مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 23:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رفيق حسني , كلامك صحيح , لكن
عن شعار كل السلطة للتنسيقيات
كلامك أكيد صحيح رفيق حسني , الحقيقة احتجنا لنقاش طويل قبل أن نصل لفكرة طرح الشعار و أن نقرر البدء بعمل جاد للتعريف به و نشره بين الثوار و بين السوريين عموما , و ما قلته في تعليقك كان في بالنا طوال هذه النقاشات , "يجب أولا هنا أن أعتذر باسم المجموعة الصغيرة من اليساريين التحرريين عن عدم إشراك العديد من الرفاق الذين كان يجب إشراكهم في هذه النقاشات لأسباب أمنية فقط , فقد تبين أن كل وسائل اتصالنا المتبادل على الانترنيت مخترقة و نحن حاليا نستعمل وسائل بدائية للتواصل مؤقتا أو موقع الحوار المتمدن حسب طبيعة الموضوع" , أولا هناك شيء موضوعي في أن الأناركية طريقة تفكير و سلوك أكثر منها دوغما أو عقيدة تعلن إيمانك بها لتصبح أناركيا , فالكثيرون يتصرفون و يفكرون كأناركيين دون أن يعرفوا ما هي الأناركية حتى أو دون أن يسموا أنفسهم أناركيين أو أحيانا قد يرفضوا حتى أن يطلق عليهم الآخرون هذا الاسم , عندما انتفض السوريون فهم فعلوا ذلك لأنهم مهمشون , و لأنهم يفتقدون للحرية و الكرامة و العمل و الأمل بمستقبل أو حياة معقولة , هناك شيء تحرري في هذه الثورة , كما في كل ثورة , إلى جانب شعاراتها , فالناس تطالب بالحرية , بحرية حقيقية لها , و ما يجري بعد ذلك هو أن النخب تقول لهم , حسنا , هذه هي الحرية , أي عندما نحكمكم فأنتم أحرار , أو عندما تختارون من يحكمكم فأنت أحرار , لقد سمح غياب شعارات تحررية حقيقية في الثورة لظهور تفسيرات لفكرة الحرية غريبة عن معنى الحرية نفسه , مثلا قال البعض للثوار و للمضطهدين في سوريا أن سبب غياب الحرية و سبب معاناتهم و اضطهادهم هو أن من يحكمهم هو من طائفة أو قومية أو دين آخر إما بسبب كراهية أهل ذلك المذهب أو القومية أو لأنهم ليسوا على "الدين الصحيح" , و بالتالي فإن التغيير يعني استبدال الديكتاتور الحالي بآخر من طائفة الثوار أو قوميتهم أو دينهم , إن محاولة نشر مثل هذا التعريف المزيف لحرية السوريين لا يستطيع مع ذلك أن يلغي أو أن يقضي على الطبيعة التحررية الحقيقية للثورة السورية , فحتى يسقط النظام سيبقى شعارها الأساسي هو حرية الناس , إضافة إلى هذا يبقى هناك أيضا عامل تحرري قوي جدا في الثورة السورية , هذا العامل التحرري الملموس في الثورة السورية هو التنسيقيات و الذي لا يمكن إلغاءه أبدا على الأقل اليوم , كلامك كله صحيح , التنسيقيات لا تريد بناء الأناركية و لا أن تحكم سوريا بشكل يقوم على الديمقراطية المباشرة للجماهير , عندما حللنا التنسيقيات قدرنا أنها شيء أقرب إلى لجان الإضراب , و التي كانت تاريخيا بذرة جنينية لمؤسسات الديمقراطية المباشرة للجماهير إذا تطورت بهذا الاتجاه بحكم تزايد الوعي و التجربة السياسية عند أفراها و عند الجمهور الذي تمثله خاصة إذا تمكنت من قيادة الجماهير نحو الانتصار , إنها مؤسسات قاعدية طوعية تقوم على لامركزية العمل , صحيح أنها غير منتخبة بس هدا مستحيل طبعا في ظل النظام , و صحيح أنها أيضا لا تدير بشكل فعلي حياة الناس إلا في أماكن