أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ليس هذه المرة قصة قصيرة














المزيد.....

ليس هذه المرة قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3568 - 2011 / 12 / 6 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


بين مدينتين من ضجرٍ كان يلهو، وكنتُ أفرّقُ الناياتِ على أولاد الحارة الذين كبروا دون أن يخبروني، وكنا نكذب دائما ونصدقُ ما نقولُ، حتى أننا صدقنا أننا لا نموت، ولا ننكسر، وكان يُخرِجُ تعريفاً للضجرِ من جيبِهِ كلَّ يومٍ، آخرُ تعريفاتِهِ للضجرِ كانت: أن تقومَ صباحاً من نومِكَ وتشعُرُ أنَّ الليلَ لم ينتهِ بعد.

ظلت حدودُنا مشتركةً حتى حين افترقنا بلا عودةٍ، وظل يرسل لي إفطاراً إلكترونيا بما اقترفته يداه في الليلة السابقة، كنت أضحك لكني لا أرد عليه، لم يكن ذلكَ بسببٍ من غضبٍ، لكنني لم أمتلك الكلمات التي يمكنُها الطيران في سربِ كلماتِهِ التي لا تُبارى.

من كثرة ما قرأَ من كتب الصوفية، تعلق بالله ولكن بطريقة لا تشبه أية عبادةٍ رأيتها أو قرأت عنها، كان يضم يديه وراء ظهره قبل أن ينام، يرفع رأسَهُ إلى السماء ويتمتم بكلام غير مفهوم ويبتسم وكأن أحداً أجابه ويذهب إلى النومِ مطمئنا، بصراحة كانت طمأنينته المذهلة تقتلني، وتشعرُني بأنّ عالمي يقفُ على هاوية وعالمُهُ مطمئنٌّ لكنّهُ ضَجِرْ.

كان يجيب عن أي سؤال في أي علمٍ كان، حتى لو اضطر لتأليفِ الإجابةِ، وصارحَني مرةً أنه راجعَ كتابا فوجد الإجابةَ المرتجلةَ مطابقةً بإدهاشٍ لما ارتجلَهُ من أجوبةٍ فازدادت ثقتُهُ بنفسه إلى حد اعتبار نفسه شيئاً من الآلهة القديمة التي كان يعشقُها.
نجا من ثلاثين معركةً وخمسة حروب ومليون محاولةِ اغتيال، وكان يعتبر ذلك إشارةً مباشرةً من الله أنّه لن يموتْ، ولم تكن تخذُلُه الإشاراتُ، ولكن ليس هذه المرة.

لم يكن الخبر في الجريدةِ واضحَ التفاصيل إذ بدا أن صحفياً مبتدئاً كتبه على عجل لا يليق بميت من هذا النوع.

حين ذهبتُ إلى بيتِهِ، بدا في وجهِ الجميعِ نوعٌ من الدَّهشةِ المرقَّطَةِ بقليلٍ من السعادةِ لذهابِهِ، ربّما كنت أيضاً أشعر بهذا، لكنني لم أكتشف ذلك إلا بعد سنوات طويلة، كان مأزقاً لكلّ من مرَّ جوارَهُ.

ليس مهما كيف مات، لكنّه مات بطريقةٍ تافهةٍ لم يتوقَّعْها أحَدْ، وبقيَتْ رسائلُهُ الإلكترونية معلّقةً في ملفٍّ خاصٍّ على جهازيَ دونَ أن أجرؤَ على فتحِها مرةً أخرى، ودون أن أجرؤَ على محوِها.

فكرتُ بكتابةِ كتابٍ عنهُ، بعد هذه السنواتِ، فلم أجد مرآةً واحدةً تعكسُ صورتَهُ من جَديد، لم يتزوَّجْ، ولم يزرعْ شجرةً، ولعله لم يتركْ ذكرىً في أيِّ مكانْ.

حتى أولئكَ الذينَ عرِفوهُ عن قربٍ، حينَ قابلتُهُم لأصنعَ مادَّةَ الكتابِ، فاجأوني بأجوبةٍ غريبةٍ ومُرْبِكة، بعضُهُم أنكرَ أنّه عرِفَ رجلاً بهذا الإسم، بعضُهمْ قال لي: قرأنا عنه ولم نقابلهُ، والبعضُ سألني بدهشةٍ: أتسألُ فعلاً عن شخصٍ عاشَ قبل خمسة قرون؟، حتى أمّهُ وقد شحذتْ ذاكِرَتَها همسَتْ لي: أعترفُ يا بنيَّ أنني كنتُ أحلمُ أن يكونَ لي ولدٌ يشبهُ تماماً الوصفَ الذي تسأل عنه، ولكنّ هذا كانَ حلماً بيني وبيني ولم أقله لأحد، فكيف عرفت؟

ربما قطعت المسافة إلى بيتي في عشرِ ساعات، أتذكَّرُهُ وهو يمشي، يضحك، يخرجُ من المطعمِ قبلي كي أدفعَ الحساب، أتذكَّرُهُ جيِّداً، ولستُ بمجنون، ولم أصل بعد إلى العمرِ الذي يمكنُ أن يتهمني فيه أحد بالخرف، قررتُ أن أعتمدَ على رسائلِهِ كي أبدأ في كتابي عنه، لألقِّنَ هؤلاءِ الجاحدينَ درساً في الوفاء.

جلستُ أمام حاسوبي المحمول، وظهرت الإشارةُ، فتحتُ علبةَ الرسائلِ حيثُ أحتفظُ بملفاتِهِ كلّها، كانَ الملفُّ فارغاً، بحثتُ عن رقمِهِ في الجوّالِ، لم يكن له إسمٌ ولا رقم، لكني حتى هذه اللحظة لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، كأنَّ غازاً لنسيانِهِ قد رُشَّ في الهواء، لكني ما زلتُ رغمَ كلِّ ما حدثْ، أؤكِّدُ، أنه كانَ هناك في يومٍ من الأيام، وليصدقني من يشاء، وليكذبني من يشاء.


الخامس من كانون أول 2011



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟
- حين يكونُ الفنُّ محرِّضاً فاعلاً
- رأيت ولم أكن هناك
- غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط
- قُرُنْفُلةٌ بيضاءْ قصة قصيرة
- ما الحبُّ؟
- كلامُ الغريبْ... كلامٌ للغريب
- إنتَظِرِيْنا قصة قصيرة
- سمَّيتُها بلادي ونمتُ
- فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ
- كبلادٍ مهزومةٍ وجميلةْ
- الحسن والحسين، أخطاء تاريخية بالجملة
- في حضرة الغياب، إنتاج هزيل وغير مدروس
- الوقتُ في الثلاّجة
- آتٍ لا يأتي
- أَشْهَدُ
- عليّْ قصة قصيرة
- رجلٌ بفصولٍ لا تُعَدٌّ
- لم يَعُدْ لي ما كانَ لي


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ليس هذه المرة قصة قصيرة