أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - عليّْ قصة قصيرة














المزيد.....

عليّْ قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3443 - 2011 / 7 / 31 - 16:09
المحور: الادب والفن
    


الذي قادَها إلى الجنونِ لم يكُنْ فقط أن إبنَها قُتِلَ بقطعةِ حديدٍ بلا مشاعرْ، بل صياغةُ خبرِ موتِهِ [استشهدَ أحدُ الشبّان...]، عليّ، صار أحدَ الشبّان... والمرّةُ الأولى التي يُقالُ عنهُ شاب، لم يذكروا اسمَهُ...

لم يكُنْ ميلادُهُ سهلاً، خرجَتْ روحُها في كلِّ زفرةٍ فيما هو يناضلُ كي يخرجَ للحياةْ، فمنذُ اللحظةِ الأولى التي تحرّكَ فيها في أحشائها، أحست بسائلِ الأمومةِ يستبدلُ الدمَ في عروقِها، صارت تحدِّثُهُ تماماً كما تُحدِّثُ أخوتَهُ في البيتْ، حتى أنها كانت تطيلُ السَّهرَ وهي تشعرُ بالنُّعاسِ لأنها تحسُّ أنه لا يريدُ أن ينامَ الآن، وتستأذِنُهُ قبل أن تأكل فلفلاً حارّاً، وقد كان يجيبُها بطريقتِهِ، وعندما كانت الأغاني في الراديو لا تعجبُهُ كانت تحسُّ بذلك فتغيِّرُ الموجةَ فوراً.

تذكُرُ جيّداً أنها حينَ أمسَكَت بكتابِ الأسماء لتختارَ لهُ إسماً، لعبتْ معه اللعبة بشكل واضح، فكان يركلُها من داخِلِها كلما نطَقَت إسماً، حتى وصلت إلى عليّ، فلم يتحرّكْ، أحست به سعيداً بالإسم، وكي تقطع الشكَّ باليقين، قالت اسمين آخرين، فعاد يركُلُها من جديد.

حينَ صرخَ صرخَتَهُ الأولى، أحسَّت بأنه أوَّلُ أبنائها رغمَ أنه لم يكن كذلك، وصارت تحسبُ عمرَهُ بالدقائقْ، تشعرُ بقطعةٍ منها تمشي على الأرضِ، خطواتُهُ كانت إيقاعَ قلبِها في تناغم مذهل، بسمتُهُ كانت تشقُّ قلبَها وتذيبُها ككومةِ ملابس، أما مناغاتُهُ فلم تكن تحتملها، لأنها مع كلِّ مناغاةٍ كانت على شفا فقدانِ وعيِها من السعادة.

[استشهدَ أحدُ الشبّان...]
كان قلبُها ينخلِعُ من مكانِهِ كشجرةِ أقلقتْ جذورَها الريحُ كلما سمِعَت خبراً عن شخصٍ مصابٍ في هذه المأساةِ الممتدَّةِ، كانت تضعُ نفسَها مكانَ أمّ الشاب المصاب أو المقتول، وكثيراً ما بكتْ وحدَها على شخصٍ لم تعرفه، لأنها حين كانت تضعُ نفسها مكان أمِّه، فإن ذلك يعصرُ قلبَها بين فكّي كماشةٍ بأسنانٍ صلبةٍ وحادّة.

حينَ جاؤوا بِهِ مسجيَاً، لم تسأل عن سببِ موتِهِ، لم تبكِ، لم تزغرد، لم تشق ثوبَها، فقط طلبتْ أن يتركوها معه وحدَها لخمس دقائق، أغلقت الباب، وراحت تتفحص الأعوام العشرة التي ربَّتْها دقيقةً بدقيقة، أظافرَهُ التي لم يحِنْ موعدُ تقليمِها نصف الشهري بعد، أقدامَهُ المجرّحة قليلاً من لعب الكرة، فرغم كل الجراحِ التي غطّتْ جسدَه الصغير، كانت تميّزُ جروحَهُ التي تحبُّها، هذا جرحُ ركبَتِهِ حينَ انزلقَ عن درجِ المدرسةِ فرِحاً بالشهادةِ، وهذا الحرقُ الصغير الذي لا يكادُ يُرى، حينَ وضعَ يدَهُ في كأسِ الشايِ حين كان في الثانية، وهذا الجرحُ في حاجِبِهِ حينَ ارتطمَ بقائمةِ السريرِ حين راودَهُ كابوسٌ مرعِبْ، راحَت تقبِّلُ جراحَهُ جُرحاً جُرحاً، تمسِّدُ شعرَهُ بيدٍ مرتجِفَةٍ وتزيلُ الدَّمَ المتصلِّبِ عن الجروحْ، طرَدَتْ سؤالاً هاجَمَها فجأةً: أيُّ هذه الجروحِ قتَلَك؟

[استشهدَ أحدُ الشبّان...]
من صاغَ الخبرْ، لم يكُن يعرفُ كلَّ هذه التفاصيل، لم يعرفْ عليّ، ويبدو أنه لم يعرِف غيرَهُ كذلك، هكذا قالت للمراسلين الذين تجمّعوا أمامَ البيت وهي تعودُ أدراجَها دونَ أن يجرؤ أحد على أن يتبعَهَا.

الثلاثون من تموز 2011



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجلٌ بفصولٍ لا تُعَدٌّ
- لم يَعُدْ لي ما كانَ لي
- وفي آخِرِ اللَّيْلْ
- حينَ جَرَحْتَ السُّنْبُلَةْ
- هكذا سيقولُ نايٌ لشهيقِ العازِفِ:
- رفح... أو بعبارةٍ أخرى، عن حبيبتي عليها اللعنةُ
- ساذجون ويحاولون استسذاج الآخرين
- الأدب الفلسطيني بخير ردا على مقالة د. فيصل درّاج: لماذا لم ...
- أولُ البيوتِ وأولُ الذاكرة قصة قصيرة
- في مروري على الرمل
- ويحدث أن
- مجنون، أحب غزة ورقص في ساحاتها
- قليلٌ مما ستقولُهُ غزة عما قليل
- حكاياتٌ من بلادٍ ليستْ على الخارِطةْ
- حليمةُ تُعِدُّ الشاي
- أسرارٌ للمعْرِفَةْ أو مدينةٌ للتجربة
- مَنْ هذا؟
- حِيْنَ يَأْخُذُكِ النُّعَاسُ
- رجلٌ وامرأةٌ وصباحٌ لا يمكنُ تفسيرُهُ
- الأَرْنَبُ الَّذي لَمْ يُعْجِبْهُ اسْمُهُ قصة للأطفال


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - عليّْ قصة قصيرة