلم، حيث الصانع أعلم بصناعته بالضرورة. عندما يرفض الخلق الطاعة والعبودية للخالق، تنقطع العلاقة الرأسية، الفوق-سفلية، ما بين الإله والإنسان وتبقى علاقة أفقية فقط ما بين الإنسان وبني جنسه الإنس وبقية الكون والحياة من حوله؛ كذلك عندما يغيب الطرف الأعلى، تغيب معه كل مشتقاته التراثية ويصبح المشروع الإسلامي تاريخاً، مجرد مرحلة كانت لها ظروفها وانتهت أو صفحة وطويت في كتاب التاريخ الحافل. تلك كانت، ولا تزال، هي دائماً إشكالية أصحاب المشروع الإسلامي: ماذا ستكون الخطوة التالية إذا لم يجد مشروعهم الفوقي، المنزل جاهزاً من فوق، الطاعة المطلوبة من المخاطبين به (بالحسنى إلى الآن) كي يتمكن دعاته من تطبيقه فيهم؟ عند هذه النقطة، يجد الإسلاميون أنفسهم محشورين ما بين الطرفين العلوي والسفلي، ومما لا شك فيه أنهم لن يكونوا أبداً أولئك (الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة). هذه الحشرة أسميها هنا "إشكالية الصراع"، وأظنها تؤدي دائماً، وحتماً، إلى هذا الطريق المسدود.

في مصر، بعد ثورة مدنية سلمية في 25 يناير 2011، نحن سعداء بتحول الإسلاميين من العنف إلى العمل السياسي السلمي، ونشجعهم على ذلك، على أمل أن يقود انخراطهم وسط شركائهم في الوطن إلى تشذيب وتهذيب مشاريعهم الإسلامية التجريدية الجامحة تمهيداً لذوبانها وتكاملها في مشروع وطني عام، يشارك في صنعه الجميع. لكن ذلك الأمل يجب أن لا ينسينا طبيعة المشروع الإسلامي، والتي ظلت على حالتها تلك التجريدية المثالية الحالمة، والعنيفة كلما لاقت إحباطاً، منذ الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، أي بعد أعوام قليلة من تأسيس الدين الإسلامي ذاته. ماذا إذا لم يجد الإسلاميون المسالمون الآن الطاعة المطلوبة من أجل تطبيق مشروعهم الفوقي، الإلهي المنزل من السماء كما يزعمون تمييزاً له وسمواً به على المشاريع الوضعية، الأدنى مرتبة، التي هي من وضع الناس أنفسهم؟ هل سيقبلون المساومة والتسوية والحل الوسط في (حقوق الله)؟

أظن أن الإسلاميين، أصحاب المشروع الإسلامي الجاهز منذ مئات السنين، لم يكونوا ليقبلوا بالتحول عن العنف إلا بعدما قُطع عليهم هذا الطريق بالفعل وهزموا فيه شر هزيمة، كما حدث، كمثال واحد متطرف، مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. الإسلاميون لم يتحولوا من العنف إلى السلم طواعية بمحض إرادتهم. هم، مدفوعين بمشروعهم الجامح، مارسوا العنف بالفعل على أمل تطبيق نفس هذا المشروع، لكنهم أخفقوا في تحقيق تقدم يذكر في هذا الاتجاه، قياساً بمجموعات إسلامية أخرى اختارت الوسائل السلمية، والأثمان الباهظة من الأرواح والأموال والملاحقات القضائية التي تكبدوها. هكذا، يجب التنبيه إلى أن الدعة والمسالمة التي يبديها الإسلاميون الآن ليست طبع أصيل فيهم أنفسهم أو في فكرهم ومشروعهم السياسي. هذا التحول السلمي الملحوظ حدث نتيجة لعدم قدرتهم على تحقيق أي تقدم باتجاه تطبيق مشروعهم الإسلامي عبر استخدام الوسائل العنيفة، وبعث الأمل فيهم بعد ثورة 25 يناير 2011 السلمية لكي يبلغوا بنفس هذه الوسيلة الثورية السلمية ما عجزوا في بلوغه عبر وسائل العنف وسفك الدماء. في قول آخر، الوسائل فقط هي التي تغيرت، لكن المشروع والغاية العظمى بقيت كما هي دون أي تغيير، ربما منذ مئات السنين.

المشكلة ليست في الوسائل بقدر ما هي في المشروع. كل ما يفعله الإسلاميون اليوم هو تعديل وتحسين الوسيلة، دون أن يصيب المشروع ذاته أي مراجعة أو تحديث، أو أي نوع من النقد الذاتي لأفكارهم أنفسهم أو للتراث الذي ينهلون منه بشراهة وتصديق ساذج. طالما لم يبدي الإسلاميون توبة صادقة وإقراراً بالذنب عن ماضيهم العنيف ودماء الأبرياء المدنيين التي سفكت بغير ذنب، هذا معناه أنهم فقط في استراحة مقاتل لالتقاط الأنفاس وسيعاودون الكرة مجدداً. في حكم المؤكد، هذه الكرة العنيفة الجديدة سوف تندلع مع أول خيبة أمل جديدة لهم في أن يتمكنوا من تطبيق مشروعهم السياسي الإسلامي كما يريدون.

طالما بقي مشروع الإسلام السياسي كما هو دون تحديث، وبقي المؤمنون به والساعون إلى تطبيقه كما هم دون مراجعة حقيقية لخطايا النفس والماضي؛ وطالما بقي ما يحول بينهم وبين هذا التطبيق المنشود منذ مئات السنين، حتماً سيبقى الصراع كامناً ليتأجج مع أول شعور بالإحباط وخيبة الأمل. هذا الصراع لن يزول إلا بزوال إما هذا المشروع، أو العقبات أمام تحقيقه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
- الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
- سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
- نصف إله + نصف شيطان = مساواة
- الحرية وتطبيق الشريعة
- امسك...إسلامجية حرامية
- آلهة شياطين
- بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
- وماذا لو حكم الأخوان؟
- من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
- هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى
- أسطورة الإله...أسطورة الوطن
- أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
- تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
- أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
- السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
- رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
- في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
- شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم


المزيد.....




- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم