أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ














المزيد.....

فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


ومنذُ نقلتُ روايةَ الأميرِ الذي صارَ صوفيّاً يمشي على الصوتِ، بدأتُ طريقَ الرِّوايةِ، ما اجتزتُ حجراً غريباً إلا رويتُهُ، رويتُ حروباً، رويتُ قتلى وأنبياء، رويتُ حصاراتٍ وحضاراتٍ ومعاركَ نبيلةً من أجل أسبابٍ تافِهةٍ، رويتُ قصصَ حبٍّ وانتحاراتٍ وانتظاراتٍ وأشجارَ حنينٍ وسواقيَ دمعٍ وأغاني حرّاثينَ ودعواتٍ ملوَّنةٍ مُلْقاةٍ على مذابحِ المعابِدِ، رويتُ وروداً وأشواكاً، نموراً وعصافيرَ، أخلاقاً وخياناتٍ ومؤامراتٍ واتفاقاتٍ وهزائمَ وانتصاراتٍ، رويتُ حتى سَكَنَ العالمُ فمي.

رويتُ ما خذَلَ السامعينَ، وما جفَّفَ ذاكرةَ آخرينْ، رويتُ ما أقامَ دولاً على أنقاضِ أخرى، رويتُ ما أشعلَ الغاباتِ وحوَّلَ مجرى الأنهارِ، رويتُ الذي زلزلَ الإغريقَ وفتحَ الطّريقَ إلى الأندلُسْ، رويتُ حتى أسقَطْتُ الليلَ عن الكلامْ، أما الروايةُ الوحيدةُ التي عذَّبتْ قُدْرَتي على الكِتمانْ، فأبقيتُها كي أرويها حينَ أشعرُ أن الموتَ سيرويني.

خيطٌ من عنبِ الروحِ كانتْ، على فمِها خاتَمُ جِنّيٍّ نَسِيَتْهُ الكُرومُ حينَ حرَّرَتْ عناقيدَها، خصرُها فاكهةٌ من شتاءٍ وصيفْ، وجهُها مؤامرةٌ ضدَّ الطبيعةِ، ويداها نجمتا الجهاتْ، كأنّها بدايةُ البداياتِ، وكأنّ ما كانَ من الخلقِ يهيئُ لقدومِها، أمضَتْ عامينِ كاملينِ تجلسُ في آخرِ الحديقةِ حينَ أروي، بخِمارٍ يحبِسُ فيضانِ الجمالِ عن جفافِ الأرواحِ العطشى للحكاياتْ.

جاءتْ ذاتَ شتاءٍ وحدَها على بِساطِ ريحْ، هطلَ مطرٌ كالمطَرْ، وهطلَ شالُها كغطاءِ كَنزٍ قديمْ، وحديْ كنتُ، فصرتُ أكثرَ وحدةً من ميّتٍ في قَبرْ، في لحظةٍ، لم تكُنْ هناكَ لغة، ولم يكنْ زمانٌ ولا أرضٌ ولا غيم، لم أعد أنا هناكْ، كأنّ ألفَ امرأةٍ ذابتْ في امرأة، الوقتُ صارَ ثَلجاً، وهي صارتْ إلهةً وأنا سِلتُ، وصرتُ العابدَ الوحيدْ.