محدودة لأن النظام السوري كنظام شمولي يدير كل شيء مباشرة عن طريق أجهزة المخابرات تحديدا , في النظام الشمولي , كالنظام الستاليني , كل شيء و كل مكان , الأكل و الحكي و العمل و الترفيه و حتى الدعارة و السوق السوداء , يدار عن طريق المخابرات , و إذا لم تهزم مخابرات النظام كما في بعض مناطق حمص و إدلب لا يمكن للتنسيقيات أو أية مؤسسات شعبية أخرى أن تلعب أي دور أكثر من تنظيم النضال ضد النظام , صحيح أن النظام الذي سيأتي بعد إسقاط الأسد سيكون في أفضل الأحوال برجوازي ديمقراطي , هذا لسببين , قصور التجربة السياسية للجماهير و بالتالي قصور وعيها بنفسها و مصالحها , و بسبب توازن القوى بين الطبقات و النخب و القوى الإقليمية و الدولية المهيمنة , لكن هذا لا يعني الاقتصار على طرح شعارات برجوازية ديمقراطية على الثوار و على السوريين عموما , ليس فقط لتمييز أنفسنا عن الآخرين الذين يرفعون تلك الشعارات كإعلان دمشق و الإخوان أيضا , بل لتثقيف الناس ليس فقط بما هي الأناركية فهذا هدف ثانوي للدعاية و النضال الأناركيين , بل بإمكانية أن ينظم الناس أنفسهم من دون سلطة قمعية , من دون سلطة أقلية ما , تقوم على الإكراه و القسر , شعار كل السلطة للجماهير , كل السلطة للتنسيقيات , كما نعتقد و نحن لا ندعي امتلاك أو حتى أننا نعلم ما هي الحقيقة المطلقة هنا , هذا الشعار تثقيفي , هكذا ستبدأ الناس تفهم من خلال تجربتها الحالية و اللاحقة كيف تبني تقاليدها التحررية و كيف تبني مؤسسات التسيير الذاتي الخاصة بها , لم يكن الأناركيون القوة المركزية في الثورة الروسية مثلا , صحيح أنهم وجدوا في كل المدن الكبرى و خاصة في المراكز الصناعية , لكن هذا لم يكن العامل الحاسم في الطابع التحرري العميق للثورة الروسية , أي بناء السوفييتات و مجالس العمال و الجنود و لجان المصانع و الأحياء و القرى من قبل الجماهير الروسية , الذي جرى بمبادرة عفوية من هذه الجماهير , الحقيقة أنه ما عدا الثورة الإسبانية , لم يكن هناك في الثورات ذات الطابع التحرري أو حتى الأناركي الواضح , يسار أناركي قوي , و قوة اليسار الأناركي في الحالة الإسبانية كان لها تأثير مزدوج أي ضار في أحد جوانبه , فأخطاء القيادات الأناركية هناك هي التي لعبت دورا , مع القمع الفاشي و الستاليني , في هزيمة الثورة , في حالة كالثورة الهنغارية 1956 كان الأناركيون قد سحقوا عمليا مع بناء النظام الستاليني و قبله بفعل القمع الفاشي , مع ذلك نظم العمال و الفلاحون المجريون أنفسهم بشكل مستقل تماما عن القوى السائدة في مجالس عمالية حقيقية , هذا لا يعني مرة أخرى الاعتقاد بوهم أننا أمام ثورة أناركية أو تحررية , نحن أمام ثورة شعبية ذات أهداف ديمقراطية برجوازية حتى هذه اللحظة , لكن الثورات تغير الناس بسرعة , و تعلمهم بسرعة أيضا , لذلك نرى من الضروري أن نبدأ ببناء تقاليد و ثقافة تحررية بين المضطهدين منذ اليوم , أنا أعتقد مثلا أنه لولا تطور الثورة الروسية نحو إنتاج دولة شمولية ستالينية لكان هدف بناء الأناركية , أي تنظيم المجتمع الروسي على أساس مؤسسات حرة طوعية و قاعدية ممكن جدا , كان احتفاظ السوفييتات بالسلطة يومها و فشل المخطط اللينيني في تهميشها و في