أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ














المزيد.....

تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


خمسونَ قرناً، أجلسُ تحتَ نافذةٍ مُغلقةٍ، في يدي نايٌ ومَحبرةٌ في مخلاةٍ على كتِفي، وبَرْدِيَّاتٌ تملأُ الرّملَ، وبوصةٌ فائضةٌ، وقصَّةٌ لا تبدأُ ولا تنتهي، دونَ فَرَسٍ، دونَ سيفٍ، دونَ طبلِ حربٍ، تخذلني الفصولُ، وتنأى عني الأشجارُ، وأغازلُ طيفاً حزيناً خلفَ الزُّجاجِ، تسقطُ مني حضارتان، وأنتبهُ في ليليَ الغزيرِ إلى موتيَ الذي تشكَّلَ طبقاتٍ على فرشةِ الوقتِ، فأغنِّيهِ، تخرجُ غزالةٌ من الأغنيةِ، جميلةٌ بعينينِ توقفانِ الحربَ حين تمرّانْ، أصفِّفُ القرونَ كلعبةِ أطفالٍ وأعصُرُها لأنظِّفها من الدَّمِ والمؤامرةْ، أخلو إلى جنونِ الليل، وأركبُ فكرةً سريعةً إلى بلادِ المعجزاتِ، ولا ريحَ تُشرِقُ من الغيمِ، والأولادُ الذينَ سيحرِّرونَ التاريخَ من لغتهِ، ما زالوا نائمين في طينٍ مؤجَّلٍ وبعيدْ.

[في مقهىً للإنترنتْ، نافذتان مغلقتانِ على الحاسوبِ المحمولِ، ونافذتان مفتوحتانِ في البناية المقابلة، أولادٌ يلعبونَ، وكتُبُ تاريخٍ مكوّمةٌ بأغلفةٍ جديدةٍ على الرّصيفِ، وتصرُخُ امرأةٌ بالصُّدفةِ في وجهِ البحرِ: لم ينظِّفوا الشارعَ منذ خمسين قرناً، فانتبه من نومِكَ أيُّها البحرُ]

خمسونَ قرناً، أرى الحزنَ بلاداً، والنّهرُ دمعاً، حيثُ يسري العشبُ في روحِ الرّملِ كحيوانٍ أليفْ، وتغزوني قبائلُ من غجرٍ وليلْ، تسرِقُ حبرَ الكلامِ عن يدَيَّ، تبكي أصابعي حِبراً وخيباتٍ عنيدةً، أفيضُ جسوراً بينَ فكرتينِ يائستين مفعمتينِ بالرِّماحِ، أغزلُ خوفي نسيجَ بَرقٍ بينَ عالمين لا يلتقيانْ، تتركُ الفكرتانِ المعركةَ وتنشغلانِ بي، أصيرُ ألفَ قطعةٍ من حنينْ، وأتوزَّعُ على نصالٍ مكسورةٍ، أنبضُ وأجتمعُ حِقبةً حِقبةً في حقلٍ تينٍ بعيدٍ، ويلمُّني عصفورٌ بمنقارٍ قمحةً قمحةً ليُكمِلَني فأكتملْ، ويَرِنُّ جَرَسُ الخُلخَالِ في قدمِ أميرةٍ دونَ موكبٍ مرَّتْ في نسغِ المكانِ فصارَ عالَمَاً بتفاصيلَ مُبْهمةٍ فَضِعْتُ، وأكَلَني الانتظارُ كلُقمَةِ إفطارٍ سَريعةٍ وهشَّةٍ، كَسَرتُ ظلِّي كي أعودَ للحياةِ، هكذا تَرَبَّيتُ.

[تنقطعُ الكهرباءُ كلّما تعكّرَ مِزاجُ الْحَمامْ، تنقطعُ الموسيقى، تنقطعُ الآفاقُ ويسكتُ القديمُ عن الحديثِ ويعمى الحديثُ عن القديمِ، أساطيلُ بكاملِ التكوينِ تغزو شُبّاكَنا الوحيدْ، وطابورُ نملٍ يمشي مستقيماً مهما كانَ ظرفُ الطريق]

خمسونَ قَرناً، يقفُ شيطانٌ على طَرَفِ الصّحراءِ، يُبْعَثُ نبيٌّ فيقتُلُهُ، تنزُّ شجرةٌ فيَقطَعُها، يسيلُ قمرٌ فيُطْفِئُهُ، ويحَرِّرُ البلادَ من أخلاقِها، وأمرُّ مجروحاً كقِطعةِ نومٍ بلا أحلامْ، واهِماً بالآتي، فيخذلني الصقيعُ المتمدِّدُ على مشاعِرِ الأصدقاءِ الثَّمِلينَ في ركنٍ مسائيٍّ من سعفِ النّخلِ المغروسِ كحدودٍ بين حَقلِ زَنبَقٍ وعُرسِ حَصَادٍ مُبكِّرٍ، وقرنُ ثَوْرٍ لا يَمَلُّ ينطحُ الأفقَ بنيَّةِ إسقاطِ السماءِ على الأرضِ، وما زالَ يحاولُ لاهياً عمّن يغادرُ ومن يأتي.

[تأتيني النوافذُ في الحلمِ، مكسورةَ الزجاجِ، مكسورةَ الإطلالةِ، مكسورةَ المشاهدينَ، تلعَبُ الريحُ معَ الريحِ في أمِّ الطقوسِ، ولمرَّةٍ وحيدةٍ أرى نافذةً تبكي، وريحاً بالصُّدفةِ تسألُ أين يمكِنُها الذهابْ]

خمسونَ قرناً، أجلسُ تحتَ نافذةٍ مُغلقةٍ، وامرأةُ خائفةٌ تحبسُ خوفَها خلفَ النافذة، وحينَ حرَّكَت يدَها لتفرزَ الضوءَ عن العتمةِ، كان الوقتُ الذي مرَّ من بين حاجبيها دونَ تعمُّدٍ، قد أخذَ حاسَّةَ الليلِ من الليلِ، وزرَعَ يقظتَهُ في عِرقِ نَخلةٍ وحيدةٍ، وتفرَّعَ إلى أنهارٍ زائدةٍ عن احتمالِ الأرضِ، ومضى يضحكُ ويرمي قُرونَ الزمَنِ دونَ ترتيبٍ على الحضاراتْ.

[ما عدتُ تحتَ النافذة، وما عادت امرأةٌ وراءَ الزجاجِ، أما النافذةُ فما زالت مغلقةً]

الثالث عشر من كانون أول 2011



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟
- حين يكونُ الفنُّ محرِّضاً فاعلاً
- رأيت ولم أكن هناك
- غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط
- قُرُنْفُلةٌ بيضاءْ قصة قصيرة
- ما الحبُّ؟
- كلامُ الغريبْ... كلامٌ للغريب
- إنتَظِرِيْنا قصة قصيرة
- سمَّيتُها بلادي ونمتُ
- فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ
- كبلادٍ مهزومةٍ وجميلةْ
- الحسن والحسين، أخطاء تاريخية بالجملة
- في حضرة الغياب، إنتاج هزيل وغير مدروس
- الوقتُ في الثلاّجة
- آتٍ لا يأتي
- أَشْهَدُ
- عليّْ قصة قصيرة


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