أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - العاهرة والجنرال على ميزان القيمة














المزيد.....

العاهرة والجنرال على ميزان القيمة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3859 - 2012 / 9 / 23 - 04:58
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    


للأسف هناك ناس كثيرون لا يزالون حتى اليوم يزنون الناس على ميزان قيمي متعدد ومتباعد الدرجات. في العصور الظلامية القديمة، كان يستخدم الميزان القيمي لفرز وتصنيف الرجال إلى أسياد وعبيد، حكام ورعايا، مؤمنين ناجين وكافرين هالكين. كذلك كان الميزان القيمي يميز المرأة الحرة من الأمة الجارية، الزوجة من المحظية وملك اليمين، السيدة من الخادمة، الشريفة العفيفة من البغي العاهرة. في ذلك الزمان الغابر كان ميزان القيمة هرمياً، يتربع على قمته نفر قليل من الحكام ورجال الدين والعسكريين والأثرياء وفي الأسفل عند قاعدته يتكوم العامة الأكثرية من الفقراء والنساء، وفي الدرك الأسفل العبيد والجواري. تلك التراتبية القيمية الهرمية للبشر كانت هي السائدة طوال آلاف السنين، لكن تم إيقاف العمل بها وتحرير الإنسان- رجلاً وامرأة- منها وإلغاء الرق والعبودية والنخاسة منذ بضع مئات السنين فقط. منذ ذلك الحين أصبح ميزان القيمة واحداً، من درجة واحدة ونفس الدرجة. على ميزان القيمة الحديث، أصبح لا فرق على الإطلاق بين حاكم ومحكوم، غني وفقير، متدين وكافر. أمام القانون أصبح الكل سواء، مواطنون متساوون في ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. العالم تطور ودشن عصراً حديثاً، ميزانه العدل والحرية والمساواة لجميع أبناء الوطن الواحد دون أي تمييز، قيمي أو خلافه.

الرئيس الأمريكي، باراك حسين أوباما، على ميزان القيمة الحديث لا يزيد في أي شيء عن أي مواطن أمريكي آخر، حتى لو كان ذلك المواطن رجلاً من عتاة المجرمين أو امرأة من الأكثر عهراً وشذوذاً وفسقاً. القيمة الإنسانية واحدة ونفس القيمة في الحالات الثلاثة. تفسير ذلك أن الرئيس الأمريكي يثاب بالمكانة والتقدير على أفعاله الحميدة والخيرة والنافعة للآخرين، بينما المجرم يعاقب ويقتص منه لأفعاله الشريرة، ومن العاهرة أيضاً إذا كان القانون يعاقب على العهر. هكذا كل واحد يجني ثمرة فعله، الحلو ثمرته حلوة والمر ثمرته مرة، وفيما وراء ذلك تبقى القيمة الإنسانية واحدة دون أي زيادة أو نقصان بين هذا وذاك. على هذا الأساس، المساواة التامة في القيمة الإنسانية الطبيعية، يكون الجميع بلا استثناء عرضة للمحاسبة والمساءلة، الرئيس مثله مثل المجرم، والشريفة مثلها مثل العاهرة، وبعد العقاب لا يكون لأحد أي فضل قيمي على آخر. عندما يخطئ الرئيس الأمريكي يحاسب ويعاقب مثله مثل أي مجرم آخر؛ وعندما يحسن أي مجرم سابق صنيعاً يثاب ويكافئ مثله مثل أي إنسان آخر لم يرتكب جرماً. الإنسان، أي وكل إنسان، هو في ذاته قيمة واحدة طبيعية لم يكتسبها من شيء، ولا يقدر شيء مهما كان على أن ينتزعها منه. إذا أخطأ أو أجرم الإنسان يعاقب، لكن مع ذلك تظل قيمته الإنسانية هي هي واحدة وثابتة في كل الأحوال. من هذا المنطلق كتبت العهود والمواثيق والاتفاقيات التي تحفظ القيمة والحقوق الإنسانية للأسرى والسجناء وحتى الصادرة بحقهم أحكام إعدام. حتى بعد الممات تظل القيمة الطبيعية في الإنسان، أي وكل إنسان دون تمييز، لا تفارق جثته.