سَحَبَتْني من خَدَريْ، إلى عالمٍ مُدَوْزَنٍ على إبرةِ حِياكةٍ ـ لامرأةٍ محترِفةٍ ومجهولةٍ كانتْ طرّزَتِ العالمَ واختَفتْ تحتَ مئاتِ الأسماءِ ـ، بدَّلَتْ لغتي، وغيَّرَتْ أسمائيَ العشرينْ، لَمَّعَتْ فِكْرَتي، ونقَّتْ روحيَ من أخطائها وخطاياها، لَمْلَمَتْ شوائبَ دَمي، وأعطتني سرّ الأشجارِ كي أروي الحكاياتِ عنها، باحتْ لي بالسرِّ الكبيرْ، دلّتني على أفضلِ الطُّرُقِ لمعرفةِ أصلِ الرواياتِ، قالت: سأعطيكَ لغةَ الجيادِ، فكلُّ سرٍّ تعرِفُهُ الخيولُ، الخيولُ أصدقُ معرفةً من غيرِها، تحسُّ بالفارسِ وتشهدُ الوقيعةَ، وتختزنُ ما يحدثُ كذاكرةِ الغيمِ، الغيمُ والخيولُ بذاكرةٍ واحِدة، هذا يصيرُ ماءً وهذا حكايةْ.

أعادَتني كطفلٍ لم يشربْ نقطةً من ماءِ التّجربة، بقلبٍ من فضّةٍ وحريرٍ وناياتْ، بعينينِ غارقتين في الرؤى، وروحٍ لا تُحَدُّ، واختَفَتْ كصرخةٍ في الهواء، تَرَكَتْ الكلماتِ معلَّقةً في حقلِ القصَبْ، وصرتُ سبعَ طبقاتٍ من الحزنِ تغيِّرُ جِلْدَها كلّما تملمَلَتْ الذاكِرة، كأنّي قاطعُ وقتٍ ليسَ إلا، وما زالتْ تنبُتُ في جَذْرِ الرُّوُحِ كترنيمةِ أمّْ، وما زلتُ أعبّئُ العالمَ في حكايةٍ، منتظِراً مَنْ سيرويني نقلاً عن فمِ الموتْ.

وهذي ـ ما زالت ـ فتنةُ الراوي الذي عاشَ أكثرَ مما يجبُ.

الثالث عشر من أيلول 2011



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كبلادٍ مهزومةٍ وجميلةْ
- الحسن والحسين، أخطاء تاريخية بالجملة
- في حضرة الغياب، إنتاج هزيل وغير مدروس
- الوقتُ في الثلاّجة
- آتٍ لا يأتي
- أَشْهَدُ
- عليّْ قصة قصيرة
- رجلٌ بفصولٍ لا تُعَدٌّ
- لم يَعُدْ لي ما كانَ لي
- وفي آخِرِ اللَّيْلْ
- حينَ جَرَحْتَ السُّنْبُلَةْ
- هكذا سيقولُ نايٌ لشهيقِ العازِفِ:
- رفح... أو بعبارةٍ أخرى، عن حبيبتي عليها اللعنةُ
- ساذجون ويحاولون استسذاج الآخرين
- الأدب الفلسطيني بخير ردا على مقالة د. فيصل درّاج: لماذا لم ...
- أولُ البيوتِ وأولُ الذاكرة قصة قصيرة
- في مروري على الرمل
- ويحدث أن
- مجنون، أحب غزة ورقص في ساحاتها
- قليلٌ مما ستقولُهُ غزة عما قليل


المزيد.....




- أولريكة الخميس: الفنون الإسلامية جسر للتفاهم في متحف الآغا خ ...
- من -الغريب- إلى الشاشة.. الرواية بين النص والصورة
- محمد خسّاني.. رقصة الممثل الجزائري في كليب الرابور المغربي د ...
- صناع فيلم -صوت هند رجب- يتحدثون لبي بي سي بعد الإشادة العالم ...
- فيلم عن مقتل الطفلة هند رجب في غزة يلقى تصفيقاً حاراً استمر ...
- الممثلة الفرنسية أديل هاينل تنضم إلى أسطول الصمود المتجه لقط ...
- الرواية الأولى وغواية الحكي.. وودي آلن يروى سيرته ولا يعترف ...
- لوحة رامبرانت الشهيرة.. حين باتت -دورية الليل- ليلة في العرا ...
- سجى كيلاني بطلة فيلم -صوت هند رجب- بإطلالتين ذات دلالات عميق ...
- جِدَارُ الزَّمَن ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