أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أسطورة الإله...أسطورة الوطن














المزيد.....

أسطورة الإله...أسطورة الوطن


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 09:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الأسطورة تلازمنا في كل مكان، في اليقظة والمنام، حياتنا بدونها صعبة وشاقة وموحشة ومقفرة وبلا معنى وهدف. هي غير الحقيقة المجردة. هي حقيقة مزينة، مزركشة، ملونة، مطروح منها ومضاف إليه، مجملة، ومقبحة أحياناً. الأسطورة، كما الحقيقة، وكما السرطان كذلك، منها الحميد والخبيث، النافع والضار، الملاك والشيطان، يصنعها الإنسان بنفسه لنفسه حتى يبتلع ويستسيغ بعض الحقائق المريرة، أو لينجو بنفسه من غواية حقائق ساطعة يتصورها مهلكة خلاف ذلك. الأسطورة، بمغزى ما، هي خلق بشري يضبط إيقاع تعامل الإنس مع واقعهم الحقيقي. ومع أن أصل الأسطورة حقيقة، لكن الأسطورة ليست حقيقة فقط أبداً. هي إنشاء في الخيال والذهن والاعتبار، أكثر من كونها كيان مادي مستقل مرئي وقابل للتحقق منه على أرض الواقع. ودائماً الحقائق تنجب أساطير، لكن لم يحدث أبداً أن أنجبت الأسطورة حقيقة. أعطيكم مثالين.

الوطن أسطورة. إذا كانت الأسطورة تبنى من مفردات حقيقية، لا شك أن الوطن له مفرداته الحقيقية الكثيرة، من أرض وسماء وبحر وشعب، وتاريخ، وثقافة ونظام سياسي واجتماعي وخلافه من خصائص أساسية تكفي لكي تجعله مميزاً ومتمايزاً عن بقية الأوطان الأخرى. ما من شك أن الوطن مصر مختلف عن الوطن سوريا، المختلف بدوره عن الوطن اليمن، المختلفة بدورها عن الوطن الصومال، وأن جميع الأوطان السابقة مختلفة عن وطن مثل فرنسا، المختلفة عن بريطانيا، المختلفة بدورها عن الولايات المتحدة، الشديدة الاختلاف، مثلاً، عن اليابان والصين والأرجنتين والهند...الخ. الأوطان تشبه أفراد البشر، لها خصائصها الفردية المتميزة والمتمايزة، حتى وإن كانت توحد بينها كلها خصائص أساسية مشتركة لا يكون الوطن، أي وطن، وطناً بدونها، مثل معطيات الجغرافيا والتاريخ والبشر. لم يوجد وطن دون قطعة أرض مستقرة المعالم، وشعب يسكنها على مدار زمن طويل بما يكفي لكي يصنع له تاريخاً وثقافة خاصة به ومميزة له.

لكن رغم حقائق الأرض والناس والتاريخ، تبقى أسطورة الوطن أكبر من مجموع كل ذلك بكثير. هنا يأتي دور الإنسان، المواطن، الخالق للوطن والمحب له. هذا الإنسان هو الذي حدد بجهده وكده وعرقه حدود قطعة الأرض التي عمرها وشق قنواتها وزرع قراها ونصب مصانعها وخطط مدنها وشيد حصونها، ودافع عنها، وسطر تاريخها، ولا يزال يطورها وينميها لنفسه ولأبنائه للعيش في كنفها وخيرها في المستقبل. لولا هذا الإنسان المجتهد، لظلت الأرض أرضاً، والسماء سماءً، والبحر بحراً، بلا تاريخ وبلا هوية. كذلك إذا لم يحافظ الإنسان على وطنه ويرعاه ويطوره وينميه، ضاع منه كما ضاعت أوطان كثيرة وأصبحت منقرضة الآن، فقامت فوق أراضيها وتحت سمواتها أوطان أخرى جديدة، بهويات وتواريخ وثقافات جديدة. هنا تكمن أهمية الأسطورة، التي تضخم وتبالغ في أهمية وجمال وعظمة ومجد الوطن، أي وطن، أكثر بكثير جداً من مجموع حقائقه الكثيرة المكونة. هكذا، في عين المواطن، لا فرق أبداً في الحب والإخلاص والتفاني والتعلق بين وطن مثل أثيوبيا وآخر مثل ألمانيا أو السعودية. كل الأوطان سواء في أفئدة مواطنيها؛ لا فرق بين وطن صغير أو كبير، غني أو فقير، متقدم أو متأخر، قوى أو ضعيف. هذه هي عظمة الأسطورة الحميدة، المفيدة، التي تجعلنا نقدس تراباً بعينه على كل تراب الدنيا، رغم أن حقيقته واحدة، وتجعلنا نعظم ونمجد تاريخاً بعينه، مع أنه قد لا يكون أكثر من سلسلة من الأحداث المريرة والهزائم المؤسفة، ونعلي من قيمة وقدر أناس معينين، لمجرد أنهم أهالينا تربينا وسطهم ونتكلم بلغتهم.