في هذا المكان، تحضرني ذكرى فيلم أجنبي شارك في تمثيله النجم المصري عمر الشريف وتدور أحداثه في زمن الحرب العالمية الثانية. كان الشريف يجسد دور محقق عسكري يحقق في جريمة قتل كانت ضحيتها فتاة ليل تعمل عاهرة في إحدى الحانات. كان القاتل جنرالاً عظيماً في الجيش الألماني له إنجازاته وانتصاراته العسكرية المبهرة وكان، على ما أتذكر، مكلفاً باحتلال وتأمين إحدى دول أوروبا الشرقية. بينما كان الجنرال الألماني في قلب المعركة داخل إحدى المدن الكبرى منهمكاً في إخضاعها بالحديد والنار يتصدر جيشاً جراراً من المدرعات والمجنزرات والمصفحات والدبابات والجنود المدججين بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، يشير بيده جهة اليمين لتستعر فيها النيران من كل مكان، ثم إلى جهة اليسار لتدك مدفعيته شوارع بأكملها وتسويها بالأرض في طرفة عين، والناس تصرخ وتحاول النجاة وترمي بأنفسها من شرفات المنازل هرباً من ألسنة النيران الأبنية المنهارة وتتساقط قتلى كالحشرات من حوله في كل مكان وهو ماضي في تنفيذ خطته العسكرية غير عابئ بشيء، إذا بالمحقق عمر الشريف يأتيه وسط هذه المذبحة الجماعية ليبلغه بنتيجة تحقيقات تفيد بالاشتباه في تورطه في قتل عاهرة. أثناء القتال هذا الجنرال قتل بدم بارد مئات الآلاف من الأرواح ورغم ذلك لم يطارده أو يحاسبه أحد، لكنه الآن مطارد من العدالة لتورطه في مقتل عاهرة بعد قضائه معها ليلة جنسية سادية في إحدى بيوت الدعارة. وبالفعل نجح المحقق في الإيقاع به وأثبت ارتكاب الجنرال للجريمة، وحكم عليه بالإعدام، على ما اعتقد. هذه القصة ظلت لسنوات لغزاً محيراً بالنسبة لي. كيف يحكم بالإعدام على جنرال عظيم حقق الفتح والنصر والمجد لبلده، وقتل في سبيل ذلك آلاف الناس الأبرياء، قصاصاً لقتل امرأة عاهرة؟!

إنها القيمة الإنسانية المتساوية، التي لا يزيدها أن تكون جنرالاً أو رئيساً أو حتى نبياً، ولا ينقصها أن تكون عاهرة أو كناساً أو حتى كافراً.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة العرب
- من يكون المتطرف؟
- مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
- نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر
- في معرفة الله...والنص
- أم عزباء أم امرأة عانس؟
- في الزواج وممارسة الجنس
- حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
- الدين والديمقراطية والاستبداد
- شهوة الجسد
- حرية الجسد
- حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
- عدل ظالم...ومساواة حرام
- مساواة في الدين؟
- بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
- مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
- يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
- الديمقراطية كفر بالله؟
- المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية


المزيد.....




- تواصل العصابات تجنيد الاطفال رغم الأساليب الجديدة للشرطة
- المرأة التي ترعى 98 طفلا من ذوي الإعاقة
- “رابط فعال” خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 2025 ...
- سحر دليجاني المعارضة الإيرانية: الحرب على إيران ليست دفاعًا ...
- أهم تدخلات وزارة شؤون المرأة خلال العام الأول لتولي حكومة د ...
- النساء لا يتملّكن.. مصريات محرومات من حيازة الأراضي الزراعية ...
- فارسين أغابكيان.. أول امرأة تقود الدبلوماسية الفلسطينية
- دراسة: تدمير آثار الملكة حتشبسوت لم يكن بسبب كونها امرأة
- الناشطتان الإيرانيتان نرجس محمدي وشيرين عبادي تطالبان بوقف ف ...
- بليز ميتروويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية البر ...


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - العاهرة والجنرال على ميزان القيمة