أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أيمن بكر - الإعلام المصري .. بين التضليل وضعف الكفاءة















المزيد.....

الإعلام المصري .. بين التضليل وضعف الكفاءة


أيمن بكر

الحوار المتمدن-العدد: 3317 - 2011 / 3 / 26 - 23:50
المحور: الصحافة والاعلام
    


لو تخيلنا أن شخصا قد تم تجميده من بداية شهر يناير 2011 حتى آخر شهر مارس من السنة نفسها، ثم لما أفاق فتح عينيه على قنوات التليفزيون المصري الأولى والثانية والفضائية والنيل الدولية والنيل الإخبارية، بماذا سيشعر هذا الشخص؟ هل سيلحظ تغييرا يدهشه في المادة الإعلامية أو في طريقة تقديمها؟ بعبارة أخرى: لو أننا حذفنا الأخبار التي تشير صراحة لوقوع ثورة ولعزل الرئيس ومحاكمة رؤوس نظامه، هل هناك أي أثر لثورة مصر في توجه الإعلام أو في منطق تعامله مع المتلقي أو في مستوى كفاءة العاملين فيه؟ هل خف منطق التعتيم العميق الذي يكاد يقطر من وجوه مقدمي البرامج والذي يكشف عما تشربوه منذ بداية عملهم؟ لا يوجد تقريبا أي تغير في سياسات الإخبار المنضبط والموجه التي تمارسها أجهزة الإعلام المرئية في مصر؛ إذ يبدو أن حالة الانضباط والرقابة قد أصبحت حالة داخلية تستشعر توجهات السلطة ومصالحها؛ سواء أكانت هذه السلطة هي نظام مبارك أو المجلس العسكري، بصورة لا واعية، ويبدو لي أن استشعار توجهات السلطة والاستجابة لها هي أعمق تقاليد الإعلام العربي التي يتم نقلها من جيل لآخر بطريقة سحرية، بغض النظر عن مبادئ العمل الإعلامي ومهاراته في مختلف أنحاء العالم.
لم يعد غامضا على أحد أن مهمة الإعلام المصري الرئيسة لعقود طويلة كانت هي تمويه حقائق الوجود على الشعب المصري، بما يسطح الوعي ويفتح الباب -بكل ما للإعلام من سلطة على الوعي- كي يشك الناس في حواسهم التي تتناقض مدخلاتها مع ما يرونه ويقرؤونه في الإعلام الرسمي. هذه المهمة لعبت دورا منظما في التغطية على جرائم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في مصر وغيرها من البلدان العربية. منطق الإعلام المصري قديم قدم النظام العسكري في الدولة الحديثة؛ ألم ننتصر في المذياع في الخامس من يونيو 1967 ولعدة أيام قبل أن يكتشف الناس الفجيعة؟ ثم ألم يعرض التليفزيون المصري صور النيل الهادئ في لحظات قتل الثوار في ميدان التحرير 2011؟ يمكن هنا أن نقارن بين دور الإعلام المصري بعد انقلاب 1952 حتى الآن، ودور الإعلام الأمريكي في منتصف القرن العشرين الذي يحدده هربرت شيللر بقوله:
عندما يعمد مديرو أجهزة الإعلام إلى طرح أفكار وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول؛ ذلك أن الأفكار التي تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف وإلى إنتاج وعي لا يستطيع أن يستوعب بإرادته الشروط الفعلية للحياة القائمة أو أن يرفضها، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، [هذه الأفكار] ليست في الواقع سوى أفكار مضللة ومموهة" ( )
لقد وضع الإعلام المصري قواعد سياسة العقول في الإعلام العربي كله ومارسها لفترة طويلة، وأحسب أنه نجح فيها لدرجة مذهلة في بداية أمره، ثم واصل عمله طبقا للمنطق نفسه بإصرار مدهش حتى الآن؛ بحيث يبدو من الصعب حصر عدد المرات التي قدم فيها التليفزيون المصري مواد إعلامية تتناقض مع حقائق الحياة الاجتماعية لمعظم الشعب المصري، أو المرات التي طرح فيها أفكارا تقف ضد أهم مصالح الغالبية العظمى من الناس، مصورا ما يقدمه من تضليل بوصفه تعبيرا يتطابق مع الواقع أو يسعى لما فيه خير الناس، الأصعب هو إحصاء المرات التي سكت فيها التليفزيون المملكوك للشعب عن الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة المتعاقبة في حق الشعب، وكذلك المرات التي استخدم فيها القائمون على التليفزيون تحديدا شاشته الساحرة لإلهاء الناس عن معرفة ما يدور حولهم وفهمه.
