أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد السعدنى - وما اشتكت عيناه إلا بمصر














المزيد.....

وما اشتكت عيناه إلا بمصر


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 02:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ولما عاكستنا السياسة بغبائها وقصر نظرها وعكرت صفو أيامنا بأفعالها ورجالها، فقد هممت مكاتبتك اليوم عن "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزى، إلا أننى تحولت إلى صفحات أخر من التراث، ذلك حتى لايأخذنا أحد على محمل الملاسنة وسوء النية.
" كان المأمون قد هم بلعن معاوية بن أبي سفيان فمنعه عن ذلك يحيي ابن أكثم، وقال له: يا أمير المؤمنين، إن العامة لا تحتمل هذا، دعهم على ما هم عليه، ولا تظهر لهم أنك تميل إلى فرقة من الفرق، فإن ذلك أصلح في السياسة. فركن المأمون إلى قوله، فلما دخل عليه ثمامة بن الأشرس، قال له المأمون : يا ثمامة, قد علمت ما كنا دبرناه في معاوية, وقد عارضنا رأى أصلح في تدبير المملكة, وأبقى ذكرا في العامة. ثم أخبره ما أشار به يحيى. فقال ثمامة: يا أمير المؤمنين، وهل العامة عندك في هذا الموضع الذى وضعها فيه يحيي؟! والله ما رضى الله إلا أن سواها بالأنعام حتى جعلها أضل سبيلا، فقال تبارك وتعالى: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون او يعقلون. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ". واستطرد: والله لقد مررت منذ أيام في شارع الخلد، فإذا إنسان قد بسط كساءه وألقى عليه أدوية وهو قائم ينادي: هذا الدواء للبياض في العين والغشاوة وضعف البصر، وكانت إحدى عينيه مطموسة والأخرى مؤلمة، والناس قد انثالوا عليه، واحتفلوا إليه يستوصفونه. فنزلت عن دابتي، ودخلت بين تلك الجماعة فقلت: يا هذا أرى عينيك أحوج الأعين إلى العلاج, وأنت تصف هذا الدواء وتخبر أنه شفاء, فما بالك لا تستعمله؟! فقال : أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ما رأيت شيخا قط أجهل منك ولا أحمق! قلت : وكيف ذلك؟ قال يا جاهل, أتدرى أين اشتكت عيني؟ قلت: لا. قال: بمصر! فأقبلت على الجماعة فقالت: صدق الرجل. فأنت جاهل! وهموا بي. فقلت: والله ما علمت أن عينيه اشتكت بمصر. فما تخلصت منهم إلا بهذه الحجة! " من كتاب "المحاسن والمساوئ" لابراهيم بن محمد البيهقي.
وللقصة في مغزاها ومعناها دلالات ومرام ، والمسكوت عنه فيها أبلغ مما تم سرده وحكايته. وهى مشهد في قصة صراع التاريخ والحداثة بين الفكر وتجلياته والسياسة وشطحاتها والسلطة وتطلعاتها وشروطها وبين ذلك كله يضيع البسطاء والدهماء والعامة ويتفرقون ما بين جهول أملس العقل قاعد الهمة وبين فاهم واع تأخذه الخفة ويدفعه التسرع والهوى إلى الشطط والمجازفة وانتهاز الناس واستغلالهم. ويبقى في ذلك كله بريق السلطة واستغلالها وتواطؤ السياسة وركونها وشكلية الثقافة وانقطاعها وجهل العامة وانقيادها.
القصة تحكى عن صدر الدولة العباسية الأول مع الخليفة المأمون في بغداد والصراع مع بني أمية ودولتهم وما أحاط ذلك من صراع الفكر والدين والسياسة في فرق وأفكار ورجال من سنة وشيعة ومعتزلة ومرجئة وخوارج ومتكلمين وباطنية وفلاسفة وأصحاب منطق وبرهان أو صوفية وأهل كشف ومشاهدة أوحسبما جاء عند الغزالى والتوحيدى والبغدادي والشهرستاني والراوندي والنوبختي وغيرهم. وكان يحيي ابن أكثم من خاصة المأمون وحاشيته وهو صاحب رأى وثقافة لا تخلو من حيلة وانتهاز ونفعية، فأشار على المأمون ألا يعلن فى السياسة موقفاً محدداً حتى ولو كان ضد معاوية وذويه، ليظل