مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3553 - 2011 / 11 / 21 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- أولا أعتذر بشدة لتأخر ردي على تعليقاتكم و هواجسكم بسبب ظروفي الخاصة
- الحقيقة أن انعدام الوضوح هو صفة ملازمة لأية ثورة , إن لم يكن لأي تغيير , لكن هذا لا يمكن أن يعتبر عائقا أمام التغيير نفسه , خاصة إذا كان بإلحاحية و حجم التغيير المطلوب عربيا و سوريا , صحيح أنه يمكن أن يحل شكل جديد من الاستبداد و الاستغلال محل الشكل القائم , لكن هذا يشكل سببا و دافعا للنضال مع الجماهير ضد مثل هذا الاحتمال , و ليس للاستسلام لأنظمة الاستبداد و الاستغلال القائمة أو القادمة
- أيضا لا يمكن لتخويف النظام السوري , و أي نظام آخر على وشك السقوط , من بدائل شمولية محتملة له أن يعتبر أيضا سببا لاعتبار الخضوع و الاستسلام للقهر و الظلم و القمع الذي يمارسه و يجسده النظام القائم و لرفض الانخراط في عملية التغيير التي يقودها الشارع , واضح أن الشارع الثائر لا يلقي بالا لمثل هذا التخويف المنهجي لأنظمة الاستبداد من العيش بحرية أو من دونها … هل كان سيكون هناك أي معنى لمطالبة الفلاحين و فقراء المدن الفرنسيين في 1789 بالاستسلام لاستبداد لويس السادس عشر بتخويفه من ديكتاتورية بونابرت القادمة , أو مطالبة الجماهير الإيرانية بالاستسلام لسافاك الشاه بتخويفه من الحرس الثوري و باسيج ديكتاتورية الخميني القادمة ,
- لا أدري إن كان بمقدوركم تصديق هذا أم لا , لكني شخصيا لا أعتقد أن أي نظام سيأتي بعد نظام الأسد سيكون أسوأ منه ,
- ذكرنا البعض بالنقد القاسي الذي مارسه التحرريون السوريون تجاه اليسار السلطوي اللبناني الذي أيد دون تحفظ القيادات الإسلامية التقليدية و القوى السياسية التي تعبر عن الإقطاع السياسي لدى الطوائف الإسلامية أو غير المارونية في الحرب الأهلية و الذي طمس معالم خيار اليسار و الأهم معالم خيار الجماهير المستقل عن النخب الطائفية و الاجتماعية السائدة , لكننا اليوم لا نقف إلى جانب القوى الإسلامية في المعارضة السورية و لا إلى جانب المعارضة نفسها , إننا نقف إلى جانب خيار الجماهير و ننبهها باستمرار إلى أن هذا الخيار ليس فقط مستقل و نقيض لخيار استمرار النظام السوري القائم بل أيضا لخيارات القوى الشمولية في المعارضة نفسها إن لم يكن للمعارضة بأسرها , إننا نميز هنا بين قوى الإسلام السياسي و بين الجماهير المؤمنة أو حتى المتدينة من المضطهدين التي تشارك في صنع الثورات الحالية , نحن لا نتزلف لهذه الجماهير , لا نؤلهها , و أيضا لا نرغب بممارسة دور المعلم أو الملقن و الموجه معها , إننا باختصار معها في نضالها , ننتقد الظواهر السلبية في هذا النضال , نقدر شجاعتها و إصرارها على انتزاع حريتها , و نحاول أن نشرح مفهومنا التحرري عن هذه الحرية , على كل الصعد الاجتماعية و السياسية و الفكرية و العقيدية , يخطآ من يعتقد أن الجماهير التي منحت النهضة في تونس بعد الثورة مثلا الغالبية في المجلس التأسيسي تنتظر استبدال مدائح الطاغية الهارب بمدائح نبوية أو للصحابة أو الأئمة , تنتظر الجماهير حرية حقيقية و ان تحصل على عمل و مستقبل جدير بتضحياتها , هل سيكون