لكن سياسة العقول كما يتحدث عنها شيللر في كتابه تستلزم درجة كبيرة من الإتقان في صنع المادة الإعلامية وتقديمها، وهو الأمر الذي أصبح التليفزيون المصري يفتقر إليه منذ ما يزيد عن عقدين؛ ما جعله، للمفارقة، لا يستطيع القيام بعملية سياسة العقول بالقدر الذي يحتاجه النظام لتمويه الواقع. لقد تراجعت صدارة الإعلام المصري بشكل عام، والتليفزيون بشكل خاص في العقدين الأخيرين، خاصة بعد ثورة الاتصالات، التي أتاحت للجميع متابعة فضائيات تمارس منافسة شرسة لم يستطع التليفزيون المصري أن يصمد لها؛ وهو ما جعله مفضوحا إلى حد كبير في أعين من يتوجه إلى عقولهم بغرض سياستها وتمويه الواقع أمامها. بعبارة أخرى لم يعد التليفزيون المصري قادرا على تمويه الواقع كما اعتاد أن يفعل؛ لأسباب كثيرة من أهمها دخول لاعبين أقوياء إلى الساحة الإعلامية.
من زاوية أخرى ساعدت حالة الفساد العامة التي سيطرت على مصر خلال عهد مبارك في وصول أداء التليفزيون المصري إلى مستويات متدنية؛تسلل الفساد، الذي لم يعد قابلا للسيطرة، إلى كل شيء بما في ذلك أدوات النظام التي يسعى عبرها للسيطرة على الوعي والواقع كليهما. لم تعد السيطرة التي يحاول النظام ممارستها مستندة إلى إعلام قوي مبهر ومجدد في أساليبه وطرائق تمويهه للواقع، حيث أصبح إعلاما عائليا يقوم على أهل الثقة، وتقف على بواباته الوساطات والمعارف والمحسوبية، وهو ما يمكن أن نعده سببا رئيسا في ضعف كفاءة العاملين في التليفزيون والقائمين عليه. غابت الكفاءة عن الجهاز الخطير فأصبح للمفارقة أداة ضد النظام، بسبب ما يقدمه من مادة سخيفة وسطحية وغير مشبعة. حتى الوجوه التي تطل على الناس من شاشة التليفزيون المصري أصبحت في معظمها إما مستفزة أو فاترة أو مفتعلة، مع اتصافها جميعا بالسطحية والجهل الفاضح. لقد استبعد معيار الكفاءة من التليفزيون كما استبعد من مختلف المؤسسات المصرية، وأصبحت قيادة الجهاز في يد من يقدم خطابا إعلاميا مشبعا لتصورات السلطة عن كيفية السيطرة والتلاعب بالعقول. بعبارة أخرى أصبحت الكفاءة التي يحتاجها الشخص ليصبح قياديا في جهاز التليفزيون المصري محصورة في حدود الخطاب الإعلامي الذي تتصور السلطة أنها تسيطر على العقول من خلاله. لقد أصبح أمرا واضحا الآن أن وعي السلطة كله كان متخلفا بمسافة كبيرة عن وعي الشعب، وهو ما جعل الخطاب الإعلامي للتليفزيون المصري أشبه بمن يتحدث إلى نفسه في معظم الأحيان؛ بحيث صار عرفا بين المصريين أن يذهبوا إلى القنوات غير المصرية ليعرفوا حقيقة ما يدور في مصر. لم يعد بإمكان أي شيء أو أي شخص أن يتحكم في حركة القصور الذاتي للإعلام المصري، خاصة التليفزيون الذي ربما يتسرب إلى وعي مشاهده الخبير إحساس بأن متلبس بجن غير قابل للخروج من وعي العاملين فيه، حتى مع وجود حدث مزلزل مثل ثورة 25 يناير التي نظن أنها ستغير وجه مصر والمنطقة العربية.
لكن المذهل هو بقاء القيادات الفاسدة نفسها والوجوه النيئة التي تطل علينا ذاتها لشهور بعد الثورة؛ ما يمكن أن يكون أمرا بالغ الخطورة في هذه الظروف التي تحاول فيها الثقافة المصرية إعادة ترتيب أوراقها، وفرز القوة الحقيقية التي يمكن الاعتماد عليها في محاولة التحرك نحو المستقبل، ومقاومة ما يمكن أن تدبره القوى المتضررة من الثورة من مؤامرات يمكن أن يلعب الإعلام فيها دورا خبيثا ومؤذيا لمجموع الشعب المصري إن هو ترك في يد من لا يعرف سوى سياسة العقول وتمويه الواقع وحجبه. من هنا أحسب أن استعادة معيار الكفاءة سريعا، ومحاسبة القيادات في التليفزيون المصري بتهمة تضليل الرأي العام والإضرار بمصالح المصريين هما أمران ضروريان لصالح تحويل دور الإعلام؛ من إعلام يخفي إلى إعلام يعلم، ومن إعلام يهدف إلى التضليل وتمويه الواقع وسياسة العقول لصالح السلطة، إلى إعلام يسهم في بناء تلك العقول وتنويرها. تلك هي الخطوة الأولى نحو ترسيخ مبادئ إعلامية أكثر شرفا ومهنية، يمكن للتليفزيون المصري عبرها أن يدخل المنافسة مرة أخرى.




#أيمن_بكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإخوان والانتهازية
- أسس دولة مدنية ..الآن وفورا
- مصر حرة
- أهم من إسقاط النظم
- أوطانهم ليست أوطاننا


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أيمن بكر - الإعلام المصري .. بين التضليل وضعف الكفاءة