صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 11:18
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مثلما توقع الكثيرون، فقد مهدت الحكومة للصيف المقبل، بمعاودة مظاهر الاحتراب بين الوزارتين، اللتين يفترض انهما تحركان عصب الحياة في البلد، ونعني بهما وزارتي النفط والكهرباء، إذ اتهمت "الكهرباء"، "النفط"، بعدم تزويدها بالوقود المطلوب لتشغيل محطات التوليد في حين نفت "النفط" ذلك، واتهمت وزارة الكهرباء بالتلكوء في تسلم حصتها المقررة.
وهكذا دخل العراقيون، في حالة انذار قصوى، ستمتد لعدة اشهر من الصبر والمعاناة انتظارا لأمل يغيب في طيات غرف المسؤولين الساخنة شتاء والباردة صيفا، ويبدو ان هذا الامل لن يأتي قبل مرور حقب بأكملها!.
لقد ضرب المسؤولون، عرض الحائط بمطالب العقلاء بتشكيل وزارة واحدة للكهرباء و النفط ، نظرا للوشائج القوية بين اختصاصيهما، اسوة ببني البشر في الدول المحترمة ـ ولن نقول المتحضرة ـ اذ ان كثيرا من الدول ليست متحضرة ولكنها توفر الكهرباء لمواطنيها برغم فقر مواردها وتحترم مواطنيها فهي اذا محترمة.
ان الاتهامات المتبادلة بين الوزارتين في التسبب بحرمان المواطنين من نعمة الكهرباء، تعني ان مطلب توحيد الوزارتين في وزارة واحدة كان منطقيا وواقعيا، اذ ان تلك الاتهامات تعني ان كلا منهما تضع العصي في عجلة الاخرى للاساءة اليها واسقاطها من منطق المحاصصة، ذلك النظام المقيت والمتخلف الذي اوحى لهم ان يوزعوا الوزارات بين ما اسموه بـ (مكونات) الشعب العراقي، ولم يلتفتوا الى اشتراطات المهنية والنزاهة التي تتبعها الدول المتحضرة في اختيار المسؤولين للوزارات و مؤسسات الخدمة العامة، وهكذا أرادوا ان يبقوا على الوزارتين كليهما ليمنحوا (الشيعة) وزارة والـ (السنة ) الوزارة الاخرى، في حين ان السياسيين حاولوا القفز على حقيقة ان جميع البلدان تتكون من قوميات واديان وطوائف واعراق غير انها انصهرت بفعل قوانينها ودساتيرها المتحضرة التي تحتفي بالانسان، ولا تلتفت لتلك المسميات، واضعة القوانين التي ترتقي بحياته وتلبي متطلباته ما يجعل تلك المسميات تنتفي في خضم العمل المثابر النزيه والحريص على مصلحة بني البشر ايا كانوا.
لقد استغل سياسيونا تلك المسميات وجيروها ا لمصلحتهم الشخصية وللكسب السياسي وحيازة الكراسي والاراضي والاموال والامتيازات الخاصة، ولم تتحقق دعاواهم بالدفاع عن طوائفهم واديانهم وقومياتهم، فتعاظمت معاناة العراقيين سنة وشيعة وصابئة ومسيحيين وكورد واشوريين وغيرهم من الاديان والطوائف والاقوام، فلم نكن مثل بقية الدول التي انتفعت من تنوعها بل حاولنا ان نجد مسوغات من الماضي لبقائنا في السلطة، و الاحتفاء بعجزنا وفسادنا وقذارة مدننا، وهكذا يدفع المواطن العراقي ثمن التخلف والتحجر السياسي، ويأبى المسؤولون ان يتعلموا من الدروس التي هي في متناول ايديهم لو ارادوا.
ويبدو اننا مجبرون على الكتابة عن مشكلة الكهرباء مرارا وتكرارا، ما دامت الازمة متواصلة ومادام المسؤولون لدينا ليسوا بصدد انها معاناة المواطن من مشكلة الكهرباء لأغراض في نفوسهم، او بسبب فشلهم وانشغالهم بمطامعهم الشخصية التي لن يشبعوا من حيازتها.
ولإدراك عظم المأساة التي تحيق بنا والكوارث التي تنتظرنا في الطريق لابد من الاشارة الى مقال نشر في صحيفة امريكية قبل خمس سنوات، وبالتحديد في آذار 2007 تحت عنوان (إبقاء العراق في الظلام)، قال فيه كاتبه غلين زوربيت، وبالحرف الواحد إن "وزير النفط حسين الشهرستاني يفضل أن يبيع النفط العراقي للخارج على أن يزود محطات توليد الطاقة الكهربائية بما تحتاجه من وقود الامر الذي حدّ من تزويد المواطنين بالكهرباء"، وهكذا بعد مرور تلك المدة الطويلة من عمر المعاناة، تكرر المأساة نفسها، ويستعد الوطن و المواطن لصيف عراقي مميت يفتقر الى الطاقة التي تلبي حاجة جسم الانسان، نقول مميتا؛ لأنه شهد وفيات حقيقية لكبار السن وللاطفال الرضع؛ لترافق انقطاع الكهرباء في صيف العام الماضي مع العواصف الترابية التي تقف الدولة ايضا عاجزة عن وضع حلول لها، فلايستطيع المواطن، ان يغلق ابواب بيته اتقاء لكتل الغبار بسبب انعدام الكهرباء والتكييف داخل المنازل ما يؤدي الى تحولها الى افران شواء للحم البشري.
