أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة














المزيد.....

توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3675 - 2012 / 3 / 22 - 17:03
المحور: الادب والفن
    


مَن هو البطل؟
البطل كما قلتُ مرةً، هو الشخص الذي يقوم بفعلٍ يتخلى الجميع عن فعله، فهل ينطبق هذا التعريف على المدن أيضاً؟ وهل تملك المدن خياراً في أن تكون مدناً بطلةً أو تنزوي لتصبح مدينةً عاديةً تسيرُ فيها الحياة بروتين ما؟

أقرأ عن بطولات غزة في كل مكان، عن هذا الموت الذي يصورها أنها أخيلوس، أو هرقل، مدينةً لا تهاب الموت بل وتذهب إليه أحياناً بجرأةٍ لا تضاهيها جرأة، ولكن هل لدى غزة خيار آخر تذهب إليه؟ وهل ترك لها الأعداء والأصدقاء على السواء فرصةً لتعبر عن نفسها كمدينة؟ أو حتى كأنثى تحب أن تمشط شعرها في الصباح قبل أن تخرج إلى المدرسة كي تعجب إبن الجيران؟

غزة مدينة حزينة، حزينة مثل أرملة شابة، لا جدوى من القول إنها تحب الحياة، فكل المدن تحب الحياة، وكل المدن يمكنها أن تكون عظيمة إذا ما أعطيت الفرصة والإمكانات اللازمة لذلك، لكن غزة لم توضع أبداً في هذا الخيار، أبداً، أبداً، فقد وضعت بين فكي سمكةٍ عملاقة، لا هي تأكلها فتريحها من عذابها، ولا هي تتركها لتجد حريتها بنفسها.

إن مسائل مثل الكهرباء والمحروقات، هي نتائج في غزة وليست أسباب، فليس سبب حزن غزة الآن أن البنزين مقطوع تماماً، وأن الكهرباء تتعامل معنا كامرأة خجولة تحت أنظار زوجها، تخجل أن تنظر إلينا كي لا يتهمها بالخيانة، فهذا في نهاية الأمر نتيجة، ولكن ما هي المقدمات التي ساقت إلى هذه النتيجة؟

غزة تُرِكَت وحيدة، تصارع العالم، هذا ليس الآن فقط، فقد تُرِكت وحيدةً عام النكسة، ومات في مدارسها جنود مصريون وفلسطينيون أكثر مما مات في حروب مصر اللاحقة كلها، غزة تركت وحيدةً في العدوان الثلاثي وبقيت تحت رحمة إسرائيل دون أن يقول لها أحد كلمة واحدة، غزة تُركت وحيدة من القوانين النقابية والعمالية، غزة تُركت وحيدة في كل العصور، حتى في الانتفاضة الأولى، كان الخبر يأتي عن خمسة شهداء في مدينة رفح، بينما الصورة لشاب وحيد يلقي الحجارة على جيب في رام الله، دائماً غزة كانت خارج الصورة، دائماً، دائماً، وحتى لحظتنا هذه، غزة خارج الصورة، حتى وإن بدا البعض مهتماً وحزيناً لما يحدث فيها.

غزة بطلة، غزة لن تنكسر، غزة ستصمد، غزة ستنفجر في وجه الأعداء، غزة ستقاوم حتى الموت... إلى آخره، لا أعرف كم موتاً على غزة أن تحتمل، لا أعرف لماذا عليها أن تحمل وشم البطولة على ذراعيها الاثنتين وعلى جبينها وسيقانها وصدرها وظهرها وبطنها ورقبتها، لماذا على غزة أن تحتمل كونها بطلة في دور لم تختره، ولماذا لا يكف الآخرون عن إسناد هذا الدور لغزة، لأن خطورة هذا الإسناد، أنه يريح الآخرين من محاولة إسناد غزة فعلياً، فقط يبكون قليلاً حين يشاهدون منظراً مثل محمد الدرة أو هدى غالية، ثم يمضون في حال سبيلهم بانتظار مشهد آخر، وغزة في حالة بكائهم وفي حالة انصرافهم، هي غزة، التي تقع تحت الحديد المحمى بالنار، ويلسعها في كل مكان في جسدها دون أن يعطيها شربة ماء تخفف بها وقع الحرارة عن جلدها أو في قلبها.

غزة وحيدة، نعم، وحيدة، وهي بعد لم تكبر لتعتاد على الوحدة، الألم لا يمكن الاعتياد عليه، فغزة لم تعتد الموت إلى الآن وما زال يبكيها، غزة لم تعتد الظلام إلى الآن وما زالت لا تستطيع الرؤية فيه فما من أحد يصادق الظلام، غزة لم تعتد البرد إلى الآن وما زالت تصاب بالإنفلونزا كلما تعرضت له، غزة لم تعتد مطارق الحديد والنار، لأن كل جَلدةٍ تؤلمها وتحزُّ في قلبِها، غزة لم تعتد ولن تعتاد المهانة والذل أيضاً، فلا أحد يعتاد الألم.

غزة لا تريد منكم أن تخوضوا حربها، لا تريد منكم أن تنيروا ليلها، كل ما تريده غزة أن ترفعوا عنها تهمة البطولة التي يريحكم أن تلصقوها بها كي تريحوا أنفسكم، وأن تفهموا فقط، أن غزة طفلة في مدرسة، تحبُّ دائماً أن تمشط شعرها صباحاً كي تكون أجمل من بنت الجيران، وتحبُّ كذلك أن تأخذ وردةً في حقيبتها لتهديها لمعلمتها، كي تسامحها لأنها لم تحل واجب القراءة في الليلة السابقة بسبب انقطاع الكهرباء.

الحادي والعشرون من آذار 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟
- حين يكونُ الفنُّ محرِّضاً فاعلاً
- رأيت ولم أكن هناك


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة