أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن بكر - الكشف عن -اللهو الخفي-















المزيد.....

الكشف عن -اللهو الخفي-


أيمن بكر

الحوار المتمدن-العدد: 3649 - 2012 / 2 / 25 - 00:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قال أحد الحكماء إنه "كلما ازداد العمق، اتسعت مساحة السطح" والمقصود ببساطة أن العمق دائما غائم ومظلم وكلما استطاع الوعي الإنساني الدخول إلى مزيد من المساحات المجهولة المعتمة تمكن من إضاءتها وكشف غموضها بالفهم والتفسير، ما يحول هذه الأعماق إلى مناطق منيرة تماما كالسطح الواضح. هكذا كلما ازداد عمق المعرفة والوعي تتسع مساحة الواضح المضيء.
هناك أعماق داكنة في دائرة صنع القرار في مصر منذ إزاحة رأس النظام في فبراير 2011، كلما اقتربت من مركز صنع القرار تزداد الحجب، وعند نقطة محددة تصبح الرؤية متلاشية حيث يتكاثف الظلام، وتتضارب التأويلات، ويشعر الراغب في الفهم والتحليل أنه يخبط في عماء. عند هذه النقطة يبدو من يحرك الأمور ويوجه مسار الأحداث ويصدر القرارات ليس شخصا أو عدة شخصيات تمارس عملها بشفافية ووضوح، بل يبدو أن من يحرك الأمور هو "اللهو الخفي" الذي لا يستطيع كشفه ولا معرفة منطقه أحد.
كلمة "اللهو" في العامية المصرية لا علاقة لها بالهزل أو اللعب كما هو معناها في معجم الفصحى، وإنما تتصل مباشرة بمفهوم "اللهوة" التي تعني حرفيا "المصيبة الثقيلة"، ومنها اشتقت لفظة الندبة المصرية الشهيرة "يالهوي" أي يا مصيبتي. اللهو الخفي يبدو مشيرا بقوة نحو صانع المصائب الكارثية أو مصدرها، وهو مفهوم يضيف لفكرة المصيبة أبعادا مفزعة لأنه "خفي" لا تعرف من أين سيصيبك، ولا قوة الضربة التي ستأتيك من اتجاه مجهول.
في مصر يبدو صانع القرار حتى وقتنا هذا هو "اللهو الخفي"، تماما كما كان الأمر أيام مبارك. غير ان اللهو أيام مبارك كان مجسدا في شخصه هو نفسه؛ إذ كان موجودا كمصدر لا يريد أن يتوقف عن إنتاج المصائب وإلقائها على المصريين من حيث لا يحتسبون، أما الآن فيبدو "اللهو" الذي يلقي بالمصائب كما كان، لكنه أصبح على يد المجلس العسكري "خفيا". ولأنه لهو ولأنه خفي فهو يترك الناس في حالة تناحر لفهم ما يحدث دون أن يقدم تفسيرا، حتى يصل الأمر حد الاقتتال بين ثوار الأمة والشرطة الفاسدة التي تعمل بقوة القصور الذاتي طبقا لعقيدتها القديمة التي ترى في المواطن عبدا لا يستحق أي احترام. وصل اأفمر حدسفك دماء شباب مصر، ثم سحل جثث الشهداء في الشوارع والاعتداء على أعراض فتيات مصريات عبر كشوف العذرية والتعرية العلنية والدهس بالأقدام. والذنب الذي ارتكبته شريفات مصر من خيرة شاباتها ليس سوى الاشتراك في ثورة التحرير التي انطلقت في يناير 2011. ثم تنتهي الجرائم بالانتقام الدموي الذي وقع على شباب ألتراس النادي اأاهلي في بور سعيد، بكل ما أحدثه ذلك من وقيعة ساذجة بين أبناء البلد الواحد.
وحين ينفجر الوضع وتصل مستويات الجريمة التي يرتكبها النظام إلى حد إيقاظ الألم الذي تربى في أرواح المصريين على مدى أكثر من ثلاثين عاما، يتحرك "اللهو الخفي" بهدوء وثقل ليقدم بعض التنازلات الأقرب إلى المناورة دون أن يتخلى عن تعريفه الأساسي بوصفه لهوا ودون أن يتبدى شيء من خفائه.
الشعور السابق يجد مقاومة من أصحاب التفكير النقدي، وهم ليسوا النخبة فقط أو من يظهرون في وسائل الإعلام أكثر مما تظهر الإشارة الحمراء في شارع قصر النيل حين يكون مزدحما، بل إن صاحب التفكير النقدي هو كل إنسان يمرر ما يسمعه على عقله ليتساءل عن مدى معقوليته بالنسبة لمعايير يرتضيها هو شخصيا، ويتساءل أيضا عن مدى تجانس ما يسمع أو تناقضه، وهي عمليات عقلية تتم سريعا ودون وعي غالبا.
في برنامجه على إحدى الفضائيات يوم 25 نوفمبر 2011 استضاف مجدي الجلاد خمسة من مختلف طبقات مصر: سيدة مكافحة تعمل لتربي أولادها بعد أن فقدت زوجها منذ 19 عاما، وجزارا من حي الطالبية يداوم على التظاهر والاعتصام في التحرير، وطالبة ماجستير خريجة كلية الآداب من محافظة قنا، ومقاول ورجل أعمال. مثل الحضور تقريبا مختلف طبقات الشعب المصري، وما كان يجمعهم رغم اختلافهم في بعض النقاط هو القدرة على ممارسة التفكير النقدي، جميعهم لا يسلم عقله لمن يقدم له إجابات جاهزة دون أن يفكر فيما يسمع، وجميعهم يعاني من الوضع الحالي، لكنه لا يسخط على التحرير ولا يسب الثوار، ولا ينسى أنهم من استطاع إزاحة كابوس مبارك وعائلته من تاريخ مصر بل يشاركهم رغبتهم في تغيير البلد نحو الأفضل، مع الوعي العميق بأن هذا التغيير لا يتم بسهولة، ومع الوعي أيضا بأن هناك لهوا خفيا يدير البلاد.
ما لمسه ضيوف البرنامج السابق، هو ما يمكن أن يلمسه كل ذي عقل ناقد، وأعني أن اللهو الخفي يكمن في المساحة المشتركة بين المجلس العسكري الحاكم الآن ومبارك. بعبارة أخرى تكمن مساحة الغموض الأكثر سوادا لدى المجلس العسكري في أنه ينطلق في فهمه للأمور واتخاذه للقرارات من فوق الأرضية نفسها التي كان ينطلق منها مبارك ودائرته الأقرب: إيمان خفي بوجود طبقات للناس ينتج عنه إيمان ظاهر بجدارة الذات وتفوقها على غيرها/ يقين لا مبرر له بأن ما يتوصل إليه وعي الحاكم هو الحقيقة، أو هو بلا شك أفضل الاحتمالات/ تشابك عميق يصل حدالتوحد، غير مبرر بين ذات الحاكم والوطن/ الاعتياد على منطق واحد في التعامل مع مختلف مستويات صناعة القرار وهو المنطق العسكري؛ أي الأمر والطاعة، إضافة إلى ما يمكن أن نتخيله أو نفترضه من وقوع صانعي القرار اآتن في دائرة الفساد الواسعة التي لوثت معظم من دخلها.
لا يخفى على أحد أن كل أعضاء المجلس العسكري هم جزء من بنية السلطة في نظام مبارك. وما يجعل منطقهم هو منطق "اللهو الخفي" الذي لا يستطيع أن يكون ظاهرا كظهور منطق مبارك ورجال حكمه الأقربين، هو أنهم في لحظة استثنائية، إنهم يمارسون الحكم في حالة ثورة أدانت منطق مبارك في الحكم، ووضعته هو وأقرب معاونيه خلف القضبان، فلم يعد من الممكن المجاهرة بطريقة التفكير التي يمارسونها، ولا بآليات اتخاذ القرار، ولا بأهدافهم، ولا بالطريقة التي يرون بها الثورة والثوار لأنها أصبحت مجرّمة. الطبيعي في هذه الحالة أن يختفي المنطق وتظهر القرارات، يختفي المطبخ ويختفي مستشارو المجلس وتختفي كذلك توجهات صانع القرار، بينما يظهر تأثيرها جليا.
اللهو الخفي ليس شخص المشير أو أي من معاونيه، إنه ليس شخصا على العموم، بل هو منطق أي نظام ديكتاتوري لا يستطيع أن يكشف عن محركات صنع القرار. روح اللهو الخفي هي معادلات المصالح الشخصية التي لا تستهين بأرواح أبناء الوطن، ولاتنهب ثرواته فحسب، بل تسعى لتحويل الفساد واااستهانة بالبشر والنهب إلى مؤسسة منظمة يتم توريثها والدفاع عنها وإكسابها مشروعية تقترب بها من مستوى البداهة.
على أن اللهو الخفي الآن في أزمة حقيقية تنذر بنهايته؛ فلم يعد أحد يقبل بوجوده، بعد أن تم توجيه الإصبع السبابة لدى كل المصريين نحوه منذ يوم 25 يناير 2011، وأعاد الشعب بقوة توجيه إصبع الاتهام نفسه في 25 يناير 2012.



#أيمن_بكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتبهوا أيها العسكر
- لماذا هيكل الآن؟
- رسالة من على حافة الهاوية إلى المجلس العسكري
- أزمة شرف
- رسالة إلى مجلس العسكر في مصر
- بعضي يمزق بعضي
- لقطات على هامش الثورة المستمرة في مصر
- من يقامر بمصر
- انقلاب الإخوان وعودة مبارك
- على هامش المشهد السوري
- أينما كنت: إرفع راسك فوق ..إنت مصري
- بين الكهنوت وسلطة الغضب
- همس النخيل.. صراخ مصر
- هو بعينه ..........
- مناورات خطابية
- إبراهيم نافع: السم في العسل
- الإعلام المصري .. بين التضليل وضعف الكفاءة
- الإخوان والانتهازية
- أسس دولة مدنية ..الآن وفورا
- مصر حرة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن بكر - الكشف عن -اللهو الخفي-