|
سياسة تشويه وإلغاء المنجزات الإقتصادية لثورة 14 تموز وإحتضان أمراض الإقتصاد الرأسمالي
عبد علي عوض
الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 20:28
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مما لاشكَ فيه إنَّ حالة الإحتقان السياسي التي يعيشها العراق ، تُبعِد الأنظار عمّا يعاني منه الإقتصاد العراقي من حالة الفوضى ومشاعية النهب العام وعفوية القرارات . تعتمد السياسة الإقتصادية الناجحة دائماً أسلوب الخطط العلمية البناّءة والتي لاتحتاج الى ممهدات إعلامية تُضفي عليها طابع الكفاءة ، كونها مستمَدَّة أساساً من الواقع الذي يعيشه البلد ، إقتصادياً وإجتماعياً وعلمياً ، في حين يبدأ النهج الإقتصادي التجريبي بحملة إعلامية لغرض فرضه من دون التنبؤ بالإفرازات والنتائج السلبية للنهج الجديد ، مع العلم أنّ دعاة الإقتصاد الحر الليبرالي ، العراقيون ، يعلمون جيداً ما يَمُر به الإقتصاد العالمي حالياً من حالة الركود والإختناق وتراكم الديون بسبب العجز الحاصل في موازناتها . لقد قدَّم رئيس وزراء هولندا – مارك روتِن – إستقالته مع حكومته اليمينية عندما وجَدَ نفسه عاجزاً عن معالجة العجز الحاصل في الموازنة السنوية ، أراد أنْ يخفّض العجزعن طريق إعداد موازنة تقشفية من خلال زيادة الضرائب وخفض الدعم الصحي وتجميد الرواتب . هذه الإجراءات أدَّت الى إرتفاع أصوات أحزاب المعارضة في البرلمان الهولندي وإسقاط الحكومةوهي الآن، المعارضة ، المتمثلَة بقوى اليسار والوسط (الإشتراكي،العمل، الخضر) تقوم بتسييِرأعمال السلطة التنفيذية لحين إجراء الإنتخابات في 12أيلول/ سبتمبرالقادم ، وليست الحكومة المستقيلة أو المُقالة هي التي تُدير الأمور( حكومة تصريف اللأعمال ) كما يجتهد الكثيرون في العراق من سياسيي الصدفة و أدعياء المعرفة بالدستور وقواعد العملية الديمقراطية . ذكرتُ حالة الإقتصاد الهولندي كمثال ، رداً على تصريحات أحد أعضاء الطاقم الإستشاري لرئيس الوزراء والمعني بالشأن الإقتصادي على فضائية – بلادي – والتي أوجز فيها مهمة الحكومة بجباية الضرائب فقط وترك أمور النشاط الإقتصادي سائبة تبَعاً لقوى السوق التي يتحكم بها القطاع الخاص ! .. من جانب آخر وصَفَ مقدم البرنامج القطاع العام بالفاسد والفاشل . هنا يتوجّب علينا التوقف وتحليل ما صَدرَ من الإثنين . إنّ التلاقح الحضاري هو إحدى سمات التطور ، لكنه لايُلغي المدرسة المنهجية المستقلة في الميادين الإقتصادية والعلمية والثقافية ، أعني من كلامي ، أنّ المستشار الإقتصادي يحاول تطبيق – الوصفة الجاهزة بصورة مطلقة – لإقتصاد ذلك البلد الذي أنهى فيه دراسته ، إقتصاد الأزمات وأمراض الإنهيارات الإقتصادية المزمنة . أمّا وصْم القطاع العام بالفشل والفساد وقبل الرد على هذا الإتهام المطلق ، أعتقد من الأفضل أنْ نلقي نظرة سريعة وبإختصار على المراحل التي مرَّ بها هذا القطاع و دوره في مسيرة التنمية . كان القطاع الصناعي العام في العهد الملكي غير موجود ، بَل القطاع الصناعي الخاص البسيط هو السائد و الذي بدوره يشمل مشاغل النسيج الصغيرة ( ما عدا مصنع فتاح پاشا ) والسجّاد اليدوي ومعامل النجارة وصناعة الأواني الفخارية والمعدنية ، والكراسي والأسِرَّة من سعف النخيل . القطاع الزراعي كان تحت سيطرة طبقة الإقطاع والفلاحون عندهم كانوا يُعتبَرون { أقنان } . بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ، إتّسَمَ الإقتصاد العراقي بتعددية إنماطه من خلال بناء مصانع القطاع العام الكبيرة ومصانع القطاع المختلط التي كان يعجز عن بنائها القطاع الخاص إضافة الى ظهور القطاع التعاوني . كل تلك القطاعات تأسست وشاركت في دعم الناتج الوطني الإجمالي والقضاء