الإله أسطورة، خلقها الإنسان منذ القدم في محنه ومكابداته مع عناصر الكون من حوله مثلما خلق أسطورة الوطن، وأساطير أخرى كثيرة. إدراكاً منه لضعفه وقلة حيلته أمام قوى الطبيعة الأقوى منه وفزعه من الموت، خلق الإنسان لنفسه أسطورة الآلهة لكي تسري عنه وتعطيه الأمل وتعينه على تحمل العناء ومواصلة الحياة. مثل أسطورة الأوطان، كانت أسطورة الآلهة، ولا تزال، إنشاء إنساني اجتماعي لخدمة مقاصد إنسانية اجتماعية خالصة وليس لها أي علاقة على الإطلاق بأي قوى حقيقية مؤكدة فيما وراء الطبيعة. حتى إذا كانت هناك فعلاً آلهة لا يعلم عنها الإنسان موجودة بالفعل فيما وراء الطبيعة، تظل الآلهة كما عرفها الإنسان عبر تاريخه، بكل التراث الديني الماضي والحاضر المنسوب إليها، من صنعه وتطويره وتفسيره وتأويله وتطبيقه هو نفسه، ولخدمة مقاصده هو نفسه.

كما من خصائص الأسطورة بصفة عامة، أسطورة الآلهة هي تجميع، بالإضافة والتجميل والتفسير والتأويل والتحوير، لحقائق كثيرة ماثلة بالفعل لحواس وعقل الإنسان عبر العصور. اسأل أي شخص: ما هو الإله؟ سيجيبك: انظر في نفسك، وفي الكون من حولك بكل ما فيه من حيوان ونبات وجماد، وفي السماء وما فيها من كواكب ونجوم ومجرات. من خلق وسير كل ذلك بمقدار؟ بتعبير آخر، حسب مفهوم الأسطورة أعلاه، الإله هو مجموع كل الحقائق، دون أن يكون له وجود أو كيان مستقل بذاته. أكثر من ذلك، وكما مع أسطورة الوطن، المكان الوحيد حيث تجد للإله وجوداً حقيقياً مستقلاً هو في خيال وفؤاد الإنسان، فقط.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدعياء دين وكاذبون ديمقراطية
- تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
- أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
- السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
- رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
- في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
- شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم


المزيد.....




- بنعبد الله يستقبل وفدًا روسيًا والمتحدث باسم جماعة “ناتوري ك ...
- الاحتلال يعتدي على أحد المعالم التاريخية الملاصقة لأسوار الم ...
- المسجد التذكاري.. رمز لبطولات المسلمين
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية بدء التصويت لاختيار حبر ...
- طريقة تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات والعر ...
- الكرادلة ينتقلون إلى الفاتيكان عشية انعقاد المجمع المغلق
- ماذا قال ترامب وزوجته عن صورته بزي بابا الفاتيكان؟
- فرانسوا بورغا.. يحترم حماس ويرى الإسلاميين طليعة مجابهة الاس ...
- ماذا قال ترامب عن صورته بزي بابا الفاتيكان؟
- الإدارة الروحية لمسلمي روسيا: الهجوم على أفراد الشرطة في داغ ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أسطورة الإله...أسطورة الوطن