أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شهوة الجسد














المزيد.....

شهوة الجسد


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 02:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أنا كنت أتمنى أن يكون عنوان هذه المقالة "جمال الجسد" بدلاً من "شهوة الجسد"، لكن، للأسف، بعد تفكير تأكدت من أن أحداً لا يستطيع أن يتذوق الجمال إلا بعد شبع، وطالما أن الثقافة العربية لا تزال تعيش مرحلة "شهوة الجسد"، يكون لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن القدرة على تذوق "جمال الجسد" في الأحاسيس والمشاعر والأفكار العربية. الأساس الذي بنيت عليه هذه المقالة هو التمييز بين ثلاثة مراحل لتلبية احتياجات الجسد المتعددة، شاملة الأكل والنظافة والجنس، هي (1) الشهوة، وهي مرحلة النقص والحرمان التي لا يزال الجسد عندها "يشتهي" إشباع احتياجاته، لكنه لا يزال لم يشبعها بعد؛ و(2) الشبع، وهي مرحلة الاكتمال والامتلاء، لكن عندها لا تزال ذاكرة الجسد أكثر وعياً وإحساساً وتأثراً بمرحلة النقص والحرمان وقد يستغرق الأمر منها زمناً، ربما طويلاً، للتقدم باتجاه القدرة على الشعور بالفن وتذوق الجمال؛ و(3) الجمال، وهي المرحلة الأخيرة، التي تكون ذاكرة الجسد عندها قد نسيت تقريباً مرحلتي الشهوة والشبع وبدأت بالفعل تتذوق وتتفنن في تلبية احتياجات الجسد بطرق لم تكن تخطر على بال الإنسان، صاحب الجسد، في المرحلتين البدائيتين. كل الحيوانات تشترك مع الإنسان في الشهوة والشبع، بينما الإنسان وحده يحتكر مرحلة الجمال.

أن "تشتهي" شيئاً، يعني أنك لا تزال تشعر بالحرمان منه، أو على الأقل لا تزال لم تصل بعد لدرجة الامتلاء والشبع الكافي منه، مثل مريض سوء التغذية الذي يتغذى بالفعل لكن جسده لم يحصل بعد على كفايته من الغذاء. في الثقافة العربية، الجسد العربي يعاني من "سوء تغذية"، أو ما يمكن تسميته "سوء معاملة الجسد". الثقافة العربية تقسم الإنسان إلى قسمين، الجسد والروح، ودائماً ما تعامل الأول معاملة العبد للأخيرة. ووصل تطرف الثقافة العربية في هذا الصدد إلى تقسم العالم كله، وليس الإنسان فقط، ما بين ذلك "المادي" (الجسدي) الوضيع، وهذا "الروحاني" السامي؛ ودائماً الثقافة العربية تضع نفسها في عالم "الروحانيات" السماوي العالي بينما ترمي جميع الثقافات والحضارات الأخرى في عالم "الماديات" الأرضي السفلي الخسيس. تلك نظرة الثقافة العربية للجسد. لذلك، ليس مستغرباً أن لا تولي تلك الثقافة أهمية تذكر لتلبية الاحتياجات الأساسية لذلك الجسد، حتى يصل إلى الشبع ثم إلى القدرة على تذوق الجمال. في مفهوم الثقافة العربية والإسلامية، الجسد يعاني من الإهمال وسوء المعاملة منذ آلاف السنين حتى اليوم. تلك كانت ولا تزال حضارة "شهوة".

تلك "ثقافات حرمان" قديمة منقرضة اليوم في معظم أركان العالم، وحلت محلها في أغلب المناطق "ثقافات شبع"- هذه التي تولي الأهمية العظمى لإشباع حاجات الجسد، ولا تتحرج ولا ترى عيباً في ذلك. لماذا؟ هذه الثقافات الحديثة تخلصت من ثنائية "الجسد والروح" ("الأرض والسماء"، "الجنة والنار"). أصبح الإنسان، والعالم، كلاً واحداً، لا فضل لقسم منه على آخر، ولا لأعلاه على أسفله، ومن ثم أصبح الجسد والروح يلقيان معاملة متساوية ونفس المعاملة بالضبط لأنهما، في النهاية، شيء واحد ونفس الشيء ولا وجود لأحدهما دون الآخر. من هذا المنطلق، ترى ثقافات الامتلاء والشبع أن مهمتها الأساسية هي إشباع الاحتياجات الأساسية للإنسان، لتعتقه من أغلال "الشهوة" والنقص والحرمان، ثم تتركه يعتمد على نفسه ويكمل مسيرته باتجاه الإبداع والفن والجمال؛ تلك، من وجهة نظر الثقافة الحديثة، هي أعلى وأرقى مراحل تقدم وتحضر الإنسان.

في ما يخص الجسد، ومقارنة بالثقافات المعاصرة، من الواضح أن الثقافة العربية هي "ثقافة شهوة" نشأت على النقص والحرمان واستغلالهما لأغراضها الخاصة، ولا تزال حتى اليوم ترفض بصرامة غير مفهومة أن تجيز لأبنائها وبناتها المسعى الحر في سبيل ملء وإشباع احتياجات الجسد. طالما بقي الإنسان العربي لم يملئ ولم يشبع حاجاته الجسدية الأساسية بعد، يكون من المستحيل أن يتقدم باتجاه الإبداع والابتكار والتذوق- مرحلة الجمال. "الجائع يحلم بسوق العيش"؛ وطالما بقي هذا حاله ليس من الإنصاف أن تنتظر منه أن يحلم بشيء آخر.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية الجسد
- حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
- عدل ظالم...ومساواة حرام
- مساواة في الدين؟
- بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
- مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
- يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
- الديمقراطية كفر بالله؟
- المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
- الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
- سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
- نصف إله + نصف شيطان = مساواة
- الحرية وتطبيق الشريعة
- امسك...إسلامجية حرامية
- آلهة شياطين
- بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
- وماذا لو حكم الأخوان؟
- من ثورة مدنية سلمية إلى زحف إسلامي ترهيبي
- هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى


المزيد.....




- قبيل زيارة دول خليجية الأسبوع المقبل.. ترامب يناقش مع أردوغا ...
- -يديعوت أحرونوت- تكشف عن لقاء سري سوري إسرائيلي في عاصمة أور ...
- صحيفة برازيلية: لولا دا سيلفا يرغب في لعب دور الوسيط بشأن أو ...
- ماكرون يستقبل الشرع في فرنسا في أول زيارة أوروبية منذ الإطاح ...
- هجمات بمسيّرات تستهدف بورتسودان وتعطل حركة الطيران لليوم الث ...
- ما هي الخطوط العريضة لسياسة فريدريش ميرتس الأوروبية؟
- السعادة! ما الذي يجعل الناس راضون عن حياتهم؟
- بن كوهين: شركات السلاح الأمريكية تتحمل مسؤولية توسع الناتو و ...
- الدفاع الروسية: إسقاط 105 مسيرات أوكرانية في مناطق متفرقة خل ...
- لأول مرة في العالم.. استئصال ورم في العمود الفقري عبر العين ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شهوة الجسد