لقد توقع خبراء من محافظة الناصرية التي وصل فيها انقطاع التيار الكهربائي هذه الايام، الى اقل من 9ساعات في اليوم ـ وحال المحافظات الاخرى ليس بأحسن ـ ، ان يكون الصيف العراقي المقبل "صيفا بلا كهرباء" ، واصفين خطط مجالس المحافظات بـ "الفاشلة وغير المجدية" ، كما وصفوا حلول الاعتماد على المولدات الأهلية بالخطوة الترقيعية عديمة الجدوى ، كما أنها تسببت بإهدار المال العام من دون أن تعالج شيئاً من المشكلة على حد وصفهم .
وبالتأكيد فان لجوء الحكومة الى معالجة مشكلة الكهرباء في الصيف عن طريق المولدات الاهلية، في محاولة لزيادة مدة التشغيل وخفض سعر الامبير، برغم مرور الشهور والسنوات، يعد عجزا فاضحا، اضافة الى ما يسببه الدخان المتولد عن المولدات من مخاطر صحية كبيرة، لاسيما مع وجود الوقود الرديء المليء بعناصر كيمياوية ضارة الذي يجري استعماله في المولدات ، كما انه اجراء جزئي لن يلبي جميع حاجات الناس الى الطاقة الكهربائية فضلا عما يسببه من ضغط على ميزانية الاسرة.
لم تعد توفير الكهرباء مشكلة صعبة، في هذا الزمن، الذي تطور فيه العلم و التكنولوجيا الى مديات كبيرة، وحتى في الأوقات المبكرة من العصر الحديث فان تجارب الدول أثبتت فاعليتها فيما اذا توفر الاخلاص والحرص المطلوبين، ويشير المؤرخون الى ان الاتحاد السوفييتي السابق استطاع خلال السنوات الاولى من عمر ثورة اكتوبر عام 1917 ان يبني اكبر المنشات والمحطات الكهربائية مع جميع ظروف ذلك الزمان. ومع فقدان الاتحاد السوفيتي للتكنولوجيا معتمدا على الاستثمار البشري، ويشيرون بالخصوص الى "خطة غويلرو" والتي هدفت لإيصال الكهرباء لكل أنحاء الجمهورية السوفيتية كخطوة أساسية لإعادة الهيكلة الاقتصادية. وخرجت الخطة أول مرة للنور عام 1920 ووضع لها جدول زمني للانتهاء منها وجرى توفير الكهرباء بالكامل الى جميع اراضي الاتحاد السوفييتي المترامية مع حلول عام 1928، اذ بدأ بعد ذلك بالخطة الخمسية الاولى، التي حولت الاتحاد السوفييتي الى دولة صناعية وزراعية كبرى.
وفي وقتنا الحالي فان دول افريقية باتت تصدر الكهرباء الى الدول الاخرى باموال قليلة يملك العراق اضعاف اضعافها، وعلى سبيل المثال اوردت الاخبار قبل ايام إن مشروعا لنقل الطاقة تبلغ تكلفته 41 مليون دولار بتمويل من البنك الدولي سيمكن إثيوبيا من تصدير مبدئيا 100 ميجاوات من الكهرباء إلى السودان لتصبح الخرطوم ثاني مستورد للكهرباء الإثيوبية بعد جيبوتي والتي تستورد من إثيوبيا نحو 35 ميجاوات سنويا من الكهرباء مقابل 5ر1 مليون دولار تدفعها جيبوتي شهريا، كما تخطط على المدى الطويل لتصدير الكهرباء إلى جنوب السودان وتنزانيا والصومال واليمن.
فكيف نعجز نحن عن التوصل الى حل مشكلة الكهرباء، في الوقت الذي تتوفر لدينا الاموال الهائلة، ونرتبط بأقوى العلاقات مع الدول الاكثر تطورا في العالم، بما فيها الولايات المتحدة الامريكية؟
ارى، ان هذا الامر يثبت في الواقع بطلان ادعاءات السياسيين بتمثيلهم الشعب، ويشير الى مكامن الخطر الكبير الذي يعتري العملية السياسية في العراق، التي من اولى مهامها تلبية حاجات الناس، والارتقاء بحياتهم وتطوير البلد صناعيا وزراعيا بمده بالوسائل الضرورية لتلبية ذلك، واولها الطاقة الكهربائية، ونتمنى من النواب والمسؤولين الحكوميين، الا يعولوا كثيرا على الأصوات التي نالوها في الانتخابات على ضوء وعودهم الكبيرة التي لم تنفذ، فلربما يتغير الامر غدا، ولربما نشهد صيفا اكثر سخونة وقسوة، واكثر اثارة للاحتجاجات الشعبية.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