على البطالة الى جانب القطاع الخاص . لكن بعد انقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 ، قوَّضت إجراءات عبد السلام عارف القطاع الخاص بعمليات التأميم وتطبيق السياسة الإقتصادية المصرية . توسَّع القطاع العام في فترة حكم البعث الثانية ، لكن الذي جرى لاحقاً ، هو لغرض إمتصاص البطالة ، غدَتْ المصانع تَضم أكثر من طاقتها الإستيعابية بأضعاف من الأيدي العاملة إضافةً الى سوء الإدارة الناجم عن الولاء لحزب السلطة ، ودَبَّ الفساد لاحقاً بسبب الإنهيار الإقتصادي الذي واجهه العراق نتيجة الحروب التي شنّها الدكتاتور، وأصبح القطاع العام يشكل عبيء نتيجة إهماله تكنولوجياً وتسخيره للأغراض العسكرية وتضخم أعداد العاملين فيه . إستناداً الى ما ذكرته آنفاً ، لا يجوز خلط الأوراق وحرق المراحل وإعطائها صفة واحدة . أربع سنوات ونصف - عمر ثورة 14 تموز- وضعت الأساس الصحيح لبناء إقتصاد مزدهر ومصانع القطاع العام قدّمت الكثير ودفعَت بعجلة التنمية الى الأمام ، فلا يجوز بيعها وخصخصتها ، لكونها من ثمرات تلك الثورة ، إنّما يجب إعادة تأهيلها ورفدها بأحدث التكنولوجيا مع إستخدام الطرق العلمية الحديثة في إدارتها . إنَّ صفة التطرّف متجذرة في مجتمعاتنا ، حتى في المجال الإقتصادي ، أعني هنا أنّ الكثير من الإقتصاديين يتصورون النظام الإقتصادي بأحد النمطَين – أما إقتصاد شمولي ( يسمّونه إشتراكي خطأً ) أو إقتصاد حر ليبرالي ( سائب ) ، فلا يوجد نمط ثالث . البناء الأفضل للإقتصاد العراقي يتمثل في إعادة تعددية قطاعاته وتطويرها – العام ، المختلط ، التعاوني ، الخاص .
#عبد_علي_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البنك المركزي بين مطرقة صندوق النقد الدولي وسندان الفساد الم
...
-
ما وراء الدعوات لتوزيع عوائد النفط وخطورتها على الاقتصاد الو
...
-
أكذوبة التبادل التجاري
-
قوى التيار الديمقراطي والمؤتمر الوطني
-
نبذة عن كتاب - دراسات في التحليل الإقتصادي -
-
الأزمات الإقتصادية مزمنة وليست طارئة
-
الخوف من إرتقاء ساحة التحرير الى مستوى ميدان التحرير في صنع
...
-
الشعوب أسمى وأنزَه وأنظف من أنظمتها الحاكمة
-
كوميديا تراجيدية البرلمان العراقي
-
كوميديا تراجيدية البرلمان العراقي
-
هل سيُلدَغ التيار الديمقراطي مرةً أخرى من ذات الجحر ؟
-
أهكذا يُكافأ أصحاب الأيادي البيضاء !؟
-
أهكذا يُكافأ أصحاب الأيادي البيضاء !؟
-
لعبة خلط الأوراق لا تنجح دائماً وخنق التظاهرات هو مؤشر على ب
...
-
هدير الديمقراطية قادم لا محال ... وقرارات مجلس النواب لن تجد
...
-
ضرورة مراجعة المواقف قبل فوات الأوان ويكفي إستغباء الشعب
-
ضرورة مراجعة المواقف قبل فوات الأوان ويكفي إستغباء الشعب
-
إنطلاقة شارع المتنبي والأخطار المحدقة بها
-
الحرية قبل الخبز
-
الحرية قبل الخبز
المزيد.....
-
النفط يرتفع بعد هبوط مفاجئ لمخزونات الخام الأميركية
-
كوريا الشمالية ترسل وفدا اقتصاديا إلى إيران
-
النفط يرتفع بعد انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأميركية
...
-
“حتتوظف انهاردة” وظائف شاغرة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك ل
...
-
أردوغان في أربيل.. النفط وقضايا أخرى
-
اضطرابات الطيران في إسرائيل تؤجّل التعافي وتؤثر على خطط -عيد
...
-
أغذية الإماراتية توافق على توزيع أرباح نقدية.. بهذه القيمة
-
النفط يصعد 1% مع هبوط الدولار وتحول التركيز لبيانات اقتصادية
...
-
بنك UBS السويسري يحصل على موافقة لتأسيس فرع له في السعودية
-
بعد 200 يوم من العدوان على غزة الإحتلال يتكبد خسائر اقتصادية
...
المزيد.....
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
المزيد.....
|