وسطاً بين الجميع ومحسوبا عليهم، وذلك هو دهاء السياسة . وعلى عكس موقفه كان ثمامة بن الأشرس وهو من هو، واحد من أئمة المعتزلة وأقطابها وإمام أهل الفكر الحر في العصر العباسي الأول وهو القائل لهارون الرشيد " إن أسوا الناس حالا، عاقل يجري عليه حكم جاهل". وهو هنا فى قصة البيهقى عن المأمون يسخر مما عساه يكون من مكانة للعامة عند الخليفة واحترام كما يرى يحيى ابن أكثم وكما أشار على الخليفة. فها هو المثقف الطليعة ثمامة بن أشرس – أو هكذا يفترض أن يكون - لا يعبأ بالعامة ويحرض على تجاوزهم وعدم الاعتداد بهم والهزء منهم وكيف أنهم بسطاء جهلاء مستلبين. ولم لا أليسوا فاقدي الإرادة مدمني الانقياد لكل من يعرض نفسه عليهم حتى ولو كان بائعاً جوالاً تشي هيئتهه بعدم الجدارة والتلفيق والكذب، يدعوهم للتداوى بينما أعياه هو الداء نفسه ولا أحد يفكر أو يتذكر أن فاقد الشئ لا يعطيه ولو كان في دوائه خير لكان أولى أن يشفى به عيني رأسه. ولعل الأدهى في ذلك والأنكى إدعائه بإن ربما هذا الدواء لم ينفع عينيه إذ أنها ما اشتكت إلا بمصر. ورغم رداءة الفكرة في منطقه وتهاوى حجته، إلا أن صاحب الحاجة أرعن، والناس دائما أصحاب حاجات ، ولا كرامة لرجل كانت حاجته وأهدافه عند قدميه.
والمفارقة فى قصة المأمون هى أنها وضعتنا بين أكثم والأشرس ، بين مثقف ومثقف كلاهما غازل السلطة، وسواء حرضها على الجماهير أو تحايل عليها إلا أنه شارك في تغييب وعى الناس وآثرالنجاة بنفسه ومصالحه وأقر معهم أن عينه ما اشتكت إلا بمصر. مصر التى يوجع قلبها قبل عينيها تنكر النابهين من أبناءها لأدوارهم ومسئولياتهم فى التنوير والإصلاح والنهضة وتكالبهم على تصدر المشهد بينما لو أخلصوا وتجردوا لاستطالت قاماتهم أعلى وأرفع. وهنا اسمحوا لى ان أقلب معكم صفحة فى كتاب " سيرة أحمد بن طولون " للبلوى ، ذلك أن ابن طولون لم يكن صاحب إمارة ومؤسس دولة فحسب لكنه كان صاحب فكر ورؤية لا تنقصه همة ولا يقعده عزم وقد جاءت كلماته فى نصح إبنه العباس واضحة بلا التباس إذ يقول له أى بنى: " لا تلق بهمتك على صغار الأمور فيمنعك ذلك من كبارها, و لا تشتغل بما يقل قدره فلا يكون فيك فضل لما يعظم شأنه.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزن يسكن قلب الوطن
- - إحذروا الأنبياء الكذبة والإعلام المغامر و سارقى الثورة-: ص ...
- - روبسبير يقوم بمضاجعة الوداع وسان جوست وميرابو يحاولان ختان ...
- حمدين صباحى والجمهورية الثالثة
- من قال لا فى وجه من قالوا نعم
- الإنتروبيا من العلم إلي السياسة
- مشروع فكرى للنهضة: فريضتنا السياسية الغائبة
- إعلام دون كيشوت
- -أزمة الثورة المصرية وجيتو القاهرة المستبد- - قيامة الثورة و ...
- عندما لاتؤدى المقدمات إلى نتائجها - البرادعى يغير قواعد اللع ...
- -إن تضحيات ثائر نبيل مثل أحمد حرارة تكفى وطنا بكامله ليت ...
- -إلى مصطفى النجار والعليمى وتليمة وشكرى وكل رفاق الثورة- دقت ...
- -احتشم ياصقر فى حضرة الثوار ورموز الوطن-: أخطأ الميدان وأصاب ...
- -‬لاتزال حكومات الفشل تحاصر أحلام الشباب‮-‬ ...
- الليل تطرده قناديل العيون
- - الإنبثاق من العلم والشعر إلى السياسة والثورة-: إنما الخلاص ...
- -جيتو القاهرة المستبد واستبعاد الكفاءات والمناضلين-: رأفت نو ...
- -الأخطاء التى ترتكب فى بداية الثورات لاتموت أبداً-: إنتاج وإ ...
- الوزراء وأصحاب الرابطات الحمراء
- 9‮ ‬مارس ومشروع النهضة


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد السعدنى - وما اشتكت عيناه إلا بمصر