أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - العلمانية والإلحاد















المزيد.....

العلمانية والإلحاد


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3866 - 2012 / 9 / 30 - 18:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تحتاج موضوعة العلمانية دون أدنى شك إلى متابعة الجهود من أجل تقديمها للناس بشكل مبسط وبطريقة معقولة, لكن على شرط أن لا تعوم بخاصية التبسيط على حساب دقة المعنى. إن هناك حملة ظالمة ومنظمة وثقافة يجري تعميمها بإتجاه القبول بمفهوم أن النظام العلماني هو نظام ملحد, حتى كأن مفردة العلمانية باتت وكأنها على وشك أن تكون مرادفة لدى العديدين لمفردة الإلحاد. ولذلك أرى أن تناول هذه الموضوعة يجب أن يجري بالإهتمام الكافي وذلك لمواجهة التنظيرات الجاهلة أو التجهيلية.

وكما قلت فإن عملية تناول هذه الموضوعة لغاية حمايتها من التشويه وتهم الإلحاد التي باتت تلاحقها إنما تتحقق بشرح الحقائق التي من شأنها أن تحدد العلاقة بين العلمانية والإلحاد بشكل لا يلوي الحقائق ولا يلتف عليها. وفي هذا الاتجاه هناك ثمة حاجة حقيقية إلى التمييز ما بين العلمانية كموضوعة علمية أو فكرية شاملة وما بينها كموضوعة سياسية.

وسنرى أن الشامل منها هو ذا منحى شخصي ويتعلق بقضايا العلوم والفلسفات والأفكار والثقافات, فالمفكر أو العالم البيولوجي أو المهندس أو الفلكي له الحق في أن يدخل إلى ساحة أفكاره وبحوثه حرا وغير مقيد, لكي لا يحشر نفسه في زاوية محددة من الإملاءات التي تجعله مقيدا بها وعاجزا بالتالي عن الدخول في مجال البحث عن الحقيقة بالعلمية المطلوبة. أما النوع الثاني, أي العلمانية السياسية, فهو محدد بوظيفة ذات صلة بالسياسة وقضايا بناء الدولة ولا علاقة له بالشأن الشخصي الذي يتحدد بحرية الاعتقاد.

والعلمانيّة قابلة للتحديث والتكييف. إنها بمعنى أساسي عملية البحث الدائم عن الحقيقة وتخطي كل الأفكار والمعتقدات التي تحاول أن تستولي على هذه الحقيقة وتعلنها واحدة ونهائية وملكا لجهة دون غيرها.
وهي بهذا ليست ضد الدين والتفكير الديني, كإعتقاد شخصي حر, وإنما ضد محاولة استعمال الدين للحجر على حرية التفكير الحر والاعتقاد المتفتح.
فثمة هنا فرق كبير بين حقيقة أن العلمانية تتحقق من خلال رفض إحتكار الفكر الإنساني لجهة واحدة ولصالح ثابت مقدس, وكونها ذات موقف مباشر وأحادي ضد الدين , فهي هنا ليست نظاما للإلحاد, وفي إعتقادي أن هذا هو ليس همها الحقيقي, فإن هي خاضت معركة في هذا الإتجاه فليس لغرض إحلال البديل الأحادي النقيض وإنما لمنع المؤسسة الدينية لأن تفرض مفهوما بهذا الإتجاه.

وهكذا سيكون ممكنا القول إن محاولة إختزال مفهوم العلمانية بالإلحاد هو أمر غير صحيح, غير أن هذا لا يعني أن العلمانية لا علاقة لها بالإلحاد, وتبقى العلة في تطابق المعنيين, فالملحد هو بالضرورة علماني إذا كان إلحاده ما زال مقيدا بعدم الوصول إلى قناعات نهائية بشأن عملية الخلق مثلا, أما العلماني فليس ضروريا أن يكون ملحدا, فحتى على مستوى التفكير والبحث العلمي والفلسفي فإن عدم التقيد بالفكر الديني والولاء له إنما ينبع من محاولة تحييده في لحظة البحث عن الحقيقة لكي يكون ذلك البحث غير مقيد بحقائق نهائية من شأنها أن تقيد حريته وتحجر عليه, ولو حدث أن دخل العالم الباحث إلى موضوعته العلمية أو الفكرية من باب نفي الخالق والإلحاد بالدين فسيكون حينها ملحدا ولكنه لن يكون يالضرورة علمانيا, فالعلمانية هنا لا تشترط الإلحاد, بل هي طريقة مفتوحة للتفكير خارج مساحة وجود الحقيقة المطلقة.

إن قوتها الحقيقية تنبع من خلال تحرير عقل الإنسان من قسرية الإيمان لا من خلال رفض هذا الإيمان, لأنها حين لا تفعل ذلك تتحول من معناها المتفتح والحر غير المقيد إلى معنى آخر ينتهي إلى نفس ما ينتهي إليه العقل الديني حينما يدعي أنه عثر على الحقيقة النهائية التي يجب أن لا يجري التفكير إلا مقيدا بها وناصرا لها ومنحشرا فيها. لذلك أستطيع القول إن تعريف العلماني يتجسد حقا حينما يستطيع أن ينأى بنفسه من هذا التقييد حصرا ولا يتجسد في إلحاده, لأن إلحادا بهذا الشكل سيكون بالنهاية قسريا ومغلق النهايات ولهذا فهو بالنتيجة لن يكون موقفا علمانيا, وسيفقد العلماني صفته الأساسية حينما ينحاز نهائيا إلى إحدى الحقيقتين, الإلحاد أو الإيمان الديني.