إقامة ديكتاتورية الحزب الواحد , و من ثم ديكتاتورية الفرد الواحد مع ستالين , سيعني بناء الأناركية بالفعل و هو الدور المناط بالأناركيين , نحن حفاز لهذا التطور و لسنا , كما قلت بالضبط , سادة جدد و لا ملاك جدد للحقيقة المطلقة , هذا كان صحيحا أيضا في إيران عام 1979 , حيث كانت هناك حركة مجالسية قوية , لذلك أعتقد أن القضية اليوم تتلخص في هزيمة الحملة الإخوانية على الأناركيين و على الحريات , اليوم في مصر أما في سوريا فمن المبكر جدا الحديث عن المستقبل الآن , لمنع قيام دولة شمولية إخوانية تقطع التطور الطبيعي نحو بناء مجتمع حر يدير نفسه بنفسه أي نحو الأناركية , إذا نجحنا في التصدي لمحاولة إقامة هذه الدولة الشمولية الإخوانية , فإن التجربة المتسارعة للثورة , و انهيار إيمان و اعتقاد أقسام أكبر فأكبر من شباب الثورة و من المضطهدين بالشكل الديمقراطي البرجوازي و فشله سواء في إنتاج حرية حقيقية أو حل أزمات الجماهير الفقيرة , سيدفع هؤلاء إما نحو أفكار فاشية دينية أو وطنية أو نحو البلاغة الثورية للتروتسكيين في مصر أو الماويين في تونس أو نحو دعوات الأناركيين لبناء مجتمع حر ذاتي التسيير , إن الهجمة الحالية الإخوانية على الأناركيين و التروتسكيين المصريين و على المؤسسات الحقوقية المصرية لا تبشر بالخير , إن نجاح الإخوان في إقامة دولة شمولية سيكون بالفعل ردة هائلة إلى الوراء , إن الدولة الشمولية هي شكل شيطاني من الاستبداد أو الاستعباد , يحكم على أجيال بالعبودية , يكفي أن نذكر التكلفة الباهظة جدا لهزيمة الفاشية و النازية , و حقيقة أن انهيار الستالينية النهائي تطلب 35 عاما بعد موت الطاغية و مع ذلك بقيت بعد ذلك البيروقراطية هي الطبقة الحاكمة و المسيطرة في روسيا و معظم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق حتى اليوم , أما المساكين الكوريون الشماليون فلا أحد يعرف متى سيرتاحون من النظام الستاليني الكاريكاتوري هناك , و هذا أيضا صحيح في إيران اليوم و الشموليات الخليجية , مرة أخرى هذا لا يعني أن الديمقراطية البرجوازية هي الحل , على العكس تماما , ليس فقط لأنها نظام مأزوم و خاصة في بلادنا في ظروف التبعية للنظام الرأسمالي العالمي و أنها بالتالي قد تستدعي في أية لحظة ديكتاتورية عسكرية أو غيرها للحفاظ على هيمنة البرجوازية المهددة , بل لأنها في أحسن الأحوال لا تقدم شيئا أكثر من "تحسينات" شكلية تستبدل أساليب القمع و الاستعباد الجسدي بالإخضاع بالتجويع و أساليب الاغتراب و التشيؤ الروحي المختلفة , إذا كان الحديث يدور عن حرية الجماهير فهناك شكل واحد يقوم على ديمقراطيتها المباشرة , أثبتت الأيام أن كل شيء آخر هو زيف فقط , أخيرا لا تنسى رفيق حسني أن العالم اليوم يشهد موجة ثورية تحت شعارات و بأساليب تحررية أناركية خالصة صريحة , مما يعني أن انتشار الأفكار و الأشكال الأناركية للمقاومة و لإعادة بناء العالم سيجري بسرعة أكبر مما في أوقات الركود , هذه هي أسبابنا لنطرح اليوم هذا الشعار على الثوار و على السوريين , مع كل التحية لك و للرفيق فؤاد و لكل المؤمنين بالحرية و العدالة و المساواة للإنسانية
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