الإسلام السياسي قادرا على ذلك بكل إرثه المثقل بالاستبداد و تبريره و تبرير الاستغلال , و بمؤسساته الهرمية و إيديولوجيته الإقصائية التي كرست و تكرس الاستبداد و الظلم و القهر الاجتماعي فكريا , أعتقد أن الجماهير التونسية و العربية عموما ستحتفظ بكمون ثوري عالي لفترة طويلة , كما أعتقد أن ألاعيب الساسة و ألاعيب السياسة النخبوية الفوقية بين من فازوا و سيفوزون في الجولة الأولى من الانتخابات في تونس و مصر ستكشف عن مرحلة جديدة من الأزمة في النظام و الثقافة السياسية السائدين , بين تلك الألاعيب التي تقوم على المحاصصات و المساومات التي تقوم على المصالح الأنانية الضيقة للساسة و أحزابهم و تكريس علاقات الإنتاج و الملكية القائمة على استغلال قلة للغالبية العظمى "كما صرح بذلك الغنوشي صراحة" و أيضا تكريس علاقات التبعية تجاه مراكز الميتروبول الرأسمالية التقليدية , و بين أحلام و رغبات الجماهير المنتفضة في حرية و عدالة حقيقيتين و في وضع حد للاستغلال و الظلم الاجتماعي , هذه المرحلة القادمة من أزمة النظام السياسي و الاجتماعي السائد هي التي ستطرح على الجماهير تطوير ثوراتها باتجاه تحرري فعلا و تجاوز أشكال السلطة النخبوية التي تنتجها "صناديق الانتخابات" و ستطرح على النخب الحاكمة الجديدة إعادة إنتاج أدوات و أساليب القمع القديمة و خلق أدوات و أساليب أخرى جديدة لاحتواء تطلعات الجماهير هذه و إعادة لاستقرار للنظام السياسي و الاجتماعي القائم بقمع و سحق الموجة الثورية , باختصار , أعتقد أنه كان في أية ثورة و هذا أيضا يوجد في الثورة السورية , خيار آخر إلى جانب خيارات القوى السلطوية المتنافسة التي تعبر عن الطبقات الاجتماعية المستغلة المهيمنة أو التي تنافسها على الهيمنة , هذا هو خيار المضطهدين , خيار الجماهير المهمشة و المستغلة و المستلبة , هذا هو خيارنا ,
- هناك الآن فرز واضح و شبه نهائي في صفوف اليسار العربي , هناك من ينوح على أطلال الأنظمة الشمولية التي تتهاوى تحت أقدام الشعوب , و من يرثي الطغاة الذين يتساقطون و سينضم إليهم قريبا ما تبقى من القوميين العرب الذين يتقمصون هذه الأيام وضعية ستالينيي الثمانينات و التسعينيات الذين لم يجدوا بعد سقوط الأنظمة الستالينية في شرق أوربا إلا البكاء على الأطلال و التشفي بالحركة الشعبية التي أسقطت تلك الأنظمة فقط لتقع تحت سيطرة نخب جديدة قديمة جاء بعضها من البيروقراطية الحاكمة سابقا و التي مارست و تمارس هي أيضا التهميش تجاه الناس و تستغلهم بشكل قد يكون أكثر لطافة لكنه بكل تأكيد ليس أقل همجية من أنظمة رأسمالية الدولة البيروقراطية الستالينية , و هناك بالمقابل من يدعم الموجة الثورية الحالية بدرجات مختلفة , أعتقد أنه إذا كان من الممكن التعايش بين هذه القوى تحت شعارات تجمع الفهم الستاليني للبديل الطليعي أو النخبوي و بين الفهم التحرري للبديل الجماهيري الديمقراطي "القائم على الديمقراطية المباشرة البروليتارية حقا" فإن هذا يصبح أكثر استحالة اليوم , هذا نشاهده بكل وضوح سوريا , في طرف مجموعتي فيصل أو النور و بكداش "المتحالفين" مع النظام و معهما تيار قاسيون "المعارض" على طريقة المنحبكجيين , و من جهة قوى يسارية صغيرة مختلفة تعلن التصاقها مباشرة بالانتفاضة و في الوسط بينهما يوجد تجمع اليسار الماركسي و حلفاؤه في هيئة التنسيق ,