أما النوع الثاني للعلمانية فذلك الذي اسميناه بالعلمانية السياسية والذي له صلة بعملية بناء الدولة,
فالدولة العلمانية التي ليس لها وظيفة دينية لا علاقة لها بالإلحاد أيضا إلا كونه عقيدة للشخص المعني في دولة توفر حق التعبير للجميع, وهي دولة غير معنية بالتدخل في الدين أو الدعوة له أو الدعوة ضده ( ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا إهتديتم). وإن من حق المؤسسة الدينية أن تدعو إلى الله ( بالموعضة الحسنة) أما الدولة فواجبها توفير الحياة الآمنة والكريمة لمواطنيها والعمل على رفعة شانهم وضمان مستقبلهم بكل ما يستوجبه ذلك من نشاطات وبرامج وهيئات مختلفة .

وقد حاولت أن أقدم النوع الثاني للعلمانية بمفردة العلمانية السياسية كونها في هذا الجانب تتعامل مع قضايا بناء الدولة, وذلك لنقلها من حالتها الأقرب للفلسفة إلى حالتها الأقرب إلى السياسة, وقد قلت في مقالة سابقة (أن هناك حرية وديمقراطية في قضية الإيمان الشخصي, أما الدولة فأنا مع ما ذهَبتِ إليه: هي إلى حد كبير كيان اعتباري يضم الإنسان والحيوان والطائر والنبات والمكان النظيف والمكان القذر والملوث, ولا أعتقد أن الحيوان أو النبات له دين, ثم أن الدولة لن تُحاسب ( في الآخرة ) لأنها صنيعة ناس وليست مخلوقا بيولوجيا.. ولذلك فإن دولة العلمانية السياسية غير مجبرة على أن تكون مسلمة أو مسيحية أو بوذية أو يهودية, أي أنها ليست مجبرة على أن يكون لها موقف إيجابي أو سلبي من الدين, وذلك لأنها دولة وليست إنسان.


ولذا فقد تجد في دولة العلمانية السياسية أفرادا متدينين وآخرين ليسوا متدينين, أما الدولة فهي مسؤولة عن هؤلاء كلهم, ومسؤوليتها ليس أن تعلن تدينها أو إلحادها, لكن أن تكون قادرة على تنظيم النشاطات ومنها الدينية بما لا يتقاطع مع نشاطات الأفراد الآخرين متدينين كانوا أو غير متدينين, وأن تبدأ نشاطها المحايد الإيجابي من خلال عدم إلتزامها بأية هوية أو طقوس دينية. وهي بهذا الإتجاه لا تحافظ فقط على حرية التفكير والتشريع وإنما هي ستحافظ دون أدنى شك على السلم الإجتماعي وعلى الوحدة الوطنية الذي يتطلب إبتعاد الدولة عن الإنحياز لأي دين أو مذهب وضمان أن تبقى المؤسسات الدينية بعيدة عن التدخل بشؤون الدولة, بما يعطيها قدرة تشريع القوانين على ضوء الحاجات البشرية دون أن تجعلها رهينة لتفسيرات غيبية قادرة أن تعطل فعلها وقدرتها على المبادرة بما يتفق مع العلاقة بين التشريع والحاجة البشرية المادية المرتبطة به.

فلو طلب من شرطي مسلم في هذه الدولة أن يقوم بحراسة كنيسة فسيكون واجبه أن يحميها بنفس الهمة التي يحمي فيها الجامع لأن واجبه الأساسي هنا هو حماية واحدة من موجودات هذه الدولة وليس الصلاة بها, وواجبه هنا هو وظيفي في دولة علمانية تقر بوجود الجامع والكنيسة والمعبد اليهودي والصابئي, فإذا إنتهى واجب هذا الشرطي الوظيفي وكان مسلما فهو حر في أن يذهب لجامعه, وإن كان مسيحيا فهو حر لأن يصلي في كنيسته, وإن لم يكن متدينا فهو حر في أن يذهب لبيته أو لأقرب مقهى أو نادي. أما إذا قدم الشرطي إلتزامات إيمانه الديني على سياقات دولته العلمانية فله الحق أن يسلم بدلته وشارته إلى أقرب مركز للشرطة ثم يذهب إلى البحث عن عمل آخر لا علاقة له بوظائف الدولة العلمانية.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وإزدواجية جنسية الحكام.. وطن أم فندق
- الفلم المسيء .. بين الفعل الرخيص ورد الفعل الأرخص, وما بينهم ...
- أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير
- الحب على الطريقة الغوغائية
- القدس.. عاصمة إسرائيل
- بين حمد والعلقمي وبن سبأ .. ثلاثية القراءة الممسوخة
- هلهولة ... دخول العلم العراقي في كتاب غينيس للأرقام القياسية
- الحمار الطائفي
- هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية
- الدولة العلمانية لا دين لها.. ولكن هل هي ضد الدين
- العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة
- الإسلام السويسري *
- دولة الإسلامويين ومعاداة العلمانية
- الطائفية.. من صدام إلى بشار
- أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية
- كيف تكره الأسد دون أن تحب حمد
- البصرة.. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين
- طائفيو المهجر
- ما الذي فشل مع فشل الاستجواب


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - العلمانية والإلحاد