- يعني ما يقوله أتباع النظام و من يسير على نصيحتهم من "اليساريين" العرب , القول للجماهير السورية – أنتم غير ناضجين بعد لكي نحكمكم , لستم "علمانيين" و "تقدميين" بما فيه الكفاية لنحكمكم , أو بالنسبة للأقل ستالينية , أنتم غير ناضجين بعد لتحكموا أنفسكم , ابقوا خاضعين للديكتاتورية و سنحاول أن نقنع الديكتاتور بضرورة أن يغير شيئا ما في طريقة استعبادكم و استغلالكم , أنتم غير ناضجين بعد لأي درجة من الحرية , و عليكم لذلك أن تبقوا عبيدا حتى ذلك اليوم المشهود
- من قال أن الجماهير غير ناضجة , عمال بتروغراد و روسيا و فلاحو أوكرانيا الذين كانوا قبل شباط فبراير لا "يفقهون" في السياسة "طبعا بشكلها السلطوي و النخبوي" و ربما في أي شيء آخر إلا القليل جدا بسبب الأمية و التجهيل كانوا هم من أسقطوا واحدة من أشرس و أقدم الملكيات على الأرض و شكلوا مؤسسات السوفييتات و لجان المصانع و القرى و الأحياء ليديروا حياتهم من دون وصاية من اية نخبة , ربما كان للعمال و الفلاحين الإسبان في عام 1936 تجربة مجالس العمال في روسيا و ألمانيا و إيطاليا , لكن العمال و الفلاحون و الجنود الروس أنفسهم تصرفوا في عامي 1905 و 1917 بمبادرتهم الذاتية فقط , من هو غير ناضج اليوم لمثل هذه الحرية الحقيقية للجماهير هو اليسار السلطوي و الستاليني بالتحديد , إننا نرفض الموقف اللينيني النفعي أو حتى الانتهازي من شعار كل السلطة للسوفييتات الذي كان يفترض أن يعني كل السلطة للجماهير , لكن لينين و القيادة البلشفية أيدت هذا الشعار فقط عندما كان يعني هيمنة القيادة البلشفية نفسها و حرمان الجماهير من أي سلطة فعلية , بالمناسبة فإن بعض اليساريين التحرريين السوريين اقترح شعار كل السلطة للجماهير , كل السلطة للتنسيقيات , لكن بالنسبة لنا تعني سلطة المجالس الشعبية و العمالية , تعني شيئا واحدا فقط – كل السلطة للجماهير , فقط لا غير
- لا يمكن في الثورات أن تشترط على القوى العفوية و الواعية , الموضوعية و الذاتية التي تتحرك بفعل دينامية خاصة معقدة , من فعل عوامل الثورة و التغيير و الردة و الرجعية و الحفاظ على الأمر الواقع , المهم جدا إلى جانب محاولة فهم هذه الدينامية و هي عملية بطيئة خوض غمارها بكل قوة مع أكثر القوى الجماهيرية إصرارا و وعيا و ثورية في مواجهة الواقع القائم و قواه
- لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالمستقبل أو حتى أن يوصف اللحظة الحالية في التاريخ كما كانت الرواية الرسمية في اليسار العربي و العالمي تردد عن "قديسيها" أو "أنبيائها" , أين نحن الآن , في عام 1848 أوروبيا , أم 1905 أو 1917 روسيا , أم 1979 إيرانيا , أم 1989 في شرق أوروبا , من يملك الجواب هو الغد فقط , لكن الأكيد أن تطور الإنسان باتجاه تحقيق أحلامه في الحرية و العدالة و المساواة لم يبدأ بتخيل عبقري ما يعيش في برج عاجي لمخطط مستقبلي ما , لقد بدأ كل شيء بثورة , هذا ما تفعله الجماهير اليوم و هذا ما علينا أن نخوضه معها بكل حماسة و قوة حتى ذلك الغد القادم
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